فصل: قال الشعراوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (70)}.
انتقال من الاستدلال بدقائق صنع الله على وحدانيته إلى الاستدلال بتصرّفه في الخلق التصرّفَ الغالب لهم الذي لا يستطيعون دفعهُ، على انفراده بربوبيّتهم، وعلى عظيم قدرته.
كما دلّ عليه تذييلها بجملة {إن الله عليم قدير} فهو خَلقهم بدون اختيار منهم ثم يتوفّاهم كَرهًا عليهم أو يردّهم إلى حالة يكرهونها فلا يستطيعون ردًّا لذلك ولا خلاصًا منه، وبذلك يتحقّق معنى العبودية بأوضح مظهر.
وابتدئت الجملة باسم الجلالة للغرض الذي شرحناه عند قوله تعالى: {والله أنزل من السماء ماء} [سورة النحل: 65].
وأما إعادة اسم الجلالة هنا دون الإضمار فلأن مقام الاستدلال يقتضي تكرير اسمَ المستدلّ بفتح الدال على إثبات صفاته تصريحًا واضحًا.
وجيء بالمسند فعليًا لإفادة تخصيص المسند إليه بالمسند الفعلي في الإثبات، نحو: أنا سعيت في حاجتك.
وقد تقدم نظيره في قوله تعالى: {والله أنزل من السماء ماء}.
فهذه عبرة وهي أيضًا منّة، لأن الخلق وهو الإيجاد نعمة لشرف الوجود والإنسانية، وفي التوفّي أيضًا نعم على المتوفّى لأن به تندفع آلام الهَرم، ونعم على نوعه إذ به ينتظم حال أفراد النوع الباقين بعد ذهاب من قبلهم، هذا كلّه بحسب الغالب فردًا ونوعًا، والله يخصّ بنعمته وبمقدارها من يشاء.
ولما قوبل {ثم يتوفّاكم} بقوله تعالى: {ومنكم من يرد إلى أرذل العمر} علم أن المعنى ثم يتوفّاكم في إبان الوفاة، وهو السنّ المعتادة الغالبة لأن الوصول إلى أرذل العمر نادر.
والأرذل: تفضيل في الرذالة، وهي الرداءة في صفات الاستياء.
و{العمر} مدة البقاء في الحياة، لأنه مشتقّ من العَمْر، وهو شغل المكان، أي عَمر الأرض، قال تعالى: {وأثاروا الأرض وعمروها} [سورة الروم: 9].
فإضافة {أرذل} إلى {العمر} التي هي من إضافة الصّفة إلى الموصوف على طريقة المجاز العقلي، لأن الموصوف بالأرذل حقيقة هو حال الإنسان في عمره لا نفسُ العُمر.
فأرذل العمر هو حال هرم البدن وضعف العقل، وهو حال في مدة العمر.
وأما نفس مدّة العمر فهي هي لا توصف برذالة ولا شرف.
والهرم لا ينضبط حصوله بعدد من السنين، لأنه يختلف باختلاف الأبدان والبلدان والصحة والاعتلال على تفاوت الأمزجة المعتدلة، وهذه الرذالة رذالة في الصحّة لا تعلّق لها بحالة النفس، فهي مما يعرض للمسلم والكافر فتسمّى أرذل العمر فيهما، وقد استعاذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من أن يردّ إلى أرذل العمر.
ولام التعليل الداخلة على {كي} المصدرية مستعملة في معنى الصيرورة والعاقبة تشبيهًا للصيرورة بالعلّة استعارة تشير إلى أنه لا غاية للمرء في ذلك التعمير تعريضًا بالناس، إذ يرغبون في طول الحياة؛ وتنبيهًا على وجوب الإقصار من تلك الرغبة، كأنه قيل: منكم من يردّ إلى أرذل العمر ليصير غير قابل لعلم ما لم يعلمه لأنه يبطىء قبولُه للعلم.
وربّما لم يتصوّر ما يتلقاه ثم يسْرع إليه النسيان.
والإنسان يكره حالة انحطاط علمه لأنه يصير شبيهًا بالعجماوات.
واستعارة حرف العلّة إلى معنى العاقبة مستعملة في الكلام البليغ في مقام التوبيخ أو التخطئة أو نحو ذلك.
وتقدم عند قوله تعالى: {إنما نملي لهم ليزدادوا إثمًا} في سورة آل عمران: (178).
وقد تقدّم القول قريبًا في ذلك عند قوله تعالى: {إذا فريق منكم بربّهم يشركون ليكفروا بما ءاتيناهم} في هذه السورة (55).
وتنكير {علم} تنكير الجنس.
