فصل: تفسير الآيات (12- 13):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.تفسير الآيات (12- 13):

قوله تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (12) وَمَا ذَرَأَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (13)}.

.مناسبة الآيتين لما قبلهما:

قال البقاعي:
ولما كان ربما قال بعض الضلال: إن هذه الأشياء مستندة إلى تأثير الأفلاك، نبه على أنها لا تصلح لذلك بكونها متغيرة فلابد لها من قاهر أثر فيها التغير، ولا يزال الأمر كذلك إلى أن ينتهي إلى واحد قديم فاعل بالاختيار، لما تقرر من بطلان التسلسل، فقال تعالى: {وسخر لكم} أي أيها الناس لإصلاح أحوالكم {الَّيل} للسكنى {والنهار} للابتغاء؛ ثم ذكر آية النهار فقال تعالى: {والشمس} أي لمنافع اختصها بها، ثم ذكر آية الليل فقال: {والقمر} لأمور علقها به {والنجوم} أي لآيات نصبها لها، ثم نبه على تغيرها بقوله: {مسخرات} أي بأنواع التغير لما خلقها له على أوضاع دبرها {بأمره} سببًا لصلاحكم وصلاح ما به قوامكم، دلالة على وحدانيته وفعله بالاختيار، ولو شاء لأقام أسبابًا غيرها أو أغنى عن الأسباب.
ولما كان أمرها مع كونه محسوسًا- ليس فيه من المنافع القريبة الأمر السهلة الملابسة ما يشغل عن الفكر فيه، لم يحل أمره إلى غير مطلق العقل، إشارة إلى وضوحه وإن كان لابد فيه من استعمال القوة المفكرة، ولأن الآثار العلوية أدل على القدرة الباهرة، وأبين شهادة للكبرياء والعظمة، فقال: {إن في ذلك} أي التسخير العظيم {لآيات} أي كثيرة متعددة عظيمة {لقوم يعقلون} وجمع الآيات لظهور تعدادها بالتحديث عنها مفصلة.
ولما كان ما مضى موضعًا للتفكر المنتج للعلم بوحدة الصانع واختياره، وكان التفكر في ذلك مذكرًا بما بعده من سر التفاوت في اللون الذي لا يمكن ضبط أصنافه على التحرير، وكان في ذلك تمام إبطال القول بتأثير الأفلاك والطبائع، لأن نسبتها إلى جميع أجزاء الورقة الواحدة والحبة الواحدة واحدة، قال تعالى عطفًا على الليل: {وما ذرأ} أي خلق وبث وفرق التراب والماء {لكم} أي خاصة، فاشكروه واعلموا أنه ما خصكم بهذا التدبير العظيم إلا لحكم كبيرة أجلَّها إظهار جلاله يوم الفصل {في الأرض} أي مما ذكر ومن غيره حال كونه {مختلفًا ألوانه} حتى في الورقة، الواحدة، فترى أحد وجهيها- بل بعضه- في غاية الحمرة، والآخر في غاية السواد أو الصفرة ونحو ذلك، فلو كان المؤثر موجبًا بالذات لامتنع حصول هذا التفاوت في الآثار، فعلم قطعًا أنه إنما هو قادر مختار، ولم يذكر اختلاف الصور لأن دلالتها- لأجل اختلاف أشكال النجوم من السماء وصور الجبال والروابي والوهاد من الأرض- ليست على إبطال الطبيعة كدلالة اختلاف اللون.
