فصل: قال الشنقيطي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأنت تعلم أنه إذا جوز إعادة المعدوم بعينه كما هو رأى جمهور المتكلمين فلا إشكال في البعث أصلًا، وأما إن قلنا بعدم جواز الإعادة لقيام القاطع على طلك فقد قيل: نتلزم القول بعدم انعدام شيء من الأبدان حتى يلز في البعث إعادة المعدوم وإنما عرض لها التفرق ويعرض لها في البعث الاجتماع فلا إعادة لمعدوم، وفيه بحث وإن أيد بقصة إبراهيم عليه السلام ومن هنا قال المولى ميرزاجان: لا مخلص إلا بأن يقال ببقاء النفس المجردة وأن البدن المبعوث مثل البدن الذي كان في الدنيا وليس عينه بالشخص ولا ينافي هذا قانون العدالة إذ الفاعل هو النفس ليس إلا والبدن بمنزلة السكين بالنسبة إلى القطع فكما أن الأثر المترتب على القطع من المدح والذم والثواب والعقاب إنما هو للقاطع لا للسكين كذلك الأثر المترتب على أفعال الإنسان إنما هو للنفس وهي المتلذذة والمتألمة تلذذًا أو تألمًا عقليًا أو حسيًا فليس يلزم خلاف العدالة، وأما الظواهر الدالة على عود ذلك الشخص بعينه فمؤولة لفرض القاطع الدال على الامتناع، وذلك بأن يقال: المراد إعادة مادته مع صورة كانت أشبه الصور إلى الصورة الأولى دتبر؛ وسيأتي إن شاء الله تعالى في سورة يس تحقيق هذا المطلق على أتم وجه.
ونقل عن ابن الجوزي وأبي العالية أن هذه الآية نزلت لأن رجلًا من المسلمين تقاضى دينا على رجل من المشركين فكان فيما تكلم به المسلم والذي أرجوه بعد الموت فقال المشرك: وإنك لتبعث بعد الموت وأقسم بالله لا يبعث الله من يموت فقص الله تعالى ذلك ورده أبلغ رد بقوله بحانه: {بلى} لإيجاب النفي أي بلى يبعثهم {وَعْدًا} مصدر مؤكد لما دل عليه {بلى} إذ لا معنى له سوى الوعد بالبعث والإخبار عنه، ويسمى نحو هذا مؤكدًا لنفسه وجوز أن كيون مصدرًا لمحذوف أي وعد ذلك وعدًا {عَلَيْهِ} صفة {وَعْدًا} والمراد وعدًا ثابتًا عليه إنجازه وإلا فنفس الوعد ليس ثابتًا عليه، وثبوت الإنجاز لامتناع الخلف في وعده أو لأن البعث من مقتضيات الحكمة.
{حَقًّا} صفة أخرى لوعدًا وهي مؤكدة إن كان بمعنى ثابتًا متحققًا ومؤسسة إن كان بمعنى غير باطل أو نصب على المصدرية بمحذوف أي حق حقًا {ولكن أَكْثَرَ الناس} لجهلهم بشؤون الله تعالى من العلم والقدرة والحكمة وغيرها من صفات الكمال وبما يجوز عليه وما لا يجوز وعدم وقوفهم على سر التكوين والغاية القصوى منه وعلى البعث مما تقتضيه الحكمة {لاَّ يَعْلَمُونَ} أنه تعالى يبعثهم، ونعى عليهم عدم العلم بالبعث دون العلم بعدمه الذي يزعمونه على ما يقتضيه ظاهر قسمهم ليعلم منه نعي ذاك بالطريق.
وجوز أن يكون للإيذان بأن ما عندهم بمعزل عن أن يسمى علمًا بل هو توهم صرف وجهل محض، وتقدير مفعول {يَعْلَمُونَ} ما علمت هو الأنسب بالسياق، وجوز أن يكون التقدير لا يعلمون أنه وعد عليه حق يكذبونه قائلين: {لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَءابَاؤنَا هذا مِن قَبْلُ إِنْ هذا إِلاَّ أساطير الاولين} [المؤمنون: 83].
