فصل: قال سيد قطب في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{يخافون رَبَّهُمْ مّن فَوْقِهِمْ} هذه الجملة في محل نصب على الحال، أي: حال كونهم يخافون ربهم من فوقهم.
أو جملة مستأنفة لبيان نفي استكبارهم، ومن آثار الخوف عدم الاستكبار، و{من فوقهم} متعلق ب {يخافون} على حذف مضاف، أي: يخافون عذاب ربهم من فوقهم، أو يكون حالًا من الربّ، أي: يخافون ربهم حال كونه من فوقهم.
وقيل: معنى {يخافون رَبَّهُمْ مّن فَوْقِهِمْ} يخافون الملائكة، فيكون على حذف المضاف، أي يخافون ملائكة ربهم كائنين من فوقهم.
وهو تكلف لا حاجة إليه، وإنما اقتضى مثل هذه التأويلات البعيدة المحاماة على مذاهب قد رسخت في الأذهان، وتقرّرت في القلوب.
قيل: وهذه المخافة هي مخافة الإجلال، واختاره الزجاج فقال: {يخافون رَبَّهُمْ} خوف مجلين.
ويدلّ على صحة هذا المعنى قوله: {وَهُوَ القاهر فَوْقَ عِبَادِهِ} [الأنعام: 18].
وقوله إخبارًا عن فرعون {وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهرون} [الأعراف: 127].
{وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} أي: ما يؤمرون به من طاعة الله يعني: الملائكة، أو جميع من تقدّم ذكره، وحمل هذه الجمل على الملائكة أولى؛ لأن في مخلوقات الله من يستكبر عن عبادته، ولا يخافه ولا يفعل ما يؤمر به، كالكفار والعصاة الذين لا يتصفون بهذه الصفات وإبليس وجنوده.
وقد أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {والذين هاجروا في الله مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ} قال: هم قوم من أهل مكة هاجروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ظلمهم.
وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن عساكر عن داود بن أبي هند قال: نزلت هذه الآية في أبي جندل بن سهيل.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {والذين هاجروا في الله} الآية قال: هؤلاء أصحاب محمد، ظلمهم أهل مكة فأخرجوهم من ديارهم، حتى لحق طوائف منهم بأرض الحبشة، ثم بوّأهم الله المدينة بعد ذلك، فجعلها لهم دار هجرة، وجعل لهم أنصارًا من المؤمنين {وَلأَجْرُ الأخرة أَكْبَرُ} قال: أي والله لما يصيبهم الله من جنته ونعمته أكبر {لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ}.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن الشعبي في قوله: {فِى الدنيا حَسَنَةً} قال: المدينة.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في الآية قال: لنرزقنهم في الدنيا رزقًا حسنًا.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: لما بعث الله محمدًا رسولًا أنكرت العرب ذلك، فأنزل الله {مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالًا نُّوحِى إِلَيْهِمْ}.
وأخرج الفريابي، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عنه في قوله: {فاسألوا أَهْلَ الذكر} الآية، يعني: مشركي قريش، أن محمدًا رسول الله في التوراة والإنجيل.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال: نزلت في عبد الله بن سلام ونفر من أهل التوراة.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {بالبينات} قال: الآيات.
{والزبر} قال: الكتب.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد في قوله: {أَفَأَمِنَ الذين مَكَرُواْ السيئات} قال: نمروذ بن كنعان وقومه.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال: أي الشرك.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك، قال: تكذيبهم الرسل، وإعمالهم بالمعاصي.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {أَوْ يَأْخُذَهُمْ في تَقَلُّبِهِمْ} قال: في اختلافهم.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عنه {فِى تَقَلُّبِهِمْ} قال: إن شئت أخذته في سفره {أَوْ يَأْخُذَهُمْ على تَخَوُّفٍ} يقول: على أثر موت صاحبه.
وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضًا {على تَخَوُّفٍ} قال: تنقص من أعمالهم.
وأخرج ابن جرير عن عمر أنه سألهم عن هذه الآية {أَوْ يَأْخُذَهُمْ على تَخَوُّفٍ} فقالوا: ما نرى إلاّ أنه عند تنقص ما يردّده من الآيات.
