فصل: قال الكَرْماني:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الكَرْماني:

سورة النحل:
258- قوله فيها في موضعين {إن في ذلك لآيات} 12، 79 بالجمع وفي خمس مواضع {إن في ذلك لآية} على الوحدة أما الجمع فلموافقة قوله: {مسخرات} في الآيتين لتقع الموافقة في اللفظ والمعنى وأما التوحيد فلتوحيد المدلول عليه ومن الخمس قوله: {إن في ذلك لآية لقوم يذكرون} 13 وليس له نظير وخص الذكر لاتصاله بقوله: {وما ذرأ لكم في الأرض مختلفا ألوانه} 13 فإن اختلاف ألوان الشيء وتغير أحواله يدل على صانع حكيم فما يشبهه شيء فمن تأمل فيها تذكر.
ومن الخمس {إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون} 11 69 في موضعين وليس لهما نظير وخصتا بالتفكر لأن الأولى متصلة بقوله: {ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات} 11 وأكثرها للأكل وبه قوام البدن فيستدعى تفكرا وتأملا ليعرف به المنعم عليه فيشكر والثانية متصلة بذكر النحل وفيها أعجوبة من انقيادها لأميرها واتخاذها البيوت على أشكال يعجز عنها الحاذق ثم تتبعها الزهر والطل من الأشجار ثم خروج ذلك من بطونها لعابا هو شفاء فاقتضى ذلك ذكرا بليغا فختم الآية بالتفكير.
259- قوله: {وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا} 14 ما في هذه السورة جاء على القياس فإن الفلك المفعول الأول لترى ومواخر المفعول الثاني وفيه ظروف وحقه التأخر والواو في ولتبتغوا للعطف على لام العلة في قوله: {لتأكلوا منه} 14 وأما في الملائكة فقدم فيه 12 موافقة لما قبله وهو قوله: {ومن كل تأكلون لحما طريا} 12 فوافق تقديم الجار والمجرور على الفعل والفاعل ولم يزد الواو على لتبتغوا لأن اللام في لتبتغوا هنا لام العلة وليس بعطف على شيء قبله ثم إن قوله: {وترى الفلك مواخر فيه} في هذه السورة و{فيه مواخر} في فاطر اعتراض في السورتين يجري مجرى المثل ولهذا وحد الخطاب فيه وهو قوله وترى وقبله وبعده جمع وهو قوله: {لتأكلوا} {وتستخرجوا} {ولتبتغوا} 14 وفي الملائكة {تأكلون} {تستخرجون} 12 ومثله في القرآن كثير {كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا} 57: 20 وكذلك {تراهم ركعا سجدا} 48: 29 {وترى الملائكة حافين من حول العرش} 39: 75 وأمثاله أي لو حصرت أيها المخاطب لرأيته بهذه الصفة كما تقول أيها الرجل وكلكم ذلك الرجل فتأمل فإن فيه دقيقة.
260- قوله: {وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين} 24 وبعده {وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا} 30 إنما رفع الأول لأنهم أنكروا إنزال القرآن فعدلوا عن الجواب فقالوا أساطير الأولين والثاني من كلام المتقين وهم مقرون بالوحى والإنزال فقالوا خيرا أي أنزل خيرا فيكون الجواب مطابقا.
و{خيرا} نصب بأنزل وإن شئت جعلت خيرا مفعول القول أي قالوا خيرا ولم يقولوا شرا كما قالت الكفار وإن شئت جعلت خيرا صفة مصدر محذوف أي قالوا قولا خيرا وقد ذكرت مثله ما زاد في موضعها.
261- قوله: {فلبئس مثوى المتكبرين} 29 ليس له في القرآن نظير الفاء للعطف على فاء التعقيب في قوله: {فادخلوا أبواب جهنم} 29 واللام للتأكيد يجري مجرى القسم موافقة لقوله: {ولنعم دار المتقين} 30 وليس له نظير وبينهما ولدار الآخرة خير 30.