{لِيُبَيّنَ لَهُمُ} متعلق بما دل عليه {بلى} [النحل: 38]، وهو يبعثهم، والضمير ل {من يموت} [النحل: 38]. الشامل للمؤمنين والكافرين إذ التبيين يكون للمؤمنين أيضًا فإنهم وإ كانوا عالمين بذلك لكنه عند معاينة حقيقة الحال يتضح الأمر فيصل علمهم إلى مرتبة عين اليقين أي يبعثهم ليبين لهم بذلك وبما يحصل لهم بمشاعدة الأحوال كما هي ومعاينتها بصورها الحقيقية الشأن {الذى يَخْتَلِفُونَ فِيهِ} من الحق الشامل لجميع ما خالفوه مما جاء به الرسل المبعوثون فيهم ويدخل فيه البعث دخولًا أوليًا والتعبير عن ذلك بالموصول للدلالة على فخامته وللإشعار بعلية ما ذكر في حيز الصلة للتبيين، وتقدير الجار والمجرور لرعاية رؤس الآي {وَلِيَعْلَمَ الذين كَفَرُواْ} بالله تعالى بالإشراك وإنكار البعث الجسماني وتكذيب الرسل عليهم السلام {أَنَّهُمْ كَانُواْ كاذبين} في كل ما يقولونه ويدخل فيه قولهم: {لاَ يَبْعَثُ الله مَن يَمُوتُ} [النحل: 38]. دخولًا أوليًا.
ونقل في البحر القول بتعلق {لِيُبَيّنَ} إلخ. بقوله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا في كُلّ أُمَّةٍ رَّسُولًا} [النحل: 36]. أي بعثناه ليبين لهم ما اختلفوا فيه وأنهم كانوا على الضلالة قبل بعثه مفترين على الله سبحانه الكذب ولا يخفى بعد ذلك وتبادر ما تقدم، وجعل التبيين والعلم المذكورين غاية للبعث كما في إرشاد العقل السليم باعتبار وروده في معرض الرد على المخالفين وإبطال مقالة المعاندين المستدعى للتعرض لما يردعهم عن المخالفة ويأخذ بهم الإذعان للحق فإن الكفرة إذا علموا أن تحقق البعث إذا كان لتبيين أنه حق وليعلموا أنهم كاذبون في إنكاره كان أزجر لهم عن إنكاره وادعى إلى الاعتراف به ضرورة أنه يدل على صدق العزيمة على تحقيقة كما تقول لمن ينكر أنك تصلي لأصلين رغمًا لأنفك وإظهارًا لكذبك، ولأن تكرر الغايات أدل على وقوع المغيا بها وإلا فالغاية الأصلية للبعث باعتبار ذاته إنما هو الجزاء الذي هو الغاية القصوى للخلق المغيا بمعرفته عز وجل وعبادته، وإنما لم يذكر ذلك لتكرر ذكره في مواضع وضهرته، وفيه أنه إنما لم يدرج علم الكفار بكذبهم تحت التبيين بأن يقال مثلًا: وأن الذين كفروا كانوا كاذبين بل جيء بصيغة العلم لأن ذلك ليس مما يتعلق به التبين الذي هو عبارة عن إظهار ما كان مبهمًا قبل ذلك بأن يخبر به فيختلف فيه كالبعث الذي نطق به القرآن فاختلف فيه المختلفون، وأما كذب الكافرين فليس من هذا القبيل، ويستفاد من تحقيقه في نظير ما هنا أنه لما كان مدلول الخبر هو الصدق والكذب احتمال عقلي وكان معنى تبيين الصدق إظهار ذلك المدلول وقطع احتمال نقيضه بعدما كان محتملًا له احتمالًا عقليًا ناسب أن يعلق التبيين بالذي فيه يختلفون من الحق، وليس بين الصدق والحق كثير فرق، ولما كان الكذب أمرًا حادثًا لا دلالة الخبر عليه حتى يتعلق به التبيين والإظهار بل هو نقيض مدلوله فما يتعلق به يكون علمًا مستأنفًا ناسب أن يعلق العلم بأنهم كانوا كاذبين فليتدبر.
قيل: ولكون العلم بما ذكر من روادف ذلك التبيين قيل: {وَلِيَعْلَمَ الذين كَفَرُواْ} دون وليجعل الذين كفروا عالمين، وخص الإسناد بهم حيث لم يقل وليعلموا أن الذين كفروا كانوا كاذبين تنبيهًا على أن الأهم علمهم، وقيل: لم يقل ذلك لأن علم المؤمنين بما ذكر حاصل قبل ذلك أيضًا.
وتعقب بأن حصول مرتبة من مراتب العلم لا يأبى حصول مرتبة أعلا منها فلم لم يقل ذلك إيذانًا بحصول هذه المرتبة من العلم لهم حينئذ، ولعل فيه غفلة عن مراد القائل.
وجوز أن يراد من علم الكفرة بأنهم كانوا كاذبين تعذيبهم على كذبهم فكأنه قيل: ليظهر للمؤمنين والكافرين الحق وليعذب الكافرون على كذبهم فيما كانوا يقولونه من أنه تعالى لا يبعث من يموت ونحوه، وهذا كما يقال للجاني: غدًا تعلم جنايتك، وحينئذ وجه تخيص الإسناد بهم ظاهر، وهو كما ترى.
