فصل: قال البيضاوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وذكر العقل لأن الآثار العلوية أطهر دلالة على القدرة الباهرة وأبين شهادة للكبرياء والعظمة {وَمَا ذَرَأَلَكُمْ في الأرض} معطوف على {الليل والنهار} أي ما خلق فيها من حيوان وشجر وثمر وغير ذلك {مُخْتَلِفًا} حال {أَلْوَانُهُ إِنَّ في ذَلِكَ لآيَةً لّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ} يتعظون.
{وَهُوَ الذي سَخَّرَ البحر لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا} هو السمك، ووصفه بالطراوة لأن الفساد، يسرع إليه فيؤكل سريعًا طريًا خيفة الفساد وإنما لا يحنث بأكله إذا حلف لا يأكل لحمًا لأن مبني الإيمان على العرف.
ومن قال لغلامه: اشتر بهذه الدراهم لحمًا، فجاء بالسمك كان حقيقًا بالإنكار {وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً} هي اللؤلؤ والمرجان {تَلْبَسُونَهَا} المراد بلبسهم لبس نسائهم ولكنهن إنما يتزين بها من أجلهم فكأنها زينتهم ولباسهم.
{وَتَرَى الفلك مَوَاخِرَ} جواري تجري جريًا وتشق الماء شقًا والمخرشق الماء بحيزومها {فِيهِ} في البحر {وَلِتَبْتَغوُا مِن فَضْلِهِ} هو عطف على محذوف أي لتعتبروا ولتبتغوا وابتغاء الفضل التجارة {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} الله على ما أنعم عليكم به {وألقى في الأرض رَوَاسِيَ} جبالًا ثوابت {أَن تَمِيدَ بِكُمْ} كراهية أن تميل بكم وتضطرب أو لئلا تميد بكم لكن حذف المضاف أكثر.
قيل: خلق الله الأرض فجعلت تميد فقالت الملائكة: ما هي بمقر أحد على ظهرها فأصبحت وقد أرسيت بالجبال لم تدر الملائكة مم خلقت {وأنهارا} وجعل فيها أنهارًا لأن ألقى فيه معنى جعل {وَسُبُلًا} طرقًا {لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} إلى مقاصدكم أو إلى توحيد ربكم {وعلامات} هي معالم الطرق وكل ما يستدل به السابلة من جبل وغير ذلك {وبالنجم هُمْ يَهْتَدُونَ} المراد بالنجم الجنس أو هو الثريا والفرقدان وبنات نعش والجدى.
فإن قلت: {وبالنجم هم يهتدون} مخرج عن سنن الخطاب مقدم فيه النجم مقحم فيه هم كأنه قيل: وبالنجم خصوصًا هؤلاء خصوصًا يهتدون فمن المراد بهم؟ قلت: كأنه أراد قريشًا فلهم اهتداء بالنجوم في مسايرهم ولهم بذلك علم لم يكن مثله لغيرهم، فكان الشكر أوجب عليهم والاعتبار ألزم لهم فخصصوا.
{أَفَمَن يَخْلُقُ} أي الله تعالى: {كَمَن لاَّ يَخْلُقُ} أي الأصنام وجيء ب {من} الذي هو لأولي العلم لزعمهم حيث سموها آلهة وعبدوها فأجروها مجرى أولي العلم، أو لأن المعنى أن من يخلق ليس كمن لا يخلق من أولي العلم فكيف بما لا علم عنده.
وإنما لم يقل أفمن لا يخلق كمن يخلق مع اقتضاء المقام بظاهره إياه لكونه إلزامًا للذين عبدوا الأوثان وسموها آلهة تشبيهًا بالله لأنهم حين جعلوا غير الله مثل الله في تسميته باسمه والعبادة له فقد جعلوا الله من جنس المخلوقات وشبيهًا بها فأنكر عليهم ذلك بقوله: {أفمن يخلق كمن لا يخلق} وهو حجة على المعتزلة في خلق الأفعال {أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ} فتعرفون فساد ما أنتم عليه {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ الله لاَ تُحْصُوهَا} لا تضبطوا عددها ولا تبلغه طاقتكم فضلًا أن تطيقوا القيام بحقها من أداء الشكر، وإنما اتبع ذلك ما عدد من نعمه تنبيهًا على أن ما رواءها لا ينحصر ولا يعد {إِنَّ الله لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} يتجاوز عن تقصيركم في أداء شكر النعمة ولا يقطعها عنكم لتفريطكم.
