فصل: من لطائف القشيري في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والجواب، والله أعلم: أن الوارد في آية لانخل راجع إلى من قدم ذكرهم في قوله: {وَيَجْعَلُونَ لِمَا لَا يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ} [النحل: 56] وفي قوله: {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ} [النحل: 57] إلى قوله: {لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ} [النحل: 60] وقوله: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً} [النحل: 72] فلما كان قوله: {أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ} راجعًا إلى ما تباعد أتى بضميرهم المشعر بالبعد هو ضمير الغائبين فقيل: {هم} وارتفع بالإتيان به توهم عودة ضمير يُؤمنون إلى المقول لهم: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً}.
فإن قيل: لو قيل تؤمنون وتكفرون على الخطاب لكان للمخاطبين بقوله: {لكم} أما على وروده على طريقة الإخبار عن الغائبين فلا يوهم ما ذكرت فلا ضرورة تدعو إلى ضميرهم. قلت: هذا لو لم يكن الالتفات من فصيح كلام العرب، وهو الرجوع عن الخطاب إلى الغيبة ومن الغيبة إلى الخطاب وإلى المتكلم كقوله:
تطاول ليلك بالإثمد ** ونام الخلي ولم ترقدِ

وبات وباتت له ليلة ** كليلة ذي العائر الأرمدِ

وذلك من نبأ جاءني ** وخبرته عن أبي الأسودِ

فتأمل كيف التفت في قوله: وبات وباتت له ليلة بعد الخطاب بقوله: تطاول ليلك، ولم ترقد، فرجع الخطاب إلى الغيبة. ثم قال: وذلك من نبأ جاءني فرجع إلى المتكلم، وإنما خاطب بكل ذلك نفسه، وفي الكتاب العزيز {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ} [يونس: 22] فقوله: {وَجَرَيْنَ بِهِمْ} رجوع من الخطاب إلى الغيبة، وفي الكتاب من ذلك كثير. فإذا تقرر أن الالتفات من فصيح كلامهم فما يمنع من احتمال أن يفهم قوله: {أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ} على أنه راجع إلى المخاطبين بقوله: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً} على طريقة الالتفات رجوعًا من الخطاب إلى الغيبة، فجاء قوله: {وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ} بضمير الغائبين رافعًا لهذا الإبهام وما للمعنى المقصود بالكلام من رجوعه إلى من تقدم ذكره، فهذا موجب ورود هذا الضمير المبتدأ هنا.
أما قوله في سورة العنكبوت: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ} [العنكبوت: 67] فكرمهم لا يرجع شيء منه إلى متقدم قبله فيتباعد عنه بل هو مستقل بنفسه، والمعّنيون بوقله: {أَوَلَمْ يَرَوْا} هم المراد بقوله: {أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ} وليست هذه الآية مثل آية النحل فيما إلى ما احتيج هناك، فكل من الآيتين وارد على ما يجب ويناسب، ولا يمكن عكس الوارد على ما تمهد، والله أعلم. اهـ.

