فصل: مطلب التوفيق بين الآيات والحديث بسبب الأعمال وفي آيات الصفات:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.مطلب التوفيق بين الآيات والحديث بسبب الأعمال وفي آيات الصفات:

وهذه الآيات لا تتنافى مع قوله صلّى اللّه عليه وسلم: «لن يدخل أحدكم الجنة بعمله، قالوا ولا أنت يا رسول اللّه؟ قال ولا أنا إلا أن يتغمدني اللّه بفضله ورحمته» لأن معنى الآيات أن دخول الجنة بسبب الأعمال، أما التوفيق للإخلاص فيها وقبولها فيكون برحمة اللّه وفضله ليس إلا، وعليه فيصح أن يقال لم ندخل الجنة بمجرد العمل، وهذا هو مراده صلّى اللّه عليه وسلم وهو على حد قول العبد لسيده تفضلتم علي يا سيدي بما لم أكن أهله، فيقول له السيد بل بحسن خدمتك وأدبك.
ويصح أن يقال تدخل الجنة بسبب الأعمال برحمة اللّه وفضله ومنّه، لا بالوجوب كما قال بعضهم، لأن اللّه لا يجب عليه شيء لأن الكون وما فيه ملكه وتحت سلطانه وله أن يفعل فيه ما يشاء، فلو عذب الطائع وأناب العاصي أيعارضه أحد؟ كلا لا يسأل عما يفعل، قال صاحب الزبد في عدم جواز نسبة الظلم إليه تعالى:
وله أن يؤلم الأطفالا ** ووصفه بالظالم استحالا

