فصل: قال الخازن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأكثر ما يقال: نعم وأنعام للإبل، ويقال للمجموع ولا يقال للغنم مفردة.
قال حسان:
عَفَتْ ذاتُ الأصابع فالجِوَاء ** إلى عَذْراء منزِلُها خَلاء

دِيارٌ من بَنِي الحَسْحَاس قَفْرٌ ** تُعَفِّيها الروامِسُ والسماء

وكانت لا يزال بها أنيس ** خِلال مُرُوجها نَعَمٌ وشَاء

فالنَّعم هنا الإبل خاصّةً.
وقال الجوهري: والنَّعَم واحد الأنعام وهي المال الراعية، وأكثر ما يقع هذا الاسم على الإبل.
قال الفَرّاء: هو ذكَر لا يؤنث، يقولون: هذا نَعَم وارد، ويجمع على نُعْمان مثل حَمَل وحُمْلان.
والأنعام تذكّر وتؤنث؛ قال الله تعالى: {مِّمَّا فِي بُطُونِهِ} [النحل: 66].
وفي موضع {مِّمَّا فِي بُطُونِهَا} [المؤمنون: 21].
وانتصب الأنعام عطفًا على الإنسان، أو بفعل مقدّرُ، وهو أوجه.
الثانية قوله تعالى: {دِفْءٌ} الدِّفْء: السَّخانة، وهو ما اسْتُدْفِىء به من أصوافها وأوبارها وأشعارها، ملابس ولُحُف وقُطُف.
وروي عن ابن عباس: دفؤها نسلها؛ والله أعلم قال الجوهري في الصحاح: الدفء نِتاج الإبل وألبانها وما ينتفع به منها؛ قال الله تعالى: {لكم فِيها دفْء}.
وفي الحديث: «لنا من دِفئهم ما سلّموا بالميثاق» والدفء أيضًا: السخونة، تقول منه: دَفِىء الرجل دفَاءة مثلُ كَرِه كراهة.
وكذلك دَفِىء دَفَأ مثلُ ظمِىء ظمأ.
والاسم الدِّفْء بالكسر وهو الشيء الذي يدفئك، والجمع الأدفاء.
تقول: ما عليه دفء؛ لأنه اسم.
ولا تقول: ما عليك دَفاءة؛ لأنه مصدر.
وتقول: اقعد في دِفء هذا الحائط أي كِنّه.
ورجل دفِىء على فَعِلٍ إِذا لبس ما يدفِئه.
وكذلك رجل دفآن وامرأة دفأى.
وقد أدفأه الثوب وتدفأ هو بالثوب واستدفأ به، وادّفأ به وهو افتعل؛ أي لبس ما يدفئه.
ودَفُؤت ليلتنا، ويوم دَفىء على فعيل وليلة دفِيئة، وكذلك الثوب والبيت.
والمُدْفِئة الإبل الكثيرة؛ لأن بعضها يدفىء بعضًا بأنفاسها، وقد يشدّد.
والمُدْفَأة الإبل الكثيرة الأوبار والشحوم؛ عن الأصمعي.
وأنشد الشماخ:
وكيف يَضِيع صاحبُ مُدْفآتٍ ** على أثباجهن من الصَّقِيع

قوله تعالى: {وَمَنَافِعُ} قال ابن عباس: المنافع نسل كل دابة.
مجاهد: الركوب والحمل والألبان واللحوم والسمن.
{وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} أفرد منفعة الأكل بالذكر لأنها معظم المنافع.
وقيل: المعنى ومن لحومها تأكلون عند الذبح.
الثالثة دلت هذه الآية على لباس الصوف، وقد لبسه رسول الله صلى الله عليه وسلم والأنبياء قبله كموسى وغيره.
وفي حديث المغيرة: فغسل وجهه وعليه جبة من صوف شامية ضيقة الكمين، الحديث، خرجه مسلم وغيره.
قال ابن العربيّ: وهو شعار المتقين ولباس الصالحين وشارة الصحابة والتابعين، واختيار الزهاد والعارفين، وهو يلبس ليِّنًا وخشنًا وجيدًا ومُقارِبًا ورديئًا، وإليه نسب جماعة من الناس الصوفية؛ لأنه لباسهم في الغالب، فالياء للنسب والهاء للتأنيث.
وقد أنشدني بعض أشياخهم بالبيت المقدس طهره الله:
تشاجر الناس في الصوفيّ واختلفوا ** فيه وظنوه مشتقًا من الصوف

