فصل: قال الماوردي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {ضرب الله مثلًا عبدًا مملوكًا لا يقدر على شيء}.
فيه وجهان:
أحدهما: أنه لا يملك ما لم يؤذن وإن كان باقيًا معه.
الثاني: أن لسيده انتزاعه من يده وإن كان مالكًا له. {ومَن رزقناه مِنَّا رزقًا حسنًا} يعني الحُرّ، وفيه وجهان:
أحدهما: ملكه ما بيده.
الثاني: تصرفه في الاكتساب على اختياره.
وفي هذا المثل قولان:
أحدهما: أنه مثل ضربه الله للكافر لأنه لا خير عنده، ومن رزقناه منا رزقًا حسنًا هو المؤمن، لما عنده من الخير، وهذا معنى قول ابن عباس وقتادة.
الثاني: أنه مثل ضربه الله تعالى لنفسه والأوثان، لأنها لا تملك شيئًا، وإنهم عدلوا عن عبادة الله تعالى الذي يملك كل شيء، قاله مجاهد.
قوله عز وجل: {وضرب الله مثلًا رجلين أحدهما أبكمُ لا يقدر على شيء وهو كَلٌّ على مولاه أينما يوجهه لا يأْتِ بخير هل يستوي هو ومن يأمُرُ بالعدل وهو على صراط مستقيم}.
اختلف المفسرون في المثل المضروب بهذه الآية على ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنه مثل ضربه الله تعالى لنفسه وللوثن، فالأبكم الذي لا يقدر على شيء هو الوثن، والذي يأمر بالعدل هو الله تعالى، وهذا معنى قول قتادة.
الثاني: أنه مثل ضربه الله تعالى للمؤمن والكافر، فالأبكم: الكافر، والذي يأمر بالعدل: المؤمن، قاله ابن عباس.
الثالث: أن الأبكم: عبد كان لعثمان بن عفان رضي الله عنه كان يعرض عليه الإسلام فيأبى، ومن يأمر بالعدل: عثمان، وهذا مروي عن ابن عباس أيضًا. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله: {ضرب الله مثلًا} الآية، هو مثال في هذه الآية هو عبد بهذه الصفة مملوك لا يقدر على شيء من المال ولا من أمر نفسه، وإنما هو مسخر بإرادة سيده مدبر، ولا يلزم من هذا أن العبيد كلهم بهذه الصفة كما انتزع بعض من ينتحل الفقه، وقد قال في المثال: لا يقدر على شيء فيلزم على هذا الانتزاع أن يكون مؤمنًا ينفق بحسب الطاعة، وذلك أنه أشرف أن يكون مثالًا، والرزق ما صح الانتفاع به، وقال أبو منصور في عقيدته: الرزق ما وقع الاغتذاء به، وهذه الآية ترد على هذا التخصيص، وكذلك قوله تعالى: {ومما رزقناهم ينفقون} [البقرة: 30]، و{أنفقوا مما رزقناكم} [البقرة: 254]، وغير ذلك من قول النبي صلى الله عليه وسلم: «جعل رزقي في ظل رمحي»، وقوله: «أرزاق أمتي في سنابك خيلها، وأسنة رماحها»، فالغنيمة كلها رزق، والصحيح أن ما صح الانتفاع به هو الرزق، وهو مراتب أعلاها ما تغذي به، وقد حصر رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوه الانتفاع في قوله: «يقول ابن آدم: مالي مالي، وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت أو تصدقت فأمضيت».
قال القاضي أبو محمد: وفي معنى اللباس يدخل المركوب ونحوه، واختلف الناس في الذي هو له هذا المثيل فقال قتادة وابن عباس: هو مثل الكافر والمؤمن فكأن الكافر مملوك مصروف عن الطاعة فهو لا يقدر على شيء لذلك، ويشبه ذلك العبد المذكور.
