فصل: قال الشنقيطي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقرأ عيسى بن عمر {سيغًا} مخففًا من سيغ كهين المخفف من هين.
واستدل بالآية على طهارة لبن المأكول وإباحة شربه، وقد احتج بعض من يرى على أن المني طاهر على من جعله نجسًا لجريه في مسالك البول بها أيضًا وأنه ليس بمستنكر أن يسلك مسلك البول وهو طاهر كما خرج اللبن من بين فرث ودم طاهرًا وفي التفسير الكبير قال أهل التحقيق: اعتبار حدوث اللبن كما يدل على وجود الصانع المختار يدل على إمكان الحشر والنشر، وذلك لأن هذا العشب الذي يأكله الحيوان إنما يتولد من الماء والأرض فخالق العالم دبر تدبيرًا انقلب به لبنًا ثم دبر تدبيرًا آخر حدث من ذلك البلن الدهن والجبن، وهذا يدل على أنه تعالى قادر على أن يقلب هذه الأجسام من صفة إلى صفة ومن حالة إلى حالة؛ فإذا كان كذلك لم يمتنع أيضًا أن يكون قادرًا على أن يقلب أجزاء أبدان الأموات إلى صفة الحياة والعقل كما كانت قبل ذلك فهذا الاعتبار يدل من هذا الوجه على أن البعث والقيامة أمر ممكن غير ممتنع.
{وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ}.
متعلق بمحذوف تقديره ونسقيكم من ثمرات النخيل والأعناب أي من عصيرهما، وحذف لدلالة {نُّسْقِيكُمْ} قبله عليه، وقوله تعالى: {تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا} بيان وكشف عن كنه الإسقاء أو بتتخذون و{مِنْهُ} من تكرير الظرف للتأكيد كما في قولك زيد في الدار فيهاأو خبر لمحذوف صفته {تَتَّخِذُونَ} أي ومن ثمرات النخيل والأعناب ثمر تتخذون منه، وضمير {مِنْهُ} عائد إما على المضاف المقدر أو على الثمرات المؤولة بالثمر لأنه جمع معرفة أريد به الجنس، وفائدة الصيغة الإشارة إلى تعداد الأنواع أو على ثمر المقدر، والسكر الخمر قال الأخطل:
بئس الصحاة وبئس الشرب شربهم ** إذا جرى فيهم المزاء والسكر

وهو في الأصل مصدر سكر سكرًا وسكرًا نحو رشد رشدًا ورشدًا.
واستشهد له بقوله:
وجاؤنا بهم سكر علينا ** فأجلى اليوم والسكران صاحي

وفسروا الرزق الحسن بالخل والرب والتمر والزبيب وغير ذلك، وإليه ذهب صاحب الكشاف وقد ذكر في توجيه إعرابها ما ذكرناه، وقدم الوجه الأول من أوجه الثلاثة وهو ظاهر في ترجيحه وصرح به الطيبي وبينه بما بينه، وأخر الثالث وهو ظاهر في أنه دون أخويه.
وفي الكشف بعد نقل كلامه في الوجه الأول فيه إضمار العصير وأنه لا يصلح عطفًا في الظاهر على السابق لأنه لا يصلح بيانًا للعبرة في الإنعام، وفيه أن {أنكاثا تَتَّخِذُونَ} لا يصلح كشفًا عن كحنه الإسقاء كيف وقد فسر الرزق الحسن بالتمر والزبيب أيضًا وأي مدخل للعصير وأين هذا البيان من البيان بقوله تعالى: {نُّسْقِيكُمْ} [النحل: 66]. ليجعل مدركًا لترجيحه فهذا وجه مرجوح مؤول بأنه عطف على مجموع السابق، وأوثر الفعلية لمكان قربه من {نُّسْقِيكُمْ} وقوله تعالى: {تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا} تم البيان عنده ثم أتى بفائدة زائدة، وأظهر الأوجه ما ذكر آخر أي ومن ثمرات النخيل والأعناب ثمر تتخذون ليكون عطفًا للإسمية على الإسمية أعني قوله تعالى: {وَإِنَّ لَكُمْ في الأنعام لَعِبْرَةً} [النحل: 66]، ولما لم يكن العبرة فيه كالأول اكتفى بكونه عطفًا على ما هو عبرة ولم يصرح، وأفيد بالتبعيض أن من ثمراتها ما يؤكل قبل الإدراك وما يتلف ويأكل الوحوض وغير ذلك اه، وما ذكره في التأويل من بيان البيان عند {سَكَرًا} محوج إلى جعل {رِزْقًا} معمولًا لعامل آخر ولا يخفى بعده، والظاهر أنه لا ينكره، وما ذكره من الوجه الأظهر طكره الحوفي كصاحبه، ولا يرد عليه أن فيه حذف الموصوف بالجملة لأن ذلك إذا كان الموصوف بعضًا من مجرور من أوفى المقدم عليه مطرد نحو منا أقام ومنا ظعن أراد فريق، وقد يحذف موصوفًا بالجملة في غير ذلك كقول الراجز:
مالك عندي غير سهم وحجر