ولست أنْحَل هذا الاسم غيرَ فتًى ** صافىَ فصوفي حتى سُمِّيَ الصوفي

{وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (6)}.
الجمال ما يتجمّل به ويتزين.
والجمال: الحسن.
وقد جَمُل الرجل بالضم جمالًا فهو جميل، والمرأة جميلة، وجملاء أيضًا؛ عن الكسائي.
وأنشد:
فهي جَمْلاء كبدرٍ طالع ** بذّت الخلق جميعًا بالجمال

وقول أبي ذؤيب:
جمالَكَ أيّها القلبُ القريح

يريد: الزم تجمّلك وحياءك ولا تجزع جزعًا قبيحًا.
قال علماؤنا: فالجمال يكون في الصورة وتركيب الخِلْقة، ويكون في الأخلاق الباطنة، ويكون في الأفعال.
فأما جمال الخِلْقة فهو أمر يدركه البصر ويلقيه إلى القلب متلائمًا، فتتعلق به النفس من غير معرفة بوجه ذلك ولا نسبته لأحد من البشر.
وأما جمال الأخلاق فكونها على الصفات المحمودة من العِلم والحكمة والعدل والعِفة، وكظم الغيظ وإرادة الخير لكل أحد.
وأما جمال الأفعال فهو وجودها ملائمة لمصالح الخلق وقاضية لجلب المنافع فيهم وصرف الشر عنهم.
وجمال الأنعام والدواب من جمال الخلقة، وهو مرئيّ بالأبصار موافق للبصائر.
ومن جمالها كثرتُها وقول الناس إذا رأوها هذه نعم فلان؛ قاله السدّيّ.
ولأنها إذا راحت توفّر حسنها وعظم شأنها وتعلقت القلوب بها؛ لأنها إذ ذاك أعظم ما تكون أسنمة وضروعًا؛ قاله قتادة.
ولهذا المعنى قدّم الرّواح على السراح لتكامل دَرّها وسرور النفس بها إذ ذاك.
والله أعلم.
وروى أشهب عن مالك قال: يقول الله عز وجل: {وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ} وذلك في المواشي حين تروح إلى المرعى وتسرح عليه.
والرّواح رجوعها بالعَشِيّ من المرعى، والسَّراح بالغداة؛ تقول: سَرَحتُ الإبل أسرحها سَرْحًا وسروحًا إذا غدوت بها إلى المرعى فخليتها، وسرحت هي.
المتعدّي واللازم واحد. اهـ.

.قال الخازن:

{خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين} يعني أنه جدل بالباطل بين الخصومة نزلت في أبيّ بن خلف الجمحي، وكان ينكر البعث فجاء بعظم رميم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: تزعم أن الله يحيي هذا بعدما رم فنزلت فيه هذه الآية، ونزل فيه أيضًا قوله تعالى: {قال من يحيي العظام وهي رميم} والصحيح أن الآية عامة في كل ما يقع من الخصومة في الدنيا ويوم القيامة، وحملها على العموم أولى، وفيها بيان القدرة وأن الله خلق الإنسان من نطفة قذرة فصار جبارًا كثيرًا لخصومة، وفيه كشف قبيح ما فعله الكفار من جحدهم نعم الله تعالى مع ظهورها عليهم.
قوله: {والأنعام خلقها} لما ذكر الله سبحانه وتعالى أنه خلق السموات والأرض، ثم أتبعه بذكر خلق الإنسان، ذكر بعده ما ينتفع به في سائر ضروراته.
ولما كان أعظم ضرورات الإنسان إلى الأكل واللباس اللذين يقوم بهما بدن الإنسان بدأ بذكر الحيوان المنتفع به في ذلك، وهو الأنعام.
فقال تعالى: {والأنعام خلقها} وهي الإبل والبقر والغنم.
قال الواحدي: تم الكلام عند قوله والأنعام خلقها.
ثم ابتدأ فقال تعالى: {لكم فيها دفء} قال: ويجوز أيضًا أن يكون تمام الكلام عند قوله لكم ثم ابتدأ فقال تعالى: {فيها دفء}.
قال صاحب النظم أحسن الوجهين أن يكون الوقف عند قوله خلقها ثم يبتدأ بقوله لكم فيها دفء، والدليل عليه أنه عطف عليه قوله، ولكم فيها جمال والتقدير لكم فيها دفء ولكم فيها جمال.
ولما كانت منافع هذه الأنعام منها ضرورية، ومنها غير ضرورية، بدأ الله سبحانه وتعالى بذكر المنافع الضرورية، فقال تعالى: {لكم فيها دفء} وهو ما يُستدفأ به من اللباس والأكسية ونحوها، المتخذة من الأصواف والأوبار والأشعار الحاصلة من النعم {ومنافع} يعني النسل والدر والركوب والحمل عليها وسائر ما ينتفع به من الأنعام {ومنها تأكلون} يعني من لحومها.
فإن قلت: قوله تعالى: {ومنها تأكلون} يفيد الحصر لأن تقديم الظرف مؤذن بالاختصاص، وقد يؤكل من غيرها.
قلت: الأكل من هذه الأنعام هو الذي يعتمده الناس في معايشهم وأما الأكل من غيرها كالدجاج والبط والإوز وصيد البر والبحر، فغير معتد به في الأغلب: وأكله يجري مجرى التفكه به فخرج ومنها تأكلون مخرج الأغلب في الأكل من هذه الأنعام.
فإن قلت: منفعة الأكل مقدمة على منفعة اللباس فلم أخر منفعة الأكل وقدم منفعة اللباس؟ قلت: منفعة اللباس أكثر وأعظم من منفعة الأكل فلهذا قدم على الأكل.
وقوله سبحانه وتعالى: {ولكم فيها} أي في الأنعام {جمال} أي زينة {حين تريحون وحين تسرحون} الإراحة رد الإبل بالعشي إلى مراحلها حيث تأوي إليه بالليل.
وقال: سرح القوم إبلهم تسريحًا إذا أخرجوها بالغداة إلى المرعى.
قال أهل اللغة: وأكثر ما تكون هذه الراحة أيام الربيع إذا سقط الغيث، ونبت العشب والكلأ وخرجت العرب للنجعة، وأحسن ما تكون النعم في ذلك الوقت فمن الله سبحانه وتعالى بالتجميل بها فيه كما من الانتفاع بها لأنه من أغراض أصحاب المواشي بل هو من معظمها لأن الرعاة إذا سرحوا النعم بالغداة إلى المرعى، وروحوها بالعشي إلى الأفنية والبيوت يسمع للإبل رغاء وللشاء ثغاء يجاوب بعضها بعضًا، فعند ذلك يفرح أربابها بها وتتجمل بها الأفنية والبيوت، ويعظم وقعها عند الناس.
فإن قلت: لم قدمت الإراحة على التسريح؟ قلت: لأن الجمال في الإراحة وهو رجوعها إلى البيوت أكثر منها وقت التسريح لأن النعم تقبل من المرعى ملأى البطون حافلة الضروع، فيفرح أهلها بها بخلاف تسريحها إلى المرعى فإنها تخرج جائعة البطون ضامرة الضروع من اللبن، ثم تأخذ في التفرق والانتشار للرعي في البرية فثبت بهذا البيان أن التجمل في الإراحة، أكثر منه في التسريح فوجب تقديمه. اهـ.

