فصل: قال ابن عطية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عطية:

قوله: {وقيل للذين اتقوا} الآية، لما وصف تعالى مقالة الكفار الذين قالوا أساطير الأولين، عادل ذلك بذكر مقالة المؤمنين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأوجب لكل فريق ما يستحق لتتباين المنازل بين الكفر والإيمان، و{ماذا} تحتمل ما ذكر في التي قبلها، وقولهم {خيرًا} جواب بحسب السؤال، واختلف المتأولون في قوله تعالى: {للذين أحسنوا} إلى آخر الآية، فقالت فرقة: هو ابتداء كلام من الله مقطوع مما قبله، لكنه بالمعنى وعد متصل بذكر إحسان المتقين في مقالتهم، وقالت فرقة: هو من كلام الذين {قالوا خيرًا} وهو تفسير للخير الذي أنزل الله في الوحي على نبينا خبرًا أن من أحسن في الدنيا بطاعة فله حسنة في الدنيا ونعيم في الآخرة بدخول الجنة، وروى أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله لا يظلم المؤمن حسنة يثاب عليها الرزق في الدنيا ويجزى بها في الآخرة» وقد تقدم القول في إضافة {الدار} إلى الآخرة وباقي الآية بين.
{جنات عدن} يحتمل أن يرتفع على خبر ابتداء مضمر بتقدير هي جنات عدن، ويحتمل أن يرتفع بقوله: {ولنعم دار المتقين} [النحل: 30]. {جنات عدن} ويحتمل أن يكون التقدير، لهم جنات عدن، ويحتمل أن يكون {جنات} مبتدأ وخبره {يدخلونها}، وقرأ زيد بن ثابت وأبو عبد الرحمن {جناتِ} بالنصب، وهذا نحو قولهم زيد ضربته، وقرأ جمهور الناس {يدخلونها}، وقرأ إسماعيل عن نافع: {يُدخَلونها} بضم الياء وفتح الخاء، ولا يصح هذا عن نافع، ورويت عن أبي جعفر وشيبة بن نصاح، وقوله: {تجري من تحتها الأنهار} في موضع الحال وباقي الآية بين، وقرأ الجمهور: {تتوفاهم} بالتاء، وقرأ الاعمش: {يتوفاهم} بالياء من تحت، وفي مصحف ابن مسعود {توفاهم} بتاء واحدة في الموضعين، و{طيبين} عبارة عن صلاح حالهم واستعدادهم للموت، وهذا بخلاف ما قال في الكفرة {ظالمي أنفسهم} [النحل: 28]، والطيب الذي لا خبث معه، ومنه قوله تعالى: {طبتم فادخلوها خالدين} [الزمر: 73]، وقول الملائكة: {سلام عليكم}، بشارة من الله تعالى، وفي هذا المعنى أحاديث صحاح يطول ذكرها وقوله: {بما كنتم تعملون} أي بما كان في أعمالكم من تكسبكم، وهذا على التجوز، علق دخولهم الجنة بأعمالهم من حيث جعل الأعمال أمارة لإدخال العبد الجنة، ويعترض في هذا المعنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل الجنة أحد بعمله قالوا: ولا أنت يا رسول الله، قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله بفضل منه ورحمة» وهذه الآية ترد بالتأويل إلى معنى الحديث.
قال القاضي أبو محمد: ومن الرحمة والتغمد، أن يوفق الله العبد إلى أعمال برة، ومقصد الحديث نفي وجوب ذلك على الله تعالى بالعقل، كما ذهب إليه فريق من المعتزلة. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتقوا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْرًا} أي قالوا: أنزل خيرًا؛ وتَمّ الكلام.
و{ماذا} على هذا اسم واحد.
وكان يرِدُ الرجل من العرب مكة في أيام الموسم فيسأل المشركين عن محمد عليه السلام فيقولون: ساحر أو شاعر أو كاهن أو مجنون.
ويسأل المؤمنين فيقولون: أنزل الله عليه الخير والهدى، والمراد القرآن.
وقيل: إن هذا يقال لأهل الإيمان يوم القيامة.
قال الثعلبي: فإن قيل: لِم ارتفع الجواب في قوله: {أَسَاطِيرُ الأولين} وانتصب في قوله: {خيرا} فالجواب أن المشركين لم يؤمنوا بالتنزيل، فكأنهم قالوا: الذي يقوله محمد هو أساطير الأوّلين.