262- قوله: {فأصابهم سيئات ما عملوا} 34 هنا وفي الجاثية 33 وفي غيرهما: {ما كسبوا} 39 51 لأن العمل أعم من الكسب ولهذا قال: {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره} 99: 7- 8 وخصت هذه السورة لموافقة ما قبله وهو قوله: {ما كنا نعمل من سوء بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون} 26 ولموافقة ما بعده وهو قوله: {وتوفى كل نفس ما عملت} 111 وفي الزمر 70 وليس لها نظير.
263- قوله: {لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء} 35 قد سبق.
264- قوله: {ولله يسجد ما في السموات} 49 قد سبق.
265- قوله: {ولله يسجد من في السموات} قد سبق أيضا.
266- قوله: {ليكفروا بما آتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون} 55 ومثله في الروم 34 وفي العنكبوت: {وليتمتعوا فسوف يعلمون} 66 باللام والياء أما التاء في السورتين فبإضمار القول أي قل لهم تمتعوا كما في قوله: {قل تمتعوا فإن مصيركم إلى النار} 14 3 وكذلك: {قل تمتع بكفرك قليلا} 30 8 وخصت هذه بالخطاب لقوله: {إذا فريق منكم} 54 وألحق ما في الروم به وأما في العنكبوت فعلى القياس عطف على اللام قبله وهي للغائب.
267- قوله: {ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة} 61 وفي الملائكة: {بما كسبوا ما ترك على ظهرها} 45 الهاء في هذه السورة كناية عن الأرض ولم يتقدم ذكرها والعرب تجوز ذلك في كلمات منها الأرض تقول فلان أفضل من عليها ومنها السماء تقول فلان أكرم من تحتها ومنها الغداء تقول إنها اليوم لباردة ومنها الأصابع تقول والذي شقهن خمسا من واحدة يعني الأصابع من اليد وإنما جوزوا ذلك لحصولها بين يدي كل متكلم وسامع ولما كان كناية عن غير مذكور ولم يزد معه الظهر لئلا يلتبس بالدابة لأن الظهر أكثر ما يستعمل في الدابة قال عليه الصلاة والسلام: «إن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى» وأما في الملائكة فقد تقدم ذكر الأرض في قوله: {أولم يسيروا في الأرض} 44 وبعدها ولا في الأرض 44 فكان كناية عن مذكور سابق فذكر الظهر حيث لا يلتبس.
قال الخطيب: لما قال في النحل: {بظلمهم} 61 لم يقل على ظهرها احترازا عن الجمع بين الظاءين لأنها تقل في الكلام وليست لأمة من الأمم سوى العرب، قال ولم يجئ في هذه السورة إلا في سبعة أحرف نحو الظلم والنظر والظل وظل وجهه والظهر والعظم والوعظ فلم يجمع بينهما في جملتين معقودتين عقد كلام واحد وهو لو وجوا به.
267- م قوله: {فأحيا به الأرض بعد موتها} 65 وفي العنكبوت: {من بعد موتها} 63 وكذلك حذف من قوله: {لكيلا يعلم ما بعد علم شيئا} 70 وفي الحج: {من بعد علم شيئا} 5 لأنه أجمل الكلام في هذه السورة وفصل في الحج فقال: {فإنا خلقناكم من تراث ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة} إلى قوله: {ومنكم من يتوفى} 5 فاقتضى الإجمال الحذف والتفصيل الإثبات فجاء في كل سورة بما اقتضاه الحال.
268- قوله: {نسقيكم مما في بطونه} 66 وفي المؤمنين: {في بطونها } 21 لأن الضمير في هذه السورة يعود إلى البعض وهو الإناث لأن اللبن لا يكون للكل فصار تقدير الآية وإن لكم في بعض الأنعام بخلاف ما في المؤمنين فإنه عطف عليه ما يعود على الكل ولا يقتصر على البعض وهو قوله: {ولكم فيها منافع كثيرة ومنها تأكلون وعليها} 21 22 ثم يحتمل أن يكون المراد البعض فأنث حملا على الأنعام وما قيل من أن الأنعام هاهنا بمعنى النعم لأن الألف واللام تلحق الآحاد بالجمع وفي إلحاق الجمع بالآحاد حسن لكن الكلام وقع في التخصيص والوجه ما ذكرت والله أعلم.