لأن الظلم تصرف في حق الغير فيما لا يحل، واللّه جل شأنه متصرف في ملكه لأن الكل تحت قبضته، فلو أن أحدا هدم داره أو أحرق متاعه هل لأحد معارضته وهل عليه عقاب ما؟ كلا البتة، فإذا كنا نحن العبيد لنا التصرف المطلق فيما ملكناه اللّه لأن ملكنا له مجاز، فكيف يعترض أحد على المالك الحقيقي إذا تصرف في ملكه.
راجع الآية 28 من سورة الأعراف في ج 1 والآية 73 من سورة الزخرف المارة ولهذا البحث صلة في الآية 19 من سورة الطور والآية 24 من سورة الحاقة الآتيتين فراجعه تجد ما يسرك إن شاء اللّه. {هلْ يَنْظُرُونَ} هؤلاء الجاحدون نبوتك يا سيد الرسل المنكرون وحينا إليكِ {إلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ} بقبض أرواحهمَ {أو يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ} بعذابهم الدنيوي، وهذه الآية من آيات الصفات التي أشرنا إليها غير مرة بأن مذهب السلف الصالح إبقاؤها على ظاهرها ومذهب الخلف وبعض المتكلمين، على تأويلها بما يناسبها، راجع الآية 67 من سورة الزمر المارة وما ترشدك إليه {كذلِكَ} مثل فعل هؤلاء {فعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} من الكفر والتكذيبَ {وما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ} بتعذيبهم من أجله {ولكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} بما عملوا من الخبائث {فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا} في دنياهم {وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ} 34 على الرسل وما جاءوهم به من عندنا جزاء كسبهم هذا بما لا تطيقه أجسامهم {وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاء اللَّهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آباؤنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ} وهذا القول منهم على سبيل السخرية والاستهزاء، ولو قالوه اعتقادا جازما لأصابوا المرمى، ويؤذن قولهم أن لا فائدة من بعثة الرسل، لأن المشيئة اللّه، لو أراد لم يحرم شيئا ولم نعبد شيئا، وهذا أيضا اعتراض منهم على اللّه جار مجرى العلة في أحكام اللّه تعالى، وهو باطل لأنه لا يجوز أن يقال لم فعل اللّه كذا، ولم لم يفعل كذا، لأن أفعال اللّه لا تقلل، وكان في حكمة اللّه تعالى وسنته إرسال الرسل ليأمروا عباده بعبادته، وينهوهم عن الإشراك به والتعدي على الغير، وإن الهداية والإضلال أمرهما في الحقيقة إليه، وهذه سنته في عباده يهدي من يشاء ويضل من يشاء لا اعتراض عليه.
ولما كانت سنته بإرسال الرسل إلى الكافرين قديمة لا محدثة ولا طارئة ولم يبتدعها ببعثة محمد صلّى اللّه عليه وسلم فيهم كان قولهم {لو شاء اللّه} إلخ جهلا، لاعتقادهم أن كون الأمر كذلك يمنع من جواز بعثتهم وهو أيضا اعتقاد باطل.
قال تعالى: {كَذلِكَ} مثل فعلهم هذا {فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} إذ كذبوا الرسل وأحلوا ما حرم اللّه وحرموا ما أحله {فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ} هذا استفهام تقريري، أي ليس عليهم إلا التبليغ القولي وليس عليهم قسرهم على الإيمان وجبرهم على الهداية وإجبارهم على الرشد، راجع الآية 149 من سورة الأنعام المارة {وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا} كما بعثناك في أهل مكة وأمرنا كلا من الرسل أن يقولوا لقومهم {أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} مبالغة في الطغيان والطاغية ويطلق على كل من عبد من دون اللّه حاشا الملائكة وعزيز وعيسى وعلي عليهم السلام وغيرهم من الصالحين لعدم علمهم ورضاهم {فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ} فتاب وأناب واتبع طريقهم الموصل إليه ففاز برضائه {وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ} فلم ينتفعوا بهدى رسولهم لسابق ثقائهم في علم اللّه وإرادته إضلالهم لسوء طويتهم فهلكوا وخابوا وخسروا الدنيا والآخرة، وهذه الآية كافية للدلالة على أن اللّه تعالى هو الهادي والمضل دون اعتراض، إذ لا يقع في ملكه إلا ما يريد {فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا} أيها الناس {كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} 36 حيث بقيت مساكنهم خاوية بسبب العذاب الذي حل بهم، وفيها تنبيه على أنكم يا أهل مكة إذا أصررتم على الكفر يكون مصيركم مثلهم، قال