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ}.
أرزاق المخلوقات مختلفة؛ فَمِنْ مضَيَّقٍ عليه رزقُه، ومَنْ مُوَسَّع عليه رزقه، ومِنْ أرزاق هي أرزاق النفوس، وأرزاقٍ للقلوب وأرزاق للأرواح، وأرزاق للأسرار؛ فأرزاقُ النفوسِ لقوم بتوفيق الطاعات، ولآخرين بخذلان المعاصي، وأرزاق القلوب لقومٍ حضورُ القلب باستدامة الفكر، ولآخرين باستيلاء الغفلة ودوام القسوة، وأرزاق الأرواح لقوم صفاء المحبة، ولآخرين اشتغال أرواحهم بالعلاقة بينهم وبين أشكالهم، فيكون بلاؤهم في محبتهم لأمثالهم، وأرزاق الأسرار لا تكون إلا بمشاهدة الحقِّ، فأمَّا من لم يكن من هذه الجملة فليس من أصحاب الأسرار.
قوله جلّ ذكره: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً}.
شَغَلَ الخَلْقَ لأنَّ الجنس أَوْلَى بالجنس، ولمَّا أراد الحقُّ سبحانه بقاء الجنس هَيَّأَسبب التناسب والتناسل لاستيفاء مثل الأصل، ثم مَنَّ على البعض بخلْق البنين، وابتلى قومًا بالبنات- كلُّ بتقديره على ما يشاء.
قوله جلّ ذكره: {وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ}.
والرزق الطيب لعبدٍ ما تستطيبه نَفْسُه، ولآخر ما يستطيبه سِرُّه.
فمنهم من يستطيب مأكولًا ومشروبًا، ومنهم من يستطيب خلوةً وصفوة إلى غير ذلك من الأرزاق.
{أَفَبِالبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ}، وهو حسبان حصول شيءٍ من الأغيار، وتعلُّق القلبِ بهم استكفاء منهم أو استدفاعًا لمحذور أو استجلابًا لمحبوب.
{وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ} والنعمة التي كفروا بها هي الثقةُ بالله، وانتظارُ الفَرَجِ منه، وحسنُ التوكل عليه.
{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئًا وَلَا يَسْتَطِيعُونَ (73)}.
ومَنْ يَتَعَلَّقُ بشخص أو بسببٍ مُضَاهٍ لعُبَّاد الأصنام من حيث إنه يضيِّعُ وقتَه فيما لا يُعِينُه، فالرزقُ، من الله- في التحقيق- مُقَدَّرٌ.
{فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (74)}.
كيف تُضْرَبُ ألأمثالُ لمن لا يساويه أحدٌ في الذات والصفات وأحكام الأفعال؟
ومَنْ نَظَرَ إلى الحقِّ من حيث الخَلْق وقع في ظلمات التشبيه، وبقي عن معرفة المعبود. اهـ.

.من فوائد الشربيني:

