فصل: قال سيد قطب في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



إذن: اختلاف الضمير هنا آية من آيات الإعجاز البياني؛ لأن المتكلم هو الحق سبحانه وتعالى.
وقوله: {الحمد لِلَّهِ} [النحل: 75].
كأن الحق سبحانه يقول: الحمد لله أنْ وافقَ حُكْمكم ما أريد، فقد نطقتُم أنتم وحكمتُمْ.
{بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} [النحل: 75].
قوله: {أكثرهم لا يعلمون} يدل على أن الأقلية تعلم، وهذا ما يُسمُّونه صيانة الاحتمال؛ لأنه لما نزلَ القرآن الكريم كان هناك جماعة من الكفار ومن أهل الكتاب يُفكّرون في الإيمان واعتناق هذا الدين، فلو نفى القرآن العلم عن الجميع فسوف يُصدَم هؤلاء، وربما صرفهم عَمّا يُفكِّرون فيه من أمر الإيمان، فالقرآن يصون الاحتمال في أن أُنَاسًا منهم عندهم عِلْم، ويرغبون في الإيمان.
ثم يقول الحق سبحانه: {وَضَرَبَ الله مَثَلًا}.
وهذا مَثَلٌ آخر لرجلين أحدهما أبكم، والأبكم هو الذي لا يتكلم.، ولابد أن يسبق البكم صَمَمٌ؛ لأن الكلام وليد السَّمْع، فإذا أخذنا طفلًا عربيًا وربَّيناه في بيئة إنجليزية نجده يتكلم الإنجليزية، والعكس صحيح؛ ذلك لأن الكلام ليس جنسًا أو دمًا أو لحمًا، بل هو وليد البيئة، وما تسمعه الأذن ينطق به اللسان.. فإذا لم يسمع شيئًا فكيف يتكلم؟
لذلك، فربنا سبحانه تعالى يقول عن الكفار: {صُمٌّ بُكْمٌ} [البقرة: 18].
هذا الأبكم لا يقدر على شيء من العمل والنفع لك، يقول تعالى: {وَهُوَ كَلٌّ على مَوْلاهُ} [النحل: 76].
أي: عَالَة على سيده، لا ينفع حتى نفسه، ومع ذلك قد يكون عنده حكمة يقضي بها شيئًا لسيده، حتى هذه ليست عنده.
{أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ} [النحل: 76].
إذن: لا خيرَ فيه، ولا منفعةَ ألبتة، لا له ولا لغيره، هذه صفات الرجل الأول.
فماذا عن مقابله؟
{هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بالعدل} [النحل: 76].
وهذه أول صفات الرجل الآخر، أنه يأمر بالعدل، وصفة الأمر بالعدل تقتضي أنه سمح منهجًا، ووعتْهُ أذنه، وانطلق به لسانه آمرًا بالعدل، وهذه الصفة تقابل: الأبكم الذي لا يقدر على شيء.
{وَهُوَ على صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [النحل: 76].
أي: أنه يذهب إلى الهدف مباشرة، ومن أقصر الطرق، وهذه تقابل: أينما يوجهه لا يَأْتِ بخير.
والسؤال هنا أيضًا: هل يستويان؟ والإجابة التي يقول بها العقل: لا.
وهذا مثَلٌ آخر للأصنام.. فهي لا تسمع، ولا تتكلم، ولا تُفصح، وهي لا تقدر على شيء لا لَها ولا لعابديها.. بل هي عَالَة عليهم، فهم الذين يأتون بها من حجارة الجبال، وينحتونها وينصبونها، ويُصلِحون كَسْرها، وهكذا هم الذين يخدمونها ولا ينتفعون منها بشيء.
فإذا كنتم لا تُسوُّون بين الرجل الأول والرجل الآخر الذي يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم، فكيف تسوون بين إله له صفة الكمال المطلق، وأصنام لا تملك لكم نفعًا ولا ضرًا؟!
أو نقول: إن هذا مثَلٌ للمؤمن والكافر، بدليل أن الحق سبحانه في المثل السابق قال: {ضَرَبَ الله مَثَلًا عَبْدًا مَّمْلُوكًا} [النحل: 75].
وفي مقابله قال: {وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا} [النحل: 75].
ولم يقُلْ عبد أو رجل.
إنما هنا قال: {رَّجُلَيْنِ} [النحل: 76].
فيمكن أن نفهم منه أنه مَثَلٌ للرجل الكافر الذي يمثله الأبكم، وللرجل المؤمن الذي يمثله مَنْ يأمر بالعدل، وهو على صراط مستقيم. اهـ.

.قال سيد قطب في الآيات السابقة:

{وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (51)}.