تعالى: {إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ} يا سيد الرسل وتجتهد كل الاجتهاد لا يغير ما هو مدون في أزلنا أبدا {فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ} أبدا ولو أطبق الخلق على إضلال من هداه لن يقدروا أيضا {وَما لَهُمْ} الضالين {مِنْ ناصِرِينَ} 37 يمنعونهم من عذاب اللّه المقدر لهم ولا يقدر أحد أن يهديهم أيضا، {وَأَقْسَمُوا} هؤلاء الكفرة الضالون {بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ} قال ابن الجوزي أتى رجل مسلم يتقاضى دينه من كافر، فقال فيما قال والذي أرجوه بعد الموت، فقال الكافر أترجو وتزعم هذا واللّه لا يبعث من يموت.
فنزلت هذه الآية ردا عليه وتكذيبا له، وهو قوله: {بَلى} يبعث من يموت {وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا} منجزا على طريق عدم جواز الخلف على اللّه إن اللّه لا يخلف الميعاد ومن أصدق من اللّه قيلا {وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} كيفية ذلك، لأنهم يقولون إن هذه البنية إذا بليت وتفرقت أجزاؤها امتنع عودها بعينها، لأن الشيء إذا عدم فقد فني ولم تبق له ذات ولا حقيقة، ولم يعلموا أن اللّه تعالى الذي بدأ خلقهم قادر على إعادتهم كما كانوا عليه، وهو أهون عليه لأن خلقهم من لا شيء على غير مثال والصعوبة إنما تكون في الابتداع لا في التقليد، فهذه السيارات والطائرات والراد والكهرباء وغيرها بعد أن اخترعت هان على العاملين عملها وكان العقل لا يصدق وجودها لو لم يشاهدها، فالفضل فيها للمبتدع لا للمقلد.
واعلم أن الحكمة في إعادة الخلق أحياء في الآخرة {لِيُبَيِّنَ لَهُمُ} اللّه الذي خلقهم أول مرة {الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ} في الدنيا حقيقة وعيانا {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كانُوا كاذِبِينَ} في إنكارهم البعث وتكذيبهم ما أخبرهم به الرسل من وجود الحساب والعقاب والجنة والنار ويتحقق أن اللّه تعالى إذا أراد شيئا كان لا محالة بدليل قوله: {إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} حالا بين الكاف والنون، أي يوجد عند وجود هذين الحرفين بل بينهما.
روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم: «يقول اللّه تبارك وتعالى كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك، أما تكذيبه إياي فقوله لن يعيدني كما بدأني وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته، وأما شتمه إياي فقوله اتخذ اللّه ولدا وأنا الأحد {الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد}».
واعلموا أيها الناس أن خلقكم وبعثكم عندنا كشيء واحد لا يصعب علي شيء من ذلك والإيجاد والإعدام عندنا سواء لا يتخلف شيء عن أمرنا طرفة عين، فانظروا أيها الناس واعلموا أن لا كلمة على الخلاق فيما يخلق ويفني.
قال تعالى: {وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا} في الدنيا {لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً} عظيمة وحسنى جليلة ونعما جسمية {وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ} في الإحسان إليهم وأعظم أجرا إذا صبروا على ما أصابهم في الدنيا {لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ} ما أعد اللّه لهم في الآخرة على صبرهم لزادوا في اجتهادهم على العبادة وفي صبرهم على أذى الكافرين وغيرهم.
نزلت هذه الآية في أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم الذين هاجروا إلى الحبشة بسبب أذى المشركين إليهم، وفيها دليل على أن الهجرة إذا لم تكن خالصة لوجه اللّه للتمكن من القيام بأوامره وعبادته كما ينبغي كانت كالانتقال من بلد لآخر للتجارة أو الزيارة لا مزيّة لها ولا شرف فيها ولا ثواب، يدل على هذا قوله صلّى اللّه عليه وسلم «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى» إلخ.
ثم وصفهم اللّه بقوله: {الَّذِينَ صَبَرُوا} على ظلم المشركين وأذاهم في سبيل اللّه {وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} في أمورهم كلها.
واعلم أن الصبر والتوكل مبدأ السلوك إلى اللّه تعالى ومنتهاه، لأن الصبر قهر النفس وحبسها على أعمال البر واحتمال الأذى من الخلق وعلى الشهوات المباحات وعلى المصائب وعن المحرمات والتوكل انقطاع عن الخلق، فبهذا المنتهى والأول المبتدأ.