{والله يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ} من أقوالكم وأفعالكم وهو وعيد {والذين يَدْعُونَ} والآلهة الذين يدعوهم الكفار {مِن دُونِ الله} وبالتاء: غير عاصم: {لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ أَمْوَاتٌ} أي هم أموات {غَيْرُ أَحْيَاء وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} نفى عنهم خصائص الإلهية بنفي كونهم خالقين وأحياء لا يموتون وعالمين بوقت البعث، وأثبت لهم صفات الخلق بأنهم مخلوقون أموات جاهلون بالبعث، ومعنى {أموات غير أحياء} أنهم لو كانوا آلهة على الحقيقة لكانوا أحياء غير أموات أي غير جائز عليها الموت وأمرهم بالعكس من ذلك.
والضمير في {يبعثون} للداعين أي لا يشعرون متى تبعث عبدتهم، وفيه تهكم بالمشركين وأن آلهتهم لا يعلمون وقت بعثهم فكيف يكون لهم وقت جزاء أعمالهم منهم على عبادتهم، وفيه دلالة على أنه لابد من البعث.
{إلهكم إله واحد} أي ثبت بما مر أن الإلهية لا تكون لغير الله وأن معبودكم واحد {فالذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ} للوحدانية {وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ} عنها وعن الإقرار بها {لاَ جَرَمَ} حقا {أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ} أي سرهم وعلانيتهم فيجازيهم وهو وعيد {إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المستكبرين} عن التوحيد يعني المشركين.
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ} لِهؤلاء الكفار {مَّاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ أساطير الأولين} {ماذا} منصوب ب {أَنزل} أي أيَّ شيء أنزل ربكم، أو مرفوع على الابتداء أي أيُّ شيء أنزله ربكم و{أساطير} خبر مبتدأ محذوف.
قيل: هو قول المقتسمين الذين اقتسموا مداخل مكة ينفّرون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سألهم وفود الحاج عما أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: أساطير الأولين أي أحاديث الأولين وأباطيلهم واحدتها أسطورة، وإذا رأوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبرونهم بصدقه وأنه نبي فهم الذين قالوا خيرًا {لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ القيامة وَمِنْ أَوْزَارِ الذين يُضِلُّونَهُمْ} أي قالوا ذلك إضلالًا للناس فحملوا أوزار ضلالهم كاملة وبعض أوزار من ضل بضلالهم وهو وزر الإضلال لأن المضل والضال شريكان واللام للتعليل {بِغَيْرِ عِلْمٍ} حال من المفعول أي يضلون من لا يعلم أنهم ضلال {أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ} محل {ما} رفع {قَدْ مَكَرَ الذين مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى الله بنيانهم مّنَ القواعد} أي من جهة القواعد وهي الأساطين، وهذا تمثيل يعني أنهم سوّوا منصوبات ليمكروا بها رسل الله فجعل الله هلاكهم في تلك المنصوبات كحال قوم بنوا بنيانا وعمدوه بالأساطين، فأتى البنيان من الأساطين بأن ضعضعت فسقط عليهم السقف وهلكوا، والجمهور على أن المراد به نمرود بن كنعان حين بني الصرح ببابل طوله خمسة آلاف ذراع وقيل فرسخان فأهب الله الريح فخر عليه وعلى قومه فهلكوا فأتى الله أي أمره بالاستئصال {فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السقف مِن فَوْقِهِمْ وأتاهم العذاب مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ} من حيث لا يحتسبون ولا يتوقعون.
{ثُمَّ يَوْمَ القيامة يُخْزِيهِمْ} يذلهم بعذاب الخزي سوى ما عذبوا به في الدنيا {وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَآئِيَ} على الإضافة إلى نفسه حكاية لإضافتهم ليوبخهم بها على طريق الاستهزاء بهم {الذين كُنتُمْ تشاقون فِيهِمْ} تعادون وتخاصمون المؤمنين في شأنهم {تشاقون} نافع أي تشاقونني فيهم لأن مشاقة المؤمنين كأنها مشاقة الله {قَالَ الذين أُوتُواْ العلم} أي الأنبياء والعلماء من أممهم الذين كانوا يدعونهم إلى الإيمان ويعظونهم فلا يلتفتون إليهم ويشاقونهم يقولون ذلك شماتة بهم أو هم الملائكة {إِنَّ الخزى اليوم} الفضيحة {والسوء}.
