فصل: من لطائف القشيري في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (64)}.
أنت الواسطة بيننا وبين أوليائنا، ولك البرهان الأعلى والنور الأوفى؛ تُبَلِّغُ عنَّا وتؤدِّي مِنَّا، فأنت رحمةٌ أرسلناك لأوليائنا فَمَنْ تَبِعَكَ اهتدى، ومَنْ عصاك ففي هلاكه سعى.
{وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (65)}.
أحيا بماء التوفيق قلوبَ العابدين فَجَنَحَتْ إلى جانب الوفاق، وأحيا بماء التحقيق أرواح العارفين فاستروحت على بساط الوصال، وأحيا بماء التجريد أسرار الموحدين فتحررت من رِقُ الآثار، وانفردت بحقائق الاتصال.
{وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ (66)}.
سَخَّرَها لكم، وهيأها للانتفاع بلحمها وشحمها، وجِلْدِها وشَعْرِها ودَرِّها، وأصلها ونَسْلِها. ثم عجيبٌ ما أظهر من قدرته من إخراج اللبن- مع صفائه وطعمه ونَفْعِه- من بين الروث والدم، وذلك تقدير العزيز العليم، والذي يقدر على حفظ اللبن بين الروث والدم يقدر على حفظ المعرفة بين وحشة الزَّلَّةِ من وجوهها المختلفة.
{وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (67)}.
مَنَّ على العباد بما خَلَقَ لهم من فنون الانتفاع بثمرات النخيل كالتمر والرطب واليابس.، وغير ذلك.
والرزق الحسن ما كان حلالًا، ويقال هو ما أتاك من حيث لا تحتسب، ويقال هو الذي لا مِنَّة لمخلوقٍ فيه ولا تَبِعَةَ عليه.
ويقال هو ما لا يعصي الله مكتسبُه في حال اكتسابه.
ويقال هو ما لا يَنْسَى الله فيه مُكْتَسِبُه. اهـ.

.قال التستري:

قوله: {تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا} [67].
قال: هذه الآية نسخت بآية الخمر، كذا قال إبراهيم والشعبي.
قال سهل: السكر عندي ما يسكر النفس في الدنيا، ولا تؤمن عاقبته في الآخرة.
وقد دخل على سهل أبو حمزة الصوفي فقال: أين كنت يا أبا حمزة؟ قال: كنا عند فلان أخبرنا أن السكر أربعة.
فقال: اعرضها علي.
فقال: سكر الشراب وسكر الشباب وسكر المال وسكر السلطنة.
فقال: وسكرتان لم يخبرك بهما.
فقال: ما هما؟ فقال: سكر العالم إذا أحب الدنيا وسكر العابد إذا أحب أن يشار إليه. اهـ.

.قال الشنقيطي:

قوله تعالى: {وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا} الآية.
هذه الآية الكريمة يفهم منها أن السُكر المتخذ من ثمرات التخيل والأعناب لا بأس به لأن الله امتن به على عباده في سورة الامتنان التي هي سورة النحل، وقد حرّم تعالى الخمر بقوله: {رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} الآية، لأنه وصفها بأنها رجس وأنها من عمل الشيطان وأمر باجتنابها ورتب عليه رجاء الفلاح، ويفهم منه أن من لم يجتنبها لم يفلح وهو كذلك، وقد بيَّن صلى الله عليه وسلم أن كل ما خامر العقل فهو خمر وأن كل مسكر حرام وأن ما أسكر كثيره فقليله حرام.
والجواب ظاهر وهو أن آية تحريم الخمر ناسخة لقوله: {تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا}. الآية.
