فصل: قال أبو السعود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وانتصب واصبًا على الحال، والعامل فيها هو ما يتعلق به المجرور.
أفغير الله استفهام تضمن التوبيخ والتعجب أي: بعدما عرفتم وحدانيته، وأن ما سواه له ومحتاج إليه، كيف تتقون وتخافون غيره ولا نفع ولا ضر يقدر عليه؟ ثم أخبر تعالى بأنّ جميع النعم المكتسبة منا إنما هي من إيجاده واختراعه، ففيه إشارة إلى وجوب الشكر على ما أسدى من النعم الدينية والدنيوية.
ونعمه تعالى لا تحصى كما قال تعالى: {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها} وما موصولة، وصلتها بكم، والعامل فعل الاستقرار أي: وما استقر بكم، ومن نعمة تفسير لما، والخبر فمن الله أي: فهي من قبل الله، وتقدير الفعل العامل بكم خاصًا كحلّ أو نزل ليس بجيد.
وأجاز الفرّاء والحوفي: أن تكون ما شرطية، وحذف فعل الشرط.
قال الفراء: التقدير.
وما يكن بكم من نعمة، وهذا ضعيف جدًا لأنه لا يجوز حذفه إلا بعد أن وحدها في باب الاشتغال، أو متلوّة بما النافية مدلولًا عليه بما قبله، نحو قوله:
فطلقها فلست لها بكفء ** وإلا يعل مفرقك الحسام

أي: وإلا تطلقها، حذف تطلقها الدلالة طلقها عليه، وحذفه بعد أنْ متلوة بلا مختص بالضرورة نحو قوله:
قالت بنات العم يا سلمى وإن ** كان فقيرًا معدمًا قالت وإن

أي: وإن كان فقيرًا معدمًا، وأما غير إن من أدوات الشرط فلا يجوز حذفه إلا مدلولًا عليه في باب الاشتغال مخصوصًا بالضرورة نحو قوله: أينما الريح تميلها تمل.
التقدير: أينما تميلها الريح تميلها تمل.
ولما ذكر تعالى أنّ جميع النعم منه ذكر حالة افتقار العبد إليه وحده، حيث لا يدعو ولا يتضرع لسواه، وهي حالة الضر والضر، يشمل كل ما يتضرر به من مرض أو فقر أو حبس أو نهب مال وغير ذلك.
وقرأ الزهري: {تجرون} بحذف الهمزة، وإلقاء حركتها على الجيم.
وقرأ قتادة: {كاشف} وفاعل هنا بمعنى فعل، وإذا الثانية للفجاءة.
وفي ذلك دليل على أنّ إذا الشرطية ليس العامل فيها الجواب، لأنه لا يعمل ما بعد إذا الفجائية فيما قبلها.
ومنكم: خطاب للذين خوطبوا بقوله: {وما بكم من نعمة} إذ بكم خطاب عام.
والفريق هنا هم المشركون المعتقدون حالة الرجاء أنّ آلهتهم تنفع وتضر وتشقى.
وعن ابن عباس: المنافقون.
وعن ابن السائب: الكفار.
ومنكم في موضع الصفة، ومِنْ للتبعيض، وأجاز الزمخشري أن تكون من للبيان لا للتبعيض قال: كأنه قال فإذا فريق كافر وهم أنتم.
قال: ويجوز أن تكون فيهم من اعتبر كقوله: {فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد} انتهى واللام في ليكفروا، إن كانت للتعليل كان المعنى: أنّ إشراكهم بالله سببه كفرهم به، أي جحودهم أو كفران نعمته، وبما آتيناهم من النعم، أو من كشف الضر، أو من القرآن المنزل إليهم.
وإن كانت للصيرورة فالمعنى: صار أمرهم ليكفروا وهم لم يقصدوا بأفعالهم تلك أن يكفروا، بل آل أمر ذلك الجؤار والرغبة إلى الكفر بما أنعم عليهم، أو إلى الكفر الذي هو جحوده والشرك به.
وإن كانت للأمر فمعناه التهديد والوعيد.
وقال الزمخشري: ليكفروا فتمتعوا، يجوز أن يكون من الأمر الوارد في معنى الخذلان والتخلية، واللام لام الأمر انتهى.
ولم يخل كلامه من ألفاظ المعتزلة، وهي قوله: في معنى الخذلان والتخلية.
وقرأ أبو العالية: {فيمتعوا} بالياء باثنتين من تحتها مضمومة مبنيًا للمفعول، ساكن الميم وهو مضارع متع مخففًا، وهو معطوف على {ليكفروا} وحذفت النون إما للنصب عطفًا إنْ كان يكفروا منصوبًا، وإما للجزم إن كان مجزومًا أن كان عطفًا، وأن للنصب إن كان جواب الأمر.
وعنه: {فسوف يعلمون} بالياء على الغيبة، وقد رواهما مكحول الشامي عن أبي رافع مولى النبي عن النبي صلى الله عليه وسلم.
والتمتع هنا هو بالحياة الدنيا ومآلها إلى الزوال. اهـ.

