فصل: قال أبو حيان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فقال: إن الأطباء مجمعون على أن مسهل فكيف يوصف لمن به الإسهال فنقول في الرد على هذا المعترض الملحد الجاهل بعلم الطب أن الإسهال يحصل من أنواع كثيرة منها التخم، والهيضات، وقد أجمع الأطباء في مثل هذا على أن علاجه بأن تترك الطبيعة وفعلها، فإن احتاجت إلى معين على الإسهال أعينت ما دامت القوة باقية فأما حبسها فمضر عندهم، واستعجال مرض فيحتمل أن يكون إسهال الشخص المذكور في الحديث أصابه من امتلاء أو هيضة، فدواؤه بترك إسهاله على ما هو عليه أو تقويته فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم العسل فزاده إسهالًا فزاده عسلًا إلى أن فنيت المادة فوقف الإسهال ويكون الخلط الذي كان به يوافقه شرب العسل، فثبت بما ذكرناه أن أمره صلى الله عليه وسلم لهذا الرجل بشرب العسل جار على صناعة الطب، وأن المعترض عليه جاهل لها ولسنا نقصد الاستظهار لتصديق الحديث بقول الأطباء: بل لو كذبوه لكذبناهم وكفرناهم بذلك وإنما ذكرنا هذا الجواب الجاري على صناعة الطب، دفعًا لهذا المعترض بأنه لا يحسن صناعة الطب التي اعترض بها والله أعلم وقوله صلى الله عليه وسلم: «صدق الله وكذب بطن أخيك» يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم، علم بالوحي الإلهي أن العسل، الذي أمره بشربه سيظهر نفعه بعد ذلك فلما لم يظهر نفعه في الحال عندهم قال: صدق الله يعني فيما وعد به من أن فيه شفاء وكذب بطن أخيك يعني باستعجالك للشفاء في أول مرة والله أعلم بمراده، وأسرار رسوله صلى لله عليه سلم فإن قالوا: كيف يكون شفاء للناس، وهو يضر بأصحاب الصفراء ويهيج الحرارة ويضر بالشباب المحرورين ويعطش، قلنا: في الجواب عن هذا الاعتراض أيضًا: إن قوله فيه شفاء للناس مع أنه يضر بأصحاب الصفراء، ويهيج الحرارة أنه خرج مخرج الأغلب، وأنه في الأغلب فيه شفاء، ولم يقل: إنه شفاء لكل الناس لكل داء ولكنه في الجملة دواء وإن نفعه أكثر من مضرته، وقل معجون من المعاجين إلا وتمامه به.
والأشربة المتخذة من العسل نافعة لأصحاب البلغم والشيوخ المبرودين، ومنافعه كثيرة جدًا، والقول الثاني: أنه شفاء للأوجاع التي شفاؤها فيه وهذا قول السدي وقال مجاهد: في قوله فيه شفاء للناس يعني القرآن لأنه شفاء من أمراض الشرك، والجهالة والضلالة وهو هدى ورحمة للناس، والقول الأول أصح لأن الضمير يجب أن يعود إلى أقرب المذكورات، وأقربها قوله تعالى: {يخرج من بطونها شراب} وهو العسل فهو أولى أن يرجع الضمير إليه لأنه أقرب مذكور.
وقوله سبحانه وتعالى: {إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون} يعني فيعتبرون ويستدلون بما ذكرنا على وحدانيتنا وقدرتنا.
قوله: {والله خلقكم} يعني أوجدكم من العدم وأخرجكم إلى الوجود ولم تكونوا شيئًا {ثم يتوفاكم} يعني عند انقضاء آجالكم إما صبيانًا وإما شبانًا وإما كهولًا {ومنكم من يرد إلى أرذل العمر} يعني أراده وأضعفه وهو الهرم قال بعض العلماء: عمر الإنسان له أربع مراتب أولها من النشوء والنماء، وهو من أول العمر إلى بلوغ ثلاث وثلاثين سنة، وهو غاية سن الشاب وبلوغ الأشد ثم المرتبة الثانية: سن الوقوف، وهو من ثلاث وثلاثين سنة إلى أربعين سنة، وهو غاية القوة وكمال العقل ثم المرتبة الثالثة: سن الكهولة، وهو من الأربعين إلى الستين، وهذه المرتبة يشرع الإنسان في النقص لكنه يكون نقصًا خفيًا لا يظهر ثم المرتبة الرابعة: سن الشيخوخة والانحطاط من الستين إلى آخر العمر، وفيها يتبين النقص، ويكون الهرم والخوف.