ونسخها له هو التحقيق خلافا لما يزعمه كثير من الأصوليين من أن تحريم الخمر ليس نسخا لإباحتها الأولى؛ لأن إباحتها الأولى إباحة عقلية، وهي المعروفة عند الأصوليين بالبراءة الأصلية، وتسمى استصحاب العدم الأصلي، والإباحة العقلية ليست من الأحكام الشرعية حتى يكون رفعها نسخا، ولو كان رفعها نسخا لكان كل تكليف في الشرع ناسخا للبراءة الأصلية من التكليف به، وإلى كون الإباحة العقلية ليست من الأحكام الشرعية أشار في مراقي السعود بقوله:
وما من الإباحة العقلية ** قد أخذت فليست الشرعية

كما أشار إلى أن تحريم الخمر ليس نسخا لإباحتها؛ لأنها إباحة عقلية وليست من الأحكام الشرعية حتى يكون رفعها نسخا بقوله:
أباحها في أول الإسلام ** براءة ليست من الأحكام

وإنما قلنا إن التحقيق هو كون تحريم الخمر ناسخا لإباحتها؛ لأن قوله: {تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا} يدل على إباحة الخمر شرعا، فرفع هذه الإباحة المدلول عليها بالقرآن رفع حكم شرعي فهو نسخ بلا شك، ولا يمكن أن تكون إباحتها عقلية إلا قبل نزول هذه الآية كما هو ظاهر، ومعلوم عند العلماء أن الخمر نزلت في شأنها أربع آيات من كتاب الله:
الأولى: هذه الآية الدالة على إباحتها.
الثانية: الآية التي ذكر فيها بعض معايبها، وأن فيها منافع وصرحت بأن إثمها أكبر من نفعها، وهي قوله تعالى: {قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} فشَرِبها بعد نزولها قوم للمنافع المذكورة، وترَكها آخرون للإثم الذي هو أكبر من المنافع.
الثالثة: الآية التي دلت على تحريمها في أوقات الصلاة دون غيرها، وهي قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} الآية.
الرابعة: الآية التي حرمتها تحريما باتا مطلقا، وهي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ} إلى قوله: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ}، والعلم عند الله تعالى.
وأما على قول من زعم أن السكر: الطعم، كما أختاره ابن جرير وأبو عبيدة، أو أنه الخل فلا إشكال في الآية. اهـ.

.التفسير المأُثور:

قال السيوطي:
{وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى}.
أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: {ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة} قال: ما سقاهم المطر.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في الآية يقول: إذا قحط المطر لم يبق في الأرض دابة إلا ماتت.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر، عن قتادة في قوله: {ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة} قال: قد فعل الله ذلك في زمان نوح، أهلك الله ما على ظهر الأرض من دابة إلا ما حملت سفينة نوح.
وأخرج أحمد في الزهد عن ابن مسعود قال: ذنوب ابن آدم قتلت الجعل في جحره، ثم قال: أي والله ومن غرق قوم نوح عليه السلام.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب، عن ابن مسعود قال: كاد الجعل أن يعذب في جحره بذنب ابن آدم، ثم قرأ: {ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك على ظهرها من دابة}.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي الدنيا في كتاب العقوبات، عن أنس بن مالك قال: كاد الضب أن يموت في جحره هولًا من ظلم ابن آدم.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي الدنيا وابن جرير والبيهقي في الشعب، عن أبي هريرة أنه سمع رجلًا يقول: إن الظالم لا يضر إلا نفسه. فقال أبو هريرة: بلى، والله، إن الحبارى لتموت هزلًا وكرهًا من ظلم الظالم.
وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو أن الله يؤاخذني وعيسى ابن مريم بذنونبا» وفي لفظ: «بما جنت هاتان الإبهام والتي تليها لعذبنا ما يظلمنا شيئًا».
وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله: {ويجعلون لله ما يكرهون} قال: يقول: تجعلون لي البنات وتكرهون ذلك لأنفسكم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {ويجعلون لله ما يكرهون} قال: وهن الجواري.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن مجاهد في قوله: {وتصف ألسنتهم الكذب أن لهم الحسنى} قال: قول كفار قريش لنا البنون ولله البنات.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن قتادة في قوله: {وتصف ألسنتهم الكذب} أي يتكلمون بأن {لهم الحسنى} الغلمان.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر، عن مجاهد في قوله: {وأنهم مفرطون} قال: مسيئون.
