فصل: (سورة النحل: آية 67)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة النحل: آية 67]

{وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (67)}.
فإن قلت: بم تعلق قوله: {وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ}؟ قلت: بمحذوف تقديره: ونسقيكم من ثمرات النخيل والأعناب، أي: من عصيرها، وحذف لدلالة نسقيكم قبله عليه، وقوله: {تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا} بيان وكشف عن كنه الإسقاء. أو يتعلق بتتخذون، ومنه من تكرير الظرف للتوكيد، كقولك: زيد في الدار فيها، ويجوز أن يكون {تَتَّخِذُونَ} صفة موصوف محذوف، كقوله:
بِكَفّىْ كَانَ مِنْ أرْمَى الْبَشَرْ

السوط: آلة للضرب، معمولة من الجلد، وكبداء صفة لمحذوف، أي قوس كبداء غليظة الكبد، أي المقبض.
وقيل: واسعته، والوتر: حبل تشد به القوس، وجادت: صارت جيدة، ويروى بدله: ترمى، وشبه الرمي لها مجاز عقلى، وكفى مضاف لمحذوف قامت صفته في اللفظ مقامه، وهي جملة كان وحذف المنعوت الأول مطرد، والثاني ضرورة، لأنه لا يجوز حذف المنعوت إلا إذا كان بعض اسم مجرور بمن أو في، أو صلح نعته لمباشرة العامل، وكان هنا ليس للمضى، بل لمجرد الثبوت والدوام، أي: بكفى رجل متصف بأنه دائما من أشد الناس رميا، يعني نفسه. ففيه تجريد. يقول لعدوه: ليس لك عندي غير هذه الأشياء، وهو ضرب من التهديد والتقريع: هدده بالسوط عند القرب، وبالحجر عند المفارقة، وبالسهم عند البعد: ويروى سهم بدل سوط، فيضيع الترتيب.
تقديره: ومن ثمرات النخيل والأعناب ثمر تتخذون منه سكرًا ورزقا حسنًا، لأنهم يأكلون بعضها ويتخذون من بعضها السكر. فإن قلت: فإلام يرجع الضمير في منه إذا جعلته ظرفا مكرّرًا؟
قلت: إلى المضاف المحذوف الذي هو العصير كما رجع في قوله تعالى: {أَوْ هُمْ قائِلُونَ} إلى الأهل المحذوف، والسكر: الخمر، سميت بالمصدر من سكر سكرًا وسكرًا. نحو رشد رشدًا ورشدًا. قال:
وَجَاؤنَا بهم سَكَرٌ عَلَيْنَا ** فَأَجْلَى اليَوْمُ وَالسَّكْرَانُ صَاحِى

وفيه وجهان: أحدهما أن تكون منسوخة، وممن قال بنسخها: الشعبي والنخعي، والثاني أن يجمع بين العتاب والمنة، وقيل: السكر النبيذ، وهو عصير العنب والزبيب والتمر إذا طبخ حتى يذهب ثلثاه، ثم يترك حتى يشتدّ، وهو حلال عند أبى حنيفة إلى حدّ السكر ويحتج بهذه الآية وبقوله صلى اللّه عليه وسلم: «الخمر حرام لعينها والسكر من كل شراب» وبأخبار جمة، ولقد صنف شيخنا أبو على الجبائي قدّس اللّه روحه غير كتاب في تحليل النبيذ، فلما شيخ وأخذت منه السنّ العالية قيل له: لو شربت منه ما تتقوى به، فأبى. فقيل له: فقد صنفت في تحليله، فقال: تناولته الدعارة فسمج في المروءة، وقيل: السكر الطعم وأنشد:
جَعَلْتُ أَعْرَاضَ الكِرَامِ سَكَرَا

أى تنقلت بأعراضهم، وقيل هو من الخمر، وإنه إذا ابترك في أعراض الناس، فكأنه تخمر بها، والرزق الحسن: الخل والرب والتمر والزبيب وغير ذلك، ويجوز أن يجعل السكر رزقًا حسنًا، كأنه قيل: تتخذون منه ما هو سكر ورزق حسن.