العذاب {عَلَى الكافرين الذين تتوفاهم الملائكة} وبالياء: حمزة وكذا ما بعده {ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ} بالكفر بالله {فَأَلْقَوُاْ السلم} أي الصلح والاستسلام أي أخبتوا وجاؤوا بخلاف ما كانوا عليه في الدنيا من الشقاق وقالوا {مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوءٍ} وجحدوا ما وجد منهم من الكفران والعداوة فرد عليهم أولو العلم وقالوا {بلى إِنَّ الله عَلِيمٌ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} فهو يجازيكم عليه وهذا أيضًا من الشماتة وكذلك {فادخلوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خالدين فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى المتكبرين} جهنم. اهـ.

.قال البيضاوي:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.
{أتى أَمْرُ الله فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ}.
كانوا يستعجلون ما أوعدهم الرسول صلى الله عليه وسلم من قيام الساعة، أو إهلاك الله تعالى إياهم كما فعل يوم بدر استهزاء وتكذيبًا، ويقولون إن صح ما تقوله فالأصنام تشفع لنا وتخلصنا منه فنزلت، والمعنى أن الأمر الموعود به بمنزلة الآتي المتحقق من حيث إنه واجب الوقوع، فلا تستعجلوا وقوعه فإنه لا خير لكم فيه ولا خلاص لكم منه. {سُبْحَانَهُ وتعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ} تبرأ وجل عن أن يكون له شريك فيدفع ما أراد بهم، وقرأ حمزة والكسائي بالتاء على وفق قوله: {فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ} والباقون بالياء على تلوين الخطاب، أو على أن الخطاب للمؤمنين أو لهم ولغيرهم، لما روي أنه لما نزلت أتى أمر الله فوثب النبي صلى الله عليه وسلم ورفع الناس رؤوسهم فنزلت {فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ}.
{يُنَزّلُ الملائكة بالروح} بالوحي أو القرآن، فإنه يحيي به القلوب الميتة بالجهل، أو يقوم في الدين مقام الروح في الجسد، وذكره عقيب ذلك إشارة إلى الطريق الذي به علم الرسول صلى الله عليه وسلم ما تحقق موعدهم به ودنوه وإزاحة لاستبعادهم اختصاصه بالعلم به، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو {يُنَزّلٍ} من أنزل، وعن يعقوب مثله وعنه {تنزل} بمعنى تتنزل، وقرأ أبو بكر: {تنزل} على المضارع المبني للمفعول من التنزيل. {مِنْ أَمْرِهِ} بأمره أو من أجله. {على مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ} أن يتخذه رسولًا. {أَنْ أَنْذِرُواْ} بأن أنذروا أي اعلموا من نذرت بكذا إذا علمته. {أَنَّهُ لا إله إِلا أَنَاْ فاتقون} أن الشأن {لا إله إِلا أَنَاْ فاتقون}، أو خوفوا أهل الكفر والمعاصي بأنه {لا إله إِلا أَنَاْ} وقوله: {فاتقون} رجوع إلى مخاطبتهم بما هو المقصود، و{أَن} مفسرة لأن الروح بمعنى الوحي الدال على القول، أو مصدرية في موضع الجر بدلًا من الروح أو النصب بنزع الخافض، أو مخففة من الثقيلة، والآية تدل على أن نزول الوحي بواسطة الملائكة وأن حاصله التنبيه على التوحيد الذي هو منتهى كمال القوة العلمية، والأمر بالتقوى الذي هو أقصى كمال القوة العملية، وأن النبوة عطائية والآيات التي بعدها دليل على وحدانيته من حيث إنها تدل على أنه تعالى هو الموجد لأصول العالم وفروعه على وفق الحكمة والمصلحة، ولو كان له شريك لقدر على ذلك فيلزم التمانع.
