فصل: قال الخازن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



واحتج بأثر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «في الخيل السائمة في كل فرس دينار» وبقوله صلى الله عليه وسلم: «الخيل ثلاثة» الحديث.
وفيه: «ولم ينس حق الله في رقابها ولا ظهورها» والجواب عن الأوّل أنه حديث لم يروه إلا غورك السعدي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر.
قال الدّارَقُطْنِيّ: تفرّد به غورك عن جعفر وهو ضعيف جدًا، ومَن دونه ضعفاء.
وأما الحديث فالحق المذكور فيه هو الخروج عليها إذا وقع النّفير وتعيّن بها لقتال العدو إذا تعيّن ذلك عليه، ويحمل المنقطعين عليها إذا احتاجوا لذلك، وهذا واجب عليه إذا تعين ذلك، كما يتعيّن عليه أن يطعمهم عند الضرورة، فهذه حقوق الله في رقابها.
فإن قيل: هذا هو الحق الذي في ظهورها وبقي الحق الذي في رقابها؛ قيل: قد روي: «لا ينسى حقّ الله فيها» ولا فرق بين قوله: «حق الله فيها» أو «في رقابها وظهورها» فإن المعنى يرجع إلى شيء واحد؛ لأن الحق يتعلّق بجملتها.
وقد قال جماعة من العلماء: إن الحق هنا حُسْن ملكها وتعهّد شبعها والإحسان إليها وركوبها غير مشقوق عليها؛ كما جاء في الحديث: «لا تتخذوا ظهورها كراسي» وإنما خص رقابها بالذكر لأن الرقاب والأعناق تستعار كثيرًا في مواضع الحقوق اللازمة والفروض الواجبة؛ ومنه قوله تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ} [النساء: 92]، وكثر عندهم استعمال ذلك واستعارته حتى جعلوه في الرباع والأموال؛ ألا ترى قول كُثَيّر:
غَمْر الرداء إذا تبسّم ضاحكًا ** غَلِقتْ لِضَحْكَته رِقابُ المال