هذا الشوط الثالث في قضية الألوهية الواحدة التي لا تتعدد، يبدأ فيقرر وحدة الإله، ووحدة المالك، ووحدة المنعم في الآيات الثلاث الأولى متواليات، ويختم بمثلين يضربهما للسيد المالك الرازق، والعبد المملوك لا يقدر على شيء، ولا يملك شيئًا.. هل يستوون؟ فكيف يسوي الله المالك الرازق بمن لا يقدر ولا يملك ولا يرزق؟ فيقال: هذا إله وهذا إله؟!.
وفي خلال الدرس يعرض نموذجا بشريا للناس حين يصيبهم الضر فيجأرون إلى الله وحده، حتى إذا كشف عنهم الضرر راحوا يشركون به غيره!.
ويعرض كذلك صورا من أوهام الوثنية وخرافاتها. في تخصيص بعض ما رزقهم الله لآلهتهم المدعاة، في حين أنهم لا يردون شيئًا مما يملكون على عبيدهم ولا يقاسمونهم إياه! وفي نسبة البنات إلى الله على حين يكرهون ولادة البنات لهم: {وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودًا وهو كظيم}! وفي الوقت الذي يجعلون لله ما يكرهون تروح ألسنتهم تتشدق بأن لهم الحسنى، وأنهم سينالون على ما فعلوا خيرا! وهذه الأوهام التي ورثوها من المشركين قبلهم هي التي جاءهم الرسول صلى الله عليه وسلم ليبين لهم الحقيقة فيها هدى ورحمة للمؤمنين.
ثم يأخذ في عرض نماذج من صنع الألوهية الحقة في تأملها عظة وعبرة فالله وحده هو القادر عليها الموجد لها، وهي هي دلائل الألوهية لا سواها: فالله أنزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها، والله يسقي الناس غير الماء لبنا سائغا يخرج من بطون الأنعام من بين فرث ودم، والله يطلع للناس ثمرات النخيل والأعناب يتخذون منها سكرًا ورزقًا حسنا، والله أوحى إلى النحل لتتخذ من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون، ثم تخرج عسلا فيه شفاء للناس.. ثم الله يخلق الناس ويتوفاهم ويؤجل بعضهم حتى يشيخ فينسى ما تعلمه ويرتد ساذجًا لا يعلم شيئا، والله فضل بعضهم على بعض في الرزق، والله جعل لهم من أنفسهم أزواجا وجعل لهم من أزواجهم بنين وحفدة وهم بعد هذا كله يعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقًا في السماوات والأرض ولا يقدرون على شيء، ويجعلون لله الأشباه والأمثال!.
هذه اللمسات كلها في أنفسهم وفيما حولهم، يوجههم إليها لعلهم يستشعرون القدرة وهي تعمل في ذواتهم وفي أرزاقهم وفي طعامهم وفي شرابهم، وفي كل شيء حولهم.. ثم يختمها بالمثلين الواضحين اللذين أشرنا إليهما آنفا. فهي حملة على الوجدان البشري والعقل البشري، ذات إيقاعات عميقة، تضرب على أوتار حساسة في النفس البشرية يصعب ألا تهتز لها وتتأثر وتستجيب.
{وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد فإياي فارهبون وله ما في السماوات والأرض وله الدين واصبا أفغير الله تتقون وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون ليكفروا بما آتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون}.
لقد أمر الله الا يتخذ الناس إلهين اثنين. إنما هو إله واحد لا ثاني له، ويأخذ التعبير أسلوب التقرير والتكرير فيتبع كلمة إلهين بكلمة اثنين، ويتبع النهي بالقصر إنما هو إله واحد، ويعقب على النهي والقصر بقصر آخر {فإياي فارهبون} دون سواي بلا شبيه أو نظير، ويذكر الرهبة زيادة في التحذير.. ذلك أنها القضية الأساسية في العقيدة كلها، لا تقوم إلا بها، ولا توجد إلا بوجودها في النفس واضحة كاملة دقيقة لا لبس فيها ولا غموض.
إنما هو إله واحد.، وإنما هو كذلك مالك واحد: {وله ما في السماوات والأرض}، ودائن واحد {وله الدين واصبا} أي واصلًا منذ ما وجد الدين، فلا دين إلا دينه ومنعم واحد: {وما بكم من نعمة فمن الله} وفطرتكم تلجأ إليه وحده ساعة العسرة والضيق، وتنتفي عنها أوهام الشرك والوثنية فلا تتوجه إلا إليه دون شريك: {ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون} وتصرخون لينجيكم مما أنتم فيه.
وهكذا يتفرد سبحانه وتعالى بالألوهية والملك والدين والنعمة والتوجه؛ وتشهد فطرة البشر بهذا كله حين يصهرها الضر وينفض عنها أوشاب الشرك.، ومع هذا فإن فريقا من البشر يشركون بالله بعد توحيده حالما ينجيهم من الضر المحيق! فينتهوا إلى الكفر بنعمة الله عليهم، وبالهدى الذي آتاهم.. فلينظروا إذن ما يصيبهم بعد المتاع القصير: {فتمتعوا فسوف تعلمون}.