269- قوله: {وبنعمة الله هم يكفرون} 72 وفي العنكبوت: {يكفرون} 67 بغير هم لأن في هذه السورة اتصل {والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات} 72 ثم عاد إلى الغيبة فقال: {أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله هم يكفرون} 72 فلابد من تقييده بهم لئلا تلتبس الغيبة بالخطاب والتاء بالباء وما في العنكبوت اتصل بآيات استمرت على الغيبة فيها كلها فلم يحتج إلى تقييده بالضمير.
270- قوله: {ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم} 120 كرر إن وكذلك في الآية الأخرى ثم إن ربك لأن الكلام لما طال بصلته أعاد إن واسمها وثم وذكر الخبر ومثله: {أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون} 23: 35 أعاد أن واسمها لما طال الكلام.
271- قوله: {ولا تك في ضيق مما} 127 وفي النمل: {ولا تكن} 70 بإثبات النون هذه الكلمة كثر دورها في الكلام فحذف النون منها تخفيفا من غير قياس بل تشبيها بحروف العلة ويأتي ذلك في القرآن في بضع عشرة موضعا تسعة منها بالتاء وثمانية بالياء وموضعان بالنون وموضع بالهمزة وخصت هذه السورة بالحذف دون النمل موافقة لما قبلها وهو قوله: {ولم يك من المشركين} 120
والثاني إن هذه الآية نزلت تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم حين قتل عمه حمزة ومثل به فقال عليه الصلاة والسلام لأفعلن بهم ولأصنعن فأنزل الله تعالى: {ولئن صبرتم لهو خير للصابرين واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون} 126 127
فبالغ في الحذف ليكون ذلك مبالغة في التسلي وجاء في النمل على القياس ولأن الحزن هنا دون الحزن هناك. اهـ.

.فصل في معاني السورة كاملة:

.قال المراغي:

سورة النحل: {أتى أمر اللّه} أي قرب ودنا، ويقال في مجرى العادة لما يجب وقوعه قد أتى وقد وقع، فيقال لمن طلب مساعدة حان مجيئها، جاءك الغوث، وأمر اللّه عذابه للكافرين، والروح: الوحى وهو قائم في الدين مقام الروح من الجسد، فهو محيى القلوب التي أماتها الجهل، {من أمره} أي بأمره ومن أجله، {أنذروا} أي خوّفوا، {فاتقون} أي خافوا عقابى، لمخالفة أمرى وعبادة غيرى.
أصل النطفة: الماء الصافي ويراد بها هنا مادة التلقيح، والخصيم: بمعنى المخاصم كالخليط بمعنى المخالط، والعشير: بمعنى المعاشر والمراد به المنطيق المجادل عن نفسه، المنازع للخصوم، والمبين: المظهر للحجة، والدفء: ما يستدفأ به من الأكسية، والمنافع: هي درّها وركوبها والحرث بها وحملها للماء ونحو ذلك، {جمال} أي زينة في أعين الناس وعظمة لديهم، تريحون: أي تردونها بالعشي من المرعى إلى مراحها يقال أراح الماشية إذا ردها إلى المراح، تسرحون: أي تخرجونها غدوة من حظائرها ومبيتها إلى مسارحها ومراعيها، والأثقال: واحدها ثقل وهو متاع المسافر، وشق الأنفس: مشقتها وتعبها، القصد: الاستقامة، يقال سبيل قصد وقاصد إذا أدّاك إلى مطلوبك، وجائر: أي مائل عن المحجة، منحرف عن الحق، وتسيمون: أي ترعون يقال أسام الماشية وسوّمها جعلها ترعى، وذرأ: خلق، ألوانه: أي أصنافه، مواخر واحدها ماخرة: أي جارية من مخر الماء الأرض أي شقها، والميد: الحركة والاضطراب يمينا وشمالا، وعلامات: أي معالم يستدلّ بها السابلة من نحو جبل ومنهل ورائحة تراب.
