فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآَخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (94) وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (95)}.
أخرج ابن جرير عن أبي العالية قال: {قالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودًا أو نصارى} [البقرة: 111]، وقالوا {نحن أبناء الله وأحباؤه} [المائدة: 18] فأنزل الله: {قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين} فلم يفعلوا.
وأخرج ابن جرير عن قتادة. مثله.
وأخرج البيهقي في الدلائل عن ابن عباس في هذه الآية قال: قل لهم يا محمد إن كانت لكم الدار الآخرة يعني الجنة كما زعمتم {خالصة من دون الناس} يعني المؤمنين {فتمنوا الموت إن كنتم صادقين} انها لكم خالصة من دون المؤمنين فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن كنتم في مقالتكم صادقين قولوا اللهم أمتنا، فوالذي نفسي بيده لا يقولها رجل منكم إلا غص بريقه فمات مكانه، فأبوا أن يفعلوا وكرهوا ما قال لهم، فنزل: {ولن يتمنوه أبدًا بما قدمت أيديهم} يعني عملته أيديهم {والله عليم بالظالمين} إنهم لن يتمنوه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند نزول هذه الآية: والله لا يتمنونه أبدًا».
وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {فتمنوا الموت} أي ادعوا بالموت على أي الفريقين أكذب فأبوا ذلك، ولو تمنوه يوم قال ذلك ما بقي على وجه الأرض يهودي إلا مات.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: {قل إن كانت لكم الدار الآخرة} يعني الجنة {خالصة} خاصة {فتمنوا الموت} فاسألوا الموت {ولن يتمنوه أبدًا} لأنهم يعلمون أنهم كاذبون {بما قدمت} قال: أسلفت.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وأبو نعيم في الدلائل عن ابن عباس قال: لو تمنى اليهود الموت لماتوا.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: لو تمنوا الموت لشرق أحدهم بريقه.
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن مردويه وأبو نعيم عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لو أن اليهود تمنوا الموت لماتوا، ولرأوا مقاعدهم من النار». اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {أبدًا} منصوب ب {يتمنّوه}، وهو ظرف زمان يقع للقليل والكثير، ماضيًا كان أو مستقبلًا.
قال القرطبي: كالحين والوقت، وهو هاهنا من أول العمر إلى الموت تقول: ما فعلته أبدًا.
وقال الراغب هو عبارة عن مدّة الزمان الممتد الذي لا يتجزأ كما يتجزأ الزمان، وذلك أنه يقال: زمان كذا، ولا يقالك أبدُ كذا، وكان من حقّه على هذا ألاَّ يثنى ولا يجمع، وقد قالوا: آباد، فجمعوه لاختلاف أنواعه.
وقيل: آباد لغة مولّدة، ومجيئه بعد لن يدلّ على أن نفيها لا يقتضي التأبيد، وقد تقدم غير ذلك، ودعوى التأكيد فيه بعيدة.
قوله: {بما قَدَّمَتْ أيديهم} بيان للعلّة التي لها لا يتمنّون؛ لأنه إذا علموا سوء طرقهم وكثرة ذنوبهم دعاهم ذلك إلى عدم تمنّي الموت، وهذه الجملة متعلّقة ب {يتمنّوه}، والباء للسببية، أي: بسبب اجْتِرَاجِهِم العظائم، و{أيديهم} في محلّ رفع حذفت الضمة من الباء لثقلها مع الكسرة.
وما يجوز فيها ثلاثة أوجه:
أظهرها: كونها موصولةً بمعنى الذي.
والثاني: نكرة موصوفة، والعائد على كلا القولين محذوف، أي: بما قدّمته، فالجملة لا محلّ لها على الأولى، ومحلّها الجر على الثاني.
والثالث: أنها مصدرية أي: بِتَقْدِمَةِ أيديهم.
ومفعول {قدمت} محذوف أي: بما قدمت أيديهم الشَّر، أو التبديل ونحوه.
قوله: {واللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} ابتداء وخبر، وهذا كالزَّجْر والتهديد؛ لأنه إذا كان عالمًا بالسر والنجوى لا يخفى عليه شيء صار ذلك من أعظم الصَّوَارف للمكلّف عن المعاصي، وإنما ذكر الظالمين؛ لأن كلّ كافر ظالم، وليس كلّ ظالم كافرًا، فذكر الأعم؛ لأنه أولى بالذكر. اهـ. باختصار.