وقال علي بن أبي طالب: أرذل العمر خمس وسبعون سنة.
وقيل ثمانون سنة وقال قتادة تسعون سنة (ق) عن أنس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «اللهم أني أعوذ بك من العجز والكسل والجبن والهرم والبخل وأعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات» وفي رواية أخرى عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو بهذه الدعوات: «اللهم إني أعوذ بك من البخل والكسل وأرذل العمر وعذاب القبر وفتنة المحيا والممات» وقوله تعالى: {لكيلا يعلم بعد علم شيئًا} يعني الإنسان يردع إلى حالة الطفولية بنسيان ما كان علم بسبب الكبر، وقال ابن عباس: لكي يصير كالصبي لا عقل له.
وقال ابن قتيبة: معناه حتى لا يعلم بعد علمه بالأمور شيئًا لشدة هرمه.
وقال الزجاج: المعنى وإن منكم من يكبر حتى يذهب عقله خرفًا فيصير بعد أن كان عالمًا جاهلًا، ليريكم الله من قدرته أنه كما قدر على إماتته وإحيائه، أنه قادر على نقله من العلم إلى الجهل هكذا، وجدته منقولًا عنه ولو قال: ليريكم من قدرته أنه كما قدر على نقله من العلم إلى الجهل، أنه قادر على إحيائه بعد إماتته ليكون ذلك دليلًا على صحة هذا البعث، بعد الموت لكان أجود.
قال ابن عباس: ليس هذا في المسلمين لأن المسلم لا يزداد في طول العمر والبقاء إلا كرامة عند الله وعقلًا ومعرفة.
وقال عكرمة: من قرأ القرآن لم يرد إلى أرذل العمر حتى لا يعلم بعد علم شيئًا.
وقال في قوله: {إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات} هم الذين قرؤوا القرآن وقال ابن عباس في قوله تعالى: {ثم رددناه أسفل سافلين} يريد الكافرين ثم استثنى المؤمنين فقال تعالى: {إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات}.
وقوله تعالى: {إن الله عليم} يعني بما صنع بأوليائه وأعدائه {قدير} يعني على ما يريد. اهـ.

.قال أبو حيان:

{وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ}.
والإيحاء هنا الإلهام والإلقاء في روعها، وتعليمها على وجه هو تعالى أعلم بكنهه لا سبيل إلى الوقوف عليه.
والنحل: جنس واحده نحلة، ويؤنث في لغة الحجاز، ولذلك قال: أن اتحذي.
وقرأ ابن وثاب: {النحل} بفتح الحاء، وأن تفسيرية، لأنه تقدم معنى القول وهو: وأوحى.
أو مصدرية أي: باتخاذ، قال أبو عبد الله الرازي: أنْ هي المفسرة لما في الوحي من معنى القول، هذا قول جمهور المفسرين وفيه نظر.
لأنّ الوحي هنا بإجماع منهم هو الإلهام، وليس في الإلهام معنى القول، وقال: قرر تعالى في أنفسها الأعمال العجيبة التي يعجز عنها للعقلاء من البشر منها بناؤها البيوت المسدسة من أضلاع، متساوية بمجرد طباعها، ولا يتم مثل ذلك العقلاء إلا بآلات كالمسطرة والبركان، ولم تبنها بأشكال غير تلك، فتضيق تلك البيوت عنها لبقاء فرج لا تسعها، ولها أمير أكبر جثة منها نافذ الحكم يخدمونه، وإذ نفرت عن وكرها إلى موضع آخر وأرادوا عودها إلى وكرها ضربوا الطبول وآلات المويسيقا، وبوساطة تلك الألحان تعود إلى وكرها، فلما امتازت بهذه الخواص العجيبة وليس إلا على سبيل الإلهام، وهي حالة تشبه الوحي لذلك قال: وأوحى ربك إلى النحل.