المراد بمن يخلق: اللّه سبحانه وتعالى، ومن لا يخلق: الملائكة وعيسى والأصنام، وما يشعرون: أي لا يعلمون، وأيان: كمتى كلمتان تدلان على الزمن، لا جرم: أي حقا.
الأساطير: واحدها أسطورة كأرجوحة وأراجيح، وهى الترّهات والأباطيل، والأوزار: الآثام واحدها وزر.
{ساء ما يزرون} أي بئس شيئا يحملونه، والمكر: صرف غيرك مما يريده بحيلة، ويراد به هنا مباشرة الأسباب وترتيب المقدمات، فأتى اللّه بنيانهم من القواعد: أي أهلكه وأفناه كما يقال أتى عليه الدهر.
والقواعد: الدعائم والعمد: واحدها قاعدة، خرّ: سقط، {يخزيهم} يذلهم ويهينهم.
وتشاقون: أي تخاصمون وتنازعون الأنبياء وأتباعهم في شأنهم، وأصله أن كلا من المتخاصمين في شقّ وجانب غير شق الآخر، والذين أوتوا العلم: هم الأنبياء، والسلم: الاستسلام والخضوع، بلى بمعنى نعم، والمثوى: مكان الثواء والإقامة.
{ينظرون} ينتظرون، وأمر ربك: هو الهلاك وعذاب الاستئصال، وحاق بهم أي أحاط بهم، وخص استعمالا بإحاطة الشر.
{الطاغوت} كل معبود دون اللّه، من شيطان وكاهن وصنم وكل من دعا إلى ضلال، ويقع على الواحد كقوله: {يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ} وعلى الجمع كقوله: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ} حقت: وجبت وثبتت بالقضاء السابق في الأزل، لإصراره على الكفر والعناد.
الجهد، بفتح الجيم: المشقة: وبضمها. الطاقة، وجهد أيمانهم: أي غاية اجتهادهم فيها، وبلى: كلمة جواب كنعم لكنها لا تقع إلا بعد النفي فتثبت ما بعده، وعدا عليه حقا: أي وعد ذلك وعدا عليه حقا، أي ثابتا متحققا لا شك فيه.
{أهل الذكر} أهل الكتاب كما قال: {وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ} أي التوراة، والبينة: هي المعجزات الدالة على صدق الرسول.
والزبر: واحدها زبور، وهى كتب الشرائع والتكاليف التي يبلغها الرسل إلى العباد، والذكر: القرآن، لتبين للناس: أي لتوضح لهم ما خفى عليهم من أسرار التشريع، والمكر: السعى بالفساد خفية، والسيئات: أي الأعمال التي تسوءهم عاقبتها، يخسف بهم الأرض: أي يزيلها من الوجود وهم على سطحها، في تقلبهم: أي في أسفارهم وسيرهم في البلاد البعيدة للسعى في أرزاقهم كما قال: {لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ} بمعجزين: أي بفائتين اللّه تعالى بالهرب والفرار، والتخوف: التنقص من قولهم تخوّفت الشيء وتخيفّته إذا تنقصته، والمراد أنه ينقص أموالهم وأنفسهم قليلا قليلا حتى يأتى عليها الفناء جميعا، ويتفيأ: من الفيء يقال فاء الظل يفىء فيئا إذا رجع وعاد بعد ما أزاله ضياء الشمس، والظلال: واحدها ظل وهو ما يكون أول النهار قبل أن تناله الشمس، قال رؤبة: كل ما كانت عليه الشمس فزالت عنه فهو فىء، وما لم يكن عليه الشمس فهو ظل، واليمين والشمائل: جانبا الشيء الكثيف من الجبال والأشجار وغيرها، والسجود: الانقياد والخضوع من قولهم سجدت النخلة إذا مالت لكثرة الحمل، ومنه قوله: واسجد لقرد السوء في زمانه أي اخضع له، داخرون: أي صاغرون منقادون واحدهم داخر وهو الذي يفعل ما تأمره به شاء أو أبى، يخافون ربهم: أي يخافون عقابه، من فوقهم: أي بالقهر والغلبة كما قال: {وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ}.