فصل: قال ابن عطية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عطية:

{هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ}.
{ينظرون} معناه ينتظرون، ونظر متى كانت من رؤية العين فإنما تعديها العرب ب {إلى}، ومتى لم تتعد ب {إلى} فهو بمعنى انتظر، كما قال امرؤ القيس:
فإنكما إن تنظراني ساعة ** من الدهر تنفعني لدى أم جندب

ومنه قوله تعالى حكاية: {انظرونا نقتبس من نور} [الحديد: 13]، وقد جاء شاذًا نظرت بمعنى الرؤية متعديًا بغير إلى كقول الشاعر:
باهرات الجمال والحسن ينظر ** ن كما تنظر الأراك الظباء

وقرأ الجمهور: {تأتيهم} بالتاء من فوق، وقرأ حمزة والكسائي: {يأتيهم} بالياء، وهي قراءة يحيى بن وثاب وطلحة والأعمش، ومعنى الكلام أن تأتيهم الملائكة لقبض أرواحهم ظالمي أنفسهم، وقوله: {أو يأتي أمر ربك} وعيد يتضمن قيام الساعة أو عذاب الدنيا، ثم ذكر تعالى أن هذا كان فعل أسلافهم من الأمم، أي فعوقبوا ولم يكن ذلك ظلمًا لأنه لم يوضع ذلك العقاب في غير موضعه، ولكن ظلموا أنفسهم بأن وضعوا كفرهم في جهة الله وميلهم إلى الأصنام والأوثان، فهذا وضع الشيء في غير موضعه، أي آذوها بنفس فعلهم، وإن كانوا لم يقصدوا ظلمها ولا إذايتها، وقوله: {فأصابهم سيئات ما عملوا} أي جزاء ذلك في الدنيا والآخرة. {وحاق} معناه نزل وأحاط، وهنا محذوف يدل عليه الظاهر من الكلام، تقديره جزاء {ما كانوا به يستهزئون}، وقوله تعالى: {وقال الذين أشركوا} الآية، جدل من الكفار، وذلك أن أكثر الكفار يعتقدون وجود الله تعالى وأنه خالقهم ورازقهم، فإن كان أهل هذه الآية من هذا الصنف فكأنهم قالوا يا محمد: نحن من الله بمرىء في عبادة الأوثان لتنفع وتقرب زلفى، ولو كره الله فعلنا لغيره منذ مدة، إما بإهلاكنا وإما بهدايتنا، وكان من الكفار فريق لا يعتقد وجود الله تعالى، فإن كان أهل هذه الآية من هذا الصنف فكأنهم أخذوا الحجة على النبي صلى الله عليه وسلم من قوله، أي إن الرب الذي تثبته يا محمد وهو على ما تصفه يعلم ويقدر لا شك أنه يعلم حالنا، ولو كرهها لغيرها، والرد على هذين الفريقين هو في أن الله تعالى ينهى عن الكفر وقد أراده بقوم، وإنما نصب الأدلة وبعث الرسل ويسر كلًّ لما حتم عليه، وهذا الجدال من أي الصنفين فرضته ليس فيه استهزاء، لكن أبا إسحاق الزجاج: قال إن هذا الكلام على جهة الهزء، فذهب أبو إسحاق رحمه الله والله أعلم إلى أن الطائفة التي لا تقول بإله ثم أقامت الحجة من مذهب خصمها كأنها مستهزئة في ذلك، وهذا جدل محض، والرد عليه كما ذكرناه وقوله: {فهل على الرسل إلا البلاغ المبين} يشير إلى ما ذكرناه، وقولهم {ولا حرمنا} يريدون البحيرة والسائبة والوصيلة وغير ذلك مما شرعوه، وأخبر الله تعالى أن هذه النزعة قد سبقهم الأولون من الكفار إليها، كأنه قال: والأمر ليس على ما ظنوه من أن الله تعالى إذا أراد الكفر لا يأمر بتركه، بل قد نصب الله لعباده الأدلة وأرسل الرسل منذرين وليس عليهم إلا البلاغ. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمُ الملائكة}.
هذا راجع إلى الكفار، أي ما ينتظرون إلا أن تأتيهم الملائكة لقبض أرواحهم وهم ظالمون لأنفسهم.
وقرأ الأعمش وابن وَثّاب وحمزة والكسائيّ وخَلَف: {يأتيهم الملائكة} بالياء، والباقون بالتاء على ما تقدّم.
{أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ} أي بالعذاب من القتل كيوم بدر، أو الزلزلة والخَسْف في الدنيا، وقيل: المراد يوم القيامة.
والقوم لم ينتظروا هذه الأشياء لأنهم ما آمنوا بها، ولكن امتناعهم عن الإيمان أوجب عليهم العذاب، فأضيف ذلك إليهم، أي عاقبتهم العذاب.
{كَذَلِكَ فَعَلَ الذين مِن قَبْلِهِمْ} أي أصرّوا على الكفر فأتاهم أمر الله فهلكوا.
{وَمَا ظَلَمَهُمُ الله} أي بتعذيبهم وإهلاكهم، ولكن ظلموا أنفسهم بالشرك.
قوله تعالى: {فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُواْ}.
قيل: فيه تقديم وتأخير؛ التقدير: كذلك فعل الذين من قبلهم فأصابهم سيئات ما عملوا، وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون، فأصابهم عقوبات كفرهم وجزاء الخبيث من أعمالهم.
{وَحَاقَ بِهِم} أي أحاط بهم ودار.
{مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} أي عقاب استهزائهم.
قوله تعالى: {وَقَالَ الذين أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء الله مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ} أي شيئًا، و{مِن} صلة.
قال الزجاج: قالوه استهزاء، ولو قالوه عن اعتقاد لكانوا مؤمنين.
وقد مضى هذا في سورة الأنعام مبيّنًا معنًى وإعرابًا فلا معنى للإعادة.
{كذلك فَعَلَ الذين مِن قَبْلِهِمْ} أي مثل هذا التكذيب والاستهزاء فعل من كان قبلهم بالرسل فأهلكوا.
{فَهَلْ عَلَى الرسل إِلاَّ البلاغ المبين} أي ليس عليهم إلا التبليغ، وأما الهداية فهي إلى الله تعالى. اهـ.