ولما كان ذلك- وإن كان خارجًا عن الحد في الانتشار- واحدًا من جهة كونه لونًا، وحد الآية فقال: {إن في ذلك} الذي ذرأه في هذه الحال على هذا الوجه العظيم {لآية} ولما نبه في التي قبلها على أن الأمر وصل في الوضوح إلى حد لا يحتاج معه إلى غير بديهة العقل، نبه هنا على أن ذلك معلوم طرأ عليه النسيان والغفلة، حثًا على بذل الجهد في تأمل ذلك، وإشارة إلى أن دلالته على المقصود في غاية الوضوح فقال: {لقوم يذكرون} ولو لم يمنعوا- بما أفاده الإدغام؛ والتذكر: طلب المعنى بالتفكر في متعلقه، فلابد من حضور معنى يطلب به غيره، وقد رتب سبحانه ذلك أبدع ترتيب، فذكر الأجسام المركبة عمومًا، ثم خص الحيوان، ثم مطلق الجسم النامي وهو النبات، ثم البسائط من الماء ونحوه، ثم الأعراض من الألوان. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (12)} في الآية مسائل:
المسألة الأولى:
اعلم أن الله تعالى لما أجاب في هذه الآية عن السؤال الذي ذكرناه من وجهين: الأول: أن نقول: إن حدوث الحوادث في هذا العالم السفلي مسندة إلى الاتصالات الفلكية والتشكلات الكوكبية إلا أنه لابد لحركاتها واتصالاتها من أسباب، وأسباب تلك الحركات إما ذواتها وإما أمور مغايرة لها، والأول باطل لوجهين: الأول: أن الأجسام متماثلة، فلو كان جسم علة لصفة لكان كل جسم واجب الاتصاف بتلك الصفة وهو محال، والثاني: أن ذات الجسم لو كانت علة لحصول هذا الجزء من الحركة لوجب دوام هذا الجزء من الحركة بدوام تلك الذات، ولو كان كذلك، لوجب بقاء الجسم على حالة واحدة من غير تغير أصلًا، وذلك يوجب كونه ساكنًا، ويمنع من كونه متحركًا، فثبت أن القول بأن الجسم متحرك لذاته يوجب كونه ساكنًا لذاته وما أفضى ثبوته إلى عدمه كان باطلًا، فثبت أن الجسم يمتنع أن يكون متحركًا لكونه جسمًا، فبقي أن يكون متحركًا لغيره، وذلك الغير إما أن يكون ساريًا فيه أو مباينًا عنه، والأول باطل، لأن البحث المذكور عائد في أن ذلك الجسم بعينه لم اختص بتلك القوة بعينها دون سائر الأجسام، فثبت أن محرك أجسام الأفلاك والكواكب أمور مباينة عنها، وذلك المباين إن كان جسمًا أو جسمانيًا عاد التقسم الأول فيه، وإن لم يكن جسمًا ولا جسمانيًا فإما أن يكون موجبًا بالذات أو فاعلًا مختارًا والأول باطل، لأن نسبة ذلك الموجب بالذات إلى جميع الأجسام على السوية، فلم يكن بعض الأجسام بقبول بعض الآثار المعينة أولى من بعض، ولما بطل هذا ثبت أن محرك الأفلاك والكواكب هو الفاعل المختار القادر المنزه عن كونه جسمًا وجسمانيًا، وذلك هو الله تعالى، فالحاصل أنا ولو حكمنا بإسناد حوادث العالم السفلي إلى الحركات الفلكية والكوكبية فهذه الحركات الكوكبية والفلكية لا يمكن إسنادها إلى أفلاك أخرى وإلا لزم التسلسل وهو محال، فوجب أن يكون خالق هذه الحركات ومدبرها هو الله تعالى، وإذا كانت الحوادث السفلية مستندة إلى الحركات الفلكية، وثبت أن الحركات الفلكية حادثة بتخليق الله تعالى وتقديره وتكوينه، فكان هذا اعترافًا بأن الكل من الله تعالى وبإحداثه وتخليقه، وهذا هو المراد من قوله: {وَسَخَّرَ لَكُمُ الليل والنهار والشمس والقمر} يعني إن كانت تلك الحوادث السفلية لأجل تعاقب الليل والنهار وحركات الشمس والقمر، فهذه الأشياء لابد وأن يكون حدوثها بتخليق الله تعالى وتسخيره قطعًا للتسلسل، ولما تم هذا الدليل في هذا المقام لا جرم ختم هذه الآية بقوله: {إِنَّ في ذلك لآيات لّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} يعني أن كل من كان عاقلًا علم أن القول بالتسلسل باطل ولابد من الانتهاء في آخر الأمر إلى الفاعل المختار القدير فهذا تقرير أحد الجوابين.