وغير كبداء شديد الوتر

جادت بكفي كان من أرمى البشر

أراد رجل نعم قال الطبري: التقدير ومن ثمرات النخيل والأعناب ما تتخذون منه، وتعقبه أبو حيان بأن ذلك لا يجوز على مذهب البصريين وكأنه اعتبر {مَا} موصولة وحذف الموصول مع إبقاء الصلة لا يجوز عنهم، ولعلهم يفرقون بين الموصول والموصوف فيما ذكر، وقال العلامة ابن كمال في بعض رسائله: لا وجه لما اختاره صاحب الكشاف يعني به تعليق الجار بنسقيكم محذوفًا وتقدير العصير مضافًا لأنه حينئذ لا يتناول المأكول وهو أعظم صنفي ثمراتها يعني النخيل والأعناب والمقام مقام الامتنان ومقتضاه استيعاب الصنفين ثم قال: والعجب منه وممن اتبعه كالبيضاوي كيف اتفقوا على تفسير الرزق الحسن بما ينتظم التمر والزبيب ومع ذلك يقولون: إن المعنى ومن عصيرهما تتخذون سكرًا ورزقًا حسنًا فإنه لا انتظام بين هذين الكلامين فالوجه أن يتعلق الجار بتتخذون ويكون منه تكرير الظرف للتأكيد اه وهو الذي استظهره أبو حيان وقد سبقت الإشارة إلى الاعتراض بما تعجب منه مع الجواب بما فيه بعد، ونقل عنه أنه جعله متعلقًا بما في الإسقاء من معنى الإطعام أي نطعمكم من ثمرات النخيل والأعناب لينتظم المأكول منهما والمشروب المتخذ من عصيرهما.
وفيه من البعد ما فيه.
وأنت تعلم أن تقدير العصير على الوجه الأول عند من يراه لازم، وتقديره على الوجه الثاني جائز عند ذاك أيضًا ولا يجوز عند المعترض.
واختار أبو البقاء تعليقه بخلق لكم أو جعل وليس بذاك، وقيل: إنه معطوف على الأنعام على معنى ومن ثمرات النخيل والأعناب عبرة {وَتَتَّخِذُونَ} بيان لها وهو غير الوجه الذي استظهره صاحب الكشف وكان الظاهر في بدل من وضمير {مِنْهُ} لا يتعين فيه ما سمعت كما لا يخفى عليك بعد أن أحطت خبرًا بما قيل في ضمير {بُطُونِهِ} وتفسير {السكر} بالخمر هو المروى عن ابن مسعود وابن عمر وأبي رزين والحسن ومجاهد والشعبي والنخعي وابن أبي ليلى وأبي ثور والكلبي وابن جبير مع خلق آخرين، والآية نزلت في مكة والخمر إذ ذاك كانت حلالًا يشربها والفاجر وتحريمها إنما كان بالمدينة إتفاقًا واختلفوا في أنه قبل أحد أو بعدها والآية المحرمة لها {يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ إِنَّمَا الخمر والميسر والانصاب والازلام رِجْسٌ مّنْ عَمَلِ الشيطان فاجتنبوه} [المائدة: 90]. على ما ذهب إليه جمع فما هنا منسوخ بها، وروى ذلك غير واحد ممن تقدم كالنخعي وأبي ثور وابن جبير، وقيل: نزلت قبل ولا نسخ بناء على ما روى عن ابن عباس أن {السكر} هو الخل بلغة الحبشة أو على ما نقل عن أبي عبيدة أن {السكر} المطعوم المتفكه به كالنقل وأنشد:
جعلت إعراض الكرام سكرًا