.قال الخازن:

قوله تعالى: {هل ينظرون} يعني هؤلاء الذين أشركوا بالله وجحدوا نبوتك يا محمد {إلا أن تأتيهم الملائكة} يعني لقبض أرواحهم {أو يأتي أمر ربك} يعني بالعذاب في الدنيا وهو عذاب الاستئصال.
وقيل: المراد به يوم القيامة {كذلك فعل الذين من قبلهم} يعني من الكفر والتكذيب {وما ظلمهم الله} يعني بتعذيبه إياهم {ولكن كانوا أنفسهم يظلمون} يعني باكتسابهم المعاصي، والكفر والأعمال القبيحة الخبيثة، {فأصابهم سيئات ما عملوا} يعني فأصابهم عقوبات ما اكتسبوا من الأعمال الخبيثة {وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون} والمعنى ونزل بهم جزاء استهزائهم {وقال الذين أشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء نحن ولا آباؤنا} يعني أن مشركي مكة قالوا هذا على طريق الاستهزاء.
والحاصل أنهم تمسكوا بهذا القول في إنكار النبوة، فقالوا: لو شاء الله منا الإيمان لحصل جئت أو لم تجىء ولو شاء الله منا الكفر لحصل جئت أو لم تجىء.
وإذا كان كذلك فالكل من الله، فلا فائدة في بعثه رسل إلى الأمم والجواب عن هذا أنهم لما قالوا: إن الكل من الله فكانت بعثة الرسل عبثًا كان هذا اعتراضًا على الله تعالى، وهو جار مجرى طلب العلة في أحكام الله، وفي أفعاله وهو باطل لأن الله سبحانه وتعالى يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد فلا اعتراض لأحد عليه في أحكامه وأفعاله، ولا يجوز لأحد أن يقول لو فعلت هذا، ولم لم تفعل هذا كان في حكم الله وسنته في عباده إرسال الرسل إليهم ليأمروهم بعبادة الله تعالى، وينهوهم عن عبادة غيره وأن الهداية والإضلال إليه فمن هداه فهو المهتدي، ومن أضله فهو الضال وهذه سنة الله في عباده أنه يأمر الكل بالإيمان به وينهاهم عن الكفر.
ثم إنه سبحانه وتعالى يهدي من يشاء إلى الإيمان ويضلّ من يشاء فلا اعتراض لأحد عليه.
ولما كانت سنة الله قديمة ببعثة الرسل إلى الأمم الكافرة المكذبة كان قول هؤلاء لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء نحن ولا آباؤنا جهلًا منهم، لأنهم اعتقدوا أن كون الأمر كذلك يمنع من جواز بعثه الرسل وهذا الاعتقاد باطل فلا جرم استحقوا عليه الذم والوعيد.
وأما قوله تعالى: {ولا حرمنا من دونه من شيء} يعني الوصيلة والسائبة والحام.
والمعنى: فلولا أن الله رضيها لنا لغير ذلك ولهدانا إلى غيره {كذلك فعل الذين من قبلهم} يعني أن من تقدم هؤلاء من كفار مكة ومن الأمم الماضية كانوا على هذه الطريقة، وهذا الفعل الخبيث فإنكار بعثة الرسل كان قديمًا في الأمم الخالية {فهل على الرسل إلا البلاغ المبين} يعني ليس إليهم هداية أحد إنما عليهم تبليغ ما أرسلوا به إلى من أرسلوا إليه. اهـ.