.تفسير الآية رقم (96):

قوله تعالى: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (96)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما بين أنهم لا يتمنونه أثبت لهم ما هو فوق ذلك من تمني الضد الدال على علمهم بسوء منقلبهم فقال: {ولتجدنهم} أي بما تعلم من أحوالهم مما منه الوجدان.
وهو إحساس الباطن بما هو فيه والإصابة أيضًا لما له علقة الباطن، كأنه فيه {أحرص} صيغة مبالغة من الحرص، وهو طلب الاستغراق فيما يختص فيه الحظ- قاله الحرالي: {الناس على حياة} على أي حالة كانت وهم قاطعون بأنه لا يخلو يوم منها عن كدر فإنهم يعلمون أنها وإن كانت في غاية الكدر خير لهم مما بعد الموت {ومن} أي وأحرص من {الذين أشركوا} الذين لا بعث عندهم على الحياة علمًا منهم بأنهم صائرون إلى العذاب الدائم بالسيئات المحيطة والشرك.
قال الحرالي: إسناد الأمر المختص بواحد إلى من ليس له معه أمر. انتهى.
ثم بين مقدار ما يتمنونه فقال: {يود} من الود وهو صحة نزوع النفس للشيء المستحق نزوعها له- قاله الحرالي.
{أحدهم} أي أحد من تقدم من اليهود والمشركين بجميع أصنافهم، أو من اليهود خاصة، أو من المشركين فتكون ودادة اليهود من باب الأولى.
قال الحرالي: وهو نحو من خطاب القرآن لا يصل إليه إبلاغ الخلق {لو يعمر} من التعمير وهو تمادي العمر كأنه تكرار، والعمر أمد ما بين بدو الشيء وانقطاعه- قاله الحرالي.
{ألف سنة} خوفًا من الموت أو ما بعده، والألف كمال العدد بكمال ثالثة رتبة؛ والسنة أمد تمام دورة الشمس وتمام ثنتي عشرة دورة القمر- قاله الحرالي.
وهذا المعنى وإن كان موجودًا في الحول والعام والحجة غير أن مأخذ الاشتقاق ملاحظ في الجملة، فلبلاغة القرآن لا يطلق واحد من هذه الألفاظ إلا فيما يناسب السياق من أصل اشتقاق هذه الألفاظ، فهذا السياق لما كان المراد به ذمهم بتهالكهم على بقائهم في الدنيا على أي حالة كانت علمًا منهم بأنها ولو كانت أسوأ الأحوال خير لهم مما بعد الموت لتحقق شقائهم عبر بما منه الإسنات وهو القحط وسوء الزمان.
أو ما منه الدوران الذي فيه كد وتعب إن كان أصلها من سنا يسنو إذا دار حول البئر قال السهيلي في الروض: وقد تسمى السنة دارًا في الخبر: إن بين آدم ونوح ألف دار- أي سنة، ثم قال: فتأمل هذا فإن العلم بتنزيل الكلام ووضع الألفاظ في مواضعها اللائقة بها يفتح بابًا من العلم بإعجاز القرآن والله المستعان.
{وما هو} أي تعميره {بمزحزحه} والزحزحة إبعاد الشيء المستثقل المترامي لما يبعد عنه- قاله الحرالي: {من العذاب} أي زحزحة مبتدأة من العذاب، وعبر بمن دون عن إعلامًا بأنهم لم يفارقوا العذاب دنيا ولا آخرة وإن لم يحسوا به في الدنيا، ثم فسر الضمير بقوله: {أن يعمر} إنما تزحزحه الطاعة المقرونة بالإيمان الصحيح الذي ليس فيه تفرقة.
ولما كان التقدير: لأنهم يعملون في أعمارهم الأعمال السيئة المحيطة، عطف عليه قوله: {والله} الذي له الأمر كله {بصير بما يعملون}. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

اعلم أنه سبحانه وتعالى لما أخبر عنهم في الآية المتقدمة أنهم لا يتمنون الموت أخبر في هذه الآية أنهم في غاية الحرص على الحياة لأن هاهنا قسمًا ثالثًا وهو أن يكون الإنسان بحيث لا يتمنى الموت ولا يتمنى الحياة فقال: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ الناس على حياة}. اهـ.