قال القاضي أبو محمد: والتمثيل على هذا التأويل إنما وقع في جهة الكافر فقط، جعل له مثالًا، ثم قرن بالمؤمن المرزوق إلا أن يكون المرزوق ليس بمؤمن، وإنما هو مثال للمؤمن، فيقع التمثيل من جهتين، وقال مجاهد والضحاك: هذا المثال والمثال الآخر الذي بعده إنما هو لله تعالى والأصنام، فتلك هي للعبد المملوك الذي لا يقدر على شيء، والله تعالى تتصرف قدرته دون معقب، وكذلك فسر الزجاج على نحو قول مجاهد.
قال القاضي أبو محمد: وهذا التأويل أصوب، لأن الآية تكون من معنى ما قبلها وبعدها في تبين أمر الله والرد على أمر الأصنام، وذكر الطبري عن ابن عباس أنه قال: نزلت هذه الآية في عثمان بن عفان، وعبد كان له، وروي تعيين غير هذا ولا يصح إسناده.
قال القاضي أبو محمد: والمثل لا يحتاج إلى تعيين أحد، وقوله: {الحمد لله} شكر على بيان الأمر بهذا المثال وعلى إذعان الخصم له، وهذا كما تقول لمن أذعن لك في حجة وسلم ما تبني أنت عليه قولك: الله أكبر، على هذا يكون كذا وكذا، فلما قال هنا {هل يستوون}؟ فكأن الخصم قال له لا فقال الحمد لله ظهرت الحجة، وقوله: {بل أكثرهم لا يعلمون} يريد لا يعلمون أبدًا ولا يداخلهم إيمان، ويتمكن على هذا قوله: {أكثرهم}، لأن الأقل من الكفار هو الذي آمن من أولئك، ولو كان معنى قوله: {لا يعلمون} أي الآن، لكان قوله: {أكثرهم} بمعنى الاستيعاب لأنه لم يكن أحد منهم يعلم.
{وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ}.
هذا مثل لله عز وجل والأصنام، فهي كالأبكم الذي لا نطق له ولا يقدر على شيء وهو عيال على من والاه من قريب أو صديق، والكَلّ الثقل والمؤنة، وكل محمول فهو كَلّ، وسمي اليتيم كلًا، ومنه قول الشاعر: الطويل:
أكول المال الكَلِّ قبل شبابه ** إذا كان عظم الكَلِّ غير شديد

كما الأصنام تحتاج إلى أن تنقل وتخدم ويتعذب بها ثم لا يأتي من جهتها خير البتة، هذا قول قتادة، وقال ابن عباس: هو مثل للكافر، وقرأ ابن مسعود: {يوجه}، وقرأ علقمة: {يوجِّهُ} وقرأ الجمهور، {يوجهه}، وهي خط المصحف، وقرأ يحيى بن وثاب {يُوجَّه}، وقرأ ابن مسعود أيضًا: {توجهه} على الخطاب، وضعف أبو حاتم قراءة علقمة لأنه لازم، والذي {يأمر بالعدل} هو الله تعالى، وقال ابن عباس: هو المؤمن، والصراط الطريق. اهـ.

.قال القرطبي:

{ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا}.
فيه خمس مسائل:
الأولى قوله تعالى: {ضَرَبَ الله مَثَلًا} نبّه تعالى على ضلالة المشركين، وهو منتظم بما قبله من ذكر نعم الله عليهم وعدم مثل ذلك من آلهتهم.
{ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا} أي بيّن شبها؛ ثم ذكر ذلك فقال: {عَبْدًا مَّمْلُوكًا} أي كما لا يستوي عندكم عبد مملوك لا يقدر من أمره على شيء ورجلٌ حُرٌّ قد رزق رزقًا حسنًا فكذلك أنا وهذه الأصنام.
فالذي هو مثالٌ في هذه الآية هو عبد بهذه الصفة مملوك لا يقدر على شيء من المال ولا من أمر نفسه، وإنما هو مسخَّر بإرادة سيده.