والمعنى: لكيلا يعلم شيئًا بعد أن كان له علم، أي ليزول منه قبول العلم.
وجملة {إن الله عليم قدير} تذييل تنبيهًا على أن المقصود من الجملة الدلالة على عظم قدرة الله وعظم علمه.
وقدم وصف العليم لأن القدرة تتعلّق على وفق العلم، وبمقدار سعة العلم يكون عظم القدرة، فضعيف القدرة يناله تعب من قوة علمه لأن همّته تدعوه إلى ما ليس بالنائل، كما قال أبو الطيّب:
وإذا كانت النفوس كبارا

تعبت في مرادها الأجسام. اهـ.

.قال الشعراوي:

{وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68)}.
النحل خَلْق من خَلْق الله، وكل خَلْق لله أودع الله فيه وفي غرائزه ما يُقيم مصالحه، يشرح ذلك قوله تعالى: {الذي خَلَقَ فسوى والذي قَدَّرَ فهدى} [الأعلى: 2-3].
أي: خلق هذه كذا، وهذه كذا حَسْب ما يتناسب مع طبيعته؛ ولذلك تجد ما دون الإنسان يسير على منهج لا يختلف.. فالإنسان مثلًا قد يأكل فوق طاقته، وقد يصل إلى حَدِّ التُّخْمة، ثم بعد ذلك يشتكي مرضًا ويطلب له الدواء.
أما الحيوان فإذا ما أكل وجبته، وأخذ ما يكفيه فلا يزيد عليه أبدًا، وإنْ أجبرته على الأكل؛ ذلك لأنه محكوم بالغريزة الميكانيكية، وليس له عقل يختار به.
وضربنا مثلًا للغريزة في الحيوان بالحمار الذي يتهمونه دائمًا ويأخذونه مثلًا للغباء، إذا سُقْتَه ليتخطى قناة ماء مثلًا وجدته ينظر إليها وكأنه يقيس المسافة بدقة.. فإذا ما وجدها في مقدوره قفزها دون تردد، وإذا وجدها فوق طاقته، وأكبر من قدرته تراجع ولم يُقدِم عليها، وإنْ ضربتَه وصِحْتَ به.. فلا تستطيع أبدًا إجباره على شيء فوق قدرته.
ذلك لأنه محكوم بالغريزة الآلية التي جعلها الله سبحانه فيه، على خلاف الإنسان الذي يفكر في مثل هذه الأمور ليختار منها ما يناسبه، فهذه تكون كذا، وهذه تكون كذا، فنستطيع أن نُشبِّه هذه الغريزة في الحيوان بالعقل الإلكتروني الذي لا يعطيك إلا ما غذَّيته به من معلومات.. أما العقل البشري الرباني فهو قادر على التفكير والاختيار والمفاضلة بين البدائل.
يقول الحق سبحانه: {وأوحى رَبُّكَ إلى النحل} [النحل: 68].
الحق تبارك وتعالى قد يمتنّ على بعض عبادة ويُعلّمهم لغة الطير والحيوان، فيستطيعون التفاهم معه ومخاطبته كما في قصة سليمان عليه السلام.، والله سبحانه الذي خلقها وأبدعها يُوحِي إليها ما يشاء.. فما هو الوحي؟
الوحي: إعلام من مُعْلِم أعلى لمُعْلَم أدنى بطريق خفيّ لا نعلمه نحن، فلو أعلمه بطريق صريح فلا يكون وَحْيًا.
فالوَحْي إذن يقتضي: مُوحِيًا وهو الأعلى، ومُوحَىً إليه وهو الأَدْنَى، ومُوحًى به وهو المعنى المراد من الوَحْي.
والحق تبارك وتعالى له طلاقة القدرة في أنْ يُوحي ما يشاء لما يشاء من خَلْقه.، وقد أوحى الحق سبحانه وتعالى إلى الجماد في قوله تعالى: {إِذَا زُلْزِلَتِ الأرض زِلْزَالَهَا وَأَخْرَجَتِ الأرض أَثْقَالَهَا وَقَالَ الإنسان مَا لَهَا يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا بِأَنَّ رَبَّكَ أوحى لَهَا} [الزلزلة: 1-5].
أعلمها بطريق خفيّ خاص بقدرة الخالق في مخلوقه.
وهنا أوحى الله إلى النحل.
وأوحى الله إلى الملائكة: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الملائكة أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الذين آمَنُواْ} [الأنفال: 12].
وأوحى إلى الرسل: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إلى نُوحٍ والنبيين مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إلى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ والأسباط وعيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ}.
[النساء: 163].
وأوحى إلى المقربين من عباده: {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الحواريين أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي} [المائدة: 111].