الأولى: قال الأطباء وأهل الطبيعة: المني إذا انصب إلى الخصية اليمنى من الذكر ثم انصب منه إلى الجانب الأيمن من الرحم كان الولد ذكرًا تامًا في الذكورة، وإذا انصب من الخصية اليسرى ثم انصب إلى الجانب الأيسر من الرحم كان الولد أنثى تامًا في الأنوثة، وإذا انصب إلى الخصية اليمنى وانصب منها إلى الجانب الأيسر من الرحم كان ذكرًا في طبيعة الإناث، وإذا انصب إلى الخصية اليسرى ثم انصب منها إلى الجانب الأيمن من الرحم كان هذا الولد أنثى في طبيعة الذكور، وحاصل كلامهم أنّ الذكور الغالب عليهم الحرارة واليبوسة والغالب على الإناث البرودة والرطوبة، وهذه العلة ضعيفة فإنّ في النساء من مزاجها في غاية السخونة وفي الرجال من مزاجه في غاية البرودة فخالق الذكر والأنثى هو الإله القادر الحكيم، ولما ذكر تعالى إنعامه على عبيده بالمنكوح وما بينه فيه من المنافع والمصالح ذكر إنعامه عليهم بالمطعومات الطيبة فقال: {ورزقكم من الطيبات} سواء كانت من النبات وهي الثمار والحبوب والأشربة أو كانت من الحيوان والمراد بالطيب المستلذ أو الحلال ومن في من الطيبات للتبعيض لأنّ كل الطيبات في الجنة وما طيبات الدنيا إلا أنموذج منها واختلف في تفسير قوله تعالى: {أفباطل يؤمنون} فقال ابن عباس: يعني بالأصنام، وقال مقاتل: يعني بالشيطان، وقال عطاء: يصدّقون أنّ لي شريكًا وصاحبة وولدًا. {وبنعمت الله هم يكفرون} أي: بأن يضيفوها إلى غير الله تعالى، ويتركون إضافتها إلى الله تعالى، وقيل: الباطل ما سوّل لهم الشيطان من تحريم البحيرة والسائبة وغيرهما ونعمة الله ما أحل لهم من هذه الطيبات وتحريم الخبائث.
الفائدة الثانية:
رسمت نعمت هنا بالتاء ووقف عليها ابن كثير وأبو عمرو والكسائي بالهاء والباقون بالتاء والكسائي يقرأ بالإمالة، ولما شرح الله تعالى الدلائل على صحة التوحيد وأتبعها بذكر أقسام النعم العظيمة أتبعها بالرد على عبدة الأصنام فقال: {ويعبدون من دون الله} أي: غيره {ما لا يملك لهم رزقًا} أي: تاركين عبادة من بيده جميع الأرزاق وهو ذو العلو المطلق الذي رزقهم من الطيبات ويعبدون غيره، ثم بين تعالى جهة الرزق بقوله تعالى: {من السموات والأرض} أمّا الرزق الذي يأتي من جانب السماء فالمطر، وأمّا الذي من جانب الأرض فالنبات والثمار التي تخرج منها، وقوله تعالى: {شيئًا} فيه ثلاثة أوجه؛ أحدها: أنه منصوب على المصدر، أي: لا يملك لهم ملكًا، أي: شيئًا من الملك، والثاني: أنه بدل من رزقًا، أي: لا يملك لهم شيئًا. قال ابن عادل: وهذا غير مفيد إذ من المعلوم أنّ الرزق شيء من الأشياء ويؤيد ذلك أنّ البدل لا يأتي إلا لأحد معنيين البيان أو التأكيد، وهذا ليس فيه بيان لأنه أعمّ ولا تأكيد. الثالث: أنه منصوب على أنه اسم مصدر واسم المصدر يعمل عمل المصدر على خلاف في ذلك، ولما كان من لا يملك شيئًا قد يكون موصوفًا باستطاعة أن يتملك بطريق من الطرق نفى الله تعالى عنهم ذلك بقوله تعالى: {ولا يستطيعون} أي: وليس لهم نوع استطاعة أصلًا. فإن قيل: إنه تعالى قال: {ويعبدون من دون الله ما لا يملك} فعبر عن الأصنام بصيغة ما وهي لغير العاقل ثم جمع بالواو والنون، وقال: {ولا يستطيعون} وهو مختص بمن يعقل؟
أجيب: بأنه عبر عنها ثانيًا اعتبارًا باعتقادهم أنها آلهة.
وفي تفسير قوله تعالى: {فلا تضربوا لله الأمثال} وجهان: الأوّل: قال أكثر المفسرين: ولا تشبهوا الله بخلقه فإنه واحد لا مثل له ولا شبيه ولا شريك من خلقه لأنّ الخلق كلهم عبيده وفي ملكه، فكيف يشبه الخالق بالمخلوق، والرازق بالمرزوق، والقادر بالعاجز. الثاني: أنّ عبدة الأوثان كانوا يقولون أنّ إله العالم أجل وأعظم من أن يعبده الواحد منا، بل نحن نعبد الكواكب أو نعبد هؤلاء الأصنام، ثم إنّ الكواكب والأصنام عبيد الإله الأكبر الأعظم كما أن أصاغر الناس يخدمون أكابر حفدة الملك، وأولئك الأكابر كانوا يخدمون الملك فكذا ههنا. {إنّ الله} أي: الذي له الأمر كله ولا أمر لغيره {يعلم} أي: خطأ ما أنتم عليه من ضرب الأمثال له. {وأنتم لا تعلمون} ذلك وقيل معناه: وأنتم لا تعلمون ما عليكم من العقاب العظيم بسبب عبادة هذه الأصنام ولو علمتموه لتركتم عبادتها. اهـ.

