فصل: قال الخازن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الخازن:

قوله سبحانه وتعالى: {قد مكر الذين من قبلهم} يعني من قبل كفار قريش وهو نمروذ بن كنعان الجبار، وكان أكبر ملوك الأرض في زمن إبراهيم صلى الله عليه وسلم وكان من مكره أنه بنى صرحًا ببابل ليصعد إلى السماء، ويقاتل أهلها في زعمه.
قال ابن عباس: وكان طول الصرح في السماء خمسة آلاف ذراع.
وقال كعب ومقاتل: كان طوله فرسخين فهبت ريح فقصفته وألقت رأسه في البحر وخر عليهم الباقي فأهلكهم وهم تحته ولما سقط تبلبلت ألسنة الناس من الفزع فتكلموا يومئذ بثلاثة وسبعين لسانًا، فلذلك سميت بابل وكان لسان الناس قبل ذلك السريانية قلت هكذا ذكره البغوي وفي هذا نظر لأن صالحًا عليه السلام كان قبلهم وكان يتكلم بالعربية، وكان أهل اليمن عربًا منهم جرهم الذي نشأ إسماعيل بينهم، وتعلم منهم العربية كانت قبائل العرب قديمة قبل إبراهيم عليه السلام مثل طسم وجديس وكل هؤلاء عرب تكلموا في قدم الزمان بالعربية، ويدل على صحة هذا قوله: {ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى} والله أعلم.
وقيل: حمل قوله: {قد مكر الذين من قبلهم} على العموم أولى فتكون الآية عامة في جميع الماكرين المبطلين الذي يحاولون إلحاق الضرر والمكر بالغير، وقوله سبحانه وتعالى: {فأتى الله بنيانهم من القواعد} يعني قصد تخريب بنيانهم من أصوله، وذلك بأن أتاهم بريح قصفت بنيانهم من أعلى، وأتاهم بزلازل قلعت بنيانهم من قواعده وأساسه، هذا إذا حملنا تفسير الأية على القول الأول، وهو ظاهر اللفظ وإن حملنا تفسير الآية على القول الثاني: وهو حملها على العموم كان المعنى أنهم لما رتبوا منصوبات ليمكروا بها على أنبياء الله وأهل الحق من عباده أهلكهم الله تعالى، وجعل هلاكهم مثل هلاك بنوا بنيانًا وثيقًا شديدًا ودعموه بالأساطين فانهدم ذلك البنيان، وسقط عليهم فأهلكهم فهو مثل ضربه الله سبحانه وتعالى لمن مكر بآخر فأهلكه الله بمكره، ومنه المثل السائر على ألسنة الناس: من حفر بئرًا لأخيه أوقعه الله فيه.
وقوله تعالى: {فخرّ عليهم السقف من فوقهم} يعني سقط عليهم السقف فأهلكهم وقوله: {من فوقهم} للتأكيد لأن السقف لا يخر إلا من فوقهم.
وقيل: يحتمل أنهم لم يكونوا تحت السقف عند سقوطه، فلما قال من فوقهم على أنهم كانوا تحته، وأنه لما خر عليهم أهلكوا وماتوا تحته تحت السقف عند سقوطه، فلما قال من فوقهم على أنهم كانوا تحته، وأنه لما خر عليهم أهلكوا وماتوا تحته {وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون} يعني في مأمنهم، وذلك أنهم لما اعتمدوا على قوة بنيانهم، وشدته كان ذلك البنيان سبب هلاكهم {ثم يوم القيامة يخزيهم} يعني يهينهم بالعذاب، وفيه إشارة بأن العذاب يحصل لهم في الدنيا والآخرة لأن الخزي هو العذاب مع الهوان {ويقول} يعني ويقول: الله لهم يوم القيامة {أين شركائي} يعني في زعمكم واعتقادكم {الذين كنتم تشاقون فيهم} يعني كنتم تعادون وتخالفون المؤمنين وتخاصمونهم في شأنهم لأن المشاقة عبارة عن كون كل واحد من الخصمين في شق غير شق صاحبه، والمعنى: ما لهم لا يحضرون معكم ليدفعوا عنكم ما نزل بكم من العذاب والهوان {قال الذين أوتوا العلم} يعني المؤمنين وقيل الملائكة {إن الخزي} يعني الهوان {اليوم} يعني في هذا اليوم وهو يوم القيامة {والسوء} يعني العذاب {على الكافرين} وإنما يقول المؤمنون: هذا يوم القيامة لأن الكفار كانوا يستهزئون بالمؤمنين في الدنيا، وينكرون عليهم أحوالهم فإذا كان يوم القيامة ظهر أهل الحق، وأُكرموا بأنواع الكرامات وأهين أهل الباطل وعذبوا بأنواع العذاب فعند ذلك يقول المؤمنون: إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين وفائدة هذا القول إظهار الشماتة بهم فيكون أعظم في الهوان والخزي قوله تعالى: {الذين تتوفاهم الملائكة} تقبض أرواحهم الملائكة، وهم ملك الموت وأعوانه {ظالمي أنفسهم} يعني بالكفر {فألقوا السلم} يعني أنهم استسلموا وانقادوا لأمر الله الذي نزل بهم وقالوا {ما كنا نعمل من سوء} يعني شركًا وإنما قالوا: ذلك من شدة الخوف {بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون} يعني فلا فائدة لكم في إنكاركم.