والمؤمنون آمنوا بالنزول فقالوا: أنزل خيرًا.
وهذا مفهوم معناه من الإعراب، والحمد لله.
قوله تعالى: {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هذه الدنيا حَسَنَةٌ} قيل: هو من كلام الله عز وجل.
وقيل: هو من جملة كلام الذين اتقَوا.
والحسنة هنا: الجنة؛ أي من أطاع الله فله الجنة غدًا.
وقيل: {للذين أحسنوا} اليومَ حسنة في الدنيا من النصر والفتح والغَنِيمة: {وَلَدَارُ الآخرة خَيْرٌ} أي ما ينالون في الآخرة من ثواب الجنة خير وأعظم من دار الدنيا؛ لفنائها وبقاء الآخرة.
{وَلَنِعْمَ دَارُ المتقين} فيه وجهان قال الحسن: المعنى ولنعم دار المتقين الدنيا؛ لأنهم نالوا بالعمل فيها ثواب الآخرة ودخول الجنة.
وقيل: المعنى ولنعم دار المتقين الآخرة؛ وهذا قول الجمهور.
وعلى هذا تكون {جَنَّاتُ عَدْنٍ} بدلًا من الدار فلذلك ارتفع.
وقيل: ارتفع على تقدير هي جنات، فهي مبيِّنة لقوله: {دَارُ المتّقِين}، أو تكون مرفوعة بالابتداء، التقدير: جنات عدن نعم دار المتقين.
{يَدْخُلُونَهَا} في موضع الصفة، أي مدخولة.
وقيل: {جنات} رفع بالابتداء، وخبره {يدخلونها} وعليه يُخَرّج قول الحسن.
والله أعلم.
{تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار} تقدّم معناه في البقرة.
{لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاؤونَ} أي مما تمنّوه وأرادوه.
{كَذَلِكَ يَجْزِي الله المتقين} أي مثل هذا الجزاء يجزي الله المتقين.
{الذين تَتَوَفَّاهُمُ الملائكة طَيِّبِينَ} قرأ الأعمش وحمزة: {يتوفاهم الملائكة} في الموضعين بالياء، واختاره أبو عبيد؛ لما روي عن ابن مسعود أنه قال: إن قريشًا زعموا أن الملائكة إناث فذكِّروهم أنتم.
الباقون بالتاء؛ لأن المراد به الجماعة من الملائكة.
و{طَيِّبِينَ} فيه ستة أقوال: الأوّل {طَيِّبِين} طاهرين من الشرك.
الثاني صالحين.
الثالث زاكية أفعالهم وأقوالهم.
الرابع طيبين الأنفس ثقةً بما يلقونه من ثواب الله تعالى.
الخامس طيبة نفوسهم بالرجوع إلى الله.
السادس {طيبين} أن تكون وفاتهم طيّبة سهلة لا صعوبة فيها ولا ألم؛ بخلاف ما تقبض به روح الكافر والمخلط.
والله أعلم.
{يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ} يحتمل وجهين: أحدهما أن يكون السلام إنذارًا لهم بالوفاة.
الثاني أن يكون تبشيرًا لهم بالجنة؛ لأن السلام أمان.
وذكر ابن المبارك قال: حدّثني حَيْوَة قال أخبرني أبو صخر عن محمد بن كعب القُرَظِيّ قال: إذا استنقعت نفس العبد المؤمن جاءه مَلَك الموت فقال: السلام عليك وَلِيَّ الله، الله يقرأ عليك السلام.
ثم نزع بهذه الآية {الذين تتوفاهم الملائكة طيّبِين يقولونَ سلام عليكم}.
وقال ابن مسعود: إذا جاء ملك الموت يقبض روح المؤمن قال: ربّك يقرئك السلام.
وقال مجاهد: إن المؤمن ليبَشَّر بصلاح ولده من بعده لتَقَرّ عينه.
وقد أتينا على هذا في {كتاب التذكرة} وذكرنا هناك الأخبار الواردة في هذا المعنى، والحمد لله.
وقوله: {ادخلوا الجنة} يحتمل وجهين: أحدهما أن يكون معناه ابشروا بدخول الجنة.
الثاني أن يقولوا ذلك لهم في الآخرة.
{بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} يعني في الدنيا من الصالحات. اهـ.

.قال الخازن:

قوله: {وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيرًا}.
