فصل: قال القاسمي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقرأ مجاهد بضم السين وسكون القاف، وقرأ الباقون: {السقف} بفتح السين وسكون القاف، والمعنى: أنه سقط عليهم السقف، لأنه بعد سقوط قواعد البناء يسقط جميع ما هو معتمد عليها.
قال ابن الأعرابي، وإنما قال: {من فوقهم} ليعلمك أنهم كانوا حالين تحته، والعرب تقول خرّ علينا سقف، ووقع علينا حائط إذا كان يملكه وإن لم يكن وقع عليه، فجاء بقوله: {مّن فَوْقِهِمْ} ليخرج هذا الشك الذي في كلام العرب، فقال: {مّن فَوْقِهِمْ} أي: عليهم وقع، وكانوا تحته فهلكوا، وما أفلتوا.
وقيل: إن المراد بالسقف: السماء، أي: أتاهم العذاب من السماء التي فوقهم.
وقيل: إن هذه الآية تمثيل لهلاكهم؛ والمعنى: أهلكهم فكانوا بمنزلة من سقط بنيانه عليه.
وقد اختلف في هؤلاء الذين خرّ عليهم السقف، فقيل: هو نمروذ كما تقدّم، وقيل: إنه بختنصر وأصحابه، وقيل هم المُقسمون الذين تقدّم ذكرهم في سورة الحجر {وأتاهم العذاب} أي: الهلاك {مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ} به، بل من حيث أنهم في أمان.
ثم بين سبحانه أن عذابهم غير مقصور على عذاب الدنيا.
فقال: {ثُمَّ يَوْمَ القيامة يُخْزِيهِمْ} بإدخالهم النار، ويفضحهم بذلك ويهينهم، وهو معطوف على مقدّر، أي هذا عذابهم في الدنيا، {ثم يوم القيامة يخزيهموَيَقُولُ} لهم مع ذلك توبيخًا وتقريعًا {أَيْنَ شُرَكَائِىَ} كما تزعمون وتدّعون، قرأ ابن كثير من رواية البزي {شركاي} من دون همز، وقرأ الباقون بالهمز، ثم وصف هؤلاء الشركاء بقوله: {الذين كُنتُمْ تشاقون فِيهِمْ} قرأ نافع بكسر النون على الإضافة، وقرأ الباقون بفتحها، أي: تخاصمون الأنبياء والمؤمنين فيهم، وعلى قراءة نافع تخاصمونني فيهم وتعادونني، ادعوهم فليدفعوا عنكم هذا العذاب النازل بكم.
وقد أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: {لاَ جَرَمَ} يقول: بلى.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك {لاَ جَرَمَ} قال: يعني الحق.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك قال: لا كذب.
وأخرج مسلم، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه وغيرهم عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرّة من كبر، ولا يدخل النار من كان في قلبه مثقال ذرّة من إيمان، فقال رجل: يا رسول الله، الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنًا ونعله حسنًا، فقال: إن الله جميل يحبّ الجمال، الكبر بطر الحق وغمص الناس» وفي ذمّ الكبر، ومدح التواضع أحاديث كثيرة، وكذلك في إخراج محبة حسن الثوب وحسن النعل، ونحو ذلك من الكبر أحاديث كثيرة.
والحاصل أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بيّن ماهية الكبر أنه بطر الحق وغمص الناس، فهذا هو الكبر المذموم.
وقد ساق صاحب الدرّ المنثور عند تفسيره لهذه الآية: أعني قوله سبحانه: {إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المستكبرين} أحاديث كثيرة ليس هذا مقام إيرادها، بل المقام مقام ذكر ماله علاقة بتفسير الكتاب العزيز.
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {قَالُواْ أساطير الأولين} أن ناسًا من مشركي العرب كانوا يقعدون بطريق من أتى نبيّ الله صلى الله عليه وسلم، فإذا مرّوا سألوهم فأخبروهم بما سمعوا من النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: إنما هو أساطير الأوّلين.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ} الآية يقول يحملون مع ذنوبهم ذنوب الذين يضلونهم بغير علم.
وذلك مثل قوله سبحانه: {وَأَثْقَالًا مَّعَ أَثْقَالِهِمْ} [العنكبوت: 13].
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد نحوه، وزاد: ولا يخفف ذلك عمن أطاعهم من العذاب شيئًا.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {قَدْ مَكَرَ الذين مِنْ قَبْلِهِمْ} قال: نمروذ بن كنعان حين بنى الصرح.
وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير عن زيد بن أسلم أنه النمروذ أيضًا.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد نحوه.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {فَأَتَى الله بنيانهم مّنَ القواعد} قال: أتاها أمر الله من أصلها {فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السقف مِن فَوْقِهِمْ} والسقف: أعالي البيوت فائتكفت بهم بيوتهم، فأهلكم الله ودمرهم {وأتاهم العذاب مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ}.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم من طريق عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس {تشاقون فِيهِمْ} قال: تخالفوني. اهـ.

.قال القاسمي:

سورة النحل.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.
القول في تأويل قوله تعالى: {أَتَى أَمْرُ اللّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [1].
{أَتَى أَمْرُ اللّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} تقرر في غير ما آية، أن المشركين كانوا يستعجلون ما وعدوا من قيام الساعة أو إهلاكهم، كما فعل يوم بدر، استهزاء وتكذيبًا بالوعد. فقيل لهم: {أَتَى أَمْرُ اللّهِ} أي: ما توعدونه مما ذكر، والتعبير عنه بـ: {أَمْرُ اللّهِ}؛ للتفخيم والتهويل، وللإيذان بأن تحققه في نفسه وإتيانه، منوط بحكمه النافذ وقضائه الغالب، وإتيانه عبارة عن دنوِّه واقترابه، على طريقة نظم المتوقع في سلك الواقع. أو عن إتيان مباديه القريبة، على نهج إسناد حال الأسباب إلى المسببات، والآية كقوله تعالى: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ} [الأنبياء: 1]، وقوله: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} [القمر: 1]، وقوله: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلا أَجَلٌ مُسَمّىً لَجَاءهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} [العنكبوت: 53]. ثم إنه تعالى نزه نفسه عن شركهم به غيره، وعبادتهم معه ما سواه، من الأوثان والأنداد، الذي أفضى بهم إلى الاستهزاء والعناد، واعتقادهم أنها شفعاؤهم إذا جاء الميعاد.
القول في تأويل قوله تعالى: {يُنَزِّلُ الْمَلآئِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُواْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَاْ فَاتَّقُونِ} [2].
{يُنَزِّلُ الْمَلآئِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُواْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَاْ فَاتَّقُونِ} رد لاستبعادهم النبوة، بأن ذلك سنة له تعالى، ولذا ذكر صيغة الاستقبال، كقوله تعالى: {يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاء مِنْ عِبَادِه} [غافر: 15]، وقوله تعالى: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاس} [الحج: 75]، والروح هو الوحي، الذي من جملته القرآن؛ لقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْإِيْمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاء مِنْ عِبَادِنَا} [الشورى: 52]، والتعبير عنه بالروح على نهج الاستعارة. فإنه يحيي القلوب الميتة بالجهل، و: {مِنْ أَمْرِهِ} بيان للروح، أو حال منه، أو صفة، أو متعلق بـ {ينزل} و{من} للسببية، و: {أَنْ أَنْذِرُواْ} بدل من الروح. أي: أخبروهم بالتوحيد والتقوى. فقوله: {فَاتَّقُونِ} من جملة المنذر به. أو هو خطاب للمستعجلين، على طريقة الالتفات، والفاء فصيحة، أي: إذا كانت سنته تعالى ذلك، فاتقون، بما ينافيه من الإشراك وفروعه من الاستعجال.
قال الزمخشري: ثم دل على وحدانيته وأنه لا إله إلا هو، بما ذكر، مما لا يقدر عليه غيره، من خلق السماوات والأرض، وخلق الإنسان وما يصلحه، وما لابد له منه من خلق البهائم لأكله وركوبه، وجر أثقاله وسائر حاجاته، وخلق ما لا يعلمون من أصناف خلائقه، ومثله متعال عن أن يشرك به غيره، بقوله سبحانه:
القول في تأويل قوله تعالى: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِيْنَ تُرِيحُونَ وَحِيْنَ تَسْرَحُونَ} [3- 6].
{خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ} أي: بالحكمة، كما تقدم: {تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِن نُّطْفَةٍ} أي: مهينة ضعيفة: {فَإِذَا هُوَ} بعد تكامله بشرًا: {خَصِيمٌ مُّبِينٌ} أي: مخاصم لخالقه مجادل، يجحد وحدانيته ويحارب رسله، وهو إنما خلق ليكون عبدًا لا ضدًا.
{وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ} أي: لمصالحكم، وهي الأزواج الثمانية المفصلة في سورة الأنعام.
قال الزمخشري: وأكثر ما تقع على الإبل.
{فِيهَا دِفْءٌ} أي: ما يدفئ، أي: يسخن به من صوف أو وبر أو شعر، فيقي البرد {وَمَنَافِعُ} أي: من نسلها ودرِّها وركوب ظهرها: {وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ} أي: زينة: {حِيْنَ تُرِيحُونَ} أي: تردونها من مراعيها إلى مراحها {بضم الميم} وهو مقرِّها في دور أهلها بالعشيِّ: {وَحِينَ تَسْرَحُونَ} أي: تخرجونها بالغداة إلى المراعي.
قال الزمخشري: منَّ الله بالتجمل بها كما منَّ بالانتفاع بها؛ لأنه من أغراض أصحاب المواشي، بل هو من معاظمها؛ لأن الرعيان، إذا روحوها بالعشي، وسرحوها بالغداة، فزينت بإراحتها وتسريحها الأفنية، وتجاوب فيها الثغاء والرغاء؛ أنست أهلها وفرحت أربابها، وأجلتهم في عيون الناظرين إليها، وكسبتهم الجاه والحرمة عند الناس، ونحوه: {لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَة} [النحل: 8]، {يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا} [الأعراف: 26].
فإن قلت: لِمَ قدمت الإراحة على التسريح؟ قلت: لأن الجمال في الإراحة أظهر، إذا أقبلت، ملأى البطون، حافلة الضروع، ثم أوت إلى الحظائر لأهلها. انتهى.
ثم أشار إلى فائدة جامعة للحاجة والزينة فقال:
القول في تأويل قوله تعالى: {وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} [7- 8].
{وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ} أي: أحمالكم: {إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ} بكسر الشين المعجمة وفتحها، قراءتان، وهما لغتان في معنى {المشقة} أي: لم تكونوا بالغيه بأنفسكم إلا بجهد ومشقة، فضلًا عن أن تحملوا على ظهوركم أثقالكم: {إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} أي: حيث سخرها لمنافعكم.
ثم أشار إلى ما هو أتم في دفع المشقة وإفادة الزينة، فقال: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ} عطف على {الأنعام}: {لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} عطف محل {لتركبوها} فهي مفعول له، أو مصدر لمحذوف. أي: وتتزينوا بها زينة، أو مصدر واقع موقع الحال من فاعل {تركبوها} أو مفعوله. أي: متزينين بها، أو متزينًا بها، وسر التصريح باللام في المعطوف عليه، دون المعطوف؛ هو الإشارة إلى أن المقصود المعتبر الأصلي في الأصناف؛ هو الركوب، وأما التزين بها فأمر تابع غير مقصود قصد الركوب. فاقترن المقصود المهم باللام المفيدة للتعليل؛ تنبيهًا على أنه أهم الغرضين وأقوى السببين، وتجرد التزين منها تنبيهًا على تبعيته أو قصوره عن الركوب، والله أعلم. كذا في الانتصاف.
تنبيه:
استدل بهذه الآية القائلون بتحريم لحوم الخيل، قائلين بأن التعليل بالركوب يدل على أنها مخلوقة لهذه المصلحة دون غيرها. قالوا: ويؤيد ذلك إفراد هذه الأنواع الثلاثة بالذكر وإخراجها عن الأنعام. فيفيد ذلك اتحاد حكمها في تحريم الأكل. قالوا: ولو كان أكل الخيل جائزًا؛ لكان ذكره والامتنان به أولى من ذكر الركوب؛ لأنه أعظم فائدة منه، وأجاب المجوزون لأكلها، بأنه لا حجة في التعليل بالركوب؛ لأن ذكر ما هو الأغلب من منافعها لا ينافي عيره.
ولا نسلم أن الأكل أكثر فائدة من الركوب حتى يذكر ويكون ذكره أقدم من ذكر الركوب، وأيضًا لو كانت هذه الآية تدل على تحريم الخيل؛ لدلت على تحريم الحمر الأهلية، وحينئذ لا يكون ثَم حاجة لتجديد التحريم لها عام خيبر، وقد قدمنا أن هذه السورة مكية.