{خَلَقَ السموات والأرض بالحق} أوجدهما على مقدار وشكل وأوضاع وصفات مختلفة قدرها وخصصها بحكمته. {تعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ} منهما أو مما يفتقر في وجوده أو بقائه إليهما ومما لا يقدر على خلقهما، وفيه دليل على أنه تعالى ليس من قبيل الأجرام.
{خَلَقَ الإنسان مِن نُّطْفَةٍ} جماد لا حس بها ولا حراك سيالة لا تحفظ الوضع والشكل. {فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ} منطيق مجادل. {مُّبِينٌ} للحجة أو خصيم مكافح لخالقه قائل: {مِنْ يحيى العظام وَهِيَ رَمِيمٌ} روي أن أُبَي بن خلف أتى النبي صلى الله عليه وسلم بعظم رميم وقال: يا محمد أترى الله يحيي هذا بعد ما قد رمَّ. فنزلت.
{والأنعام} الإِبل والبقر والغنم وانتصابها بمضمر يفسره. {خَلَقَهَا لَكُمْ} أو بالعطف على الإِنسان، وخلقها لكم بيان ما خلقت لأجله وما بعده تفصيل له. {فِيهَا دِفْءٌ} ما يدفأ به فيقي البرد. {ومنافع} نسلها ودرها وظهورها، وإنما عبر عنها بالمنافع ليتناول عوضها. {وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} أي تأكلون ما يؤكل منها من اللحوم والشحوم والألبان، وتقديم الظرف للمحافظة على رؤوس الآي، أو لأن الأكل منها هو المعتاد المعتمد عليه في المعاش، وأما الأكل من سائر الحيوانات المأكولة فعلى سبيل التداوي أو التفكه.
{وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ} زينة. {حِينَ تُرِيحُونَ} تردونها من مراعيها إلى مراحها بالعشي. {وَحِينَ تَسْرَحُونَ} تخرجونها بالغداة إلى المراعي فإن الأفنية تتزين بها في الوقتين ويجل أهلها في أعين الناظرين إليها، وتقديم الاراحة لأن الجمال فيها أظهر فإنها تقبل ملأى البطون حافلة الضروع، ثم تأوي إلى الحظائر حاضرة لأهلها، وقرئ {حينًا} على أن {تُرِيحُونَ} {وتسرحون} وصفان له بمعنى {تُرِيحُونَ} فيه {وتسرحون} فيه.
{وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ} أحمالكم. {إلى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بالغيه} أي إن لم تكن الأنعام ولم تخلق فضلًا أن تحملوها على ظهوركم إليه. {إِلاَّ بِشِقِّ الأنفس} إلا بكلفة ومشقة، وقرئ بالفتح وهو لغة فيه، وقيل المفتوح مصدر شق الأمر عليه وأصله الصدع والمكسور بمعنى النصف، كأنه ذهب نصف قوته بالتعب. {إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} حيث رحمكم بخلقها لانتفاعكم وتيسير الأمر عليكم.
{والخيل والبغال والحمير} عطف على {الأنعام}. {لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} أي لتركبوها وتتزينوا بها زينة، وقيل هي معطوفة على محل {لِتَرْكَبُوهَا} وتغيير النظم لأن الزينة بفعل الخالق والركوب ليس بفعله، ولأن المقصود مِنْ خَلْقِهَا الركوب وأما التزين بها فحاصل بالعرض، وقرئ بغير واو وعلى هذا يحتمل أن يكون علة {لِتَرْكَبُوهَا} أو مصدرًا في موضع الحال من أحد الضميرين أي: متزينين أو متزينًا بها، واستدل به على حرمة لحومها ولا دليل فيه إذ لا يلزم من تعليل الفعل بما يقصد منه غالبًا أن لا يقصد منه غيره أصلًا، ويدل عليه أن الآية مكية وعامة المفسرين والمحدثين على أن الحمر الأهلية حرمت عام خيبر. {وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} لما فصل الحيوانات التي يحتاج إليها غالبًا احتياجًا ضروريًا أو غير ضروري أجمل غيرها، ويجوز أن يكون إخبارًا بأن له من الخلائق ما لا علم لنا به، وأن يراد به ما خلق في الجنة والنار مما لم يخطر على قلب بشر.