وتعقب بأن كون السكر في ذلك بمعنى الخمر أشبه منه بالطعام، والمعنى أنه لشغفه بالغيبة وتميزق الأعراض جرى ذلك عنده مجرى الخمر المسكرة، وكأنه لهذا قال الزجاج: إن قول أبي عبيدة لا يصح، وفيه أن المعروف في الغيبة جعلها نقلًا ولذا قيل: الغيبة فاكهة القراء وإلى عدم النسخ ذهب الحنفيون وقالوا: المراد بالسكر ما لا يسكر من الأنبذة، واستدلوا عليه بأن الله تعالى امتن على عباده بما خلق لهم من ذلك ولا يقع الامتنان إلا بمحلل فيكون ذلك دليلًا على جواز شرب ما دون المسكر من النبيذ فإذا انتهى إلى السكر لم يجز وعضدوا هذا من السنة بما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «حرم الله تعالى الخمر بعينها القليل منها والكثير والسكر من كل شراب».
أخرجه الدارقطني، وإلى حل شرب النبيذ ما لم يصل إلى الإسكار ذهب إبراهيم النخعي: وأبو جعفر الطحاوي وكان إمام أهل زمانه.
وسفيان الثوري وهو من تعلم وكان عليه الرحمة يشربه كما ذكر ذلك القرطبي في تفسيره.
والبيضاوى بعد أن فسر {السكر} بالخمر تردد في أمر نزولها فقال: إلا أن الآية إن كانت سابقة على تحريم الخر فدالة على كراهيتها وإلا فجامعة بين العتاب والمنة، ووجه دلالتها على الكراهية بأن الخمر وقعت في مقابة الحسن وهو مقتضى لقبحها والقبيح لا يخلو عن الكراهة وإن خلا عن الحرمة، واعترض عليه بأن تردده هنا في سبقها على تحريم الخمر ينافي ما في سورة البقرة حيث ساق الكلام على القطع على أنه جزم في أول هذه السورة بأنها مكية إلا ثلاث آيات من آخرها.
وفي الكشاف بعد أن فسر {السكر} أيضًا بما ذكر قال: وفيه وجهان.
أحدهما: أن تكون منسوخة.
والثاني: أن يجمع بين العتاب والمنة، ونقل صاحب الكشاف أن القول بكونها منسوخة أولى الأقاويل، ثم قال: وفي الآية دليل على قبح تناولها تعريضًا من تقييد المقابل بالحسن، وهذا وجه من ذهب إلى أنه جمع بين العتاب والمنة، وعلى الأول يكون رمزًا إلى أن السكر وإن كان مباحًا فهو مما يحسن اجتنابه. اهـ.
واستدل ابن كمال على نزولها قبل التحريم بأن المقام لا يحتمل العتاب فإن مساق الكلام على ما دل عليه سياقه ولحاقه في تعداد النعم العظام، وذكر أن الكلام الزمخشري ومن تبعه ناشي عن الغفلة عن هذا، ولعل عدم وصف {السكر} بما وصف به ما بعده لعلم الله تعالى أنه سيكون رجسًا يحكم الشرع بتحريمه.
وجوز الزمخشري أن يجعل الكر رزقًا حسنًا كأنه قيل: تتخذون منه ما هو مسكر ورزق حسن أي على أن العطف من عطف الصفات.
وأنت تعلم أن العطف ظاهره المغايرة.
هذا ولما كان اللبن نعمة عظيمة لا دخل لفعل الخلق فيه إضافة سبحانه لنفسه بقوله تعالى: {نُّسْقِيكُمْ} [النحل: 66]. بخلاف اتخاذ السكر وقد صرح بذلك في البحر فتأمل {إِنَّ في ذَلِكَ لآيَةً} باهرة {لّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} يستعملون عقولهم بالنظر والتأمل بالآيات فالفعل منزل منزلة اللازم، قال أبو حيان: ولما كان مفتتح الكلام {وَإِنَّ لَكُمْ في الأنعام لَعِبْرَةً} [النحل: 66]. ناسب الختم بقوله سبحانه: {يعقلون} لأنه لا يعتبر إلا ذوو العقول.
وأنا أقول: إذا كان في الآية إشارة إلى الحط من أمر السكر ففي الختم المذكور تقوية لذلك وله في النفوس موقع وأي موقع حيث أن العقار كما قيل للعقول عقال:
إذا دارها بالأكف السقاة ** لخطاباها أمهروها العقولا

فافهم ذاك والله تعالى يتولهم هداك. اهـ.

.قال الشنقيطي:

قوله تعالى: {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأنعام لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا فِي بُطُونِهِ} الآية.
بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن في الأنعام عبرة دالة على تفرد من خلقها، وأخلص لبنها من بين فرث ودم- بأنه هو وحده المستحق لأن يعبد، ويطاع ولا يعصى، وأوضح هذا المعنى أيضًا في غير هذا الموضع. كقوله: {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأنعام لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فيِهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} [المؤمنون: 21]، وقوله: {والأنعام خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} [النحل: 5]، وقوله: {أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلاَ يَشْكُرُونَ} [يس: 71-73]، وقوله: {أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى الإبل كَيْفَ خُلِقَتْ} [الغاشية: 17]، إلى غير ذلك من الآيات.
وقد دلت الآيات المذكورة على أن الأنعام يصح تذكيرها وتأنيثها. لأنه ذكرها هنا في قوله: {نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا فِي بُطُونِهِ} وأنثها في سورة {قد أفلح المؤمنون} في قوله: {نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فيِهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ} [المؤمنون: 21]، ومعلوم في العربية: أن أسماء الأجناس يجوز فيها التذكير نظرًا إلى اللفظ، والتأنيث نظرًا إلى معنى الجماعة الداخلة تحت اسم الجنس، وقد جاء في القرآن تذكير الأنعام وتأنيثها كما ذكرناه آنفًا، وجاء فيه تذكير النخل وتانيثها. فالتذكير في قوله: {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ} [القمر: 20]، والتأنيث في قوله: {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} [الحاقة: 7]، ونحو ذلك وجاء في القرآن تذكير السماء وتأنيثها. فالتذكير في قوله: {السَّمَاء مُنفَطِرٌ بِهِ} [المزمل: 18]، والتأنيث في قوله: {والسماء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ} [الذاريات: 47]. الآية، ونحو ذلك من الآيات، وهذا معروف في العربية، ومن شواهده قول قيس بن الحصين الحارثي الأسدي وهو صغير في تذكير النعم:
في كل عام نعم تحوونه ** يلحقه قوم وتنتجونه