انتهى ملخصًا.
ومِنْ للتبعيض لأنها لا تبنى في كل جبل، وكل شجر، وكل ما يعرش، ولا في كل مكان منها.
والظاهر أن البيوت هنا عبارة عن الكوى التي تكون في الجبال، وفي متجوف الأشجار.
وأما من ما يعرش ابن آدم فالخلايا التي يصنها للنحل ابن آدم، والكوى التي تكون في الحيطان.
ولما كان النحل نوعين: منه ما مقره في الجبال والغياض ولا يتعهده أحد، ومنه ما يكون في بيوت الناس ويتعهد في الخلايا ونحوها، شمل الأمر باتخاذ البيوت النوعين.
وقال الزمخشري: ما يدل على أنّ البيوت ليست الكوى، وإنما هي ما تبنيه هي، فقال: أريد منى البعضية، يعني بمن، وأنْ لا يبنى بيوتها في كل جبل وكل شجر وكلّ ما يعرش.
وقال ابن زيد: ومما يعرشون الكروم.
وقال الطبري: مما يبنون من السقوف.
قال ابن عطية: وهذا منهما تفسير غير متقن انتهى.
وقرأ السلمي، وعبيد بن نضلة، وابن عامر، وأبو بكر عن عاصم: بضم الراء، وباقي السبعة بكسرها، وتقتضي ثم المهلة والتراخي بين الاتخاذ والأكل الذي تدخر منه العسل، فلذلك كان العطف بثم وهو معطوف على اتخذي، وهو أمر معطوف على أمر، وسيأتي الكلام على أمر غير المكلف في قوله: {يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم} إن شاء الله وكل الثمرات عام مخصوص أي: المعتادة، لا كلها.
قال الزمخشري: أي ابني البيوت ثم كلي من كل ثمرة تشتهيها انتهى.
فدل قوله: أي ابني البيوت، أنه لا يريد بقوله بيوتًا الكوى التي في الجبال ومتجوف الأشجار ولا الخلايا، وإنما يراد البيوت المسدسة التي تبينها هي.
وظاهر مِن في قوله: {من كل الثمرات} أنها للتبعيض، فتأكل من الأشجار الطيبة والأوراق العطرة أشياء يولد الله منها في أجوافها عسلًا.
قال ابن عطية: إنما تأكل النوّار من الأشجار.
وقال أبو عبد الله الرازي ما ملخصه: يحدث الله تعالى في الهواء ظلًا كثيرًا يجتمع منه أجزاء محسوسة مثل النرنجبين وهو محسوس، وقليلًا لطيف الأجزاء صغيرها، وهو الذي ألهم الله تعالى النحل التقاطه من الأزهار وأوراق الأشجار، وتغتذي بها فإذا شبعت التقطت بأفواهها شيئًا من تلك الأجزاء، ووضعتها في بيوتها كأنها تحاول أن تدخر لنفسها غذاءها، فالمجتمع من ذلك هو العسل.
وعلى هذا القول تكون من لابتداء الغاية، لا للتبعيض انتهى.
وظاهر العطف بالفاء في فاسلكي أنه بعقيب الأكل أي: فإذا أكلت فاسلكي سبل ربك، أي طرق ربك إلى بيوتك راجعة، والسبل إذ ذاك مسالكها في الطيران.
وربما أخذت مكانها فانتجعت المكان البعيد، ثم عادت إلى مكانها الأول.
وقيل: سبل ربك أي الطرق التي ألهمك وأفهمك في عمل العسل، أو فاسلكي ما أكلت أي: في سبل ربك، أي في مسالكه التي يحيل فيها بقدرته النور المر عسلًا من أجوافك ومنافذ مأكلك.
وعلى هذا القول ينتصب سبل ربك على الظرف، وعلى ما قبله ينتصب على المفعول به.