ولا يلزم من الآية أن العبيد كلهم بهذه الصفة؛ فإن النكرة في الإثبات لا تقتضي الشمول عند أهل اللسان كما تقدم، وإنما تفيد واحدًا، فإذا كانت بعد أمر أو نهي أو مضافة إلى مصدر كانت للعموم الشيوعي؛ كقوله: أعتق رجلًا ولا تهن رجلًا، والمصدر كاعتاق رقبة، فأيّ رجل أعتق فقد خرج عن عهدة الخطاب، ويصح منه الاستثناء.
وقال قتادة: هذا المثل للمؤمن والكافر؛ فذهب قتادة إلى أن العبد المملوك وهو الكافر؛ لأنه لا ينتفع في الآخرة بشيء من عبادته، وإلى أن معنى {وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا} المؤمن.
والأول عليه الجمهور من أهل العلم والتأويل.
قال الأَصَمّ: المراد بالعبد المملوك الذي ربما يكون أشدّ من مولاه أسْرًا وأنضر وجهًا، وهو لسيده ذليل لا يقدر إلا على ما أذن له فيه؛ فقال الله تعالى ضربًا للمثال.
أي فإذا كان هذا شأنكم وشأن عبيدكم فكيف جَعلتم أحجارًا مواتًا شركاء لله تعالى في خلقه وعبادته، وهي لا تعقل ولا تسمع.
الثانية: فهم المسلمون من هذه الآية ومما قبلها نقصان رتبة العبد عن الحر في الملك، وأنه لا يملك شيئًا وإن مُلِّك.
قال أهل العراق: الرِّق ينافي الملك، فلا يملك شيئًا ألْبَتَّةَ بحال، وهو قول الشافعيّ في الجديد، وبه قال الحسن وابن سِيرين.
ومنهم من قال: يملك إلا أنه ناقص الملك، لأن لسيده أن ينتزعه منه أي وقت شاء، وهو قول مالك ومن اتبعه، وبه قال الشافعيّ في القديم.
وهو قول أهل الظاهر؛ ولهذا قال أصحابنا: لا تجب عليه عبادة الأموال من زكاة وكفارات، ولا من عبادات الأبدان ما يقطعه عن خدمة سيده كالحج والجهاد وغير ذلك.
وفائدة هذه المسألة أن سيده لو مَلّكه جارية جاز له أن يطأها بملك اليمين، ولو ملكه أربعين من الغنم فحال عليها الحول لم تجب على السيد زكاتها لأنها ملك غيره، ولا على العبد لأن ملكه غير مستقر.
والعراقيّ يقول: لا يجوز له أن يطأ الجارية، والزكاة في النصاب واجبة على السيد كما كانت.
ودلائل هذه المسألة للفريقين في كتب الخلاف.
وأدلّ دليل لنا قوله تعالى: {الله الذي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ} [الروم: 40]. فسوّى بين العبد والحرّ في الرزق والخلق.
وقال عليه السلام: «من أعتق عبدًا وله مال» فأضاف المال إليه.
وكان ابن عمر يرى عبده يتسرّى في ماله فلا يعيب عليه ذلك.
وروي عن ابن عباس أن عبدًا له طلق امرأته طلقتين فأمره أن يرتجعها بملك اليمين؛ فهذا دليل على أنه يملك ما بيده ويفعل فيه ما يفعل المالك في ملكه ما لم ينتزعه سيده.
والله أعلم.
الثالثة: وقد استدّل بعض العلماء بهذه الآية على أن طلاق العبد بيد سيده، وعلى أن بيع الأمة طلاقها؛ معوِّلًا على قوله تعالى: {لاَ يَقْدِرُ على شَيْءٍ}.
قال: فظاهره يفيد أنه لا يقدر على شيء أصلًا، لا على الملك ولا على غيره فهو على عمومه، إلا أن يدل دليل على خلافه.
وفيما ذكرناه عن ابن عمر وابن عباس ما يدل على التخصيص.
والله تعالى أعلم.
الرابعة: قال أبو منصور في عقيدته: الرزق ما وقع الاغتذاء به.