فقال: عمر ما أرى إلا أنه على ما ينقصون من معاصي الله، فخرج رجل ممن كان عند عمر فلقي أعرابيًا، فقال يا فلان: ما فعل ربك؟ قال: قد تخيفته، يعني انتقصته، فرجع إلى عمر فأخبره، فقال: قد رأيته ذلك.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد في قوله: {أَوْ يَأْخُذَهُمْ على تَخَوُّفٍ} قال: يأخذهم بنقص بعضهم بعضًا.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {يتفيؤ} قال: يتميل.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن قتادة في قوله: {وَهُمْ داخرون} قال: صاغرون.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد مثله.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ} الآية قال: لم يدع شيئًا من خلقه إلاّ عبده له طائعًا أو كارهًا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في الآية، قال: يسجد من في السموات طوعًا، ومن في الأرض طوعًا وكرهًا. اهـ.

.قال سيد قطب في الآيات السابقة:

{إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (22)}.
وقفنا في الدرس السابق عند استعراض آيات الخالق في خلقه، وفي نعمته على عباده، وفي علمه بالسر والعلن.. بينما الآلهة المدعاة، لا تخلق شيئا، بل هي مخلوقة، ولا تعلم شيئا، بل هي ميتة لا تنتظر لها حياة، وهي لا تعلم متى يبعث عبادها للجزاء! وهذا وذلك قاطع في بطلان عبادتها، وفي بطلان عقيدة الشرك كافة.، وكان هذا هو الشوط الأول في قضية التوحيد في السورة مع إشارة إلى قضية البعث أيضا.
وها نحن أولاء نبدأ في الدرس الجديد من حيث انتهينا في الدرس السابق. نبدأ شوطا جديدا، يفتتح بتقرير وحدة الألوهية، ويعلل عدم إيمان الذين لا يؤمنون بالآخرة بأن قلوبهم منكرة، فالجحود صفة كامنة فيها تصدهم عن الإقرار بالآيات البينات، وهم مستكبرون، فالاستكبار يصدهم عن الإذعان والتسليم.، ويختم بمشهد مؤثر: مشهد الظلال في الأرض كلها ساجدة لله، ومعها ما في السماوات وما في الأرض من دابة، والملائكة، قد برئت نفوسهم من الاستكبار، وامتلأت بالخوف من الله، والطاعة لأمره بلا جدال.. هذا المشد الخاشع الطائع يقابل صورة المستكبرين المنكرة قلوبهم في مفتتح هذا الشوط الجديد.
وبين المطلع والختام يستعرض السياق مقولات أولئك المستكبرين المنكرين عن الوحي والقرآن إذ يزعمون أنه أساطير الأولين، ومقولاتهم عن أسباب شركهم بالله وتحريمهم ما لم يحرمه الله، إذ يدعون أن الله أراد منهم الشر وارتضاه، ومقولاتهم عن البعث والقيامة إذ يقسمون جهدهم لا يبعث الله من يموت، ويتولى الرد على مقولاتهم جميعا، ويعرض في ذلك مشاهد احتضارهم ومشاهد بعثهم وفيها يتبرأون من تلك المقولات الباطلة، كما يعرض بعض مصارع الغابرين من المكذبين أمثالهم، ويخوفهم أخذ الله في ساعة من ليل أو نهار وهم لا يشعرون، وهم في تقلبهم في البلاد، أو وهم على تخوف وتوقع وانتظار للعذاب.، وإلى جوار هذا يعرض صورا من مقولات المتقين المؤمنين وما ينتظرهم عند الاحتضار ويوم البعث من طيب الجزاء، وينتهي بذلك المشهد الخاشع الطائع للظلال والدواب والملائكة في الأرض والسماء..
{إلهكم إله واحد فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة وهم مستكبرون لا جرم أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون إنه لا يحب المستكبرين}.
ويجمع السياق بين الإيمان بوحدة لله والإيمان بالآخرة. بل يجعل إحداهما دالة على الأخرى لارتباط عبادة الله الواحد بعقيدة البعث والجزاء. فبالآخرة تتم حكمة الخالق الواحد ويتجلى عدله في الجزاء..
{إلهكم إله واحد} وكل ما سبق في السورة من آيات الخلق وآيات النعمة وآيات العلم يؤدي إلى هذه الحقيقة الكبيرة البارزة، الواضحة الآثار في نواميس الكون وتناسقها وتعاونها كما سلف الحديث.