وقيل: المراد بقوله ثم كلي، ثم اقصدي الأكل من الثمرات فاسلكي في طلبها سبل ربك، وهذا القول والقول الأول أقرب في المجاز في سبل ربك من القولين اللذين بينهما، إلا أنّ كلي بمعنى اقصدي الأكل، مجاز أضاف السبل إلى رب النحل من حيث أنه تعالى هو خالقها ومالكها والناظر في تهيئة مصالحها ومعاشها.
وقال مجاهد: ذللًا غير متوعرة عليها سبيل تسلكه، فعلى هذا ذللًا حال من سبيل ربك كقوله تعالى: {هو الذي جعل لكم الأرض ذلولًا} وقال قتادة: أي مطيعة منقادة.
وقال ابن زيد: يخرجون بالنحل ينتجعون وهي تتبعهم، فعلى هذا ذللًا حال من النحل كقوله: {وذللناها لهم} ثم ذكر تعالى على جهة تعديد النعمة والتنبيه على المنة ثمرة هذا الاتخاذ والأكل والسلوك وهو قوله: {يخرج من بطونها شراب} وهو العسل.
وسماه شرابًا لأنه مما يشرب، كما ذكر ثمرة الأنعام وهي سقي اللبن، وثمرة النخيل والأعناب وهو اتخاذ السكر والرزق الحسن.
وذكر تعالى المقر الذي يخرج منه الشراب وهو بطونها، وهو مبدأ الغاية الأولى، والجمهور على أنه يخرج من أفواهها وهو مبدأ الغاية الأخيرة ولذلك قال الحريري:
تقل هذا مجاج النحل تمدحه ** وإن ذممت تقل قيء الزنابير

والمجاج والقيء لا يكونان إلا من الفم.
وروي عن عليّ كرم الله وجهه أنه قال في تحقير الدنيا: أشرف لباس ابن آدم فيها لعاب دودة، وأشرف شرابه رجيع نحلة.
وعنه أيضًا: أما العسل فونيم ذباب، فظاهر هذا أن العسل يخرج من غير الفم، وقد خفي من أي المخرجين يخرج، أمن الفم؟ أم من أسفل؟ وحكي أن سليمان عليه السلام، والاسكندر، وأرسطاطاليس، صنعوا لها بيوتًا من زجاج لينظروا إلى كيفية صنعها، وهل يخرج العسل من فيها أم من أسفلها؟ فلم تضع من العسل شيئًا حتى لطخت باطن الزجاج بالطين بحيث يمنع المشاهدة.
وقال الحسن: لباب البر بلعاب النحل بخالص السمن ما عابه مسلم، فجعله لعابًا كالريق الدائم الذي يخرج من فم ابن آدم.
وقيل: من بطونها من أفواهها، سمى الفم بطنًا لأنه في حكم البطن، ولأنه مما يبطن ولا يظهر.
واختلاف ألوانه بالبياض والصفرة والحمرة والسواد، وذلك لاختلاف طباع النحل، واختلاف المراعي.
وقد يختلف طعمه لاختلاف المرعى كما في الحديث: «جرست نحلة العرفط» وقيل: الأبيض تلقيه شباب النحل، والأصفر كهولها، والأحمر شبيبها.
والظاهر عود الضمير فيه إلى الشراب وهو العسل، لأنه شفاء من جملة الأشفية والأدوية المشهورة النافعة.
وقلَّ معجون من المعاجين لم يذكر الأطباء فيه العسل، والعسل موجود كثير في أكثر البلدان.
وأما السكر فمختص به بعض البلاد وهو محدث، ولم يكن فيما تقدم من الأزمان يجعل في الأشربة والأدوية إلا العسل.
وليس المراد بالناس هنا العموم، لأن كثيرًا من الأمراض لا يدخل في دوائها العسل، وإنما المعنى للناس الذي ينجع العسل في أمراضهم.
ونكر شفاء إما للتعظيم فيكون المعنى فيه شفاء أي شفاء، وإما لدلالته على مطلق الشفاء أي: فيه بعض الشفاء.
وروي عن ابن عباس، والحسن، ومجاهد، والضحاك، والفراء، وابن كيسان: أن الضمير في فيه عائد على القرآن، أي: في القرآن شفاء للناس.