.قال أبو السعود:

وبعد ما بُيّن أن جميعَ الموجودات يُخَصّون بالخضوع والانقياد أصلًا لله عز وجل أُردف ذلك بحكاية نهْيِه سبحانه وتعالى للمكلفين عن الإشراك فقيل: {وَقَالَ الله} عطف على قوله: {ولله يسجد} وإظهارُ الفاعل وتخصيصُ لفظة الجلالة بالذكر للإيذان بأنه متعيِّنُ الألوهية، وإنما المنهيُّ عنه هو الإشراكُ به لا أن المنهيَّ عنه مطلقُ اتخاذِ إلهين بحيث يتحقق الانتهاء عنه برفض أيِّهما كان أي قال تعالى لجميع المكلفين: {لاَ تَتَّخِذُواْ إلهين اثنين} وإنما ذُكر العددُ مع أن صيغة التثنيةِ مغنيةٌ عن ذلك دلالةً على أن مساقَ النهي هو الاثنَيْنيّة وأنها منافيةٌ للألوهية كما أن وصفَ الإله بالوَحدة في قوله تعالى: {إِنَّمَا هُوَ إله وَاحِدٌ} للدلالة على أن المقصودَ إثباتُ الوحدانية وأنها من لوازم الإلهية، وأما الإلهية فأمرٌ مسلَّمُ الثبوت له سبحانه وإليه أشير حيث أُسند إليه القول، وفيه التفاتٌ من التكلم إلى الغَيبة على رأي من اكتفى في تحقق الالتفاتِ بكون الأسلوب الملتفَتِ عنه حقَّ الكلام ولم يشترِط سبقَ الذكرِ على ذلك الوجه {فإياي فارهبون} التفاتٌ من الغيبة إلى التكلم لتربية المهابةِ وإلقاء الرهبة في القلوب ولذلك قدّم المفعولَ وكرر الفعلَ أي إن كنتم راهبين شيئًا فإيايَ فارهبون لا غيرُ فإني ذلك الواحدُ الذي يسجُد له ما في السموات والأرض.
{وَلَهُ مَا في السموات والأرض} خلقًا ومُلكًا تقريرٌ لعلة انقيادِ ما فيها له سبحانه خاصة، وتحقيقٌ لتخصيص الرهبة به تعالى وتقديمُ الحرفِ لتقوية ما في اللام من معنى الاختصاصِ وكذا في قوله تعالى: {وَلَهُ الدين} أي الطاعةُ والانقياد {وَاصِبًا} أي واجبًا ثابتًا لا زوالَ له لِما تقرّر أنه الإله وحده الحقيقُ بأن يُرهَبَ، وقيل: واصبًا من الوصب أي وله الدين ذا كلفة، وقيل: الدينُ الجزاء أي وله الجزاء الدائمُ بحيث لا ينقطع ثوابُه لمن آمن وعقابُه لمن كفر {أَفَغَيْرَ الله تَتَّقُونَ} الهمزة للإنكار والفاء للعطف على مقدر ينسحب عليه السياقُ أي أعَقيبَ تقرّرِ الشؤون المذكورةِ من تخصيص جميعِ الموجودات للسجود به تعالى وكونِ ذلك كلِّه له، ونهيِه عن اتخاذ الأندادِ وكونِ الدين له واصبًا المستدعي ذلك لتخصيص التقوى به سبحانه غيرَ الله الذين شأنُه ما ذكر تتقون فتطيعون.
{وَمَا بِكُم} أي أيُّ شيء يلابسكم ويصاحبكم {مِن نّعْمَةٍ} أية نعمةٍ كانت {فَمِنَ الله} فهي من الله، فما شرطيةٌ أو موصولة متضمّنة لمعنى الشرط باعتبار الإخبارِ دون الحصول فإن ملابسةَ النعمةِ بهم سببٌ للإخبار بأنها منه تعالى لا لكونها منه تعالى: {ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضر} مِساسًا يسيرًا {فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ} تتضرعون في كشفه لا إلى غيره، والجُؤار رفعُ الصوت بالدعاء والاستغاثة، قال الأعشى:
يراوِحُ من صلَواتِ الملي ** ك طورًا سجودًا وطورًا جؤارا