.[سورة النحل: الآيات 68- 69]

{وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68) ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاء لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (69)}.
الإيحاء إلى النحل: إلهامها والقذف في قلوبها وتعليمها على وجه هو أعلم به، لا سبيل لأحد إلى الوقوف عليه، وإلا فنيقتها في صنعتها، ولطفها في تدبير أمرها، وإصابتها فيما يصلحها، دلائل بينة شاهدة على أنّ اللّه أودعها علمًا بذلك وفطنها، كما أولى أولى العقول عقولهم، وقرأ يحيى بن وثاب {إِلَى النَّحْلِ} بفتحتين، وهو مذكر كالنخل، وتأنيثه على المعنى {أَنِ اتَّخِذِي} هي أن المفسرة، لأنّ الإيحاء فيه معنى القول، وقرئ: {بيوتا} بكسر الباء لأجل الياء، ويَعْرِشُونَ بكسر الراء وضمها: يرفعون من سقوف البيوت، وقيل: ما يبنون للنحل في الجبال والشجر والبيوت من الأماكن التي تتعسل فيها، والضمير في يَعْرِشُونَ للناس. فإن قلت: ما معنى {من} في قوله: {أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ} وهلا قيل في الجبال وفي الشجر؟ قلت: أريد معنى البعضية، وأن لا تبنى بيوتها في كل جبل وكل شجر وكل ما يعرش ولا في كل مكان منها {مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ} إحاطة بالثمرات التي تجرسها النحل وتعتاد أكلها، أي ابني البيوت، ثم كلى من كل ثمرة تشتهينها، فإذا أكلتها {فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ} أي الطرق التي ألهمك وأفهمك في عمل العسل. أو فاسلكي ما أكلت في سبل ربك، أي في مسالكه التي يحيل فيها بقدرته النور المرّ عسلا من أجوافك ومنافذ مآكلك. أو إذا أكلت الثمار في المواضع البعيدة من بيوتك، فاسلكي إلى بيوتك راجعة سبل ربك، لا تتوعر عليك ولا تضلين فيها، فقد بلغني أنها ربما أجدب عليها ما حولها فتسافر إلى البلد البعيد في طلب النجعة. أو أراد بقوله: {ثُمَّ كُلِي} ثم اقصدي أكل الثمرات فاسلكي في طلبها في مظانها سبل ربك {ذُلُلًا} جمع ذلول، وهي حال من السبل، لأنّ اللّه ذللها لها ووطأها وسهلها، كقوله: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا} أو من الضمير في {فَاسْلُكِي} أي: وأنت ذلل منقادة لما أمرت به غير ممتنعة شَرابٌ يريد العسل، لأنه مما يشرب {مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ} منه أبيض وأسود وأصفر وأحمر {فِيهِ شِفاء لِلنَّاسِ} لأنه من جملة الأشفية والأدوية المشهورة النافعة، وقلّ معجون من المعاجين لم يذكر الأطباء فيه العسل، وليس الغرض أنه شفاء لكل مريض، كما أن كل دواء كذلك.
وتنكيره إمّا لتعظيم الشفاء الذي فيه، أو لأن فيه بعض الشفاء، وكلاهما محتمل، وعن النبي صلى اللّه عليه وسلم أن رجلا جاء إليه فقال: إن أخى يشتكى بطنه، فقال: «اذهب واسقه العسل» فذهب ثم رجع فقال: قد سقيته فما نفع، فقال: «اذهب واسقه عسلا» فقد صدق اللّه وكذب بطن أخيك، فسقاه فشفاه اللّه فبرأ، كأنما أنشط من عقال، وعن عبد اللّه بن مسعود:
العسل شفاء من كل داء، والقرآن شفاء لما في الصدور، فعليكم بالشفاءين: القرآن والعسل.
ومن بدع تأويلات الرافضة: أن المراد بالنحل علىّ وقومه: وعن بعضهم أنه قال عند المهدى:
إنما النحل بنو هاشم، يخرج من بطونهم العلم، فقال له رجل: جعل اللّه طعامك وشرابك مما يخرج من بطونهم فضحك المهدى وحدث به المنصور، فاتخذوه أضحوكة من أضاحيكهم.

.[سورة النحل: آية 70]

{وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (70)}.
{إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ} إلى أخسه وأحقره وهو خمس وسبعون سنة عن علىّ رضى اللّه عنه.
وتسعون سنة عن قتادة، لأنه لا عمر أسوأ حالا من عمر الهرم {لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا} ليصير إلى حالة شبيهة بحال الطفولة في النسيان، وأن يعلم شيئا ثم يسرع في نسيانه فلا يعلمه إن سئل عنه، وقيل: لئلا يعقل من بعد عقله الأوّل شيئًا: وقيل: لئلا يعلم زيادة علم على علمه.