قال عكرمة: عنى بذلك ما حصل من الكفار يوم بدر {فادخلوا} أي فيقال لهم ادخلوا {أبواب جهنم خالدين فيها} يعني مقيمين فيها لا يخروجون منها.
وإنما قال ذلك لهم ليكون أعظم في الغم والحزن، وفيه دليل على أن الكفار بعضهم أشد عذابًا من بعض {فلبئس مثوى المتكبرين} يعني عن الإيمان. اهـ.

.قال أبو حيان:

{قَدْ مَكَرَ الذين مِنْ قَبْلِهِمْ}.
فأتى الله أي: أمره وعذابه والبنيان، قيل: حقيقة.
قال ابن عباس وغيره: الذين من قبلهم نمرود بنى صرحًا ليصعد بزعمه إلى السماء، وأفرط في علوه وطوله في السماء فرسخين على ما حكى النقاش، وقاله كعب الأحبار.
وقال ابن عباس ووهب: طوله في السماء خمسة آلاف ذراع، وعرضه ثلاثة آلاف ذراع، فبعث الله تعالى عليه ريحًا فهدمته، وخر سقفه عليه وعلى اتباعه.
وقيل: هدمه جبريل بجناحه، وألقى أعلاه في البحر، والحقف من أسفله.
وقال ابن الكلبي: المراد المقتسمون المذكورون في سورة الحجر.
وقيل: الذين من قبلهم بخت نصر وأصحابه.
وقال الضحاك: قريات قوم لوط، وقالت فرقة: المراد بالذين من قبلهم من كفر من الأمم المتقدمة ومكر، ونزلت به عقوبة من الله، ويكون فأتى الله بنيانهم إلى آخره تمثيلًا والمعنى: أنهم سوّوا منصوبات ليمكروا بها الله ورسوله، فجعل الله هلاكهم في تلك المنصوبات كحال قوم بنوا بنيانًا وعمدوه بالأساطين، فأتى البنيان من الأساطين بأن تضعضعت، فسقط عليهم السقف وهلكوا ونحوه: من حفر لأخيه جبًا وقع فيه منكبًا.
ومن القواعد لابتداء الغاية أي: أتاهم أمر الله من جهة القواعد.
وقالت فرقة: المراد بقوله: {فخرَّ عليهم السقف من فوقهم} جاءهم العذاب من قبل السماء التي هي فوقهم، وقاله ابن عباس.
وقيل: المعنى أحبط الله أعمالهم فكانوا بمنزلة من سقط بنيانه.
قال ابن عطية: وهذا ينجر إلى اللغز.
ومعنى قوله: {من فوقهم} رفع الاحتمال في قوله: {فخرَّ عليهم السقف} فإنك تقول: انهدم على فلان بناؤه وليس تحته، كما تقول: انفسد عليه، وقوله: من فوقه، ألزم أنهم كانوا تحته انتهى.
وهذا الذي قاله ابن الأعرابي قال: يعلمك أنهم كانوا جالسين تحته، والعرب تقول: خر علينا سقف، ووقع علينا سقف، ووقع علينا حائط إذا كان يملكه.
وإن لم يكن وقع عليه فجاء بقوله من فوقهم ليخرج هذا الذي في كلام العرب فقال: من فوقهم، أي: عليهم وقع، وكانوا تحته فهلكوا، فأتاهم العذاب.
قال ابن عباس: يعني البعوضة التي أهلك بها نمروذ، وقيل: من حيث لا يشعرون، من حيث ظنوا أنهم في أمان.