.التفسير المأُثور:

قال السيوطي:
{وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ}.
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم، عن ابن عباس في قوله: {والله فضل بعضكم على بعض في الرزق} الآية. يقول: لم يكونوا يشركون عبيدهم في أموالهم ونسائهم، وكيف تشركون عبيدي معي في سلطاني؟.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن مجاهد في الآية قال: هذا مثل الآلهة الباطل مع الله.
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن جرير وابن أبي حاتم، عن قتادة في قوله: {والله فضل بعضكم على بعض في الرزق} الآية. قال: هذا مثل ضربه الله، فهل منكم من أحد يشارك مملوكه في زوجته وفي فراشه؟! أفتعدلون بالله خلقه وعباده؟ فإن لم ترض لنفسك هذا، فالله أحق أن تبرئه من ذلك، ولا تعدل بالله أحدًا من عباده وخلقه.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن عطاء الخراساني في الآية. قال: هذا مثل ضربه الله في شأن الآلهة، فقال كيف تعدلون بي عبادي، ولا تعدلون عبيدكم بأنفسكم، وتردون ما فضلتم به عليهم فتكونون أنتم وهم في الرزق سواء.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن البصري قال: كتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري، اقنع برزقك في الدنيا، فإن الرحمن فضل بعض عباده على بعض في الرزق، بلاء يبتلى به كلا، فيبتلي به من بسط له، كيف شكره فيه، وشكره لله أداؤه الحق الذي افترض عليه مما رزقه وخوله.
{وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً}.
أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن قتادة في قوله: {والله جعل لكم من أنفسكم أزواجًا} قال: خلق آدم ثم خلق زوجته منه.
وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور والبخاري في تاريخه وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في سننه، عن ابن مسعود في قوله: {بنين وحفدة} قال الحفدة الأختان.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم، عن ابن عباس قال: الحفدة الأصهار.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم، عن ابن عباس قال: الحفدة الولد وولد الولد.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن ابن عباس قال: الحفدة بنو البنين.
وأخرج الطستي، عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله عز وجل: {وحفدة} قال: ولد الولد وهم الأعوان قال: وهل تعرف العرب ذلك قال: نعم أما سمعت الشاعر وهو يقول:
حفد الولائد حولهن وأسلمت ** بأكفهن أزمة الاجمال

وأخرج ابن جرير، عن أبي حمزة قال: سئل ابن عباس عن قوله: {بنين وحفدة} قال: من أعانك فقد حفدك، أما سمعت قول الشاعر:
حفد الولائد حولهن وأسلمت ** بأكفهن أزمة الاجمال