وذلك أن أحياء العرب كانوا يبعثون إلى مكة أيام الموسم من يأتيهم بخبر النبي صلى الله عليه وسلم فإذا جاء الوافد سأل الذين كانوا يقعدون على طرقات مكة من الكفار فيقولون: هو ساحر كاهن شاعر كذاب مجنون وإذا لم تلقه خير لك.
فيقول الوافد: أنا شر وافد إن رجعت إلى قومي من دون أن أدخل مكة فألقاه فيدخل مكة، فيرى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسألهم عنه فيخبرونه بصدقه، وأمانته وأنه نبي مبعوث من الله، فذلك قوله سبحانه وتعالى: {وقيل للذين اتقوا} يعني اتقوا الشرك، وقول الزور والكذب {ماذا أنزل ربكم قالوا خيرًا} يعني أنزل خيرًا فان قلت لم رفع الأول وهو قوله: {أساطير الأولين} ونصب الثاني، وهو قوله: {قالوا خيرًا} قلت ليحصل الفرق بين الجوابين جواب المنكر الجاحد، وجواب المقر المؤمن وذلك أنهم لما سألوا الكفار عن المنزل على النبي صلى الله عليه وسلم عدلوا بالجواب عن السؤال فقالوا: هو أساطير الأولين وليس هو من الإنزال في شيء لأنهم لم يعتقدوا كونه منزلًا ولما سألوا المؤمنين على المنزل على النبي صلى الله عليه وسلم لم يتلعثموا، وأطبقوا الجواب على السؤال بيّنًا مكشوفًا معقولًا للإنزال فقالوا: خيرًا أي أنزل خيرًا، وتم الكلام عند قوله خيرًا فهو، وقف تام ثم ابتدأ بقوله تعالى: {للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة} يعني الذين أتوا بالأعمال الصالحة الحسنة ثوابها حسنة مضاعفة من الواحد إلى العشرة إلى السبعمائة إلى أضعاف كثيرة، وقال الضحاك: هي النصر والفتح.
وقال مجاهد: هي الرزق الحسن.
فعلى هذا يكون معنى الآية للذين أحسنوا ثواب إحسانهم في هذه الدنيا حسنة، وهي النصر والفتح والرزق الحسن، وغير ذلك مما أنعم الله به على عباده في الدنيا، ويدل على صحة هذا التأويل قوله تعالى: {ولدار الآخرة خير} يعني ما لهم في الآخرة مما أعد الله لهم في الجنة خير مما يحصل لهم في الدنيا {ولنعم دار المتقين} يعني الجنة وقال الحسن: هي الدنيا لأن أهل التقوى يتزودون منها إلى الآخرة والقول الأول أولى هو قول جمهور المفسرين لأن الله فسر هذه الدار بقوله: {جنَّات عدن} يعني بساتين إقامة من قولهم: عدنَ بالمكان، أي أقام به {يدخلونها} يعني تلك الجنات لا يرحلون عنها ولا يخرجون منها {تجري من تحتها الأنهار} يعني تجري الأنهار في هذه الجنات من تحت دور أهلها وقصورهم ومساكنهم {لهم فيها} يعني في الجنات {ما يشاؤون} يعني ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين مع زيادات غير ذلك، وهذه الحالة لا تحصل لأحد إلا في الجنة لأن قوله فيها ما يشاؤون لا يفيد الحصر، وذلك يدل على أن الإنسان لا يجد كل ما يريد في الدنيا {كذلك يجزي الله المتقين} أي هكذا يكون جزاء المتقين، ثم عاد إلى وصف المتقين فقال تعالى: {الذين تتوفاهم الملائكة طيبين} يعني مؤمنين طاهرين من الشرك.
قال مجاهد: زاكية أقوالهم وأفعالهم وقيل: إن قوله طيبين كلمة جامعة لكل معنى حسن فيدخل فيه أنهم، أتوا بكل ما أمروا به من فعل الخيرات والطاعات واجتنبوا كل ما نهوا عنه من المكروهات، والمحرمات مع الأخلاق الحسنة والخصال الحميدة، والمباعدة من الأخلاق المذمومة والخصال المكروهة القبيحة وقيل معناه إن أوقاتهم تكون طيبة سهلة لأنهم يبشرون عند قبض أرواحهم بالرضوان والجنة والكرامة، فيحصل لهم عند ذلك الفرح والسرور والابتهاج، فيسهل عليهم قبض أرواحهم ويطيب لهم الموت على هذه الحالة {يقولون} يعني الملائكة لهم {سلام عليكم} يعني تسلم عليهم الملائكة أو تبلغهم السلام من الله {ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون} يعني في الدنيا من الأعمال الصالحة.