وقرأ الجمهور: {بنيانهم} وقرأت فرقة بنيتهم.
وقرأ جعفر: {بيتهم} والضحاك: {بيوتهم}.
وقرأ الجمهور: {السقف} مفردًا، والأعرج {السقف} بضمتين وزيد بن علي ومجاهد، بضم السين فقط.
وتقدم توجيه مثل هاتين القراءتين في وبالنجم.
وقرأت فرقة: {السقف} بفتح السين وضم القاف، وهي لغة في السقف، ولعل السقف مخفف منعه، ولكنه كثر استعماله كما قالوا في رجل رجل وهي لغة تميمية.
ولما ذكر تعالى ما حل بهم في دار الدنيا، ذكر ما يحل بهم في الآخرة.
ويخزيهم: يعم جميع المكاره التي تحل بهم، ويقتضي ذلك إدخالهم النار كقوله: {ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته} أي أهنته كل الإهانة.
وجمع بين الإهانة بالفعل، والإهانة بالقول بالتقريع والتوبيخ في قوله: {يخزيهم}.
ويقول: أين شركائي، أضاف تعالى الشركاء إليه، والإضافة تكون بأدنى ملابسة، والمعنى: شركائي في زعمكم، إذ أضاف على الاستهزاء.
وقرأ الجمهور: {شركائي} ممدودًا مهموزًا مفتوح الياء، وفرقة كذلك: تسكنها، فسقط في الدرج لالتقاء الساكنين.
والبزي عن ابن كثير بخلاف عنه: مقصورًا وفتح الياء هنا خاصة.
وروي عنه: ترك الهمز في القصص والعمل على الهمز فيه وقصر الممدود، وذكروا أنه من ضرورة الشعر، ولا ينبغي ذلك لثبوته في هذه القراءة، فيجوز قليلًا في الكلام.
والمشاقة: المفاداة والمخاصمة للمؤمنين.
وقرأ الجمهور: {تشاقون} بفتح النون، وقرأ نافع بكسرها، ورويت عن الحسن، ولا يلتفت إلى تضعيف أبي حاتم هذه القراءة.
وقرأت فرقة: بتشديدها، أدغم نون الرفع في نون الوقاية.
والذين أوتوا العلم، عام فيمن أوتي العلم من الأنبياء، وعلماء أممهم الذين كانوا يدعونهم إلى الإيمان ويعظونهم، فلا يلتفتون إليهم، وينكرون عليهم.
وقيل: هم الملائكة، وقاله ابن عباس.
وقيل: الحفظة من الملائكة.
وقيل: من حضر الموقف من ملك وأنسي، وغير ذلك.
وقال يحيى بن سلام: هم المؤمنون انتهى.
ويقول أهل العلم: شماتة بالكفار وتسميعًا لهم، وفي ذلك إعظام للعلم، إذ لا يقول ذلك إلا أهله {الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} تقدم تفسيره في سورة النساء.
والظاهر أنّ الذين صفة للكافرين، فيكون ذلك داخلًا في القول.
فإن كان القول يوم القيامة فيكون تتوفاهم حكاية حال ماضية، وإن كان القول في الدنيا لما أخبر تعالى أنه يخزيهم يوم القيامة ويقول لهم ما يقول قال أهل العلم: إذا أخبر الله تعالى بذلك أن الخزي اليوم الذي أخبر الله أنه يخزيهم فيه، فيكون تتوفاهم على بابها.
ويشمل من حيث المعنى من توفته، ومن تتوفاه.
ويجوز أن يكون الذين خبر مبتدأ محذوف، وأن يكون منصوبًا على الذم، فاحتمل أن يكون مقولًا لأهل العلم، واحتمل أنْ يكون غير مقول، بل من إخبار الله تعالى. اهـ.

.قال أبو السعود:

{قَدْ مَكَرَ الذين مِنْ قَبْلِهِمْ}.