وأيضًا فإن الحيوان الذي تجب فيه الزكاة له نصاب من جنسه، ولما خرجت الخيل عن ذلك علمنا سقوط الزكاة فيها.
وأيضًا فإيجابه الزكاة في إناثها منفردة دون الذكور تناقض منه، وليس في الحديث فصل بينهما.
ونقيس الإناث على الذكور في نفي الصدقة بأنه حيوان مُقْتَنًى لنسله لا لدرّه، ولا تجب الزكاة في ذكوره فلم تجب في إناثه كالبغال والحمير.
وقد روي عنه أنه لا زكاة في إناثها وإن انفردت كذكورها منفردة، وهذا الذي عليه الجمهور.
قال ابن عبد البر: الخبر في صدقة الخيل عن عمر صحيح من حديث الزُّهْرِيّ وغيره.
وقدر روي من حديث مالك، رواه عنه جُوَيرية عن الزهري أن السائب بن يزيد قال: لقد رأيت أبي يقوّم الخيل ثم يدفع صدقتها إلى عمر.
وهذا حجة لأبي حنيفة وشيخه حماد بن أبي سليمان، لا أعلم أحدًا من فقهاء الأمصار أوجب الزكاة في الخيل غيرهما.
تفرّد به جُوَيرِية عن مالك وهو ثقة.
الثامنة قوله تعالى: {وَزِينَةً} منصوب بإضمار فعل، المعنى: وجعلها زينة.
وقيل: هو مفعول من أجله.
والزينة: ما يُتزيّن به، وهذا الجمال والتزيين وإن كان من متاع الدنيا فقد أذن الله سبحانه لعباده فيه؛ قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «الإِبل عِزٌّ لأهلها والغنم بركة والخيل في نواصيها الخير» خرّجه البَرقْاني وابن ماجه في السنن.
وقد تقدّم في الأنعام.
وإنما جمع النبيّ صلى الله عليه وسلم العز في الإبل؛ لأن فيها اللباس والأكل واللبن والحمل والغزْو وإن نقصها الكَرّ والفَرّ.
وجعل البركة في الغنم لما فيها من اللباس والطعام والشراب وكثرة الأولاد؛ فإنها تلد في العام ثلاث مرات إلى ما يتبعها من السكينة، وتحمل صاحبَها عليه من خفض الجناح ولين الجانب؛ بخلاف الفدّادين أهل الوَبَر.
وقرن النبيّ صلى الله عليه وسلم الخير بنواصي الخيل بقية الدهر لما فيها من الغنيمة المستفادة للكسب والمعاش، وما يوصل إليه من قهر الأعداء وغَلَب الكفار وإعلاء كلمة الله تعالى.
قوله تعالى: {وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} قال الجمهور: من الخلق.
وقيل: من أنواع الحشرات والهوام في أسافل الأرض والبر والبحر مما لم يره البشر ولم يسمعوا به.
وقيل: {ويخلق ما لا تعلمون} مما أعد الله في الجنة لأهلها وفي النار لأهلها، مما لم تره عين ولم تسمع به أذن ولا خطر على قلب بشر.
وقال قَتادة والسُّدّي: هو خلق السوس في الثياب والدود في الفواكه.
ابن عباس: عين تحت العرش؛ حكاه الماوَرْدِيّ.
الثعلبي: وقال ابن عباس عن يمين العرش نهر من النور مثل السموات السبع والأرضين السبع والبحار السبعة سبعين مرّة، يدخله جبريل كلّ سَحَر فيغتسل فيزداد نورًا إلى نوره وجمالًا إلى جماله وعِظَمًا إلى عظمه، ثم ينتفض فيُخرج الله من كل ريشة سبعين ألف قطرة، ويخرج من كل قطرة سبعة آلاف مَلَك، يدخل منهم كل يوم سبعون ألف ملك إلى البيت المعمور، وفي الكعبة سبعون ألفًا لا يعودون إليه إلى يوم القيامة.
وقول خامس وهو ما روي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: أنها أرض بيضاء، مسيرة الشمس ثلاثين يومًا مشحونة خلقًا لا يعلمون أن الله تعالى يعصى في الأرض، قالوا: يا رسول الله، مِن ولد آدم؟ قال: «لا يعلمون أن الله خلق آدم» قالوا: يا رسول الله، فأين إبليس منهم؟ قال: «لا يعلمون أن الله خلق إبليس» ثم تلا {ويخلق ما لا تعلمون} ذكره الماوردي.
قلت: ومن هذا المعنى ما ذكر البيهقي عن الشعبي قال: إن لله عبادًا من وراء الأندلس كما بيننا وبين الأندلس، ما يرون أن الله عصاه مخلوق، رَضْراضهم الدُّرّ والياقوت وجبالهم الذهب والفضة، لا يحرثون ولا يزرعون ولا يعملون عملًا، لهم شجر على أبوابهم لها ثمر هي طعامهم وشجر لها أوراق عراض هي لباسهم؛ ذكره في بدء الخلق من {كتاب الأسماء والصفات}.
وخرج من حديث موسى بن عقبة عن محمد بن المُنْكَدِر عن جابر بن عبد الله الأنصاري أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أذن لي أن أحدّث عن مَلَك من ملائكة الله من حملة العرش ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام». اهـ.

.قال الخازن:

