فصل: الفوائد:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.الفوائد:

حذف فعل الشرط وجوابه:
يجوز حذف ما علم ما شرط إن كانت الأداة إن مقرونة بلا النافية كقول الأحوص يخاطب مطرا وكان مطر دميم الخلقة وتحته امرأة وسيمة:
فطلّقها فلست لها بكفء ** وإلّا يعل مفرقك الحسام

فحذف فعل الشرط لدلالة قوله فطلقها عليه وأبقى جوابه أي وإن لا تطلقها يعل ولهذه الشروط منع بعض المفسرين إعراب {وما بكم من نعمة فمن اللّه} شرطية واكتفى بأن جعلها موصولة لكن نقل النحاة ان هذه الشروط ليست ملزمة فقد يتخلف واحد من إن والاقتران بلا وقد يتخلفان معا فالأول ما حكاه ابن الأنباري في الإنصاف عن العرب: من يسلم عليك فسلم عليه ومن لا فلا تعبأ به أي ومن لا يسلم عليك فلا تعبأ به قال الشاطبي وهذا نص في الجواز والثاني نحو: {وإن امرأة خافت من بعلها} فحذف الشرط مع انتفاء اقتران إن بلا والثالث كقوله:
متى تؤخذوا قسرا بظنة عامر ** ولم ينج إلا في الصفاد يزيد

أي متى تثقفوا تؤخذوا فحذف الشرط مع انتفاء الأمرين ويجوز حذف ما علم من جواب شرط ماض نحو: {فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض أو سلما في السماء فتأتيهم بآية} فإن استطعت شرط حذف جوابه لدلالة الكلام عليه والتقدير فافعل والشرط الثاني وجوابه جواب للشرط الأول والمعنى إن استطعت منفذا تحت الأرض تنفذ فيه فتطلع لهم بآية أو سلما تصعد به إلى السماء فتنزل منها بآية فافعل وسيأتي تفصيل ذلك في مواضعه.
وفيما يلي عبارة ابن هشام في المغني قال عند الكلام على ما الشرطية: وقد جوزت في: {وما بكم من نعمة فمن اللّه} على أن الأصل وما يكن ثم حذف فعل الشرط كقوله:
إن العقل في أموالنا لا نضق بها ** ذراعا وإن صبرا فنصبر للصبر

أي إن يكن العقل وان نحبس حبسا والأرجح في الآية أنها موصولة وان الفاء داخلة على الخبر لا شرطية والفاء داخلة على الجواب.

.[سورة النحل: الآيات 61- 64]

{وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ ما تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذا جاء أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (61) وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ما يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ (62) تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (63) وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (64)}.

.اللغة:

{مُفْرَطُونَ} اسم مفعول من أفرط أي أعجل يقال: أفرطت فلانا وفرطته في طلب الماء إذا قدمته وقيل منسيون متروكون من أفرطت فلانا خلفي إذا خلفته ونسيته وفي المختار: وفرط القوم سبقهم إلى الماء فهو فارط والجمع فراط بوزن كتاب وبابه نصر وأفرطه تركه ومنه قوله تعالى: {وأنهم مفرطون} أي متروكون في النار منسيون وأفرط في الأمر جاوز الحدّ فيه وفي القاموس: وأفرط فلانا: تركه وتقدمه وجاوز الحد وأعجل بالأمر وانهم مفرطون أي منسيون متروكون في النار أو مقدمون معجلون إليها.
وفي الحديث: عن أنس عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: «إني فرطكم على الحوض من مرّ عليّ شرب ومن شرب لم يظمأ أبدا، ليردن عليّ أقوام أعرفهم ويعرفوني ثم يحال بيني وبينهم» وقال القطامي:
فاستعجلونا وكانوا من صحابتنا ** كما تعجل فراط لورّاد

.الإعراب:

{وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ ما تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ} الواو استئنافية ولو شرطية ويؤاخذ اللّه الناس فعل مضارع وفاعل ومفعول به وبظلمهم الباء حرف جر للسببية أي بسبب ظلمهم متعلقان بيؤاخذ وجملة ما ترك لا محل لها وترك فعل وفاعل مستتر وعليها متعلقان بمحذوف حال لأنه كان صفة لدابة ومن حرف جر زائد ودابة مجرور لفظا مفعول به محلا والضمير يعود على الأرض وان لم تذكر فقد دلّ عليها ذكر الناس وذكر الدابة فإن الجميع مستقرون على الأرض.
{وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى} الواو عاطفة ولكن حرف استدراك مهمل لأنها مخففة ويؤخرهم فعل مضارع وفاعل مستتر ومفعول به وإلى أجل متعلقان بيؤخرهم ومسمى صفة أي معين. {فَإِذا جاء أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} الفاء عاطفة أو استئنافية وإذا ظرف مستقبل متضمن معنى الشرط وجملة جاء أجلهم مضافة للظرف وجملة لا يستأخرون لا محل لها وساعة ظرف متعلق بيستأخرون ولا يستقدمون عطف على لا يستأخرون وقد تقدمت الاشارة في آية مماثلة لها إلى معنى لا يستأخرون ولا يستقدمون. {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ما يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ} ويجعلون فعل مضارع وفاعل وللّه متعلقان بيجعلون وما مفعول يجعلون وجملة يكرهون صلة وتصف ألسنتهم الكذب فعل مضارع وفاعل ومفعول به وقد فسر الكذب بقوله: {أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى} فأن وما في حيزها بدل من الكذب بدل الكل من الكل ولهم خبر أن المقدم والحسني اسمها المؤخر. {لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ} تقدم القول في لا جرم، وأن وخبرها المقدم واسمها المؤخر وإنهم مفرطون عطف على أن لهم النار. {تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ} التاء تاء القسم والجر والجار والمجرور متعلقان بفعل القسم المقدر واللام واقعة في جواب القسم وقد حرف تحقيق وأرسلنا فعل وفاعل والى أمم متعلقان بأرسلنا ومن قبلك صفة. {فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ} الفاء عاطفة وزين فعل ماض ولهم متعلقان بزين والشيطان فاعل وأعمالهم مفعول به. {فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ} الفاء عاطفة وهو مبتدأ ووليهم خبر واليوم ظرف متعلق بمحذوف حال إذا أردت حكاية الحال الآتية أو في الدنيا أو متعلق بوليهم إذا أردت حكاية انحال الماضية التي كان الشيطان يزين لهم أعمالهم فيها بمعنى ناصرهم ومعينهم، ولهم خبر مقدم وعذاب مبتدأ مؤخر وأليم صفة. {وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ} الواو عاطفة وما نافية وأنزلنا فعل وفاعل وعليك متعلقان بأنزلنا والكتاب مفعول به وإلا أداة حصر ولتبين لام التعليل ومدخولها متعلقة بأنزلنا على معنى التعليل وإنما جر المفعول لأجله باللام لاختلاف فاعله مع فاعل الفعل فإن المنزل هو اللّه والمبين هو النبي. {وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} هدى ورحمة عطف على محل لتبين وقد انتصبا نصب المفعول لأجله لاتحاد فاعلهما مع فاعل الفعل لأن الهادي والرحم هو اللّه كما هو المنزل ولقوم صفة أو متعلقان بالمصدر وجملة يؤمنون صفة لقوم.

.الفوائد:

بحث مهم عن فاء التعقيب:
المعروف عن الفاء العاطفة أنها للعطف مع التعقيب ولكنه ليس التعقيب الفوري بل هي للتعقيب حسب ما يصح إما عقلا وإما عادة ولهذا صح أن يقال دخلت البصرة فبغداد وإن كان بينهما زمان كثير لكن يعقب دخول هذه دخول تلك على ما يمكن بمعنى أنه لم يمكث بواسط مثلا سنة أو مدة طويلة بل طوى المنازل بعد البصرة ولم يقم بواحد منها إقامة يخرج بها عن حد السفر إلى أن دخل بغداد، هذا الذي يقوله أهل اللغة وأهل الأصول وليست الفاء للفور الحقيقي الذي معناه حصول هذا بعد هذا بغير فصل ولا زمان، ألا ترى إلى قوله تعالى: {فإذا جاء أجلهم} فإن مجيء الأجل متراخ عن التأخير وسيأتي لهذا نظائر.

.[سورة النحل: الآيات 65- 69]

{وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّماء ماء فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (65) وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خالِصًا سائِغًا لِلشَّارِبِينَ (66) وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (67) وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68) ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاء لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (69)}.