{وَعَلَى الله قَصْدُ السبيل} بيان مستقيم الطريق الموصل إلى الحق، أو إقامة السبيل وتعديلها رحمة وفضلًا، أو عليه قصد السبيل يصل إليه من يسلكه لا محالة يقال سبيل قصد وقاصد أي مستقيم، كأنه يقصد الوجه الذي يقصده السالك لا يميل عنه، والمراد من {السبيل} الجنس ولذلك أضاف إليه ال {قَصْدُ} وقال: {وَمِنْهَا جَائِرٌ} حائد عن القصد أو عن الله، وتغيير الأسلوب لأنه ليس بحق على الله تعالى أن يبين طرق الضلالة، أو لأن المقصود بيان سبيله وتقسيم السبيل إلى القصد والجائر إنما جاء بالعرض، وقرئ و{منكم جائر} أي عن القصد. {وَلَوْ شَاء} الله. {لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} أي ولو شاء هدايتكم أجمعين لهداكم إلى قصد السبيل هداية مستلزمة للاهتداء.
{هُوَ الذي أَنْزَلَ مِنَ السماء} من السحاب أو من جانب السماء. {مَاء لَّكُم مَّنْهُ شَرَابٌ} ما تشربونه، {وَلَكُمْ} صلة {أَنَزلَ} أو خبر {شَرَابٌ} و{مِنْ} تبعيضية متعلقة به، وتقديمها يوهم حصر المشروب فيه ولا بأس به لأن مياه العيون والآبار منه لقوله: {فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ} وقوله: {فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأرض} {وَمِنْهُ شَجَرٌ} ومنه يكون شجر يعني الشجر الذي ترعاه المواشي، وقيل كل ما نبت على الأرض شجر قال:
يَعْلِفُهَا اللَّحْمَ إِذَا عَزَّ الشَّجَر ** وَالخَيْلُ فِي إِطْعَامِهَا اللَّحْم ضَرَر

{فِيهِ تُسِيمُونَ} ترعون، من سامت الماشية وأسامها صاحبها، وأصله السومة وهي العلامة لأنها تؤثر بالرعي علامات.
{يُنبِتُ لَكُمْ بِهِ الزرع} وقرأ أبو بكر بالنون على التفخيم. {والزيتون والنخيل والاعناب وَمِن كُلّ الثمرات} وبعض كلها إذا لم ينبت في الأرض كل ما يمكن من الثمار، ولعل تقديم ما يسام فيه على ما يؤكل منه لأنه سيصير غذاء حيوانيًا هو أشرف الأغذية، ومن هذا تقديم الزرع والتصريح بالأجناس الثلاثة وترتيبها. {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} على وجود الصانع وحكمته، فإن من تأمل أن الحبة تقع في الأرض وتصل إليها نداوة تنفذ فيها، فينشق أعلاها ويخرج منه ساق الشجرة، وينشق أسفلها فيخرج منه عروقها. ثم ينمو ويخرج منه الأوراق والأزهار والأكمام والثمار، ويشتمل كل منها على أجسام مختلفة الأشكال والطباع مع اتحاد المواد ونسبة الطبائع السفلية والتأثيرات الفلكية إلى الكل، علم أن ذلك ليس إلا بفعل فاعل مختار مقدس عن منازعة الأضداد والأنداد ولعل فصل الآية به لذلك.
{وَسَخَّرَ لَكُمُ اليل والنهار والشمس والقمر والنجوم} بأن هيأها لمنافعكم. {مسخرات بِأَمْرِهِ} حال من الجميع أي نفعكم بها حال كونها مسخرات لله تعالى خلقها ودبرها كيف شاء، أو لما خلقن له بإيجاده وتقديره أو لحكمه، وفيه إيذان بالجواب عما عسى أن يقال إن المؤثر في تكوين النبات حركات الكواكب وأوضاعها، فإن ذلك إن سلم فلا ريب في أنها أيضًا ممكنة الذات والصفات واقعة على بعض الوجود المحتملة، فلابد لها من موجد مخصص مختار واجب الوجود دفعًا للدور والتسلسل، أو مصدر ميمي جمع لاختلاف الأنواع.