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن سعيد بن جبير في قوله: {وأنهم مفرطون} قال: متروكون في النار ينسون فيها أبدًا.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر، عن قتادة في قوله: {وأنهم مفرطون} قال: قد فرطوا في النار أي معجلين.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله: {وأنهم مفرطون} قال: معجل بهم إلى النار.
وأخرج ابن مردويه، عن يحيى بن عبد الرحمن بن أبي كبشة، عن أبيه، عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما شرب أحد لبنًا فيشرق؛ إن الله يقول {لبنًا خالصًا سائغًا للشاربين}».
وأخرج عبد الرزاق في المصنف وابن أبي حاتم، عن ابن سيرين. إن ابن عباس لبنًا فقال له مطرف: ألا تمضمضت؟ فقال: ما أباليه بالة، اسمح يسمح لك. فقال قائل: إنه يخرج من بين فرث ودم. فقال ابن عباس: قد قال الله: {لبنًا خالصًا سائغًا للشاربين}.
وأخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وأبو داود في ناسخه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس وابن مردويه والحاكم وصححه، عن ابن عباس أنه سئل عن قوله: {تتخذون منه سكرًا ورزقًا حسنًا} قال: السكر ما حرم من ثمرتها، والرزق الحسن ما حل من ثمرتها.
وأخرج الفريابي وابن أبي حاتم وابن مردويه، عن ابن عباس في الآية قال: السكر الحرام منه، والرزق الحسن زبيبه وخله وعنبه ومنافعه.
وأخرج أبو داود في ناسخه وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن ابن عباس في الآية قال: السكر النبيذ، والرزق الحسن، فنسختها هذه الآية {إنما الخمر والميسر} [المائدة: 90].
وأخرج أبو داود في ناسخه وابن جرير، عن أبي رزين في الآية قال: نزل هذا وهم يشربون الخمر قبل أن ينزل تحريمها.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن ابن عباس في الآية قال: السكر الخل، والنبيذ وما أشبهه، والرزق الحسن: الثمر والزبيب وما أشبهه.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي، عن ابن عباس في قوله: {تتخذون منه سكرًا ورزقًا حسنًا} قال: فحرم الله بعد ذلك السكر، مع تحريم الخمر، لأنه منه، ثم قال: {ورزقًا حسنًا} فهو الحلال من الخل والزبيب والنبيذ وأشباه ذلك، فأقره الله وجعله حلالًا للمسلمين.
وأخرج ابن جرير وابن مردويه، عن ابن عباس في قوله: {تتخذون منه سكرًا ورزقًا حسنًا} قال: إن الناس يسمون الخمر سكرًا، وكانوا يشربونها، ثم سماها الله بعد ذلك الخمر حين حرمت، وكان ابن عباس يزعم أن الحبشة يسمون الخل السكر، وقوله: {ورزقًا حسنًا} يعني بذلك الحلال التمر والزبيب، وكان حلالًا لا يسكر.
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر، عن ابن مسعود قال: السكر خمر.
وأخرج ابن أبي شيبة، عن سعيد بن جبير والحسن والشعبي وإبراهيم وأبي رزين مثله.
وأخرج عبد الرزاق وابن الأنباري في المصاحف والنحاس، عن قتادة في قوله: {تتخذون منه سكرًا} قال: خمور الأعاجم، ونسخت في سورة المائدة.
وأخرج النسائي عن سعيد بن جبير قال: السكر الحرام، والرزق الحسن الحلال.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن الحسن في قوله: {تتخذون منه سكرًا} قال: ذكر الله نعمته عليهم في الخمر قبل أن يحرمها عليهم.