والجواب الثاني عن ذلك السؤال أن نقول: نحن نقيم الدلالة على أنه لا يجوز أن يكون حدوث النبات والحيوان لأجل تأثير الطباع والأفلاك والأنجم، وذلك لأن تأثير الطبائع والأفلاك والأنجم والشمس والقمر بالنسبة إلى الكل واحد، ثم نرى أنه إذا تولد العنب كان قشره على طبع وعجمه على طبع ولحمه على طبع ثالث وماؤه على طبع رابع، بل نقول: إنا نرى في الورد ما يكون أحد وجهي الورقة الواحدة منه في غاية الصفرة، والوجه الثاني من تلك الورقة في غاية الحمرة وتلك الورقة تكون في غاية الرقة واللطافة، ونعلم بالضرورة أن نسبة الأنجم والأفلاك إلى وجهي تلك الورقة الرقيقة، نسبة واحدة، والطبيعة الواحدة في المادة الواحدة لا تفعل إلا فعلًا واحدًا، ألا ترى أنهم قالوا: شكل البسيط هو الكرة لأن تأثير الطبيعة الواحدة في المادة الواحدة يجب أن يكون متشابهًا، والشكل الذي يتشابه جميع جوانبه هو الكرة، وأيضًا إذا وضعنا الشمع فإذا استضاء خمسة أذرع من ذلك الشمع من أحد الجوانب، وجب أن يحصل مثل هذا الأثر في جميع الجوانب، لأن الطبيعة المؤثرة يجب أن تتشابه نسبتها إلى كل الجوانب.
إذا ثبت هذا فنقول: ظهر أن نسبة الشمس والقمر والأنجم والأفلاك والطبائع إلى وجهي تلك الورقة اللطيفة الرقيقة نسبة واحدة، وثبت أن الطبيعة المؤثرة متى كانت نسبتها واحدة كان الأثر متشابهًا وثبت أن الأثر غير متشابه، لأن أحد جانبي تلك الورقة في غاية الصفرة، والوجه الثاني في غاية الحمرة فهذا يفيد القطع بأن المؤثر في حصول هذه الصفات والألوان والأحوال ليس هو الطبيعة، بل المؤثر فيها هو الفاعل المختار الحكيم، وهو الله سبحانه وتعالى، وهذا هو المراد من قوله: {وَمَا ذَرَأَلَكُمْ في الأرض مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ}.
واعلم أنه لما كان مدار هذه الحجة على أن المؤثر الموجب بالذات وبالطبيعة يجب أن يكون نسبته إلى الكل نسبة واحدة، فلما دل الحس في هذه الأجسام النباتية على اختلاف صفاتها وتنافر أحوالها ظهر أن المؤثر فيها ليس واجبًا بالذات بل فاعلًا مختارًا فهذا تمام تقرير هذه الدلائل وثبت أن ختم الآية الأولى بقوله: {لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} والآية الثانية بقوله: {لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} والآية الثالثة بقوله: {لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ} هو الذي نبه على هذه الفوائد النفيسة والدلائل الظاهرة والحمد لله على ألطافه في الدين والدنيا.
المسألة الثانية:
قرأ ابن عامر: {والشمس والقمر والنجوم} كلها بالرفع على الابتداء والخبر هو قوله: {مسخرات} وقرأ حفص عن عاصم: {والنجوم} بالرفع على أن يكون قوله: {والنجوم} ابتداء وإنما حملها على هذا لئلا يتكرر لفظ التسخير، إذ العرب لا تقول سخرت هذا الشيء مسخرًا فجوابه أن المعنى أنه تعالى سخر لنا هذه الأشياء حال كونها مسخرة تحت قدرته وإرادته، وهذا هو الكلام الصحيح، والتقدير: أنه تعالى سخر للناس هذه الأشياء وجعلها موافقة لمصالحها حال كونها مسخرة تحت قدرة الله تعالى وأمره وإذنه، وعلى هذا التقدير فالتكرير الخالي عن الفائدة غير لازم والله أعلم.