وقد أوحى إليهم بخواطر نورانية تمرُّ بقلوبهم وأوحى سبحانه إلى أم موسى: {وَأَوْحَيْنَا إلى أُمِّ موسى أَنْ أَرْضِعِيهِ} [القصص: 7].
هذا هو وَحْي الله إلى ما يشاء من خَلْقه: إلى الملائكة، إلى الأرض، إلى الرسل، إلى عباده المقرّبين، إلى أم موسى، إلى النحل.. إلخ.
وقد يكون الوحي من غيره سبحانه، ويُسمَّى وَحْيًا أيضًا، كما في قوله تعالى: {وَإِنَّ الشياطين لَيُوحُونَ إلى أَوْلِيَآئِهِمْ} [الأنعام: 121].
وقوله: {يُوحِي بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ زُخْرُفَ القول غُرُورًا} [الأنعام: 112].
لكن إذا أُطلِقَتْ كلمة {الوَحْي} مُطْلقًا بدون تقييد انصرفتْ إلى الوحي من الله إلى الرسل؛ لذلك يقول علماء الفقه: الوحي هو إِعلامُ الله نبيه بمنهجه، ويتركون الأنواع الأخرى: وَحْي الغرائز، وَحْي التَكوين، وَحْي الفطرة.. إلخ.
وقوله: {أَنِ اتخذي مِنَ الجبال بُيُوتًا وَمِنَ الشجر وَمِمَّا يَعْرِشُونَ} [النحل: 68].
كثير من الباحثين شغوفون بدراسة النحل ومراحل حياته منذ القدم، ومن هؤلاء باحث تتبّع المراحل التاريخية للنحل، فتوصّل إلى أن النحل أول ما وُجِد عاش في الجبال، ثم اتخذ الشجر، وجعل فيها أعشاشه، ثم اتخذ العرائش التي صنعها له البشر، وهي ما نعرفه الآن باسم الخلية الصناعية أو المنحل، ووَجْه العجب هنا أن هذا الباحث لا يعرف القرآن الكريم، ومع ذلك فقد تطابق ما ذهب إليه مع القرآن تمام التطابق.
وكذلك توصَّل إلى أن أقدمَ أنواع العسل ما وُجِد في كهوف الجبال، وقد تَوصَّلوا إلى هذه الحقيقة عن طريق حَرْق العسل وتحويله إلى كربون، ثم عن طريق قياس إشعاع الكربون يتم التوصّل إلى عمره.، وهكذا وجدوا أن عسل الكهوف أقدم أنواع العسل، ثم عسل الشجر، ثم عسل الخلايا والمناحل.
إذن: أوحى الله تعالى إلى النحل بطريق خفيّ لا نعلمه نحن، وعملية الوحي تختلف باختلاف الموحِي والموحَي إليه، ويمكن أنْ نُمثّل هذه العملية بالخادم الفَطِن الذي ينظر إليه سيده مُجرد نظرة فيفهم منها كل شيء: أهو يريد الشراب؟ أم يريد الطعام؟ أم يريد كذا؟
ثم يقول الحق سبحانه: {ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ}.
عِلّة كَوْن العسل فيه شفاء للناس أنْ يأكلَ النحل من كُلِّ الثمرات ذلك لأن تنوُّع الثمرات يجعل العسل غنيًّا بالعناصر النافعة، فإذا ما تناوله الإنسان ينصرف كل عنصر منه إلى شيء في الجسم، فيكون فيه الشفاء بإذن الله.
ولكن الآن ماذا حدث؟ نرى بعض الناس يقول: أكلتُ كثيرًا من العسل، ولم أشعر له بفائدة.. نقول: لأننا تدخّلنا في هذه العملية، وأفسدنا الطبيعة التي خلقها الله لنا.. فالأصل أن نتركَ النحل يأكل من كُلّ الثمرات.، ولكن الحاصل أننا نضع له السكر مثلًا بدلًا من الزَّهْر والنوار الطبيعي، ولذلك تغيّر طعم العسل، ولم تَعُدْ له مَيْزته التي ذكرها القرآن الكريم.
لذلك؛ فالمتتبع لأسعار عسل النحل يجد تفاوتًا واضحًا في سعره بين نوع وآخر، ذلك حَسْب جودته ومدى مطابقته للطبيعة التي حكاها القرآن الكريم.
والحق سبحانه يقول: {فاسلكي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا} [النحل: 69].
أي: تنقّلي حُرّة بين الأزهار هنا وهناك؛ ولذلك لا نستطيع أنْ نَبني للنحل بيوتًا يقيم فيها، لابد له من التنقُّل من بستان لآخر، فإذا ما جَفَّتْ الزراعات يتغذَّى النحل من عسله، ولكن الناس الآن يأخذون العسل كله لا يتركون له شيئًا، ويضعون مكانه السكر ليتغذَّى منه طوال هذه الفترة.