.[سورة النحل: آية 71]

{وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلى ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَواء أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (71)}.
أى: جعلكم متفاوتين في الرزق، فرزقكم أفضل مما رزق مماليككم وهم بشر مثلكم وإخوانكم فكان ينبغي أن تردوا فضل ما رزقتموه عليهم، حتى تتساووا في الملبس والمطعم، كما يحكى عن أبى ذرّ أنه سمع النبي صلى اللّه عليه وسلم يقول: «إنما هم إخوانكم، فاكسوهم مما تلبسون، وأطعموهم مما تطعمون». فما رئي عبده بعد ذلك إلا ورداؤه رداؤه وإزاره إزاره من عير تفاوت {أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} فجعل ذلك من جملة جحود النعمة، وقيل: هو مثل ضربه اللّه للذين جعلوا له شركاء، فقال لهم: أنتم لا تسوّون بينكم وبين عبيدكم فيما أنعمت به عليكم، ولا تجعلونهم فيه شركاء، ولا ترضون ذلك لأنفسكم فكيف رضيتم أن تجعلوا عبيدي لي شركاء، وقيل المعنى أنّ الموالي والمماليك أنا رازقهم جميعًا، فهم في رزقي سواء، فلا تحسبن الموالي أنهم يردون على مماليكهم من عندهم شيئًا من الرزق. فإنما ذلك رزقي أجريه إليهم على أيديهم، وقرئ: {يجحدون}، بالتاء والياء.

.[سورة النحل: آية 72]

{وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ (72)}.
{مِنْ أَنْفُسِكُمْ} من جنسكم، وقيل: هو خلق حواء من ضلع آدم، والحفدة: جمع حافد، وهو الذي يحفد، أي يسرع في الطاعة والخدمة، ومنه قول القانت: «وإليك نسعى ونحفد» وقال:
حَفَدَ الْوَلَائِدَ بَيْنَهُنَّ وَأُسْلِمَتْ ** بِأَكُفِّهِنَّ أزِمَّةَ الأَجْمَالِ

واختلف فيهم فقيل: هم الأختان على البنات وقيل: أولاد الأولاد، وقيل: أولاد المرأة من الزوج الأوّل، وقيل: المعنى وجعل لكم حفدة، أي خدما يحفدون في مصالحكم ويعينونكم ويجوز أن يراد بالحفدة: البنون أنفسهم، كقوله: {سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا} كأنه قيل: وجعل لكم منهنّ أولادًا هم بنون وهم حافدون، أي جامعون بين الأمرين {مِنَ الطَّيِّباتِ} يريد بعضها، لأنّ كل الطيبات في الجنة، وما طيبات الدنيا إلا أنموذج منها {أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ} وهو ما يعتقدون من منفعة الأصنام وبركتها وشفاعتها، وما هو إلا وهم باطل لم يتوصلوا إليه بدليل ولا أمارة، فليس لهم إيمان إلا به، كأنه شيء معلوم مستيقن، ونعمة اللّه المشاهدة المعاينة التي لا شبهة فيها لذي عقل وتمييز: هم كافرون بها منكرون لها كما ينكر المحال الذي لا يتصوره العقول.
وقيل: الباطل ما يسوّل لهم الشيطان من تحريم البحيرة والسائبة وغيرهما، ونعمة اللّه: ما أحل لهم.

.[سورة النحل: آية 73]

{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ شَيْئًا وَلا يَسْتَطِيعُونَ (73)}.
الرزق يكون بمعنى المصدر، وبمعنى ما يرزق، فإن أردت المصدر نصبت به شَيْئًا كقوله: {أَوْ إِطْعامٌ} {يَتِيمًا} على: لا يملك أن يرزق شيئًا، وإن أردت المرزوق كان شيئا بدلا منه بمعنى قليلا، ويجوز أن يكون تأكيدًا للا يملك: أي لا يملك شيئًا من. الملك، و{مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ}: صلة للرزق إن كان مصدرًا بمعنى: لا يرزق من السموات مطرا، ولا من الأرض نباتًا. أو صفة إن كان اسما لما يرزق، والضمير في {وَلا يَسْتَطِيعُونَ} لما، لأنه في معنى الآلهة، بعد ما قيل لا يَمْلِكُ على اللفظ، ويجوز أن يكون للكفار، يعني: ولا يستطيع هؤلاء- مع أنهم أحياء متصرفون أولو ألباب- من ذلك شيئا، فكيف بالجماد الذي لا حسن به.
فإن قلت: ما معنى قوله وَلا يَسْتَطِيعُونَ بعد قوله: {لا يَمْلِكُ}؟ وهل هما إلا شيء واحد؟
قلت: ليس في {لا يَسْتَطِيعُونَ} تقدير راجع، وإنما المعنى: لا يملكون أن يرزقوا، والاستطاعة منفية عنهم أصلا، لأنهم موات، إلا أن يقدر الراجع ويراد بالجمع بين نفى الملك والاستطاعة للتوكيد أو يراد: أنهم لا يملكون الرزق ولا يمكنهم أن يملكوه، ولا يتأتى ذلك منهم ولا يستقيم.