بقي في الآية سؤالات:
السؤال الأول: التسخير عبارة عن القهر والقسر، ولا يليق ذلك إلا بمن هو قادر يجوز أن يقهر، فكيف يصح ذلك في الليل والنهار وفي الجمادات والشمس والقمر؟
والجواب من وجهين: الأول: أنه تعالى لما دبر هذه الأشياء على طريقة واحدة مطابقة لمصالح العباد صارت شبيهة بالعبد المنقاد المطواع، فلهذا المعنى أطلق على هذا النوع من التدبير لفظ التسخير.
وعن الوجه الثاني في الجواب: وهو لا يستقيم إلا على مذهب أصحاب علم الهيئة، وذلك لأنهم يقولون: الحركة الطبيعية للشمس والقمر هي الحركة من المغرب إلى المشرق والله تعالى يحرك هذه الكواكب بواسطة حركة الفلك الأعظم من المشرق إلى المغرب، فكانت هذه الحركة قسرية، فلهذا السبب ورد فيها اللفظ التسخير.
السؤال الثاني: إذا كان لا يحصل للنهار والليل وجود إلا بسبب حركات الشمس كان ذكر النهار والليل مغنيًا عن ذكر الشمس.
والجواب: أن حدوث النهار والليل ليس بسبب حركة الشمس، بل حدوثهما بسبب حركة الفلك الأعظم الذي دللنا على أن حركته ليست إلا بتحريك الله سبحانه، وأما حركة الشمس فإنها علة لحدوث السنة لا لحدوث اليوم.
السؤال الثالث: ما معنى قوله: {مسخرات بِأَمْرِهِ} والمؤثر في التسخير هو القدرة لا الأمر.
والجواب: أن هذه الآية مبنية على أن الأفلاك والكواكب جمادات أم لا، وأكثر المسلمين على أنها جمادات، فلا جرم حملوا الأمر في هذه الآية على الخلق والتقدير، ولفظ الأمر بمعنى الشأن والفعل كثير قال تعالى: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَىْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [النحل: 40]، ومن الناس من يقول إنها ليست جمادات فههنا يحمل الأمر على الإذن والتكليف، والله أعلم. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله تعالى: {وسخر لكم الليل والنهار} الآية، قرأ الجمهور بإعمال {سخر} في جميع ما ذكر ونصب {مسخراتٍ} على الحال المؤكدة، كما قال تعالى: {وهو الحق مصدقًا} [فاطر: 31]، وكما قال الشاعر: البسيط:
أنا ابن دارة معروفًا بها نسبي

ونحو هذا وقرأ ابن عامر: {والشمسُ والقمرُ والنجومُ مسخراتٌ} برفع هذا كله، وقرأ حفص عن عاصم: {والنجومُ مسخراتٌ بأمره} بالرفع ونصب ما قبل ذلك، والمعنى في هذه الآية أن هذه المخلوقات مسخرات على رتبة قد استمر بها انتفاع البشر من السكون بالليل والسعي في المعايش وغير ذلك بالنهار، وأما منافع الشمس والقمر فأكثر من أن تحصى وأما النجوم فهدايات، وبهذا الوجه عدت من جملة النعم على بني آدم، ومن النعمة بها ضياؤها أحيانًا، قال الزجاج: وعلم عدد السنين والحساب بها.
قال القاضي أبو محمد: وفي هذا نظر، وقرأ ابن مسعود والأعمش وطلحة بن مصرف: {والرياح مسخرات} في موضع {النجوم}، ثم قال: {إن في ذلك لآيات} لعظم الأمر لأن كل واحد مما ذكر آية في نفسه لا يشترك مع الآخر، وقال في الآية قبل الآية لأن شيئًا واحدًا يعم تلك الأربعة وهو النبات، وكذلك في ذكر {ما ذرأ} [النحل: 13]. ليسارته بالإضافة، وأيضًا ف {آية} بمعنى {آيات} واحد يراد به الجمع.