.قال أبو حيان:

{هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ}.
مناسبة هذه الآية لما قلبها أنه تعالى لما ذكر طعن الكفار في القرآن بقولهم: أساطير الأولين، ثم أتبع ذلك بوعيدهم وتهديدهم، ثم توعد من وصف القرآن بالخيرية بين أن أولئك الكفرة لا يرتدعون عن حالهم إلا أن تأتيهم الملائكة بالتهديد، أو امر الله بعذاب الاستئصال.
وقرأ حمزة والكسائي: {يأتيهم} بالياء، وهي قراءة ابن وثاب، وطلحة، والأعمش، وباقي السبعة بالتاء على تأنيث الجمع، وإتيان الملائكة لقبض الأرواح، وهم ظالمو أنفسهم، وأمر ربك العذاب المستأصل أو القيامة.
والكاف في موضع نصب أي: مثل فعلهم في انتظار الملائكة أوامر الله فعل الكفار الذين يقدمونهم.
وقيل: مثل فعلهم في الكفر والديمومة عليه فعل متقدموهم من الكفار.
وقيل: فعل هنا كناية عن اغترارهم، كأنه قيل: مثل اغترارهم باستبطاء العذاب اغتر الذين من قبلهم، والظاهر القول الأول لدلالة: هل ينظرون عليه، وما ظلمهم بالله بإهلاكهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون بكفرهم وتكذيبهم الذي أوجب لهم العذب في الدنيا والآخرة.
وقوله: {فأصابهم} معطوف على فعل، وما ظلمهم اعتراض.
وسيئات: عقوبات كفرهم.
وحاق بهم أحاط بهم جزاء استهزائهم.
وقال الذين أشركوا، تقدم تفسير مثل هذه الآية في آخر الأنعام، فأغنى عن الكلام في هذا.
وقال الزمخشري: هنا يعني أنهم أشركوا بالله وحرموا ما أحل من البحيرة والسائبة وغيرهما، ثم نسبوا فعلهم إلى الله، وقالوا: لو شاء الله لم نفعل، وهذا مذهب المجبرة بعينه.
كذلك فعل الذين من قبلهم أي أشركوا وحرموا حلال الله، فلما نبهوا على قبح فعلهم وركوا على ربهم، فهل على الرسل إلا أن يبلغوا الحق، وأن الله لا يشاء الشرك والمعاصي بالبيان والبرهان، ويطلعوا على بطلان الشرك وقبحه، وبراءة الله من أفعال العباد، وأنهم فاعلوها بقصدهم وإرادتهم واختيارهم، والله تعالى باعثهم على جميلها، وموفقهم له وزاجرهم عن قبيحها وموعدهم عليه انتهى.
وهو على طريقة الاعتزال.
وهذا القول صادر ممن أقر بوجود الباري تعالى وهم الأكثرون، أو ممن لا يقول بوجوده.
فعلى تقدير أنّ الرب الذي يعبده محمد ويصفه بالعلم والقدرة يعلم حالنا، وهذا جدال من أي الصفنين كان ليس فيه استهزاء.
وقال الزجاج: قالوا ذلك على سبيل الاستهزاء، ومن المطابقة التي أنكرت مطابقة الأدلة لإقامة الحجة من مذهب خصمها مستهزئة في ذلك. اهـ.