فإن قلت: كيف الجمع بين قوله تعالى: {ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون} وبين قوله: صلى الله عليه وسلم: «لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله قالوا ولا أنت يا رسول الله قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله بفضله ورحمته».
أخرجاه في الصحيحين من حديث أبي هريرة؟ قلت: قال الشيخ محيي الدين النووي رحمه الله في شرح مسلم: اعلم أن مذهب أهل السنة أنه لا يثبت بالعقل ثواب ولا عقاب ولا غيرها إلا بالشرع ومذهب أهل السنة أيضًا أن الله سبحانه وتعالى لا يجب عليه شيء بل العالم كله ملكه والدنيا والآخرة في سلطانه يفعل فيهما ما يشاء فلو عذب المطيعين والصالحين أجمعين، وأدخلهم النار كان ذلك عدلًا منه، وإذا أكرمهم ورحمهم وأدخلهم الجنة فهو فضل منه ولو نعم الكافرون، وأدخلهم الجنة كان ذلك له ومنه فضلًا، ولكنه سبحانه وتعالى أخبر وخبره صادق أنه لا يفعل هذا بل يغفر للمؤمنين، ويدخلهم الجنة برحمته ويعذب الكافرين ويدخلهم النار عدلًا منه.
وأما المعتزلة فيثبتون الأحكام بالعقل، ويوجبون ثواب الأعمال ويوجبون الأصلح في خبط طويل لهم، تعالى الله عن اختراعاتهم الباطلة المنابذة لنصوص الشرع.
وفي ظاهر الحديث دلالة لأهل الحق أنه لا يستحق أحد الثواب والجنة بطاعته.
وأما قوله سبحانه وتعالى: {ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون} {وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون} ونحوها من الآيات التي تدل على أن الأعمال الصالحة يدخل بها الجنة، فلا تعارض بينها، وبين هذا الحديث بل معنى الآيات: أن دخول الجنة بسبب الأعمال والتوفيق للإخلاص فيها وقبولها برحمة الله تعالى وفضله فيصح أنه لم يدخل الجنة بمجرد العمل وهو مراد الحديث ويصح أنه دخل بالأعمال أي بسببها وهي من الرحمة، والفضل والمنة والله أعلم بمراده. اهـ.

.قال أبو حيان:

{وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ}.
تقدم إعراب ماذا، إلا أنه إذا كانت ذا موصولة لم يكن الجواب على وفق السؤال، لكون ماذا مبتدأ وخبر، أو الجواب نصب وهو جائز، ولكن المطابقة في الإعراب أحسن.
وقرأ الجمهور: {خيرًا} بالنصب أي: أنزل خيرًا.
قال الزمخشري: {فإن قلت}: لم نصب هذا، ورفع الأول؟ {قلت}: فصلًا بين جواب المقر وجواب الجاحد، يعني: أنّ هؤلاء لما سئلوا: لم يتلعثموا وأطبقوا الجواب على السؤال مكشوفًا مفعولًا للإنزال فقالوا: خيرًا، وأولئك عدلوا بالجواب عن السؤال فقالوا: هو أساطير الأولين، وليس من الإنزال في شيء انتهى.
وقرأ زيد بن علي: {خير} بالرفع أي: المنزل فتطابق هذه القراءة تأويل من جعل إذا موصولة، ولا تطابق من جعل ماذا منصوبة، لاختلافهما في الإعراب، وإن كان الاختلاف جائزًا كما ذكرنا.
وروي أن أحياء العرب كانوا يبعثون أيام المواسم من يأتيهم بخبر النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا جاء الوفد كفه المقتسمون وأمره بالانصراف وقالوا: إنْ لم تلقه كان خيرًا لك فيقول: أنا شر وافد إن رجعت إلى قومي دون أن أستطلع أمر محمد صلى الله عليه وسلم وأراه، فيلقى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيخبرونه بصدقه، وأنه نبي مبعوث، فهم الذين قالوا خيرًا.