والحاصل: أن الأدلة الصحيحة قد دلت على حل أكل لحوم الخيل. فلو سلمنا أن هذه الآية متمسكًا للقائلين بالتحريم؛ لكانت السنة المطهرة الثابتة رافعة لهذا الاحتمال، ودافعة لهذا الاستدلال، وقد ورد في حل أكل لحوم الخيل، أحاديث منها ما في الصحيحين وغيرهما من حديث أسماء قالت: نحرنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسًا، فأكلناه، وأخرج أبو عبيد وابن أبي شيبة والترمذي وصححه، والنسائي وغيرهم عن جابر قال: أطعمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لحوم الخيل، ونهانا عن لحوم الحمر الأهلية، وأخرج أبو داود نحوه، وثبت أيضًا في الصحيحين من حديث جابر قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لحوم الحمر الأهلية، وأذن في الخيل.
وأما ما أخرجه أبو داود والنسائي وغيرهما من حديث خالد بن الوليد قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل كل ذي ناب من السباع، وعن لحوم الخيل والبغال والحمير. ففي إسناده صالح بن يحيى، فيه مقال، ولو فرض صحته لم يقو على معارضة أحاديث الحل. على أنه يمكن أن يكون متقدمًا على يوم خيبر، فيكون منسوخًا. كذا في فتح البيان.
وفي الإكليل: أخذ المالكية، من الاقتران المذكور، ردًا على الحنفية في قولهم بوجوب الزكاة فيها. أي: الخيل، وقوله تعالى: {وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} أي: من المخلوقات في القفار والبحار، وصيغة الاستقبال للدلالة على التجدد والاستمرار. أو لاستحضار الصورة.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَعَلَى اللّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَآئِرٌ وَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} [9].
{وَعَلَى اللّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَآئِرٌ وَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} في الآية فوائد:
الأولى: قال ابن كثير: لما ذكر تعالى من الحيوانات ما يسار عليه في السبل الحسية نبه على الطرق المعنوية الدينية، وكثيرًا ما يقع في القرآن العبور من الأمور الحسية إلى الأمور المعنوية الدينية، كقوله تعالى: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} [البقرة: 197]، وقال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} [الأعراف: 26].
ولما ذكر تعالى في هذه السورة الحيوانات من الأنعام وغيرها، التي يركبونها ويبلغون عليها حاجة في صدورهم، وتحمل أثقالهم إلى البلاد والأماكن البعيدة والأسفار الشاقة؛ شرع في ذكر الطرق التي يسلكها الناس إليه، فبين أن الحق منها موصلة إليه، فقال: {وَعَلَى اللّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ}. كقوله تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِه} [الأنعام: 153]، وقال: {هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ} [الحجر: 41]. انتهى، وقوله سبحانه: {إِنِّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى}.
الثانية: قال أبو السعود: {القصد}: مصدر بمعنى الفاعل. يقال: سبيل قصد وقاصد: أي: مستقيم. على طريقة الاستعارة أو على نهج إسناد حال سالكه إليه، كأنه يقصد الوجه الذي يؤمه السالك لا يعدل عنه. أي: حقٌّ عليه سبحانه وتعالى، بموجب رحمته ووعده المحتوم، بيان الطريق المستقيم الموصل لمن يسلكه إلى الحق، الذي هو التوحيد: بنصب الأدلة وإرسال الرسل وإنزال الكتب لدعوة الناس إليه. أو مصدر بمعنى الإقامة والتعديل. قاله أبو البقاء. أي: عليه، عز وجل، تقويمها وتعديلها. أي: جعلها بحيث يصل سالكها إلى الحق. لكن لا بعد ما كانت في نفسها منحرفة عنه، بل إبداعها ابتداء كذلك على نهج سبحان من صغَّر البعوض، وكبَّر الفيل، وحقيقته راجعة إلى ما ذكر من نصب الأدلة، وقد فعل ذلك حيث أبدع هذه البدائع التي كل واحد منها لاحبٌ يهتدى بمناره، وعلم يستضاء بناره، وأرسل رسلًا مبشرين ومنذرين، وأنزل عليهم كتبًا من جملتها هذا الوحي الناطق بحقيقة الحق، الفاحص عن كل ما جل من الأسرار ودق، الهادي إلى سبيل الاستدلال بتلك الأدلة المفضية إلى معالم الهدى، المنجِّية عن فيافي الضلالة ومهاوي الردى.