.قال أبو السعود:

{هَلْ يَنظُرُونَ} أي ما ينتظر كفارُ مكةَ المارُّ ذكرُهم {إِلا أَن تَأْتِيهُمُ الملائكة} لقبض أرواحِهم بالعذاب، جُعلوا منتظرين لذلك وشتان بينهم وبين انتظارِه لا لأنه يلحقهم ألبتةَ لحوقُ الأمر المنتظرِ بل لمباشرتهم لأسبابه الموجبةِ له المؤديةِ إليه، فكأنهم يقصِدون إتيانَه ويترصّدون لوروده، وقرئ بتذكير الفعل {أَوْ يَأْتِىَ أَمْرُ رَبّكَ} التعرض لوصف الربوبية مع الإضافة إلى ضميره عليه الصلاة والسلام إشعارٌ بأن إتيانَه لطفٌ به عليه الصلاة والسلام وإن كان عذابًا عليهم، والمرادُ بالأمر العذابُ الدنيويُّ لا القيامةُ، لكن لا لأن انتظارَها بجامع انتظارِ إتيان الملائكةِ فلا يلائمة العطفُ بأو لأنها ليست نصًّا في العناد إذ يجوز أن يعتبر منعُ الخلوّ ويرادَ بإيرادها كفايةُ كل واحد من الأمرين في عذابهم بل لأن قوله تعالى: فيما سيأتي: {ولكن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} الآية، صريحٌ في أن المراد به ما أصابهم من العذاب الدنيوي {كذلك} أي مثلَ فعلِ هؤلاء من الشرك والظلمِ والتكذيب والاستهزاء {فَعَلَ الذين} خلَوا {مِن قَبْلِهِمُ} من الأمم {وَمَا ظَلَمَهُمُ الله} بما سيُتلى من عذابهم {ولكن كَانُواْ} بما كانوا مستمرين عليه من القبائح الموجبةِ لذلك {أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} كان الظاهرُ أن يقال: ولكن كانوا هم الظالمين كما في سورة الزخرف لكنه أوثر ما عليه النظمُ الكريم لإفادة أن غائلةَ ظلمِهم آيلةٌ إليهم وعاقبتَه مقصورةٌ عليهم مع استلزام اقتصارِ ظلمِ كل أحد على نفسه من حيث الوقوعُ اقتصارَه عليه من حيث الصدور وقد مر تحقيقُه في سورة يونس.
{فَأَصَابَهُمْ} عطف على قوله تعالى: {فَعَلَ الذين مِن قَبْلِهِمْ} وما بينهما اعتراضٌ لبيان أن فعلَهم على ذلك ظلمٌ لأنفسهم {سَيّئَاتُ مَا عَمِلُواْ} أي أجزيةُ أعمالِهم السيئة على طريقة تسمية المسبَّب باسم سببِه إيذانًا لفظاعته لا على حذف المضاف فإنه يوهم أن لهم أعمالًا غيرَ سيئاتهم {وَحَاقَ بِهِم} أي أحاط بهم من الحَيق الذي هو إحاطةُ الشر، وهو أبلغ من الإصابة وأفظع {مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءونَ} من العذاب.
{وَقَالَ الذين أَشْرَكُواْ} أي أهلُ مكة، وهو بيانٌ لفن آخرَ من كفرهم والعدولُ عن الإضمار إلى الموصول لتقريعهم بما في حيز الصلة وذمِّهم بذلك من أول الأمر {لَوْ شَاء الله مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَىْء} أي لو شاء عدم عبادتِنا لشيء غيرِه كما تقول لما عبدنا ذلك {نَّحْنُ وَلا ءابَاؤنَا} الذين نقتدي بهم في ديننا {وَلاَ حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَىْء} من السوائب والبحائرِ وغيرِها، وإنما قالوا ذلك تكذيبًا للرسول عليه الصلاة والسلام وطعنًا في الرسالة رأسًا متمسكين بأن ما شاء الله تعالى يجب وما لم يشأْ يمتنع، فلو أنه شاء أن نوحّده ولا نشرِكَ به شيئًا ولا نحرِّمَ مما حرمنا شيئًا كما يقول الرسلُ وينقُلونه من جهة الله عز وجل لكان الأمرُ كما شاء من التوحيد ونفي الإشراكِ وما يتبعهما، وحيث لم يكن كذلك ثبت أنه لم يشأ شيئًا من ذلك، وإنما يقوله الرسل من تلقاء أنفسهم فأجيب عنه بقوله عز وجل: {كذلك} أي مثلَ ذلك الفعلِ الشنيع {فَعَلَ الذين مِن قَبْلِهِمْ} من الأمم، أي أشركوا بالله وحرموا حِلَّه وردوا رسلَه وجادلوهم بالباطل حين نبهوهم على الخطأ وهدوهم إلى الحق.
{فَهَلْ عَلَى الرسل} الذين يبلغون رسالاتِ الله وعزائمَ أمره ونهيِه {إِلاَّ البلاغ المبين} أي ليست وظيفتُهم إلا تبليغَ الرسالة تبليغًا واضحًا أو موضَّحًا وإبانةً طريقَ الحق وإظهارَ أحكام الوحي التي من جملتها تحتّمُ تعلقِ مشيئةِ الله تعالى باهتداء مَنْ صَرَف قدرتَه واختيارَه إلى تحصيل الحق لقوله تعالى: {والذين جاهدوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} وأما إلجاؤهم إلى ذلك وتنفيذُ قولِهم عليهم شاءوا أو أبَوا كما هو مقتضى استدلالِهم، فليس ذلك من وظيفتهم ولا من الحكمة التي عليها يدور أمرُ التكليفِ في شيء حتى يُستدلَّ بعدم ظهور آثارِه على عدم حقّية الرسلِ أو على عدم تعلقِ مشيئتِه تعالى بذلك، فإن ما يترتب عليه الثوابُ والعقابُ من أفعال العباد لابد في تعلق مشيئتِه تعالى بوقوعه من مباشرتهم الاختياريةِ له وصرفِ اختيارِهم الجزئيِّ إلى تحصيله وإلا لكان الثواب والعقاب اضطراريَّيْن، فالفاء للتعليل كأنه قيل: كذلك فعل أسلافهم وذلك باطل فإن الرسلَ ليس شأنُهم إلا تبليغَ أوامرِ الله تعالى ونواهيه لا تحقيقَ مضمونِهما وإجراء موجبهما على الناس قسرًا وإلجاء، وإيرادُ كلمة {على} للإيذان بأنهم في ذلك مأمورون أو بأن ما يبلغونه حقٌّ للناس عليهم وإيفاؤه. بهذا ظهر أن حملَ قولِهم: {لَوْ شَاء الله} إلخ.، على الاستهزاء لا يلائم الجواب والله تعالى أعلم بالصواب. اهـ.