.[سورة النحل: آية 74]

{فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (74)}.
{فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ} تمثيل للإشراك باللّه والتشبيه به، لأنّ من يضرب الأمثال مشبه حالا بحال وقصة بقصة {إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ} كنه ما تفعلون وعظمه، وهو معاقبكم عليه بما يوازيه في العظم، لأنّ العقاب على مقدار الإثم {وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} كنهه وكنه عقابه، فذاك هو الذي جرّكم إليه وجرأكم عليه، فهو تعليل للنهى عن الشرك، ويجوز أن يراد: فلا تضربوا للّه الأمثال، إنّ اللّه يعلم كيف يضرب الأمثال، وأنتم لا تعلمون. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {وقال الله لا تتخذوا إِلهين اثنين}.
سبب نزولها: أن رجلًا من المسلمين دعا الله في صلاته، ودعا الرحمن، فقال رجل من المشركين: أليس يزعم محمد وأصحابه أنهم يعبدون ربًا واحدًا، فما بال هذا يدعو ربين اثنين؟ فنزلت هذه الآية، قاله مقاتل.
قال الزجاج: ذِكْر الإثنين توكيد، كما قال تعالى: {إِنما هو إِله واحد}.
قوله تعالى: {وله الدِّين واصِبًا} في المراد بالدِّين أربعة أقوال:
أحدها: أنه الإِخلاص، قاله مجاهد.
والثاني: العبادة، قاله سعيد بن جبير.
والثالث: شهادة أن لا إِله إِلاّ الله، وإِقامة الحدود، والفرائض، قاله عكرمة.
والرابع: الطاعة، قاله ابن قتيبة.
وفي معنى {واصبًا} أربعة أقوال:
أحدها: دائمًا، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس، وبه قال الحسن، وعكرمة، ومجاهد، والضحاك، وقتادة، وابن زيد، والثوري، واللغويون.
قال أبو الأسود الدؤلي:
لا أَبْتَغِي الحمدَ القَليلَ بَقَاؤه ** يومًا بِذَمِّ الدَّهْرِ أجْمَعَ وَاصِبَا

قال ابن قتيبة: معنى الكلام: أنه ليس من أحدٍ يُدَان له ويُطاع إِلاّ انقطع ذلك عنه بزوالٍ أو هَلَكةٍ، غيرَ الله عز وجل، فإن الطاعة تدوم له.
والثاني: واجبًا، رواه عكرمة عن ابن عباس.
والثالث: خالصًا، قاله الربيع بن أنس.
والرابع: وله الدين موصبًا، أي: متعبًا، لأن الحق ثقيل، وهو كما تقول العرب: همٌّ ناصب، أي: مُنْصِبٌ، قال النابغة:
كِلِينِي لِهَمٍّ يا أُمَيْمَةُ ناصِبِ ** وليلٍ أقاسيه بطيىءِ الكواكبِ

ذكره ابن الأنباري.
قال الزجاج: ويجوز أن يكون المعنى: له الدين، والطاعة، رضي العبد بما يُؤمَر به وسهل عليه، أو لم يسهل، فله الدين وإِن كان فيه الوصب، والوصب، شدة التعب.
قوله تعالى: {وما بكم من نعمة} قال الزجاج: المعنى: ما حل بكم من نعمة، من صحة في جسم، أو سَعَةٍ في رزق، أو متاعٍ من مال وولد {فمن الله} وقرأ ابن أبي عبلة: {فَمَنُّ الله} بتشديد النون.
قوله تعالى: {ثم إِذا مسكم الضُّرُّ} قال ابن عباس: يريد الأسقام، والأمراض، والحاجة.
قوله تعالى: {فإليه تجأرون} قال الزجاج: {تجأرون} ترفعون أصواتكم إِليه بالاستغاثة، يقال: جأر يجأر جُؤارًا، والأصوات مبْنية على فُعَالٍ وفَعِيل فأما فُعَال فنحو الصُّرَاخ والخُوَار، وأما الفَعِيل فنحو العويل والزَّئير، والفُعَال أكثر.