وعيدٌ لهم برجوع غائلة مكرِهم إلى أنفسهم كدأب مَنْ قبلهم من الأمم الخاليةِ الذين أصابهم ما أصابهم من العذاب العاجلِ، أي قد سوَّوا منصوباتٍ ليمكروا بها رسلَ الله تعالى: {فَأَتَى الله} أي أمرُه وحكمُه {بُنْيَانُهُمُ} وقرئ {بيتهم} و{بيوتهم} {مّنَ القواعد} وهي الأساطينُ التي تعمِده أو أساسُه فضعضَعَتْ أركانَه {فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السقف مِن فَوْقِهِمْ} أي سقط عليهم سقفُ بنيانهم إذ لا يتصور له القيامُ بعد تهدّم القواعدِ، شُبّهت حالُ أولئك الماكرين في تسويتهم المكايدَ والمنصوباتِ التي أرادوا بها الإيقاعَ برسل الله سبحانه، وفي إبطاله تعالى تلك الحيلَ والمكايدَ وجعلِه إياها أسبابًا لهلاكهم بحال قومٍ بنَوا بنيانًا وعمَدوه بالأساطين فأُتيَ ذلك من قِبل أساطينِه بأن ضعضعت فسقط عليهم السقف فهلكوا، وقرئ {فخر عليهم السُّقُفُ} بضمتين {وأتاهم العذاب} أي الهلاك والدمار {مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ} بإتيانه منه بل يتوقعون إتيانَ مقابلِه مما يريدون ويشتهون، والمعنى أن هؤلاء الماكرين القائلين للقرآن العظيم أساطيرُ الأولين سيأتيهم من العذاب مثلُ ما أتاهم وهم لا يحتسبون، والمرادُ به العذابُ العاجل لقوله سبحانه: {ثُمَّ يَوْمَ القيامة يُخْزِيهِمْ} فإنه عطفٌ على مقدر ينسحب عليه الكلام، أي هذا الذي فُهم من التمثيل من عذاب هؤلاء أو ما هو أعمُّ منه ومما ذكر من عذاب أولئك جزاؤهم في الدنيا ويوم القيامة يُخزيهم أي يُذِلهم بعذاب الخِزْي على رؤوس الأشهادِ، وأصلُ الخزي ذُلٌّ يستحيى منه، وثم للإيماء إلى ما بين الجزاءين من التفاوت مع ما يدل عليه من التراخي الزماني، وتغييرُ السبك بتقديم الظرف ليس لقصر الخزي على يوم القيامة كما هو المتبادرُ من تقديم الظرف على الفعل بل لأن الإخبارَ بجزائهم في الدنيا مؤذِنٌ بأن لهم جزاء أخرويًا فتبقى النفسُ مترقبة إلى وروده سائلةً عنه بأنه ماذا، مع تيقنها بأنه في الآخرة فسيق الكلامُ على وجه يُؤذِن بأن المقصود بالذكر إخزاؤهم لا كونُه يوم القيامة، والضمير إما للمفترين في حق القرآنِ الكريم أو لهم ولمن مُثّلوا بهم من الماكرين كما أشير إليه وتخصيصُه بهم يأباه السِّباقُ والسياق كما ستقف عليه.
{وَيَقُولُ} لهم تفضيحًا وتوبيخًا فهو إلخ، بيان للإخزاء {أَيْنَ شُرَكَائِىَ} أضافهم إليه سبحانه حكاية لإضافتهم الكاذبة، ففيه توبيخٌ مع الاستهزاء بهم {الذين كُنتُمْ تشاقون فِيهِمْ} أي تخاصمون الأنبياء والمؤمنين في شأنهم بأنهم شركاء حقًا حين بينوا لكم بطلانَها؟ والمرادُ بالاستفهام استحضارُهم للشفاعة أو المدافعةُ على طريقة الاستهزاء والتبكيتِ، والاستفسارُ عن مكانهم لا يوجب غَيبتَهم حقيقةً حتى يُعتذَرَ بأنهم يجوز أن يُحال بينهم وبين عبدَتِهم حينئذ ليتفقدوها في ساعة علقوا بها الرجاء فيها، أو بأنهم لما لم ينفعوهم فكأنهم غُيّب، بل يكفي في ذلك عدمُ حضورهم بالعنوان الذي كانوا يزعُمون أنهم متصفون من عنوان الإلهية، فليس هناك شركاء ولا أماكنُها، على أن قوله ليتفقدوا ليس بسديد فإنه قد تبين عندهم الأمرُ حينئذ فرجعوا عن ذلك الزعم الباطلِ فكيف يتصور منهم التفقد وقرئ بكسر النون أي تشاقّونني على أن مشاقّةَ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والمؤمنين لاسيما في شأن متعلق به سبحانه مشاقةٌ له عز وجل: {قَالَ الذين أُوتُواْ العلم} من أهل الموقفِ وهم الأنبياء والمؤمنون الذين أوتوا علمًا بدلائل التوحيدِ وكانوا يدْعونهم في الدنيا إلى التوحيد فيجادلونهم ويتكبرون عليهم، أي يقولون توبيخًا فهو وإظهارًا للشماتة بهم وتقريرًا لما كانوا يعِظونهم وتحقيقًا لما أوعدوهم به، وإيثارُ صيغةِ الماضي للدلالة على تحققه وتحتّم وقوعِه حسبما هو المعتادُ في إخباره سبحانه وتعالى كقوله: {وَنَادَى أصحاب الجنة} {ونادى أصحاب الأعراف} {إِنَّ الخزى} الفضيحةَ والذل والهوان {اليوم} منصوبٌ بالخزي على رأي من يرى إعمالَ المصدرِ المصدّر باللام، أو بالاستقرار في الظرف، وفيه فصلٌ بين العامل والمعمول بالمعطوف إلا إنه مغتفرٌ في الظروف، وإيرادُه للإشعار بأنهم كانوا قبل ذلك في عزّة وشِقاق {والسوء} العذاب {عَلَى الكافرين} بالله تعالى وبآياته ورسله.