وزعم بعض الشيعة أن الآية في علي كرم الله تعالى وجهه والأئمة من بنيه رضي الله تعالى عنهم وأنها من أدلة الرجعة التي قال بها أكثرهم، وهو زعم باطل، والقول بالرجعة محض سخافة لا يكاد يقول بها من يؤمن بالبعث، وقد بين ذلك على أتم وجه في التحفة الإثني عشرية، ولعل الوبة تفضي إن شاء الله تعالى إلى بيانه، وما أخرجه ابن مردويه عن علي كرم الله تعالى وجهه أنه قال: أن قوله تعالى: {وَأَقْسَمُواْ بالله} الآية [النحل: 38]. نزلت في غير مسلم الصحة، وعلى فرض التسليم لا دليل فيه على ما يزعمونه من الرجعة بأن يقال: إنه رضي الله تعالى عنه أراد أنها نزلت بسببي، ويكون رضي الله تعالى عنه هو الرجل الذي تقاضى دينًا له على رجل من المشركين فقال ما قال كما مر عن ابن الجوزي وأبي العالية، وأخرجه عن أبي العالية عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم.
واستنبط الشيخ بهاء الدين من الآية دليلًا على أن الكذب مخالفة الواقع ولا عبرة بالاعتقاد، وهو ظاهر فافهم. اهـ.

.قال الشنقيطي:

قوله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت}.
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أنه بعث في كل أمة رسولًا بعبادة الله وحده، واجتناب عبادة ما سواه، وهذا هو معنى لا إله ألا الله، لأنها مركبة من نفي وإثبات، فنفيها هو خلع جميع المعبوادت غير الله تعالى في جميع أنواع العبادات، وإثباتها هو إفراده جل وعلا بجميع أنواع العبادات بإخلاص، على الوجه الذيشرعه على ألسنة رسله عليهم صلوات الله وسلامه.
وأوضح هذا المعنى كثيرًا في القرآن عن طريق العموم والخصوص. فمن النصوص الدالة عليه مع عمومها قاله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نوحي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إله إِلاَّ أَنَاْ فاعبدون} [الأنبياء: 25]، وقوله: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرحمن آلِهَةً يُعْبَدُونَ} [الزخرف: 45]، ونحو ذلك من الآيات.
ومن النصوص الدالة عليه مع الخصوص في إفراد الأنبياء وأممهم قوله تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إلى قَوْمِهِ فَقَالَ يَاقَوْمِ اعبدوا الله مَا لَكُمْ مِّنْ إله غَيْرُهُ} [الأعراف: 59]، وقوله تعالى: {وإلى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَاقَوْمِ اعبدوا الله مَا لَكُمْ مِّنْ إله غَيْرُهُ} [الأعراف: 65]، وقوله: {وإلى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَاقَوْمِ اعبدوا الله مَا لَكُمْ مِّنْ إله غَيْرُهُ} [الأعراف: 73]، وقوله: {وإلى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَاقَوْمِ اعبدوا الله مَا لَكُمْ مِّنْ إله غَيْرُه} [الأعراف: 85]، إلى غير ذلك من الآيات.
واعلم أن كل ما عبد من دون الله، فهو طاغوت، ولا تنفع عبادة الله إلا بشرط اجتناب عبادة ما سواه. كما بينه تعالى بقوله: {فَمَنْ يَكْفُرْ بالطاغوت وَيْؤْمِن بالله فَقَدِ استمسك بالعروة الوثقى} [البقرة: 256]، وقوله: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بالله إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ} [يوسف: 106]، إلى غير ذلك من الآيات.
قوله تعالى: {فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى الله وَمِنْهُمْ مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضلالة}.
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن الأمم التي بعث فيه الرسل بالتوحيد منهم سعيد، ومنهم شقي. فالسعيد منهم يهديه الله إلى اتباع كا جاءت به الرسل، والشقي منهم يسبق عليه الكتاب فيكذب الرسل، ويكفر بما جاؤوا به. فالدعوة إلى دين الحق عامة، والتوفيق للهدى خاص. كما قال تعالى: {والله يدعوا إلى دَارِ السلام وَيَهْدِي مَن يَشَاء إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [يونس: 25]. فقوله: {فَمِنْهُم} أي من الأمم المذكورة في قوله: {فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا}، وقوله: {مَّنْ هَدَى الله} أي وفقه لاتباع ما جاءت به الرسل، والضمير المنصوب الذي هو رابط الصلة بالموصول محذوف. أي فمنهم من هداه الله. على حد قوله في الخلاصة:
والحذف عندهم كثير منجلي ** في عائد متصل إن انتصب

بفعل أو وصف كمن نرجو يهب

وقوله: {وَمِنْهُمْ مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضلالة} أي وجبت عليه ولزمته. لما سبق في علم الله من أنه يصيؤ إلى الشقاوة، والمراد بالضلالة: الذهبا عن طريق الإسلام إلى الكفر.