وأخرج ابن الأنباري والبيهقي، عن إبراهيم والشعبي في قوله: {تتخذون منه سكرًا} قالا: هي منسوخة.
وأخرج الخطيب، عن أبي هريرة قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: «لكم في العنب أشياء تأكلونه عنبًا، وتشربونه عصيرًا ما لم ييبس، وتتخذون منه زبيبًا وربًا والله أعلم». اهـ.
بحوث ذكرها صاحب الأمثل:
1- كيف يتكوّن اللبن؟
يقول القرآن الكريم في ذلك كما في الآيات أعلاه: إنّه يخرج من بين {فرث}- الأغذية المهضومة داخل المعدة- و{دم}.
وقد أثبت ذلك فيزيولوجيًا: حيث أنّه عندما يتمّ هضم الغذاء داخل المعدة ويكون جاهزًا للإِمتصاص ينتشر داخل المعدة والأمعاء بشكل واسع وأمام الملايين من العروق الشعيرية، فتمتص منه العناصر المفيدة المطلوبة لتوصلها إِلى تلك الشجرة ذات الجذور التي تنتهي عروقها عند عروق الثدي.
عندما تتناول المرأة الحامل الغذاء تنتقل عصارته إِلى الدم الذي يجري في عروقها حتى يصل نهاية العروق المجاورة لعروق الجنين ليتغذى الجنين بهذه الطريقة ما دام في بطن أمه، وعندما ينفصل عن أُمّه يتحول طريق تغذيته إِلى الثدي.، وهنا لا تستطيع الأُم أن تصل دمها إِلى دم ولدها، ولذلك ينبغي تصفية الغذاء وتغيير حالته بما ينسجم والوضع الجديد للطفل، وهنا يتكون اللبن من بين فرث ودم، أيْ: من بين ما تتناوله الأم الذي يتحول إِلى فرث وما ينتقل من مواده إِلى الدم ليتكون منه اللبن.
فاللبن في حقيقة.. شيء وسط بين الفرث والدم، فلا هو دم مصفى ولا هو غذاء مهضوم، وهو أعلى من الثّاني ودون الأوّل!
علمًا بأنّ الثدي يستفيد من الحوامض الأمينية المخزونة في البدن فقط في صناعة المواد البروتينية للبن.
وثمّة مكونات أُخرى للبن لا توجد في الدم وإِنّما تنتجها غدد خاصّة في الثدي {كالكازوئين}.
والبعض الآخر من المكونات يأتي من ترشح بلازما الدم مباشرة: ويدخل في تكوين اللبن من دون أي تغيير {كالفيتامينات وملح الطعام والفوسفات}.
أمّا سكر اللاكتوز الموجود في اللبن فيؤخذ من السكر الموجود في الدم بعد أن تجري عليه الغدد الخاصّة في الثدي التغييرات اللازمة لتحويله إِلى نوع جديد من السكر.
ومع أنّ إِنتاج اللبن يكون عن طريق جذب المواد الغذائية بواسطة الدم، ومن خلال الإِرتباط المباشر بين الدم وغدد الثدي، إِلاّ أنّنا لا نلاحظ أيَّ أثر لرائحة الفرث أو لون الدم فيه، بل يبدأ اللبن بالترشح من ثدي الأم بلون جديد ورائحة خاصّة به.
ومن لطيف ما ينقل عن العلماء المتخصصين أنّ إِنتاج لتر واحد من اللبن في الثدي يحتاج بما لا يقل عن عبور (500) لتر من الدم خلال الثدي ليستطيع من امتصاص المواد اللازمة لإِنتاج اللبن، كما يلزم لإِنتاج لتر واحد من الدم عبور مواد غذائية كثيرة من الأمعاء وبهذا يتّضح لنا معنى {من بين فرث ودم} كاملا (1).
2- أهم ما في اللبن من مواد غذائية:
اللبن مليء بالمواد الغذائية المختلفة التي تشكل مع بعضها مجموعة عذائية كاملة.