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم، عن ابن عباس قال: الحفدة بنو امرأة الرجل ليسوا منه.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن أبي مالك قال: الحفدة الأعوان.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم، عن عكرمة قال: الحفدة الخدم.
وأخرج ابن جرير، عن الحسن قال: الحفدة البنون وبنو البنين، ومن أعانك من أهل أو خادم فقد حفدك.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن قتادة في قوله: {أفبالباطل يؤمنون} قال: الشرك.
وأخرج ابن المنذر، عن ابن جريج في قوله: {أفبالباطل يؤمنون} قال: الشيطان {وبنعمة الله} قال: محمد. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاء}.
قوله تعالى: {فَهُمْ فِيهِ سَوَاء} في هذه الجملةِ أوجهٌ، أحدُها: أنها على حَذْفِ أداةِ الاستفهام تقديرُه: أَفَهُمْ فيه سواء، ومعناه النفيُ، أي: ليسوا مُسْتَوين فيه. الثاني: أنها إخبارٌ بالتساوي، بمعنى: أن ما تُطْعِمونه وتُلْبِسونه لمماليككم إنما هو رِزْقي أَجْرَيْتُه على أيديهم، فهم فيه سواء. الثالث: قال أبو البقاء: إنها واقعةٌ موقعَ فعلٍ، ثم جَوَّز في ذلك الفعلِ وَجْهَيْنِ، أحدهما: أنه منصوبٌ في جوابِ النفي تقديرُه: فما الذين فُضِّلوا برادِّي رزقِهم على ما ملكَتْ أيمانُهم فيَسْتَوُوا، والثاني: أنه معطوفٌ على موضع {برادّي} فيكون مرفوعًا تقديرُه: فما الذين فُضِّلوا يَرُدُّون فما يَسْتَوُوْن.
وقرأ أبو بكر: {تَجْحَدون} بالخطابِ مراعاةً لقوله: {بعضَكم}، والباقونَ بالغَيْبَةِ مراعاةً لقوله: {فَمَا الذين فُضِّلُواْ}.
{وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً}.
قوله تعالى: {وَحَفَدَةً} في {حَفَدَة} أوجهٌ. أظهرُها: أنه معطوفٌ على {بنين} بقيدِ كونِه من الأزواج، وفُسِّر هنا بأنه أولادُ الأولادِ. الثاني: أنه مِنْ عطفِ الصفاتِ لشيءٍ واحدٍ، أي: جَعَلَ لكم بنينَ خَدَمًا، والحَفَدَةُ: الخَدَمُ. الثالث: أنه منصوبٌ ب {جَعَلَ} مقدرةً، وهذا عند مَنْ يُفَسِّر الحَفَدة بالأعوان والأَصْهار، وإنما احتيج إلى تقدير {جَعَلَ} لأنَّ {جَعَلَ} الأولى مقيدةٌ بالأزواج، والأعوانُ والأصهارُ ليسوا من الأزواج.
والحَفَدَةُ: جمع حافِد كخادِم وخَدَم، وفيهم للمفسرين أقوالٌ كثيرةٌ، واشتقاقُهم مِنْ قولِهم: حَفَد يَحْفِد حَفْدًا وحُفودًا وحَفَدانًا، أي: أسرع في الطاعة، وفي الحديث: «وإليك نَسْعَى ونَحْفِدُ» أي: نُسْرِعِ في طاعتِك. قال الأعشى:
كَلَّفْتُ مجهولَها نُوْقًا يَمانيةً ** إذا الحُداة على أَكْسائها حَفَدُوا

وقال الآخر:
حَفَدَ الولائدُ حولَهُنَّ وأَسْلَمَتْ ** بأكفِّهنَّ أَزِمَّةَ الأجْمالِ

ويستعمل حَفَدَ أيضًا متعديًا. يقال: حَفَدَني فهو حافِدٌ، وأُنْشِد:
يَحْفِدون الضيفَ في أبياتِهمْ ** كَرَمًا ذلك منهم غيرَ ذُلّْ

وحكى أبو عبيدة أنه يقال: أَحْفَدَ رباعيًا، وقال بعضهم: الحَفَدَةُ: الأَصْهار، وأنشد:
فلو أنَّ نفسي طاوَعَتْني لأصبحَتْ ** لها حَفَدٌ ممَّا يُعَدُّ كثيرُ