والظاهر أن قوله: {للذين} مندرج تحت القول، وهو تفسير للخير الذي أنزله الله في الوحي: أنّ من أحسن في الدنيا بالطاعة فله حسنة في الدنيا ونعيم في الآخرة بدخول الجنة.
وقال الزمخشري: للذين أحسنوا وما بعده بدل من خير، حكاية لقول الذين اتقوا أي: قالوا هذا القول، فقدم عليه تسميته خيرًا ثم خكاه انتهى.
وقالت فرقة: هو ابتداء كلام من الله تعالى، مقطوع مما قبله، وهو بالمعنى وعد متصل بذكر إحسان المتقين في مقالتهم.
ومعنى حسنة مكافأة في الدنيا بإحسانهم، ولهم في الآخرة ما هو خير منها.
ولما ذكر حال الكفار في الدنيا والآخرة ذكر حال المؤمنين في الدارين، والظاهر أنّ المخصوص بالمدح هو جنات عدن.
وقال الزمخشري: ولنعم دار المتقين دار الآخرة، فحذف المخصص بالمدح لتقدم ذكره، وجنات عدن خبر مبتدأ محذوف انتهى.
وقاله ابن عطية: وقبلهما الزجاج وابن الأنباري، وجوزوا أن يكون جنات عدن مبتدأ، والخبر يدخلونها.
وقرأ زيد بن ثابت وأبو عبد الرحمن {جنات عدن} بالنصب على الاشتغال أي: يدخلون جنات عدن يدخلونها، وهذه القراءة تقوي إعراب جنات عدن بالرفع أنه مبتدأ، ويدخلونها الخبر.
وقرأ زيد بن علي: {ولنعمت دار} بتاء مضمومة، ودار مخفوض بالإضافة، فيكون نعمت مبتدأ وجنات الخبر.
وقرأ السلمي: {تدخلونها} بتاء الخطاب.
وقرأ إسماعيل بن جعفر عن نافع: {يدخلونها} بياء على الغيبة، والفعل مبني للمفعول، ورويت عن أبي جعفر وشيبة: تجري.
قال ابن عطية: في موضع الحال، وقال الحوفي: في موضع نعت لجنات انتهى.
فكان ابن عطية لحظ كون جنات عدن معرفة، والحوفي لحظ كونها نكرة، وذلك على الخلاف في عدن هل هي علم؟ أو نكرة بمعنى إقامة؟ والكاف في موضع نصب نعتًا لمصدر محذوف أي: جزاء مثل جزاء الذين أحسنوا يجزي، وطيبين حال من مفعول تتوفاهم، والمعنى: أنهم صالحو الأحوال مستعدّون للموت والطيب الذي لا خبث فيه، ومنه: {طبتم فادخلوها خالدين} وقال أبو معاذ: طيبين طاهرين من الشكر بالكلمة الطيبة.
وقيل: طيبين سهلة وفاتهم لا صعوبة فيها ولا ألم، بخلاف ما يقبض روح الكافر والمخلط.
وقيل: طيبة نفوسهم بالرجوع إلى الله تعالى، وقيل: زاكية أفعالهم وأقوالهم، وقيل: صالحين، وقال الزمخشري: طاهرين من ظلم أنفسهم بالكفر والمعاصي، لأنه في مقابلة ظالمي أنفسهم.
ويقولون نصب على الحال من الملائكة، وتسليم الملائكة عليهم بشارة من الله تعالى، وفي هذا المعنى أحاديث صحاح.
وقوله: {هدى للمتقين} هو وقت قبض أرواحهم، قاله: ابن مسعود، ومحمد بن كعب، ومجاهد.
والأكثرون جعلوا التبشير بالجنة دخولًا مجازًا.
وقال مقاتل والحسن: عند دخول الجنة وهو قول خزنة الجنة لهم في الآخرة: سلام عليكم بما صبرتم، فنعم عقبى الدار.
فعلى هذا القول يكون يقولون حالًا مقدرة، ولا يكون القول وقت التوفي.
وعلى هذا يحتمل أن يكون الذين مبتدأ، والخبر يقولون، والمعنى: يقولون لهم سلام عليكم.
ويدل لهذا القول قولهم: ادخلوا الجنة، ووقت الموت لا يقال لهم ادخلوا الجنة، فالتوفي هنا توفي الملائكة لهم وقت الحشر.
وقوله: {بما كنتم تعملون} ظاهره في دخول الجنة بالعمل الصالح. اهـ.