قال النحاس: وهو قول حسن أي: فيما قصصنا عليكم من الآيات والبراهين شفاء للناس.
قال القاضي أبو بكر بن العربي: أرى هذا القول لا يصح نقله عن هؤلاء، ولو صح نقلًا لم يصح عقلًا فإن سياق الكلام كله للعسل ليس للقرآن فيه ذكر، ولما كان أمر النحل عجيبًا في بنائها تلك البيوت المسدسة، وفي أكلها من أنواع الأزهار والأوراق الحامض والمر والضار، وفي طواعيتها لأميرها ولمن يملكها في النقلة معه، وكان النظر في ذلك يحتاج إلى تأمل وزيادة تدبر ختم بقوله تعالى: {إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون}.
{وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ}.
لما ذكر تعالى تلك الآيات التي في الأنعام والثمرات والنحل، ذكر ما نبهنا به على قدرته التامة في إنشائنا من العدم وإماتتنا، وتنقلنا في حال الحياة من حالة الجهل إلى حالة العلم، وذلك كله دليل على القدرة التامة والعلم الواسع، ولذلك ختم بقوله: {عليم قدير}.
وأرذل العمر آخره الذي تفسد فيه الحواس، ويختل النطق والفكر.
وخص بالرذيلة لأنها حالة لا رجاء بعدها لإصلاح ما فسد، بخلاف حال الطفولة فإنها حالة تتقدم فيها إلى القوة وإدراك الأشياء ولا يتقيد أرذل العمر بسن مخصوص، كما روي عن علي: أنه خمس وسبعون سنة.
وعن قتادة: أنه تسعون، وإنما ذلك بحسب إنسان إنسان فرب ابن خمسين انتهى، إلى أرذل العمر، ورب ابن مائة لم يرد إليه.
والظاهر أنّ من يرد إلى أرذل العمر عام، فيمن يلحقه الخرف والهرم.
وقيل: هذا في الكافر، لأن المسلم لا يزداد بطول عمره إلا كرامة على الله، ولذلك قال تعالى: {ثم رددناه أسفل سافلين إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات} أي لم يردوا إلى أسفل سافلين.
وقال قتادة: من قرأ القرآن لم يرد إلى أرذل العمر.
واللام في لكي قال الحوفي: هي لام كي دخلت على كي للتوكيد، وهي متعلقة ببرد انتهى.
والذي ذهب إليه محققو النحاة في مثل لكي أنّ كي حرف مصدري إذا دخلت عليها اللام وهي الناصبة كأن، واللام جارة، فينسبك من كي والمضارع بعدها مصدر مجرور باللام تقديرًا، فاللام على هذا لم تدخل على كي للتوكيد لاختلاف معناهما واختلاف عملهما، لأن اللام مشعرة بالتعليل، وكي حرف مصدري، واللام جارة، وكي ناصبة.
وقال ابن عطية: يشبه أن تكون لام صيرورة والمعنى: ليصير أمره بعد العلم بالأشياء إلى أن لا يعلم شيئًا.
وهذه عبارة عن قلة علمه، لا أنه لا يعلم شيئًا البتة.
وقال الزمخشري: ليصير إلى حالة شبيهة بحالة في النسيان، وأن يعلم شيئًا ثم يسرع في نسيانه فلا يعلمه إنْ سئل عنه.
وقيل: لئلا يعقل من بعد عقله الأول شيئًا.
وقيل: لئلا يعلم زيادة علم على علمه انتهى.
وانتصب شيئًا إما بالمصدر على مذهب البصريين في اختيار أعماله ما يلي للقرب، أو بيعلم على مذهب الكوفيين في اختيار أعمال ما سبق للسبق.
ولما ذكر ما يعرض في الهرم من ضعف القوى والقدرة وانتفاء العلم، ذكر علمه وقدرته اللذين لا يتبدلان ولا يتغيران ولا يدخلهما الحوادث، ووليت صفة العلم ما جاورها من انتفاء العلم، وتقدم أيضًا ذكر مناسبة للختم بهذين الوصفين. اهـ.