وهذه الآية ترد هذا التخصيص؛ وكذلك قوله تعالى: {وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [البقرة: 3].
و{أَنْفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاكُم} [البقرة: 254]، وغير ذلك من قول النبيّ صلى الله عليه وسلم: «جعل رزقي تحت ظِلّ رُمْحِي» وقولِه: «أرزاق أمتي في سنابك خيلها وأسِنة رماحها».
فالغنيمة كلها رزق، وكل ما صحّ به الانتفاع فهو رزق، وهو مراتب: أعلاها ما يغذّي.
وقد حصر رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوه الانتفاع في قوله: «يقول ابن آدم مالي مالي وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو تصدّقت فأمضيت».
وفي معنى اللباس يدخل الركوب وغير ذلك.
وفي ألسنة المحدّثين: السماع رزق، يعنون سماع الحديث، وهو صحيح.
الخامسة: قوله تعالى: {وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا} هو المؤمن، يطيع الله في نفسه وماله.
والكافر لما لم ينفق في الطاعة صار كالعبد الذي لا يملك شيئًا.
{هَلْ يَسْتَوُونَ} أي لا يستوون، ولم يقل يستويان لمكان {من} لأنه اسم مبهم يصلح للواحد والإثنين والجمع والمذكر والمؤنث.
وقيل: إنّ {عبدًا مملوكًا}، {ومن رزقناه} أريد بهما الشيوع في الجنس.
{الحمد لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} أي هو المستحق للحمد دون ما يعبدون من دونه؛ إذ لا نعمة للأصنام عليهم من يدٍ ولا معروف فتُحمد عليه، إنما الحمد الكامل لله؛ لأنه المنعم الخالق.
{بَلْ أَكْثَرُهُمْ} أي أكثر المشركين {لاَ يَعْلَمُونَ} أن الحمد لي، وجميعَ النعمة مني.
وذكر الأكثر وهو يريد الجميع، فهو خاص أريد به التعميم.
وقيل: أي بل أكثر الخلق لا يعلمون، وذلك أن أكثرهم المشركون.
قوله تعالى: {وَضَرَبَ الله مَثَلًا رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ}.
هذا مَثَلٌ آخر ضربه الله تعالى لنفسه وللوثَنَ، فالأبكم الذي لا يقدر على شيء هو الوثن، والذي يأمر بالعدل هو الله تعالى؛ قاله قَتادة وغيره.
وقال ابن عباس: الأبكم عبد كان لعثمان رضي الله عنه، وكان يعرض عليه الإسلام فيأبى، ويأمر بالعدل عثمانُ.
وعنه أيضًا أنه مَثَلٌ لأبي بكر الصدّيق ومولًى له كافر.
وقيل: الأبكم أبو جهل، والذي يأمر بالعدل عَمّار بن ياسر العَنْسِيّ، وعَنْس {بالنون} حَيّ من مَذْحِج، وكان حليفًا لبني مخزوم رهط أبي جهل، وكان أبو جهل يعذبه على الإسلام ويعذب أمّه سُمَيّة، وكانت مولاة لأبي جهل، وقال لها ذات يوم: إنما آمنت بمحمد لأنك تحبّينه لجماله، ثم طعنها بالرمح في قُبُلِها فماتت، فهي أوّل شهيد مات في الإسلام، رحمها الله.
من كتاب النقاش وغيره.
وسيأتي هذا في آية الإكراه مبيَّنا إن شاء الله تعالى.
وقال عطاء: الأبكم أبَيّ بن خلَف، كان لا ينطق بخير.
{وَهُوَ كَلٌّ على مَوْلاهُ} أي قومه لأنه كان يؤذيهم ويؤذي عثمان بن مَظْعُون.
وقال مقاتل: نزلت في هشام بن عمرو بن الحارث، كان كافرًا قليلَ الخير يعادي النبيّ صلى الله عليه وسلم.
وقيل: إن الأبكم الكافرُ، والذي يأمر بالعدل المؤمنُ جملةً بجملة؛ روي عن ابن عباس وهو حَسَن لأنه يَعُمّ.