فالمواد المعدنية في اللبن، عبارة عن: الصوديوم، البوتاسيوم، الكالسيوم، المغنيسيوم، النحاس، قليل من الحديد بالإِضافة إِلى الفسفور والكلور وغيرها.
ويوجد في اللبن كذلك غاز الأوكسجين وحامض الكاربونيك.
أمّا المواد السكرية فموجودة بكمية كافية على شكل {لاكتوز}.
والفيتامينات المحلولة في اللبن عبارة عن: فيتامين ب، پ، آ، د.
وقد أثبت العلم الحديث أنّ الحيوان الذي يتغذى بشكل جيد يكون لبنه حاويًا لكافة أنواع الفيتامينات، وأصبح بديهيًا أنّ اللبن الطازج يعتبر غذاء كاملا، ولا يمكن لنا تفصيل ذلك في هذا البحث المختصر.
ولعل ما روي عن النّبي صلى الله عليه وآله وسلم من قوله: {ليس يجزي مكان الطعام والشراب إِلاّ اللبن} إِشارة لهذا السبب، ونقرأ في روايات أُخرى عن اللبن أنّه يزيد في عقل الإِنسان، ويحد النظر، ويرفع النسيان، ويقوي القلب والظهر {كما أصبح معلومًا أن هذه الآثار لها إرتباط وثيق بما في اللبن من مواد حياتية}.
3- اللبن.. غذاء خالص وسهل الهضم:
لقد أكّدت الآيات أعلاه على ميزتين مهمتين للبن- كونه {خالصًا}، و{سائغًا} أي لذيذًا وسريع الهضم- وكما هو المعروف عن اللبن من كونه غذاء كثير الفائدة على الرغم من قلّة حجمه، وخالص أي خال من المواد الزائدة وبذات الوقت فهو سهل الهضم بالشكل الذي جُعِلَ ملائمًا لأي إِنسان وعلى مختلف الأعمار- منذ الطفولة حتى الشيخوخة- ولهذا يعتمده المرضى كغذاء ملائم ومفيد ومقبول، وبالخصوص ما له من أثر فعال بالنسبة لنمو العظام، ولهذا يوصى بالإِكثار من تناوله في حالات كسور العظام وما شابهها.
ومن جملة معاني الخلوص هو {الربط}، ولعل البعض اعتمد على هذا المعنى فيما جاء في التعبير القرآني {خالصًا}، واعتبارهم من كون {خالصًا} إِشارة إِلى تأثير اللبن الخالص في بناء وربط العظام.
وكذا نجد في الإحكام الإِسلامية الواردة حول الرضاعة ما يشير إِلى هذا المعنى بوضوح.
ويقول الفقهاء: إِنّ الطفل لو رضع من غير أُمّه حتى اشتدت عظامه وزاد لحمه فإِنّ مرضعته ستحرم عليه {وما يتبع ذلك في مَنْ يعود إِليه النسب}.
ويقولون أيضًا: إِن (15) رضاعة متوالية، أو رضاعة يوم وليلة متصلة، يؤدي إِلى هذه الحرمة أيضًا.
ولو جمعنا القولين، ألا ينتج أن التغذية باللبن يوم وليلة لها أثر في تقوية العظام وزيادة اللحم!؟
وينبغي الإِلتفات إِلى أن التوجيهات الإِسلامية أكّدت كثيرًا على لبن اللباء هو أو ما ينزل من اللبن بعد الولادة، حتى لتقول بعض كتب الفقه إِنّ حياة الطفل مرهونة به، ولهذا اعتبر إِعطاء الطفل من حليب اللباء واجبًا(1).
ولعل ما في الآية (7) من سورة القصص حول موسى عليه السلام يتعلق بهذا الموضوع أيضًا {وأوحينا إِلى أُمّ موسى أن أرضعيه فإِذا خفت عليه فألقيه في اليم}. اهـ.