.فصل: في قوله تعالى: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ}:

قال الفخر:
أما قوله تعالى: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ} فهو من وجد بمعنى علم المتعدي إلى المفعولين في قوله: وجدت زيدًا ذا حفاظ، ومفعولاه هم و{أحرص} وإنما قال: {على حياة} بالتنكير لأنه حياة مخصوصة وهي الحياة المتطاولة ولذلك كانت القراءة بها أوقع من قراءة أبي {على الحياة} أما الواو في قوله: {وَمِنَ الذين أَشْرَكُواْ} ففيه ثلاثة أقول:
أحدها: أنها واو عطف والمعنى أن اليهود أحرص الناس على حياة وأحرص من الذين أشركوا كقولك: هو أسخى الناس ومن حاتم.
هذا قول الفراء والأصم.
فإن قيل: ألم يدخل الذين أشركوا تحت الناس؟
قلنا: بلى ولكنهم أفردوا بالذكر لأن حرصهم شديد وفيه توبيخ عظيم لأن الذين أشركوا لا يؤمنون بالمعاد وما يعرفون إلا الحياة الدنيا فحرصهم عليها لا يستبعد لأنها جنتهم فإذا زاد عليهم في الحرص من له كتاب وهو مقر بالجزاء كان حقيقيًا باعظم التوبيخ، فإن قيل: ولم زاد حرصهم على حرص المشركين؟ قلنا: لأنهم علموا أنهم صائرون إلى النار لا محالة والمشركون لا يعلمون ذلك.
القول الثاني: أن هذه الواو واو استئناف وقد تم الكلام عند قوله: {على حياة} وتقديره ومن الذين أشركوا أناس يود أحدهم على حذف الموصوف كقوله: {وَمَا مِنَّا إِلاَّ له مَقَامٌ مَّعْلُومٌ} [الصافات: 164].
القول الثالث: أن فيه تقديمًا وتأخيرًا وتقديره.
ولتجدنهم وطائفة من الذين أشركوا أحرص الناس على حياة، ثم فسر هذه المحبة بقوله: {يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ} وهو قول أبي مسلم، والقول الأول أولى لأنه إذا كانت القصة في شأن اليهود خاصة فالأليق بالظاهر أن يكون المراد: ولتجدن اليهود أحرص على الحياة من سائر الناس ومن الذين أشركوا ليكون ذلك أبلغ في إبطال دعواهم وفي إظهار كذبهم في قولهم.
إن الدار الآخرة لنا لا لغيرنا. والله أعلم. اهـ.

.قوله تعالى: {وَمِنَ الذين أَشْرَكُواْ}:

قال الفخر:
اختلفوا في المراد بقوله تعالى: {وَمِنَ الذين أَشْرَكُواْ} على ثلاثة أقوال:
قيل المجوس: لأنهم كانوا يقولون لملكهم: عش ألف نيروز وألف مهرجان، وعن ابن عباس هو قول الأعاجم: زي هزارسال، وقيل: المراد مشركوا العرب وقيل: كل مشرك لا يؤمن بالمعاد، لأنا بينا أن حرص هؤلاء على الدنيا ينبغي أن يكون أكثر وليس المراد من ذكر ألف سنة قول الأعاجم عش ألف سنة، بل المراد به التكثير وهو معروف في كلام العرب. اهـ.
سؤال: فإن قلت: الذين أشركوا قد دخلوا تحت الناس في قوله أحرص الناس فلم أفردهم بالذكر؟
قلت: افردهم بالذكر لشدّة حرصهم وفيه توبيخ عظيم لليهود لأن الذين لا يؤمنون بالمعاد ولا يعرفون إلاّ الحياة الدنيا لا يستبعد حرصهم عليها، فإذا زاد عليهم في الحرص من له كتاب وهو مقر بالبعث والجزاء كان حقيقًا بالتوبيخ العظيم وقيل: إن الواو واو استئناف تقديره ومن الذين أشركوا أناس. اهـ.

.قوله تعالى: {يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ}:

قال الفخر:
أما قوله تعالى: {يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ} فالمراد أنه تعالى بين بعدهم عن تمني الموت من حيث إنهم يتمنون هذا البقاء ويحرصون عليه هذا الحرص الشديد، ومن هذا حاله كيف يتصور منه تمني الموت؟. اهـ.

.قوله تعالى: {وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ العذاب أَن يُعَمَّرَ}:

قال الفخر:
قوله: {وَمَا هُوَ} كناية عماذا؟
فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه كناية عن {أحدهم} الذي جرى ذكره أي وما أحدهم بمن يزحزحه من النار تعميره، وثانيها: أنه ضمير لما دل عليه {يعمر} من مصدره وأن يعمر بدل منه، وثالثها: أن يكون مبهمًا وأن يعمر موضحه. اهـ.
قال الفخر:
الزحزحة التبعيد والإنحاء، قال القاضي: والمراد أنه لا يؤثر في إزالة العذاب أقل تأثير ولو قال تعالى: وما هو بمبعده وبمنجيه لم يدل على قلة التأثير كدلالة هذا القول. اهـ.