.اللغة:

{الْأَنْعامِ} تقدم شرحها في سورة الانعام وقد ذكر سيبويه الانعام في باب مالا ينصرف في الأسماء الواردة على أفعال ولذلك رجع الضمير اليه مفردا وقد رجع الضمير إليها مؤنثا في سورة المؤمنون لأن معناها الجمع ويجوز أن يقال في الأنعام وجهان أحدهما أن يكون تكسير نعم كأجبال في جبل وأن يكون اسما مفردا مقتضيا لمعنى الجمع فاذا ذكر فكما يذكر نعم في قوله:
في كل عام نعم تحوونه ** يلقحه قوم وتنتجونه

وإذا أنث ففيه وجهان أنه تكسير نعم وانه في معنى الجمع، ولسيبويه بحث طريف كما قلنا فقد عدّ المفردات المبنية على أفعال كأخلاق وأمشاج فيعامل بالتذكير تارة باعتبار لفظه وبالتأنيث أخرى اعتبارا بمعناه وقيل هو جمع نعم كأسباب وسبب.
وقال ابن يعيش: واعلم أن أبنية القلة أقرب إلى الواحد من أبنية الكثرة ولذلك يجري عليها كثير من أحكام المفرد ومن ذلك جواز تصغيره على لفظه خلافا للجمع الكثير ومنها جواز وصف المفرد بها: غرب ثوب أسمال وبرمة اكسار ومنها جواز عود الضمير إليها بلفظ الإفراد نحو قوله تعالى: {وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه}.
{عبرة} عظة أي دلالة يعبر عليها من الجهل إلى العلم فهي مصدر بمعنى العبور أطلق على ما يعبر به إلى العلم مبالغة في كونه سببا إلى العبور.
{فَرْثٍ} الفرث الروث والأشياء المأكولة المنهضمة بعض الانهضام في الكرش.
قال الحريري في درة الغواص: ويقولون: فرث لما يخرج من الكرش وهو وهم لأنه إنما يسسى به مادام فيها فإذا خرج سمي سرجينا ومن أمثال العرب فيمن يحفظ الحقير ويضع الجليل: فلان يحفظ الفرث ويفسد الحرث وأجيب عن هذا بأن ذلك القول باعتبار ما كان ومثله كثير مطرد.
{سائِغًا} سهل المرور في الحلق لا يغص به.
{سَكَرًا} السكر بفتحتين الخمر سميت بالمصدر من سكر سكرا وسكرا نحو رشد رشدا ورشدا، قال:
فجاءونا لهم سكر علينا ** فأجلى اليوم والسكران صاح

وفي القاموس والتاج: سكر يسكر من باب تعب سكرا بفتحتين وسكرا بضم فسكون وسكرا بضمتين وسكرا بفتح فسكون وسكرانا بفتحتين من الشراب نقيض صحا فهو سكر وسكران وهي سكرة وسكرى وسكرانة والجمع سكرى وسكارى بفتح السين وسكارى بضمها وجاء في غيره: في السكر أربعة أقوال: الأول أنه من أسماء الخمر والثاني أنه مصدر في الأصل ثم سمي به الخمر والثالث أنه اسم للخل بلغة الحبشة والرابع أنه اسم للعصير ما دام حلوا كأنه سمي مجازا لمآله لذلك لو ترك.
{يَعْرِشُونَ} يبنون وبابه ضرب ونصر كما في المختار وفي القاموس: وعرش يعرش بنى عريشا كأعرش وعرش بالتثقيل.

.الإعراب:

{وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّماء ماء فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها} اللّه مبتدأ وجملة أنزل خبر ومن السماء متعلقان بأنزل وماء مفعول به فأحيا عطف على أنزل وبه متعلقان بأحيا والأرض مفعول وبعد موتها الظرف متعلق بمحذوف حال. {إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ} إن وخبرها المقدم واللام المزحلقة وآية اسم ان ولقوم صفة لآية وجملة يسمعون صفة لقوم. {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً} الواو عاطفة وإن حرف مشبه بالفعل ولكم خبرها المقدم وفي الأنعام حال لأنه كان صفة لعبرة واللام المزحلقة وعبرة اسمها المؤخر. {نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خالِصًا سائِغًا لِلشَّارِبِينَ} نسقيكم فعل وفاعل مستتر ومفعول به ومما متعلقان بنسقيكم وفي بطونه صلة ما وجملة نسقيكم مفسرة لعبرة أو خبر لمبتدأ محذوف على حد قوله تسمع بالمعيدي خير من أن تراه كأنه قيل: العبرة هي نسقيكم ومن بين فرث ودم حال لأنه كان في الأصل صفة لقوله لبنا وقدم عليه ولك أن تجعله حالا من ما التي قبله ومعنى من الأولى للتبعيض لأن اللبن بعض ما في بطونها والثانية ابتدائية لأن بين الفرث والدم مكان الاسقاء الذي منه يبتدأ ولبنا مفعول ثان لنسقيكم وسائغا صفة وللشاربين متعلقان بسائغا. {وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا} ومن ثمرات النخيل خبر مقدم وجملة تتخذون صفة لموصوف محذوف هو المبتدأ المؤخر أي ثمر كانوا يتخذون منه سكرا ورزقا حسنا لأنهم كانوا يأكلون منه بعضا ويتخذون السكر من بعضه الآخر ولك أن تعلقه بمحذوف دل عليه نسقيكم أي نسقيكم من عصير النخيل والأعناب وعندئذ تكون جملة تتخذون حالا وقال أبو حيان: والظاهر تعلق من ثمرات بتتخذون وكررت من للتوكيد وكان الضمير مفردا راعيا لمحذوف أي ومن عصير ثمرات أو على معنى الثمرات وهو الثمر وقيل تتعلق بنسقيكم فيكون معطوفا على مما في بطونه أو بنسقيكم محذوفة دل عليها نسقيكم المتقدمة فيكون من عطف الجمل والذي قبله من عطف المفردات إذا اشتركا في العامل وقيل معطوف على الأنعام أي ومن ثمرات النخيل والأعناب عبرة ثم بيّن العبرة بقوله تتخذون وقال الزمخشري: ويجوز أن يكون تتخذون صفة موصوف محذوف كقوله بكفي كان من أرمى البشر تقديره ومن ثمرات النخيل والأعناب ثمر تتخذون منه، والضمير في منه يعود على العصير المقدر والأول أضبط وسكرا مفعول تتخذون ورزقا عطف على سكرا وحسنا صفة ولا يخفى ما يتولد عن العنب والتمر من خل وزبيب ودبس وفي المختار: الدبس ما يسيل من الرطب. {إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} إن وخبرها المقدم واللام المزحلقة وآية اسمها المؤخر وجملة يعقلون صفة لقوم. {وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ} الواو عاطفة على ما قبلها لتتساوق الدلائل على عجائب صنعته تعالى وبدائع قدرته ولك أن تجعلها مستأنفة مسوقة لما ذكر وأوحى ربك فعل وفاعل والى النحل متعلقان بأوحى وأن هي المفسرة لأن في الإيحاء معنى القول دون حروفه وهو الشرط المعقود لأن التفسيرية، ولك أن تجعلها مصدرية وهي مع مدخولها نصب بنزع الخافض والجار والمجرور متعلقان بأوحينا أي بأن اتخذي وسيأتي مزيد بيان لذلك في باب الفوائد فتنبّه له ومن الجبال متعلقان باتخذي فمن للتبعيض لأنها لا تبني بيوتها في كل جبل وشجر وكل ما يعرش وسيأتي مزيد بيان لذلك في باب البلاغة وبيوتا مفعول اتخذي ومن الشجر عطف على من الجبال وكذلك مما يعرشون.
{ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا} ثم حرف عطف للتراخي والسرّ فيه أن سعيها لطلب الرزق بعد اتخاذها البيوت نسكناها لتطلب بعد ذلك الرزق في مظانه، وكلّيّ فعل أمر وفاعل ومن كل الثمرات متعلقان بكلّيّ فاسلكي الفاء عاطفة واسلكي عطف على كلّيّ وسبل ربك مفعول به وذللا حال من السبل لأن اللّه ذللها لها ووطأ لها مهادها ومسالكها أو من فاعل اسلكي أي وأنت منقادة لما أمرت به وهيئت له. {يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاء لِلنَّاسِ} في الكلام التفات من الخطاب إلى الغيبة سيأتي الكلام عنه في باب البلاغة ويخرج فعل مضارع ومن بطونها متعلقان بيخرج وشراب فاعل يخرج ومختلف صفة لشراب وألوانه فاعل مختلف لأنه اسم فاعل وفيه خبر مقدم وشفاء مبتدأ مؤخر وللناس جار ومجرور متعلقان بشفاء والجملة صفة ثانية لشراب. {إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} تقدم إعراب نظيرتها قريبا فجدد به عهدا.