والأبكم الذي لا نطق له.
وقيل الذي لا يعقل.
وقيل الذي لا يسمع ولا يبصر.
وفي التفسير إن الأبكم هنا الوَثَنُ.
بيّن أنه لا قدرة له ولا أمر، وأن غيره ينقله ويَنْحِته فهو كَلٌّ عليه.
والله الآمر بالعدل، الغالب على كل شيء.
وقيل: المعنى {وهو كَلٌّ على مولاه} أي ثِقْل على وَلِيّه وقرابته، ووبال على صاحبه وابن عمه.
وقد يسمَّى اليتيم كَلًا لثقله على من يكفله؛ ومنه قول الشاعر:
أكُولٌ لمال الكَلّ قبل شبابه ** إذا كان عظم الكَلّ غيرَ شديد

والكَلُّ أيضًا الذي لا ولد له ولا والد.
والكَلُّ العيال، والجمع الكُلُول؛ يقال منه: كَلّ السكينُ يَكِلّ كَلًا أي غلظت شفرته فلم يقطع.
{أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ} قرأ الجمهور: {يُوَجِّهُّه} وهو خط المصحف؛ أي أينما يرسله صاحبه لا يأت بخير، لأنه لا يعرف ولا يفهم ما يقال له ولا يُفهم عنه.
وقرأ يحيى بن وَثّاب {أينما يُوَجَّهُ} على الفعل المجهول.
وروي عن ابن مسعود أيضًا {تَوَجّه} على الخطاب.
{هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بالعدل وَهُوَ على صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} أي هل يستوي هذا الأبكم ومن يأمر بالعدل على الصراط المستقيم. اهـ.

.قال الخازن:

قوله تعالى: {ضرب الله مثلًا عبدًا مملوكًا لا يقدر على شيء ومن رزقناه منا رزقًا حسنًا}.
لما نهاهم الله سبحانه وتعالى عن ضرب الأمثال، لقلة علمهم ضرب هو سبحانه وتعالى لنفسه مثلًا، فقال تعالى مثلكم في إشراككم بالله الأوثان، كمثل من سوّى بين عبد مملوك عاجز عن التصرف وبين حر كريم مالك قادر، قد رزقه الله مالًا فهو يتصرف فيه، وينفق منه كيف يشاء، فصريح العقل يشهد بأنه لا تجوز التسوية بينهما في التعظيم والإجلال، فلما لم تجز التسوية بينهما مع استوائهما في الخلقة والصورة البشرية، فكيف يجوز للعقل أن يسوي بين الله الخالق القادر على الرزق والإفضال وبين الأصنام التي لا تملك ولا تقدر على شيء البتة؟ وقيل: هذا مثل ضربه الله للمؤمن والكافر المراد بالعبد المملوك الذي لا يقدر على شيء هو الكافر، لأنه لما كان محرومًا من عبادة الله وطاعته صار كالعبد الذليل الفقير العاجز الذي لا يقدر على شيء، وقيل: إن الكافر لما رزقه الله مالًا فلم يقدم فيه خيرًا صار كالعبد الذي لا يملك شيئًا، والمراد بقوله ومن رزقناه منا رزقًا حسنًا، المؤمن لأنه لما اشتغل بطاعة الله وعبوديته والإنفاق في وجوه البر والخير صار كالحر المالك الذي ينفق سرًا وجهرًا في طاعة الله، وابتغاء مرضاته وهو قوله سبحانه وتعالى: {فهو ينفق منه سرًا وجهرًا} فأثابه الله الجنة على ذلك.