وقرئ {تَجَرون} بطرح الهمزة وإلقاء حركتها إلى ما قبلها، وفي ذكر المِساس المُنْبىءِ عن أدنى إصابةٍ وإيرادِه بالجملة الفعلية المعربةِ عن الحدوث مع ثم الدالةِ على وقوعه بعد برهةٍ من الدهر وتحليةِ الضُّر بلام الجنس المفيدةِ لمساس أدنى ما ينطلق عليه اسمُ الجنس مع إيراد النعمةِ بالجملة الاسميةِ الدالةِ على الدوام والتعبير عن ملابستها للمخاطبين بباء المصاحبة وإيرادِ {ما} المعربةَ عن العموم ما لا يخفى من الجزالة والفخامة، ولعل إيرادَ إذا دون إن للتوسل به إلى تحقق وقوع الجواب.
{ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضر عَنْكُمْ} وقرئ {كاشَفَ الضر} وكلمةُ ثم ليست للدلالة على تمادي زمانِ مِساس الضرّ ووقوعِ الكشفِ بعد برهة مديدةٍ بل للدلالة على تراخي رتبةِ ما يترتب عليه من مفاجأة الإشراك المدلولِ عليها بقوله سبحانه: {إِذَا فَرِيقٌ مّنْكُم بِرَبّهِمْ يُشْرِكُونَ} فإنّ ترتبها على ذلك في أبعد غايةٍ من الضلال، ثم إن وُجّه الخطابُ إلى الناس جميعًا فمِن للتبعيض والفريقُ فريقُ الكفرة، وإن وجه إلى الكفرة فمن للبيان، كأنه قيل: إذا فريق كافرون أنتم، ويجوز أن يكون فيهم من اعتبر وازدجر كقوله تعالى: {فَلَمَّا نجاهم إِلَى البر فَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ} فمن تبعيضية أيضًا، والتعرضُ لوصف الربوبية للإيذان بكمال قبحِ ما ارتكبوه من الإشراك والكفران.
{لِيَكْفُرُواْ بِمَا ءاتيناهم} من نعمة الكشف عنهم كأنهم جعلوا غرضَهم في الشرك كُفرانَ النعمة وإنكارَ كونها من الله عز وجل: {فَتَمَتَّعُواْ} أمرُ تهديد، والالتفاتُ إلى الخطاب للإيذان بتناهي السَّخَط، وقرئ بالياء مبنيًا للمفعول عطفًا على {ليكفروا} على أن يكون كفرانُ النعمة والتمتعُ غرضًا لهم من الإشراك، ويجوز أن يكون اللامُ لامَ الأمرِ الواردِ للتهديد {فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} عاقبةَ أمرِكم وما ينزل بكم من العذاب، وفيه وعيدٌ أكيدٌ منبىءٌ عن أخذٍ شديد حيث لم يُذكر المفعولُ إشعارًا بأنه مما لا يوصف. اهـ.