قوله سبحانه وتعالى: {وتحمل أثقالكم}.
الأثقال جمع ثقل وهو متاع السفر وما يحتاج إليه من آلات السفر {إلى بلد} يعني غير بلدكم قال ابن عباس: يريد من مكة إلى اليمن، وإلى الشام وإنما قال ابن عباس: هذا القول لأنه خطاب لأهل مكة واكثر تجارتهم وأسفارهم إلى الشام واليمن وحمله على العموم أولى لأنه خطاب عام فدخول الكافة فيه أولى من تخصيصه ببعض المخاطبين {لم تكونوا بالغيه} يعني بالغي ذلك البلد الذي تقصدونه {إلا بشق الأنفس} يعني بالمشقة والجهد والعناء والتعب والشق نصف الشيء، والمعنى على هذا لم تكونوا بالغيه إلا بنقصان قوة، النفس وذهاب نصفها {إن ربكم لرؤوف رحيم} يعني بخلقه حيث خلق لهم هذه المنافع.
قوله سبحانه وتعالى: {والخيل والبغال والحمير لتركبوها} هذه الآية عطف على ما قبلها، والمعنى وخلق هذه الحيوانات لأجل أن تركبوها، والخيل اسم جنس لا واحد له من لفظه كالإبل والرهط والنساء {وزينة} يعني وجعلها زينة مع المنافع التي فيها.
فصل:
احتج بهذه الآية من يرى تحريم لحوم الخيل، وهو قول ابن عباس وتلا هذه الآية وقال: هذه للركوب وإليه ذهب الحكم ومالك وأبو حنيفة رحمهم الله، واستدلوا أيضًا بأن منفعة الأكل أعظم من منفعة الركوب فلما لم يذكره الله تعالى، علمنا تحريم أكله فلو كان أكل لحوم الخيل جائزًا لكان هذا المعنى أولى بالذكر، لأن الله سبحانه وتعالى خص الأنعام بالأكل حيث قال ومنها تأكلون وخص هذه بالركوب.
فقال: {لتركبوها} فعلمنا أنها مخلوقة للركوب لا للأكل وذهب مجموعة من أهل العلم إلى إباحة لحوم الخيل، وهو قول الحسن وشريح وعطاء وسعيد بن جبير: وإليه ذهب الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه وأحمد وإسحاق واحتجوا على إباحة لحوم الخيل لما روي عن أسماء بنت أبي بكر الصديق أنها قالت: «نحرنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسًا ونحن بالمدينة فأكلناه».
أخرجه البخاري ومسلم {ق}.
عن جابر «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لحوم الخيل وحمر الوحش ونهى النبي عن الحمار الأهلي» هذه رواية البخاري ومسلم، وفي رواية أبي داود قال: «ذبحنا يوم خيبر الخيل والبغال والحمير وكنا قد أصابتنا مخمصة فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البغال والحمير ولم ينهنا عن الخيل» وأجاب من أباح لحوم الخيل عن هذه الآية بأن ذكر الركوب والزينة، لا يدل على أن منفعتها مختصة بذلك، وإنما خص هاتان المنفعتان بالذكر لأنهما معظم المقصود، قالوا: ولهذا سكت عن حمل الأثقال على الخيل مع قوله في الأنعام وتحمل أثقالكم، ولم يلزم من هذا التحريم حمل الأثقال على الخيل، وقال البغوي: ليس المراد من الآية بيان التحليل والتحريم، بل المراد منها تعريف الله عباده نعمه، وتنبيههم على كمال قدرته وحكمته، والدليل الصحيح المعتمد عليه في إباحة لحوم الخيل أن السنة مبينة للكتاب ولما كان نص الآية يقتضي أن الخيل والبغال والحمير مخلوقة للركوب والزينة، وكان الأكل مسكوتًا عنه دار الأمر فيه على الإباحة والتحريم فوردت بإباحة لحوم الخيل وتحريم لحوم البغال والحمير، فأخذنا بها جمعًا بين النصين والله أعلم وقوله تعالى: {ويخلق ما لا تعلمون} لما ذكر الله سبحانه وتعالى الحيوانات التي ينتفع بها الإنسان في جميع حالاته، وضرورياته على سبيل التفضيل، ذكر بعدها ما لا ينتفع به الإنسان الغالب على سبيل الإجمال لأن مخلوقات الله في البر والبحر والسموات أكثر من أن تحصى أو يحيط بها عقل أحد أو فهمه، فلهذا ذكرها على الإجمال، وقال بعضهم: ويخلق ما لا تعلمون يعني مما أعد الله لأهل الجنة في الجنة، ولأهل النار في النار مما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر وقال قتادة في قوله: {ويخلق ما لا تعلمون} يعني السوس في النبات والدود في الفواكة. اهـ.

.قال أبو حيان:

{وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ}.
والأثقال: الأمتعة: واحدها ثقل.
وقيل: الأجسام لقوله تعالى: {وأخرجت الأرض أثقالها} أي أجساد بني آدم.
وقوله: {إلى بلد} لا يراد به معين أي: إلى بلد بعيد توجهتم إليه لأغراضكم.
وقيل: المراد به معين وهو مكة، قاله: ابن عباس، وعكرمة، والربيع بن أنس.
وقيل: مدينة الرسول.
وقيل: مصر.
وينبغي حمل هذه الأقوال على التمثيل لا على المراد، إذ المنة لا تختص بالحمل إليها.
ولم تكونوا بالغيه صفة للبلد، ويحتمل أن يكون التقدير بها، وذلك تنبيه على بعد البلد، وأنه مع الاستعانة بها بحمل الأثقال لا يصلون إليه إلا بالمشقة.
أو يكون التقدير: لم تكونوا بالغيه بأنفسكم دونها إلا بالمشقة عن أن تحملوا على ظهوركم أثقالكم.
وقرأ الجمهور: {بشق} بكسر الشين.
وقرأ مجاهد، والأعرج، وأبو جعفر، وعمر بن ميمون، وابن أرقم: بفتحها.
ورويت عن نافع وأبي عمرو، وهما مصدران معناهما المشقة.
وقيل: الشق بالفتح المصدر، وبالكسر الاسم، ويعني به: المشقة.
وقال الشاعر في الكسر:
أذي إبل يسعى ويحسبها له ** أخي نصب من شقها ودؤوب

أي مشقتها.
وشق الشيء نصفه، وعلى هذا حمله الفراء هنا أي: يذهبان صف الأنفس، كأنها قد ذابت تعبًا ونصبًا كما تقول: لا تقدر على كذا إلا بذهاب جل نفسك، وبقطعة من كبدك.
ونحو هذا من المجاز.
ويقال: أخذت شق الشاة أي نصفها والشق: الجانب، والأخ الشقيق، وشق اسم كاهن.
وناسب الامتنان بهذه النعمة من حملها الأثقال الختم بصفة الرأفة والرحمة، لأن من رأفته تيسير هذه المصالح وتسخير الأنعام لكم.
ولما ذكر تعالى مننه بالأنعام ومنافعها الضرورية، ذكر الامتنان بمنافع الحيوان التي ليست بضرورية.
وقرأ الجمهور: {والخيل} وما عطف عليه بالنصب عطفًا على {والأنعام}.
وقرأ ابن أبي عبلة بالرفع.
ولما كان الركوب أعظم منافعها اقتصر عليه، ولا يدل ذلك على أنه لا يجوز لكل الخيل، خلافًا لمن استدل بذلك.
وانتصب وزينة، ولم يكن باللام، ووصل الفعل إلى الركوب بوساطة الحرف، وكلاهما مفعول من أجله، لأن التقدير: خلقها، والركوب من صفات المخلوق لهم ذلك فانتفى شرط النصب، وهو: اتحاد الفاعل، فعدى باللام.
والزينة من وصف الخالق، فاتحد الفاعل، فوصل الفعل إليه بنفسه.
وقال ابن عطية: وزينة نصب بإضمارفعل تقديره: وجعلناها زينة.
وروى قتادة عن ابن عباس: لتركبوها زينة بغير واو.
قال صاحب اللوامح: والزينة مصدر أقيم مقام الاسم، وانتصابه على الحال من الضمير في خلقها، أو من لتركبوها.
وقال الزمخشري: أي وخلقها زينة لتركبوها، أو يجعل زينة حالًا من هاء، وخلقها لتركبوها وهي زينة وجمال.
وقال ابن عطية: والنصب حينئذ على الحال من الهاء في تركبوها.
والظاهر نفي العلم عن ذوات ما يخلق تعالى، فقال الجمهور: المعنى ما لا تعلمون من الآدميين والحيوانات والجمادات التي خلقها كلها لمنافعكم، فأخبرنا بأن له من الخلائق ما لا علم لنا به، لنزداد دلالة على قدرته بالإخبار، وإنْ طوى عنا علمه حكمة له في طيه، وما خلق تعالى من الحيوان وغيره لا يحيط بعلمه بشر.
وقال قتادة: ما لا تعلمون، أصل حدوثه كالسوس في النبات والدود في الفواكه.
وقال ابن بحر: لا تعلمون كيف يخلقه.
وقال مقاتل: هو ما أعد الله لأوليائه في الجنة ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
قال الطبري: وزاد بعد في الجنة وفي النار لأهلها، والباقي بالمعنى.
ورويت تفاسير في: ما لا تعلمون في الحديث عن ابن عباس، ووهب بن منبه، والشعبي، الله أعلم بصحتها.
ويقال: لما ذكر الحيوان الذي ينتفع به انتفاعًا ضروريًا وغير ضروري، أعقب بذكر الحيوان الذي لا ينتفع به غالبًا على سبيل الإجمال، إذ تفاصيله خارجة عن الإحصاء والعد. اهـ.