فالذين لا يسلمون بهذه الحقيقة، ولا يؤمنون بالآخرة وهي فرع عن الاعتقاد بوحدانية الخالق وحكمته وعدله هؤلاء لا تنقصهم الآيات ولا تنقصهم البراهين، إنما تكمن العلة في كيانهم وفي طباعهم.
إن قلوبهم منكرة جاحدة لا تقر بما ترى من الآيات، وهم مستكبرون لا يريدون التسليم بالبراهين والاستسلام لله والرسول. فالعلة أصيلة والداء كامن في الطباع والقلوب!.
والله الذي خلقهم يعلم ذلك منهم. فهو يعلم ما يسرون وما يعلنون. يعلمه دون شك ولا ريب ويكرهه فيهم. {إنه لا يحب المستكبرين} فالقلب المستكبر لا يرجى له أن يقتنع أو يسلم، ومن ثم فهم مكروهون من الله لاستكبارهم الذي يعلمه من يعلم حقيقة أمرهم ويعلم ما يسرون وما يعلنون.
{وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون}.
هؤلاء المستكبرون ذوو القلوب المنكرة التي لا تقتنع ولا تستجيب إذا سئلوا {ماذا أنزل ربكم} لم يجيبوا الجواب الطبيعي المباشر، فيتلوا شيئا من القرآن أو يلخصوا فحواه، فيكونوا أمناء في النقل، ولو لم يعتقدوه. إنما هم يعدلون عن الجواب الأمين فيقولون: {أساطير الأولين} والأساطير هي الحكايات الوهمية الحافلة بالخرافة.، وهكذا يصفون هذا القرآن الذي يعالج النفوس والعقول، ويعالج أوضاع الحياة وسلوك الناس وعلاقات المجتمع وأحوال البشر في الماضي والحاضر والمستقبل. هكذا يصفونه لما يحويه من قصص الأولين، وهكذا يؤدي بهم ذلك الإنكار والاستهتار إلى حمل ذنوبهم وشطر من ذنوب الذين يضلونهم بهذا القول، ويصدونهم عن القرآن والإيمان، وهم جاهلون به لا يعلمون حقيقته.، ويصور التعبير هذه الذنوب أحمالا ذات ثقل وساءت احمالًا وأثقالا! فهي توقر النفوس كما توقر الأحمال الظهور، وهي تثقل القلوب، كما تثقل الأحمال العواتق، وهي تتعب وتشقي كما تتعب الأثقال حامليها بل هي أدهى وأنكى!
روى ابن أبي حاتم عن السدي قال: اجتمعت قريش، فقالوا: إن محمدًا رجل حلو اللسان، إذا كلمه الرجل ذهب بعقله، فانظروا ناسا من أشرافكم المعدودين المعروفة أنسابهم، فابعثوا في كل طريق من طرق مكة على رأس ليلة أو ليلتين، فمن جاء يريده فردوه عنه. فخرج ناس في كل طريق فكان إذا اقبل الرجل وافدا لقومه ينظر ما يقول محمد، ووصل إليهم، قال أحدهم: أنا فلان ابن فلان. فيعرفه نسبه، ويقول له: أنا أخبرك عن محمد. إنه رجل كذاب لم يتبعه على أمره إلا السفهاء والعبيد ومن لا خير فيهم، وأما شيوخ قومه وخيارهم فمفارقون له. فيرجع الوافد. فذلك قوله تعالى: {إذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين}. فإن كان الوافد ممن عزم الله له الرشاد، فقالوا له مثل ذلك قال: بئس الوافد لقومي إن كنت جئت حتى إذا بلغت مسيرة يوم رجعت قبل أن ألقى هذا الرجل، وانظر ما يقول وآتي قومي ببيان أمره فيدخل مكة، فيلقى المؤمنين فيسألهم ماذا يقول محمد؟ فيقولون: خيرًا.