.قال الألوسي:

ثم إنه تعالى بعد ما بين أن جميع الموجودات، خاضعة منقادة له تعالى أردف ذلك بحكاية نهيه سبحانه وتعالى للمكلفين عن الإشراك فقال عز قائلا: {وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (51)}.
{وَقَالَ الله} عطفًا على قوله سبحانه: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ} [النحل: 49] وجوز أن يكون معطوفًا على {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذكر} [النحل: 44]، وقيل: إنه معطوف على {مَّا خَلَقَ الله} [النحل: 48]. على أسلوب:
علفتها تبنًا وماء باردًا

أي أو لم يروا إلى ما خلق الله ولم يسمعوا إلى ما قال الله ولا يخفى تكلفه، وإظهار الفاعل وتخصيص لفظة الجلالة بالذكر للإيذان بأنه تعالى متعين الألوهية وإنما المنهى عنه هو الإشراك به لا أن المنهى عنه هو مطلق اتخاذ الهين بحيث يتحقق الانتهاء عنه برفض أيهما كان، ولم يذكر المقول لهم للعموم أي قال تعالى لجميع المكلفين بواسطة الرسل عليهم السلام: {لاَ تَتَّخِذُواْ إلهين اثنين} المشهور أن {اثنين} وصف لإلهين وكذا {واحد} في قوله سبحانه: {إِنَّمَا هُوَ إله وَاحِدٌ} صفة لإله، وجيء بهما للايضاح والتفسير لا للتأكيد وان حصل.
وتقرير ذلك أن لفظ {إلهين} حامل لمعنى الجنسية أعني الإلهية ومعنى العدد أعنى الاثنينة وكذا لفظ {إله} حامل لمعنى الجنسية والوحدة، والغرض المسوق له الكلام في الأول النهي عن اتخاذ الإثنين من الاله لا عن اتخاذ جنس الإله، وفي الثاني إثبات الواحد من الإله لا إثبات جنسه فوصف {آلهين} باثنين {وإله} بواحد إيضاحًا لهذا الغرض وتفسيرًا له، فإنه قد يراد بالمفرد الجنس نحو نعم الرجل زيد.
وكذا المثنى كقوله:
فإن النار بالعودين تذكى ** وأن الحرب أولها الكلام