ولكنها نَفسٌ عليَّ أَبِيَّةٌ ** عَيُوفٌ لإِصهارِ اللِّئامِ قَذْوْرُ

ويقال: سيفٌ مُحْتَفِدٌ، أي: سريعُ القطع، وقال الأصمعيُّ: أصلُ الحَفْدِ: مقارَبَةُ الخَطْوِ.
و{مِنْ} في {مِّنَ الطيبات} للتبعيض.
{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئًا وَلَا يَسْتَطِيعُونَ (73)}.
قوله تعالى: {شَيْئًا} فيه ثلاثةُ أوجهٍ، أحدُها: أنه منصوبٌ على المصدرِ، أي: لا يَمْلِكُ لهم مِلْكًا، أي: شيئًا من المِلْك، والثاني: أنه بدلٌ مِنْ {رِزْقًا}، أي: لا يَمْلِكُ لهم شيئًا، وهذا غيرُ مفيدٍ؛ إذ من المعلومِ أنَّ الرزقَ شيءٌ من الأشياء، ويؤيِّد ذلك: أنَّ البدلَ يأتي لأحدِ معنيين: البيانِ أو التأكيد، وهذا ليس فيه بيانٌ؛ لأنه أعمُّ، ولا تأكيدَ. الثالث: أنه منصوبٌ ب {رِزْقًا} على أنه اسمُ مصدرٍ، واسمُ المصدرِ يعمل عملَ المصدرِ على خلافٍ في ذلك.
ونقل مكيٌّ أن اسمَ المصدرِ لا يعملُ عند البصريين إلا في شعرٍ. قلت: وقد اختلفتِ النقلةُ عند البصريين: فمنهم مَنْ نَقَلَ المَنْعَ، ومنهم مَنْ نَقَلَ الجوازَ، وقد ذكر الفارسيُّ انتصابَه ب {رِزْقًا} كما تقدَّم، ورَدَّ عليه ابنُ الطَّراوة بأن الرزْقَ اسم المرزوق كالرَّعْيِ والطَّحْن، ورُدَّ على ابنِ الطراوة: بأنَّ الرِّزْقَ بالكسرِ أيضًا مصدرٌ، وقد سُمِعَ فيه ذلك. قلت: فظاهرُ هذا أنه مصدرٌ بنفسِه لا اسمُ مصدرٍ.
وقوله: {مِّنَ السماوات} فيه ثلاثةُ أوجهٍ: أحدُها: أنه متعلقٌ بـ {يملك}، وذلك على الأعرابين الأوَّلَيْنِ في نصبِ {شيئًا}. الثاني: أنه متعلقٌ بمحذوفٍ على أنه صفةٌ ل {رزقًا}. الثالث: أن يتعلَّقَ بنفس {رِزْقًا} إن جعلناه مصدرًا، وقال ابن عطية: بعد أن ذكر إعمالَ المصدرِ منوَّنًا: والمصدرُ يعمل مضافًا باتفاق؛ لأنه في تقديرِ الانفصالِ، ولا يَعْمَل إذ دخله الألفُ واللام؛ لأنه قد تَوَغَّلَ في حالِ الأسماء، وبَعُد عن الفعليَّة، وتقدير الانفصالِ في الإِضافةِ حَسَّنَ عملَه، وقد جاء عاملًا مع الألف واللام في قول الشَّاعر:
ضعيفُ النكايةِ أعداءه

وقوله:
فلم أَنْكِلْ عن الضَرْبِ مِسْمَعا

قال الشيخ: أمَّا قولُه باتفاق: إن عَنَى من البصريين فصحيحُ، وإن عَنَى مِنَ النحويين فليس بصحيح؛ إذ قد ذهب بعضُهم إلى أنه لا يعمل. فإن وُجِد بعده منصوبٌ أو مرفوعٌ قَدَّر له عاملًا، وأمَّا قولُه: في تقدير الانفصال فليس كذلك؛ لئلا تكون إضافتُه غيرَ محضةٍ، كما قال به ابن الطراوة وابن بَرْهان، ومذهبُهما فاسدٌ؛ لأنَّ هذا المصدرَ قد نُعِتَ وأُكِّد بالمعرفة، وقوله لا يعمل إلى آخره ناقَضَه بقولِه وقد جاء عاملًا إلى آخرِه.
قلت: فغايةُ ما في هذا أنه نحا إلى أقوالٍ قال بها غيرُه، وأمَّا المناقضةُ فليست صحيحةً؛ لأنه عَنَى أولًا أنه لا يَعْمل في السِّعَة، وثانيًا أنه قد جاء عاملًا في الضرورة، ولذلك قيَّده فقال: في قول الشاعر.
قوله: {وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ} يجوز في الجملة وجهان: العطفُ على صلةِ {ما}، والإِخبارُ عنهم بنفيِ الاستطاعةِ على سبيلِ الاستئنافِ، ويكون قد جَمَع الضميرَ العائدَ على {ما} باعتبارِ معناها؛ إذ المرادُ بذلك آلهتُهم، ويجوز أن يكونَ الضميرُ عائدًا على العابدين. اهـ.