فإن قلت: لم قال عبدًا مملوكًا لا يقدر على شيء، وكل عبد هو مملوك وهو غير قادر على التصرف؟ قلت: إنما ذكر المملوك ليتميز من الحر لأن اسم العبد يقع عليهما جميعًا لأنهما من عباد الله، وقوله: {لا يقدر على شيء} احترز به عن المملوك المكاتب والمأذون له في التصرف، لأنهما يقدران على التصرف واحتج الفقهاء بهذه الآية على أن العبد لا يملك شيئًا {هل يستوون} ولم يقل هل يستويان يعني هل يستوي الأحرار والعبيد، والمعنى كما لا يستوي هذا الفقير البخيل، والغني السخي كذلك لا يستوي الكافر العاصي، والمؤمن الطائع، وقال عطاء في قوله: {عبدًا مملوكًا} هو أبو جهل بن هشام ومن رزقناه منا رزقًا حسنًا، هو أبو بكر الصديق ثم قال تعالى: {الحمد لله} حمد الله نفسه لأنه المستحق لجميع المحامد لأنه المنعم المتفضل على عباده، وهو الخالق الرازق لا هذه الأصنام التي عبدها هؤلاء، فإنها لا تستحق الحمد لأنها جماد عاجز، لا يد لها على أحد ولا معروف، فتحمد عليه إنما الحمد الكامل لله لا لغيره فيعجب على جميع العباد، حمد الله لأنه أهل الحمد والثناء الحسن {بل أكثرهم} يعني الكفار {لا يعلمون} يعني أن الحمد لله لا لهذه الأصنام {وضرب الله مثلًا رجلين أحدهما أبكم} هو الذي ولد أخرس فكل أبكم أخرس وليس كل أخرس أبكم، والأبكم الذي لا يفهم ولا يفهم {لا يقدر على شيء} هو إشارة إلى العجز التام والنقصان الكامل، {وهو كل على مولاه} أي ثقيل على من يلي أمره ويعوله وقيل أصله من الغلظ وهو نقيض الحدة، يقال كل السكين إذا غلظت شفرته وكل اللسان إذا غلظ فلم يقدر على النطق، وكل فلان عن الأمر إذا ثقل عليه فلم ينبعث فيه، فقوله وهو كل على مولاه أي غليظ ثقيل على مولاه {أينما يوجهه} اي حيثما يرسله ويصرفه في طلب حاجة أو كفاية مهم {لا يأت بخير} يعني لا يأت بجنح لأنه أخرس عاجز لا يحسن ولا يفهم {هل يستوي} يعني من هذه صفته {هو} يعني صاحب هذه الصفات المذمومة {ومن يأمر بالعدل} يعني ومن هو سليم الحواس نفاع ذو كفايات ذو رشد وديانة يأمر الناس بالعدل والخير {وهو} في نفسه {على صراط مستقيم} يعني على سيرة صالحة ودين قويم، فيجب أن يكون الآمر بالعدل، عالمًا قادرًا مستقيمًا في نفسه حتى يتمكن من الأمر بالعدل، وهذا مثل ثان ضربه الله لنفسه، ولما يفيض على عباده من إنعامه ويشملهم به من آثار رحمته وألطافه وللأصنام التي هي أموات جماد، لا تضر ولا تنفع ولا تسمع ولا تنطق ولا تعقل، وهي كل على عابديها، لأنها تحتاج إلى كلفة الحمل والنقل والخدمة.
وقيل: كلا المثلين للمؤمن والكافر، والمؤمن: هو الذي يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم.
والكافر: هو الأبكم الثقيل الذي لا يأمر بخير فعلى هذا القول تكون الآية على العموم في كل مؤمن وكافر.
وقيل: هي على الخصوص فالذي يأمر بالعدل هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على صراط مستقيم.
والذي يأمر بالظلم وهو أبكم أبو جهل.
وقيل: الذي يأمر بالعدل عثمان بن عفان، وكان له مولى يأمره بالإسلام وذلك المولى يأمر عثمان بالإمساك عن الإنفاق في سبيل الله تعالى، فهو الذي لا يأت بخير.
وقيل: المراد بالأبكم الذي لا يأت بخير أبي بن خلف، وبالذي يأمر العدل حمزة وعثمان بن عفان، وعثمان بن مظعون. اهـ.