.قال الألوسي:

{هَلْ يَنظُرُونَ} أي ما ينتظر كفار مكة المار ذكرهم {إِلا أَن تَأْتِيهُمُ الملائكة} لقبض أرواحهم كما روي عن قتادة ومجاهد، وقرأ حمزة والكسائي وابن وثاب وطلحة والاعمش: {يَأْتِيهِمُ} بالياء آخر الحروف {أَوْ يَأْتِىَ أَمْرُ رَبّكَ} أي القيامة كما روي عمن تقدم أيضًا، وقال بعضهم: المراد به العذاب الدنيوي دونها لا لأن انتظارها يجامع انتظار اتيان الملائكة فلا يلائمه العطف بأو لا لأنها ليست نصًّا في العناد إذ يجوز أن يعتبر منع الخلو ويراد بإيرادها كفاية كل واحد من الأمرين في عذابهم بل لأن قوله تعالى: فيما سيأتي إن شاء الله تعالى: {ولكن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} {فأصابهم} [النحل: 34]. الآية صريح في أن المراد به ما أصابهم من العذاب الدنيوي وفيه منع ظاهر، ويؤيد إرادة الأول التعبير بيأتي دون يأتيهم، وقيل: المراد باتيان الملائكة اتيانهم للشهادة بصدق النبي صلى الله عليه وسلم أي ما ينتظرون في تصديقك إلا أن تنزل الملائكة تشهد بنبوتك فهو كقوله تعالى: {لَوْلا أُنزِلَ علَيْهِ ملك} [الأنعام: 8]، والجمهور على الأول، وجعلوا منتظرين لذلك مجازًا لأنه يلحقهم لحوق الأمر المنتظر كما قيل.