وقوله تعالى: {ذُلُلًا} [النحل: 69].
أي: مُذلَّلة مُمهّدة طيِّعة، فتخرج النحل تسعى في هذه السُّبل، فلا يردها شيء، ولا يمنعها مانع، تطير هنا وهناك من زهرة لأخرى، وهل رأيت شجرة مثلًا رَدَّتْ نحلة؟!.. لا.. قد ذَلَّلَ الله لها حياتها ويسَّرها.
ومن حكمته تعالى ورحمته بنا أنْ ذلَّلَ لنا سُبُل الحياة.، وذلَّل لنَا ما ننتفع به، ولولا تذليله هذه الأشياء ما انتفعنا بها.. فنرى الجمل الضخم يسوقه الصبي الصغير، ويتحكَّم فيه يُنيخه، ويُحمّله الأثقال، ويسير به كما أراد، في حين أنه إذا ثار الجمل أو غضب لا يستطيع أحدٌ التحكم فيه.، وما تحكَّم فيه الصبي الصغير بقوته ولكن بتذليل الله له.
أما الثعبان مثلًا فهو على صِغَر حجمه يمثِّل خطرًا يفزع منه الجميع ويهابون الاقتراب منه، ذلك لأن الله سبحانه لم يُذلِّلْه لنا، فأفزعنا على صِغَر حجمه.. كذلك لو تأمنا البرغوث مثلًا.. كم هو صغير حقير، ومع ذلك يقضّ مضاجعنا، ويحرمنا لذة النوم في هدوء.. فهل يستطيع أحدٌ أنْ يُذلِّل له البرغوث؟!
وفي ذلك حكمة بالغة وكأن الحق سبحانه يقول لنا: إذا ذللتُ لكم شيئًا، ولو كان اكبر المخلوقات كالجمل والفيل تستطيعون الانتفاع به، وإن لم أذلِّله لكم فلا قدرة لكم على تذليله مهما كان حقيرًا صغيرًا.. إذن: الأمور ليست بقدرتك، ولكن خُذْها كما خلقها الله لك.
{يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا} [النحل: 69].
ذلك أن النحلة تمتصّ الرحيق من هنا ومن هنا، ثم تتم في بطنها عملية طَهْي ربانية تجعل من هذا الرحيق شَهْدًا مُصفَّى؛ لأنه قد يظن أحدهم أنها تأخذ الرحيق، ثم تتقيؤه كما هو.. فلم يَقُلْ القرآن: من أفواهها، بل قال: من بطونها.. هذا المعمل الإلهي الذي يعطينا عسلًا فيه شفاء للناس.
{شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ} [النحل: 69].
ما دام النحل يأكل من كُلّ الثمرات، والثمرات لها عطاءاتٌ مختلفة باختلاف مادتها، واختلاف ألوانها، واختلاف طُعومها وروائحها.. إذن: لابد أن يكون شرابًا مختلفًا ألوانه.
{فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ} [النحل: 69].
لذلك وجدنا كثيرًا من الأطباء، جزاهم الله خيرًا يهتمون بعسل النحل، ويُجْرون عليه كثيرًا من التجارب لمعرفة قيمته الطبية، لكن يعوق هذه الجهود أنهم لا يجدون العسل الطبيعي كما خلقه الله.
ومع ذلك ومع تدخّل الإنسان في غذاء النحل بقيت فيه فائدة، وبقيت فيه صفة الشفاء، وأهمها امتصاص المائية من الجسم، وأيّ ميكروب تريد أنْ تقضيَ عليه قم بامتصاص المائية منه يموت فورًا.
فإذا ما توفَّر لنا العسل الطبيعي الذي خلقه الله تجلَّتْ حكمة خالقه فيه بالشفاء، ولكنه إذا تدخّل الإنسان في هذه العملية أفسدها.. فالكون كله الذي لا دَخْلَ للإنسان فيه يسير سَيْرًا مستقيمًا لا يتخلَّف، كالشمس والقمر والكواكب.. إلخ إلا الإنسان فهو المخلوق الوحيد الذي يخرج عن منهج الله.
فالشيء الذي لك دَخْلٌ فيه، إما أنْ تتدخّل فيه بمنهج خالقه أو تتركه؛ لأنك إذا تدخلْتَ فيه بمنهج خالقه يعطيك السلامة والخير، وإنْ تدخلْتَ فيه بمنهجك أنت أفسدتَه.
والحق سبحانه وتعالى يقول: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأرض قالوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} [البقرة: 11].