وقد بين تعالى هذا المعنى في آيات أخر. كقوله: {فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ} [هود: 105]، وقوله: {فَرِيقٌ فِي الجنة وَفَرِيقٌ فِي السعير} [الشورى: 7]، إلى غير ذلك من الآيات.
{إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (37)}.
ذكر جل وعلا في هذه الآية: أن حرص النَّبي صلى الله عليه وسلم على إسلام قومه لا يهدي من سبق في علم الله أنه شقي.
وأوضح هذا المعنى في مواضع أخر. كقوله: {إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ولكن الله يَهْدِي مَن يَشَاء} [القصص: 56]، وقوله: {وَمَن يُرِدِ الله فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ الله شَيْئًا أولئك الذين لَمْ يُرِدِ الله أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدنيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخرة عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة: 41]، وقوله: {مَن يُضْلِلِ الله فَلاَ هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الأعراف: 186]، وقوله: {وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السماء} [الأنعام: 125]. إلى غير ذلك من الآيات.
وقرأ هذا الحرف نافع، وابن عامر، وابن كثير، وأبو عمر: {فَإِنَّ الله لاَ يَهْدِي مَن يُضِلُّ} [النحل: 37]. بضم الياء وفتح الدال. من {يُهدَى} مبنيًا للمفعول، وقوله: {مِن} نائب الفاعل، والمعنى: أن من أضله الله لا يهدي، أي لا هادي له.
وقرأه عاصم، وحمزة والكسائي بفتح الياء وكسر الدال، من {يَهدِي} مبنيًا للفاعل، وقوله: {من} مفعول به لهدي، والفاعل ضمير عائد إلى الله تعالى، والمعنى: أن من أضله اله لا يهديه الله، وهي على هذه القراءة فيمن سبقت لهم الشقاوة في علم الله. لأن غيرهم قد يكوم ضالًا ثم يهديه الله كما هو معروف.
وقال بعض العلماء: لا يهدي من يضل ما دام في إضلاله له. فإن رفع الله عنه الضلالة وهداه فلا مانع من هداه، والعلم عند الله تعالى.
قوله تعالى: {وَأَقْسَمُواْ بالله جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ الله مَن يَمُوتُ بلى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا}.
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن الكفار حلفوا جهد أيمانهم- أي اجتهدوا في الحلف-وغلظوا الأيمان على أن الله لا يبعثمن يموت وكذبهم الله جل وعلا في ذلك بقوله: {بلى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا}، وكرر في آيات كثيرة هذا المعنى المذكور هنا من إنكارهم للبعث وتكذيبه لهم في ذلك، كقوله: {زَعَمَ الذين كفروا أَن لَّن يُبْعَثُواْ قُلْ بلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ} [التغابن: 7]. الآية، وقوله: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء: 104]، وقوله: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَن يُحيِي العظام وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الذي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [يس: 78-79]، وقوله: {فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا قُلِ الذي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الإسراء: 51]، والآيات بمثل هذا كثيرة جدًا.
وقوله: {بَلَى} ننفي لنفيهم البعث كما قدمنا، وقوله: {وَعْدًا} مصدر مؤكد لما دلت عليه {بلى}. لأن {بلى} تدل عى نفي قولهم: لا يبعث الله من يموت، ونفي هذا النفي إثبات، معناه: لتبعثن، وهذا البعث المدلول على إثباته بلفظة {بلى} فيه معنى وعد الله بأنه سيكون. فقوله: {وَعْدًا} مؤكد له، وقوله: {حَقًّا} مصدر أيضًا. اي وعد الله بذلك وعدًا، وحقه حقًا، وهو مؤمد أيضًا لما دلت عليه {بلى}، واللام في قوله: {لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الذي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَاذِبِينَ} [النحل: 39]، وفي قوله: {وَلِيَعْلَمَ الذين كَفَرُواْ} [النحل: 39]. الآية، تتعلق بقوله: {بلى} أي يبعثهم ليبين لهم.. إلخ، والضمير في قوله: {لَهُمُ} عائد إلى من يموت. لأنه شامل للمؤمنين والكافرين.
وقال بعض العلماء: اللام في الموضعين تتعلق بقوله: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا} [النحل: 36]. الآية. اي بعثناه ليبين لهم.. إلخ والعلم عند الله تعالى. اهـ.