وإلى هذا ذهب صاحب الكشاف هو ما يفهم منه أنه تأكيد فمعناه أنه تأكيد فمعناه أنه محقق ومقرر من المتبوع فهو تأكيد لغوى لا أنه مؤكد أمر المتبوع في النسبة أو الشمول ليكون تأكيدًا صناعيًا كيف وهو إنما يكون بتقرير المتبوع بنفسه أو بما يوافقه معنى أو بألفاظ محفوظة، فما قيل: إن مذهبه إن ذلك من التأكيد الصناعي ليس بشيء إذ لا دلالة في كلامه عليه.
وقد أورد السكاكي الآية في باب عطف البيان مصرحًا بأنه من هذا القبيل فتوهم منه بعضهم أنه قائل بأن ذلك عطف بيان صناعي، وهو الذي اختارخ العلامة القطب في شرح المفتاح نافيًا كونه وصفًا، واستدل على ذلك بأن معنى قولهم: الصفة تابع يدل على معنى في متبوعه أنه تابع ذكر ليدل على معنى في متبوعه على ما نقل عن ابن الحاجب، ولم يذكر {اثنين} للدلالة على الاثنينة والوحدة اللتين في متبوعهما فيكونا وصفين بل ذكرا للدلالة على أن القصد من متبوعهما إلى أحد جزئيه أعنى الأثنينية والوحدة دون الجزء الآخر أعنى الجنسية، فكل منهما تابع غير صفة يوضح متبوعه فيكون عطف بيان لا صفة.
وقال العلامة الثاني: ليس في كلام السكاكي ما يدل على أنه عطف بيان صناعي لجواز أن يريد أنه من قبيل الإيضاح والتفسير وإن كان وصفًا صناعيًا، ويكون إيراده في ذلك المبحث مثل إيراد كل رجل عارف وكل إنسان حيوان في بحث التأكيد ومثل ذلك عادة له.
وتعقب العلامة الأول بأنه إن أريد أنه لم يذكر إلا ليدل على معنى في متبوعه فلا يصدق التعريف على شيء من الصفة لأنها البتة تكون لتخصيص أو تأكيد أو مدح أو نحو ذلك وإن أريد أنه ذكر ليدل على هذا المعنى ويكون الغرض من دلالته عليه شيئًا آخر كالتخصيص والتأكيد وغيرهما فيجوز أن يكون ذكر {اثنين} للدلالة على الاثنينية والوحدة ويكون الغرض من هذا بيان المقصود وتفسيره، كما أن الدابر في أمس الدابر ذكر ليدل على معنى الدبور والغرض منه التأكيد بل الأمر كذلك عند التحقيق، ألا ترى أن السكاكي جعل من الوصف ما هو كاشف وموضح ولم يخرج بهذا عن الوصفية.
وأجيب بأنا نختار الشق الثاني ونقول: مراد العلامة من قوله: ذكر ليدل على معنى في متبوعه أن يكون المقصود من ذكره الدلالة على حصول المعنى في المتبوع ليتوسل بذلك إلى التخصيص أو التوضيح أو المدح أو الذم إلى غير ذلك وذكر {اثنين} ليس للدلالة على حثول الاثنينية والوحدة في موصوفيهما بل تعيين المقصود من جزئيهما فلا يكونان صفة، وذكر الدابر ليدل على حصول الدبور في الأمس ثم يتوسل بذلك إلى التأكيد وكذا في الوصف الكاشف بخلاف ما نحن فيه فتدبره فإنه غامض.
ولم يجوز العلامة الأول البدلية فقال: واما أنه ليس ببدل فظاهر لأنه لا يقوم مقام المبدل منه.
ونظر فيه العلامة الثاني بأنا لا تسلم أن البدل يجب صحة قيامه مقام المبدل منه فقد جعل الزمخشري {الجن} في قوله تعالى: {وَجَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَاء الجن} [الأنعام: 100]. بدلًا من {شركاء} ومعلوم أنه لا معنى لقولنا وجعلوا لله الجن، ثم قال: بل لا يبعد أن يقال: الأولى أنه بدل لأنه المقصود بالنسبة إذ النهي عن اتخاذ الإثنين من الإله على ما مر تقريره.
وتعقب بأن الرضى قد ذكر أنه لما لم يكن البدل معنى في المتبوع حتى يحتاج إلى المتبوع كما احتاج الوصف ولم يفهم معناه من المبتوع كما فهم ذلك في التأكيد جاز اعتباره مستقلًا لفظًا أي صالحًا لأن يقوم مقام المتبوع. اهـ.
ولا يخفى أن صحة إقامته بهذا المعنى لا تقتضي أن يتم معنى الكلام بدونه حتى يرد ما أورد؛ وقيل: إن ذكر {اثنين} للدلالة على منافاة الاثنينية للالوهية وذكر الوحدة للتنبيه على أنها من لوازم الألوهية.
وجعل ذلك بعضهم من روادف الدلالة على كون ما ذكر مساق النهي والإثبات وهو الظاهر وإن قيل فيه ما قيل.
وزعم بعضهم ان {تَتَّخِذُواْ} متعد إلى مفعولين وأن {اثنين} مفعوله الأول {وإلهين} مفعوله الثاني والتقدير لا تتخذوا اثنين إلهين، وقيل: الأول مفعول أول والثاني ثان، وقيل: {إلهين} مفعوله الأول {واثنين} باق على الوصفية والتوكيد والمفعول الثاني محذوف أي معبودين، ولا يخفى ما في ذلك، وإثبات الوحدة له تعالى مع أن المسمى المعين لا يتعدد بمعنى أنه لا مشارك له في صفاته وألوهيته فليس الحمل لغوًا، ولا حاجة لجعل الضمير للمعبود بحق المفهوم من الجلالة على طريق الاستخدام كما قيل، وسيأتي إن شاء الله تعالى تحقيقه في سورة الاخلاص.
وفي التعبير بالضمير الموضوع للغائب التفات من التكلم إلى الغيبة على رأي السكاكي المكتفي بكون الأسلوب الملتفت عنه حق الكلام وإن لم يسبق الذكر على ذلك الوجه، واما قوله تاعلى: {فإياي فارهبون} ففيه التفات من الغيبة إلى التكلم على مذهب الجمهور أيضًا، والنكتة فيه بعد النكتة العامة أعني الايقاظ وتطرية الاصغاء المبالغة في التخويف والترهيب فإن تخويف الحاضر مواجهة أبلغ من تخويف الغائب سيما بعد وصفه بالوحدة والألوهية المقتضية للعظمة والقدرة التامة على الانتقام.