فقد كانت حرب دعاية منظمة يديرها قريش على الدعوة، ويديرها امثال قريش في كل زمان ومكان من المستكبرين الذين لا يريدون الخضوع للحق والبرهان، لأن استكبارهم يمنعهم من الخضوع للحق والبرهان. فهؤلاء المستكبرون من قريش ليسوا أول من ينكر، وليسوا أول من يمكر، والسياق يعرض عليهم نهاية الماكرين من قبلهم، ومصيرهم يوم القيامة، بل مصيرهم منذ مفارقة أرواحهم لأجسادهم حتى يلقوا في الآخرة جزاءهم. يعرض عليهم هذا كله في مشاهد مصورة على طريقة القرآن المأثورة: {قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون ثم يوم القيامة يخزيهم ويقول أين شركائي الذين كنتم تشاقون فيهم قال الذين أوتوا العلم إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم فألقوا السلم ما كنا نعمل من سوء بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون فادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فلبئس مثوى المتكبرين}.
{قد مكر الذين من قبلهم} والتعبير يصور هذا المكر في صورة بناء ذي قواعد وأركان وسقف إشارة إلى دقته وإحكامه ومتانته وضخامتة، ولكن هذا كله لم يقف أمام قوة الله وتدبيره: {فأتى الله بنيانهم من القواعد فَخَرَّ عليهم السقف من فوقهم} وهو مشهد للتدمير الكامل الشامل، يطبق عليهم من فوقهم ومن تحت أرجلهم، فالقواعد التي تحمل البناء تحطم وتهدم من أساسها، والسقف يخر عليهم من فوقهم فيطبق عليهم ويدفنهم {وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون} فإذا البناء الذي بنوه وأحكموه واعتمدوا على الاحتماء فيه. إذا هو مقبرتهم التي تحتويهم، ومهلكتهم التي تأخذهم من فوقهم ومن أسفل منهم، وهو الذي اتخذوه للحماية ولم يفكروا أن يأتيهم الخطر من جهته!
إنه مشهد كامل للدمار والهلاك، وللسخرية من مكر الماكرين وتدبير المدبرين، الذين يقفون لدعوة الله، ويحسبون مكرهم لا يرد، وتدبيرهم لا يخيب، والله من ورائهم محيط!
وهو مشهد مكرر في الزمان قبل قريش وبعدها، ودعوة الله ماضية في طريقها مهما يمكر الماكرون، ومهما يدبر المدبرون، وبين الحين والحين يتلفت الناس فيذكرون ذلك المشهد المؤثر الذي رسمه القرآن الكريم: {فأتى الله بنيانهم من القواعد فَخَرَّ عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون}.
هذا في الدنيا، وفي واقع الأرض: {ثم يوم القيامة يخزيهم ويقول أين شركائي الذين كنتم تشاقون فيهم}.
ويرتسم مشهد من مشاهد القيامة يقف فيه هؤلاء المستكبرون الماكرون موقف الخزي؛ وقد انتهى عهد الاستكبار والمكر، وجاءوا إلى صاحب الخلق والأمر، يسألهم سؤال التبكيت والتأنيب: {أين شركائي الذين كنتم تشاقون فيهم} أين شركائي الذين كنتم تخاصمون من أجلهم الرسول والمؤمنين، وتجادلون فيهم المقرين الموحدين؟.
ويسكت القوم من خزي، لتنطلق ألسنة الذين أوتوا العلم من الملائكة والرسل والمؤمنين وقد أذن الله لهم أن يكونوا في هذا اليوم متكلمين ظاهرين: {قال الذين أوتوا العلم إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين}.
{إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين}. {الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} فيعود السياق بهم خطوة قبل خطوة القيامة. يعود بهم إلى ساعة الاحتضار، والملائكة تتوفاهم ظالمين لأنفسهم بما حرموها من الإيمان واليقين، وبما اوردوها موارد الهلاك، وبما قادوها في النهاية إلى النار والعذاب.
ويرسم مشهدهم في ساعة الاحتضار، وهم قريبو عهد بالأرض، وما لهم فيها من كذب ومكر وكيد: {فألقوا السلم ما كنا نعمل من سوء} ألقوا السلم. هؤلاء المستكبرون. فإذا هم مستسلمون لا يهمون بنزاع أو خصام، إنما يلقون السلم ويعرضون الاستسلام! ثم يكذبون ولعله طرف من مكرهم في الدنيا فيقولون مستسلمين: {ما كنا نعمل من سوء}! وهو مشهد مخز وموقف مهين لأولئك المستكبرين!