{الذين تتوفاهم الملائكة}.
بتأنيث الفعل، وقرئ بتذكيره وبإدغام التاء في التاء، والعدولُ إلى صيغة المضارعِ لاستحضار صورةِ توفِّيهم إياهم لما فيها من الهول، والموصولُ في محل الجرِّ على أنه نعتٌ للكافرين أو بدلٌ منه أو في محل النصبِ أو الرفع على الذم، وفائدتُه تخصيصُ الخزي والسوءِ بمن استمر كفرُه إلى حينِ الموت دون مَن آمن منهم ولو في آخر عُمره، أي على الكافرين المستمرين على الكفر إلى أن يتوفاهم الملائكة {ظَالِمِى أَنفُسِهِمْ} أي حالَ كونهم مستمرين على الكفر فإنه ظلمٌ منهم لأنفسهم وأيُّ ظلم، حيث عرّضوها للعذاب المخلّد وبدّلوا فطرةَ الله تبديلًا {فَأَلْقَوُاْ السلم} أي فيُلقون، والعدولُ إلى صيغة الماضي للدِلالة على تحقق الوقوعِ وهو عطفٌ على قوله تعالى: {وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَآئِىَ} وما بينهما جملةٌ اعتراضية جيء بها تحقيقًا لما حاق بهم من الخزي على رؤوس الأشهادِ، أي فيُسالمون ويتركون المُشاقّةَ وينزِلون عما كانوا عليه في الدنيا من الكِبْر وشدةِ الشكيمة قائلين: {مَا كُنَّا نَعْمَلُ} في الدنيا {مِن سُوء} أي من شرك، قالوه منكِرين لصدوره عنهم كقولهم: {والله رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} وإنما عبروا عنه بالسوء اعترافًا بكونه سيئًا لا إنكارًا لكونه كذلك مع الاعتراف بصدوره عنهم، ويجوز أن يكون تفسيرًا للسَّلَم على أن يكون المرادُ به الكلامَ الدالَّ عليه، وعلى التقديرين فهو جوابٌ عن قوله سبحانه: {أَيْنَ شُرَكَائِىَ} كما في سورة الأنعام لا عن قول أولي العلمِ ادعاء لعدم استحقاقهم لما دهمهم من الخزي والسوء {بلى} رد عليهم من قِبل أولي العلم وإثباتٌ لما نفَوْه أي بلى كنتم تعملون ما تعملون {إِنَّ الله عَلِيمٌ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} فهو يجازيكم عليه وهذا أوانُه.
{فادخلوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ} أي كلُّ صنف من بابه المعدِّ له، وقيل: أبوابُها أصنافُ عذابها فالدخولُ عبارةٌ عن الملابسة والمقاساة {خالدين فِيهَا} إن أريد بالدخول حدوثُه فالحال مقدّرة، وإن أريد مطلقُ الكون فيها فهي مقارِنة {فَلَبِئْسَ مَثْوَى المتكبرين} عن التوحيد كما قال تعالى: {قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ} وذكرُهم بعنوان التكبر للإشعار بعلّيته لثُوائهم فيها، والمخصوصُ بالذم محذوفٌ أي جهنم وتأويلُ قولهم: {مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوء} بأنا ما كنا عاملين ذلك في اعتقادنا رَوْمًا للمحافظة على أن لا كذِبَ ثمة يرده الردُّ المذكور وما في سورة الأنعام من قوله تعالى: {انظر كَيْفَ كَذَبُواْ على أَنفُسِهِمْ}. اهـ.