وقرأ هذا الحرف نافع وابن عامر وشعبة عن عاصم: {نسقيكم} بفتحالنون، والباقون بضمها، كما تقدم بشواهده في سورة الحجر.
مسائل تتعلق بهذه الآية الكريمة:
المسألة الأولى:
استنبط القاضي إسماعيل من تذكير الضمير في قوله: {مِّمَّا فِي بُطُونِهِ} أن لين الحل يفيد التحريم، وقال: غنما جيء به مذكرًا لأنه راجع إلى ذكر النعم. لأن اللبن للذكر محسوب، ولذلك قضى النَّبي صلى الله عليه وسلم: «أن لبن الفحل يحرم» حيث أنكرته عائشة في حديث أفلح أخي أبي القعيس، فللمرأة السقى، وللرجل اللقاح. فجرى الاشتراك فيه بينهما اهـ. بواسطة نقل القرطبي.
قال مقيده عفا الله عنه: أما اعتبار لبن الفحل في التحريم فلا شك فيه، ويدل له الحديث المذكور في قصة عائشة مع أفلح أخي أبي القعيس. فإنه متفق عليه مشهور، وأما استنباط ذلك من عود الضمير في الآية فلا يخلو عندي من بعد وتعسف.
والعلم عند الله تعالى.
المسألة الثانية:
استنبط النقاش وغيره من هذه الاية الكريمة: أن المني ليس بنجس، قالوا: كما يخرج اللبن من بين الفرث والدم سائغًا خالصًا، كذلك يجوز أن يخرج المني من مخرج البول طاهرًا.
قال ابن العربي: إن هذا لجهل عظيم، وأخذ شنيع! اللبن جاء الخبر عنه مجيء النعمة والمنة الصادرة عن القدرة، ليكون عبرة. فاقتضى ذلك كلع وصف الخلوص واللذة، وليس من هذه الحالة حتّى يكون ملحقًا به، أو مقيسًا عليه.
قال القرطبي بعد أن نقل الكلام المذكور: قلتك قد يعارض هذا بأن يقال: وأي منة أعظم وأرفع من حروج المني الذي يكون عنه الإنسان المكرم؟ وقد قال تعالى: {يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصلب والترآئب} [الطارق: 7]، وقال: {والله جَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً} [النحل: 72]، وهذا غاية في الامتنان.
فإن قيل: إنه يتنجس بخروجه في مجرى البول.
قلنا: هو ما أردناه. فلانجاسة عارضة وأصله طاهر اه محل الغرض من كلام القرطبي.
قال مقيدخ عفا الله عنه: وأخذ حكم طهارة المني من هذه الآية الكريمة لا يخلوا عندي من يعد، وسنبين إن شاء الله حكم المني: هل هو نجس أو طاهر، وأقوال العلماء في ذلك، مع مناقشة الأدلة. اعلم- أن في مني الإنسان ثلاثة أقوال للعلماء: الأول: أنه طاهرن وأن حكمه حكم النخامة والمخاط، وهذاهو مهب الشافعي، وأصح الروايتين عن أحمد، وبه عن سعد بن أبي وقاص، وابن عمر، وعائشة رضي الله عنهم. كما نقله النووي في شرح المهذب وغيره.
القول الثاني: أنه نجس، ولابد في طهارته من الماء سواء كان يابسًا أو رطبًا، وهذا هو مذهب مالك، والثوري والأوزاعي.
القول الثالث: أنه نجس، ورطبه لابد له من الماء، ويابسه لا يحتاج إلى الماء بل يطهر بفركه من الثوب حتّى يزول منه، وهذا هو مذهب أبي حنيفة، واختار الشوطاني في {نيل الأوطار}: أنه نجس، وأن إزالته لا تتوقف على الماء مطلقًا.