{وَمَا ذَرَأَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ}.
{ذرأ} معناه بث ونشر، والذرية من هذا في أحد الأقوال في اشتقاقها، وقوله: {ألوانه} معناه أصنافه، كما تقول هذه ألوان من التمر ومن الطعام، ومن حيث كانت هذه المبثوثات في الأرض أصنافًا فأعدت في النعمة وظهر الانتفاع بها أنه على وجوه، ولا يظهر ذلك من حيث هي متلونة حمرة وصفرة وغير ذلك، ويحتمل أن يكون التنبيه على اختلاف الألوان حمرة وصفرة والأول أبين. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمُ الليل والنهار} أي للسكون والأعمال؛ كما قال: {وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ الليل والنهار لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَلِتَبتَغُواْ مِن فَضْلِهِ} [القصص: 73].
{والشمس والقمر والنجوم مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ} أي مُذَلَّلات لمعرفة الأوقات ونضج الثمار والزرع والاهتداء بالنجوم في الظلمات.
وقرأ ابن عباس وابن عامر وأهل الشام {والشمسُ والقمرُ والنجومُ مسخراتٌ} بالرفع على الابتداء والخبر.
الباقون بالنصب عطفًا على ما قبله.
وقرأ حفص عن عاصم برفع {والنجومُ مسخراتٌ} خبره.
وقرئ {والشمسَ والقمرَ والنجومَ} بالنصب.
عطفًا على الليل والنهار، ورفع النجوم على الابتداء {مسخراتٌ} بالرفع، وهو خبر ابتداء محذوف أي هي مسخرات، وهي في قراءة من نصبها حال مؤكدة؛ كقوله: {وَهُوَ الحق مُصَدِّقًا} [البقرة: 91].
{إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} أي عن الله ما نبّههم عليه ووفقّهم له.
{وَمَا ذَرَأَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (13)}.
فيه ثلاث مسائل:
الأولى قوله تعالى: {وَمَا ذَرَأَ} أي وسخّر ما ذرأ في الأرض لكم.
{ذَرَأَ} أي خلق؛ ذرأ الله الخلق يذرؤهم ذَرْءًا خلقهم، فهو ذاريء؛ ومنه الذُّرِّية وهي نسل الثقلين، إلا أن العرب تركت همزها، والجمع الذراري.
يقال: أنمي الله ذَرْأَك وذَرْوَك، أي ذرّيتك.
وأصل الذَّرْو والذَّرْء التفريق عن جمع.
وفي الحديث: ذرء النار؛ أي أنهم خلقوا لها.
الثانية ما ذرأه الله سبحانه منه مسخر مذلل كالدواب والأنعام والأشجار وغيرها، ومنه غير ذلك.
والدليل عليه ما رواه مالك في الموطأ عن كعب الأحبار قال: لولا كلمات أقولهن لجعلتني يهودُ حمارًا.
فقيل له: وما هن؟ فقال: أعوذ بوجه الله العظيم الذي ليس شيء أعظم منه، وبكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بَرٌّ ولا فاجر، وبأسماء الله الحسنى كلِّها ما علمت منها وما لم أعلم، من شرّ ما خلق وبَرَأ وذرأ.
وفيه عن يحيى بن سعيد أنه قال: أُسْرِي برسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى عفريتا من الجن يطلبه بشعلة من نار، الحديث.
وفيه: وشر ما ذَرَأ في الأرض.
وقد ذكرناه وما في معناه في غير هذا الموضع.
الثالثة قوله تعالى: {مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ} {مختلِفا} نصب على الحال.
و{ألوانُه} هيئاته ومناظره، يعني الدواب والشجر وغيرها.
{إِنَّ فِي ذَلِكَ} أي في اختلاف ألوانها.
{لآيَةً} أي لعبرة.
{لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ} أي يتّعظون ويعلمون أن في تسخير هذه المكونَّات لعلامات على وحدانية الله تعالى، وأنه لا يقدر على ذلك أحد غيره. اهـ.