.مطلب التعويض الثاني بالهجرة وعدم الأخذ بالحديث إذا عارض القرآن:

وهذه الآية الثانية التي يعرض اللّه تعالى بها لرسوله بالهجرة، والأولى من سورة المؤمن المارة.
قال تعالى: {وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا} يا أهل مكة إن لم ترشدكم عقولكم إلى التصديق بهذا الذي قصصناه عليكم {أَهْلَ الذِّكْرِ} الذين أنزل عليهم قبلكم من اليهود والنصارى، وقولوا لهم هل أرسل اللّه نبيا إلا رجلا فيما سبق من الأمم إلى الأمم {إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} أمرهم اللّه أن يسألوا أهل الكتابين لأنهم يعتقدون ذلك لعلمهم بما أنزل اللّه في كتبهم من هذا.
نزلت هذه الآية في كفار مكة القائلين اللّه أعظم وأجل أن يرسل رجلا إلى الناس ولو أراد لأرسل ملكا فرد اللّه عليهم زعمهم واستشهد على بطلانه بأهل الكتابين لأنهم لا يعلمون {بِالْبَيِّناتِ} المعجزات {وَالزُّبُرِ} الكتب المنزلة مثلهم، أي اسألوهم عن هذا كما سألتموهم قبلا عن حقيقة محمد وكلفوكم أن تسألوه عن الروح وأصحاب الكهف وذى القرنين، وقد أجابكم كما ذكروه لكم ومع هذا كله لم تصدقوا نذرعا بقولكم كيف يكون بشرا رسولا، عتوا وعنادا لا غير.
قال تعالى: {وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ} القرآن وسمي ذكرا لأنه موعظة وتنبيه للعاقل يذكره بأمر دينه ودنياه، وإنما أنزلناه عليك يا سيد الرسل {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} فيه فيؤمنون، والمراد من التبيين في هذه الآية بيان ما أجمل في القرآن من المتشابه، أما الحكم منه فهو مبين مفسّر لا يحتاج إلى التبيين، وقد استدل بعضهم في هذه الآية على أنه متى تعارض الحديث مع القرآن وجب الأخذ بالحديث، لأن الرسول هو المبين للقرآن بنص هذه الآية وبنص قوله: {ما ينطق عن الهوى} لأن القرآن مجمل والحديث مبين له، والمبين مقدم على المجمل، ولأن المنزل عليه لا يتكلم في نفسه بل بوحي من ربه.
وهذا الاستدلال بغير محله، لأن القرآن منه محكم ومنه متشابه، فالمحكم مبين لا يحتاج إلى البيان ويجب الأخذ بظاهره دون حاجة إلى تأويل أو تفسير أو قياس أو استحسان، سواء أخالف الحديث أم لا، لأن الحديث الذي نراه مخالفا لبعض القرآن لا يعمل به، ولعله موضوع لمعنى لا نعرفه، أو أنه مكذوب على حضرة الرسول، والمتشابه هو المجمل فيطلب بيانه من الحديث وأهل العلم.
قال تعالى: {مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ} لا يتبدل حكمها ولا يتغير معناها من بدء الكون إلى آخره {وأخر متشابهات} إلى أن قال: {لا يعلم تأويله إلا اللّه والراسخون في العلم} وهم الأنبياء فمن دونهم ممن هو على آثارهم في العلم والعمل، وسيأتي لهذا البحث صلة في الآية 7 من آل عمران في ج 3 بصورة مسهبة إن شاء اللّه.
واعلم أن القائل بهذا قائل بأن الحديث ينسخ القرآن وهو قول لا وجه له، كيف وقد قال تعالى: {قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاء نَفْسِي} الآية 66 من سورة يونس المارة، والنسخ بالسنية تبديل فكيف يجوز أن يقال به فضلا عن أن جهابذة الأصوليين لم يعترفوا به، وما قيل بجوازه فهو قيل ضعيف مستنده حديث الترمذي وغيره: «لا وصية لوارث» بأنه نسخ آية: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ} الآية 186 من سورة البقرة ج 3، مع أن هذه الآية مخصصة بآية المواريث الآتية في سورة النساء كما سيأتي بحثها إن شاء اللّه، وقد ألمعنا إلى بطلانه في المقدمة في بحث النسخ، وسيأتي توضيحه في الآية 106 من سورة البقرة ج 3 عند قوله تعالى: {ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ} إلخ، واعلم أنه لا يجوز بوجه من الوجوه أن يؤخذ بالحديث إذا عارض ظاهر القرآن، وهو دليل على عدم صحته، لأنه لا يتصور أن بصدر من حضرة الرسول قول يخالف ظاهر كلام اللّه، كيف وهو الذي لا ينطق عن هوى وعليه أنزل القرآن وهو دليله وحجته وبرهانه.
قال تعالى: {أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا} المنكرات {السَّيِّئاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ} كما خسفها بمن قبلهم {أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ} كما أهلك من قبلهم فجأة حال غفلتهم من نزول العذاب {أَوْ يَأْخُذَهُمْ} على غرة {فِي تَقَلُّبِهِمْ} في الأرض عند أسفارهم بها ذاهبين أو آئبين {فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ} 46 اللّه ولا فائتيه ولا قادرين على الهرب منه {أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ} بأن يريهم إهلاك أناس أمامهم فيخافوا من وقوعه بهم أو يحدثه بهم تدريجا فيعذبهم فيهلكوا بين الخوف والعذاب أول بأول بصورة تدريجية حتى يقضى على آخرهم {فَإِنَّ رَبَّكُمْ} أيها الناس القادر على تسليط أنواع العذاب والهلاك عليكم {لَرَؤُفٌ} كثير الشفقة عليكم {رَحِيمٌ} بكم لا يعجل عقوبتكم بل يمهلكم لترجعوا إليه وتتوبوا مما أذنبتم به إليه.
وفي هذه الآية من التهديد والوعيد ما تنفطر منه القلوب وترتعد منه الفرائض.
والمكر المشار إليه هو أن قريشا لما عجزت عن صد دعوة الرسول صارت تحيك الدسائس لتخلص منه، وصاروا يعقدون الاجتماعات في دار الندوة ويتذاكرون في كيفية إهلاكه أو إخراجه من بين أظهرهم، فأنزل اللّه هذه الآية بوعدهم بها بإنزال أصناف العذاب والهلاك إذا هم فعلوا به شيئا، وهذا من مقدمات الأسباب الداعية إلى هجرته صلّى اللّه عليه وسلم التي قرب أوان إذن اللّه تعالى له بها.
قال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ} المراد بهذه الرؤية البصرية لا القلبية، ولذلك وصلت بإلى إذ يراد منها الاعتبار ولا يكون إلا بنفس الجارحة التي يمكن معها النظر إلى نفس الشيء ليتأمل بأحواله ويتفكر فيه فيعتبر ويتعظ {يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ} يقال للظل بالعشي فيء من فاء إذا رجع، وفي الصباح ظل لأنه مما نسخته الشمس والفيء ينسخها.
قال حميد بن ثور في هذا:
أبى اللّه إلا أن سرحة مالك ** على كل أفنان العفاة تروق

فلا الظل في برد الضحى تستطيعه ** ولا الفيء من برد العشي تذوق

وأراد بالسرحة امرأة على طريق الكناية، أي تنشر ظلاله انتشارا {عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ داخِرُونَ} صاغرون ذليلون، قال ذو الرمة:
فلم يتق إلا داخر في مخيس ** ومنحجر في غير أرضك في حجر

المخيس السجن {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ} عن السجود لعظمته بل يتواضعون ويخشعون ويخضعون لهيبة جلاله {يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ}.