.قال أبو حيان:

{خَلَقَ الإنسان} ولما ذكر ما دل على وحدانيته من خلق العالم العلوي والأرض، وهو استدلال بالخارج، ذكر الاستدلال من نفس الإنسان، فذكر إنشاءه من نطفة فإذا هو خصيم مبين، وكان حقه والواجب عليه أن يطيع وينقاد لأمر الله.
والخصيم من صفات المبالغة من خصم بمعنى اختصم، أو بمعنى مخاصم، كالخليط والجليس، والمبين الظاهر الخصومة أو المظهرها.
والظاهر أنّ سياق هذين الوصفين سياق ذم لما تقدم من قوله: {سبحانه وتعالى عما يشركون} وقوله: {أن أنذروا} الآية.
ولتكرير تعالى عما يشركون، ولقوله في يس: {أو لم ير الإنسان} الآية وقال: {بل هم قوم خصمون} وعنى به مخاصمتهم لأنبياء الله وأوليائه بالحجج الداحضة، وأكثر ما ذكر الإنسان في القرآن في معرض الذم، أو مردفًا بالذم.
وقيل: المراد بالإنسان هنا أُبي بن خلف الجمحي.
وقال قوم: سياق الوصفين سياق المدح، لأنه تعالى قواه على منازعة الخصوم، وجعله مبين الحق من الباطل، ونقله من تلك الحالة الجمادية وهو كونه نطفة إلى الحالة العالية الشريفة وهي: حالة النطق والإبانة.
وإذ هنا للمفاجأة، وبعد خلقه من النطفة لم تقع المفاجأة بالمخاطبة إلا بعد أحوال تطور فيها، فتلك الأحوال محذوفة، وتقع المفاجأة بعدها.
وقال أبو عبد الله الرازي: اعلم أنّ أشرف الأجسام بعد الأفلاك والكواكب هو الإنسان، ثم ذكر الإنسان وأنه مركب من بدن ونفس في كلام كثير يوقف عليه في تفسيره، ولا نسلم ما ذكره من أنّ الأفلاك والكواكب أشرف من الإنسان.
ولما ذكر خلق الإنسان ذكر ما امتن به عليه في قوام معيشته، فذكر أولًا أكثرها منافع، وألزم لمن أنزل القرآن بلغتهم وذلك الأنعام، وتقدم شرح الأنعام في الأنعام.
والأظهر أن يكون لكم فيها دفء استئناف لذكر ما ينتفع بها من جهتها، ودفء مبتدأ وخبره لكم، ويتعلق فيها بما في لكم من معنى الاستقرار.
وجوز أبو البقاء أن يكون فيها حالًا من دفء، إذ لو تأخر لكان صفة.
وجوز أيضًا أن يكون لكم حالًا من دفء وفيها الخبر، وهذا لا يجوز لأنّ الحال إذا كان العامل فيها معنى فلا يجوز تقديمها على الجملة بأسرها، لا يجوز: قائمًا في الدار زيد، فإنْ تأخرت الحال عن الجملة جازت بلا خلاف، أو توسطت فأجاز ذلك الأخفش، ومنعه الجمهور.
وأجاز أيضًا أن يرتفع دفء بلكم أو نعتها بأل، والجملة كلها حال من الضمير المنصوب انتهى.
ولا تسمى جملة، لأنّ التقدير: خلقها لكم فيها دفء، أو خلقها لكم كائنًا فيها دفء، وهذا من قبيل المفرد، لا من قبيل الجملة.
وجوزوا أن يكون لكم متعلقًا بخلقها، وفيها دفء استئناف لذكر منافع الأنعام.
ويؤيد كون لكم فيها دفء يظهر فيه الاستئناف مقابلته بقوله: {ولكم فيها جمال} فقابل المنفعة الضرورية بالمنفعة غير الضرورية.
وقال ابن عباس: الدفء نسل كل شيء، وذكره الأموي عن لغة بعض العرب.
والظاهر أن نصب والأنعام على الاشتغال، وحسن النصب كون جملة فعلية تقدمت، ويؤيد ذلك قراءته في الشاذ برفع الأنعام.
وقال الزمخشري، وابن عطية: يجوز أن يكون قد عطف على البيان، وعلى هذا يكون لكم استئناف، أو متعلق بخلقها.
وقرأ الزهري وأبو جعفر: {دفء} بضم الفاء وشدها وتنوينها، ووجهه أنه نقل الحركة من الهمزة إلى الفاء بعد حذفها، ثم شدد الفاء إجراء للوصل مجرى الوقف، إذ يجوز تشديدها في الوقف.
وقرأ زيد بن علي: {دف} بنقل الحركة، وحذف الهمزة دون تشديد الفاء.