هذا النموذج الذي يرسمه التعبير هنا {ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون}. نموذج متكرر في البشرية. ففي الضيق تتوجه القلوب إلى الله، لأنها تشعر بالفطرة ألا عاصم لها سواه، وفي الفرج تتلهى بالنعمة والمتاع، فتضعف صلتها بالله، وتزيغ عنه ألوانا من الزيغ تبدو في الشرك به وتبدو في صور شتى من تأليه قيم وأوضاع ولو لم تدع باسم الإله.
ولقد يشتد انحراف الفطرة وفسادها، فإذا بعضهم في ساعة العسرة لا يلجأ إلى الله؛ ولكن يلجأ إلى بعض مخاليقه يدعوها للنصرة والإنقاذ والنجاة، بحجة أنها ذات جاه أو منزلة عند الله، أو بغير هذه الحجة في بعض الأحيان، كالذين يدعون الأولياء لإنقاذهم من مرض أو شدة أو كرب.. فهؤلاء أشد انحرافا من مشركي الجاهلية الذين يرسم لهم القرآن ذلك النموذج الذي رأيناه!.
{ويجعلون لما لا يعلمون نصيبًا مما رزقناهم}. فإذا هم يحرمون على أنفسهم بعض الأنعام. لا يركبونها أو لا يذوقون لحومها. أو يبيحونها للذكور دون الإناث كما أسلفنا في سورة الأنعام باسم الآلهة المدعاة؛ التي لا يعلمون عنها شيئا، إنما هي أوهام موروثة من الجاهلية الأولى.
والله هو الذي رزقهم هذه النعمة التي يجعلون لما لا يعلمون نصيبا منها، فليست هي من رزق الآلهة المدعاة لهم ليردوها عليها، إنما هي من رزق الله، الذي يدعوهم إلى توحيده فيشركون به سواه!.
وهكذا تبدو المفارقة في تصورهم وفي تصرفهم على السواء.. الرزق كله من الله، والله يأمر ألا يعبد سواه فهم يخالفون عن أمره فيتخذون الآلهة، وهم يأخذون من رزقه فيجعلونه لما نهاهم عنه! وبهذا تتبدى المفارقة واضحة جاهرة عجيبة مستنكرة!.
وما يزال أناس بعد أن جاءت عقيدة التوحيد وتقررت، يجعلون نصيبا من رزق الله لهم موقوفًا على ما يشبه آلهة الجاهلية. ما يزال بعضهم يطلق عجلا يسميه {عجل السيد البدوي} يأكل من حيث يشاء لا يمنعه أحد، ولا ينتفع به أحد، حتى يذبح على اسم السيد البدوي لا على اسم الله! وما يزال بعضهم ينذرون للأولياء ذبائح يخرجونها من ذمتهم لا لله، ولا باسم الله، ولكن باسم ذلك الولي، على ما كان أهل الجاهلية يجعلون لما لا يعلمون نصيبا مما رزقنهم الله، وهو حرام نذره على هذا الوجه. حرام لحمه، ولو سمي اسم الله عليه. لأنه أهلّ لغير الله به!.
{تالله لتسألن عما كنتم تفترون} بالقسم والتوكيد الشديد. فهو افتراء يحطم العقيدة من أساسها لأنه يحطم فكرة التوحيد.
{ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون}.
إن الانحراف في العقيدة لا تقف آثاره عند حدود العقيدة، بل يتمشى في أوضاع الحياة الاجتماعية وتقاليدها. فالعقيدة هي المحرك الأول للحياة، سواء ظهرت أو كمنت، وهؤلاء عرب الجاهلية كانوا يزعمون أن لله بنات هن الملائكة على حين أنهم كانوا يكرهون لأنفسهم ولادة البنات! فالبنات لله أما هم فيجعلون لأنفسهم ما يشتهون من الذكور!.
وانحرافهم عن العقيدة الصحيحة سول لهم وأد البنات أو الإبقاء عليهن في الذل والهوان من المعاملة السيئة والنظرة الوضيعة. ذلك أنهم كانوا يخشون العار والفقر مع ولادة البنات. إذ البنات لا يقاتلن ولا يكسبن؛ وقد يقعن في السبي عند الغارات فيجلبن العار، أو يعشن كلًا على أهليهن فيجلبن الفقر.
والعقيدة الصحيحة عصمة من هذا كله. إذ الرزق بيد الله يرزق الجميع؛ ولا يصيب أحدا إلا ما كتب له؛ ثم إن الإنسان بجنسيه كريم على الله، والأنثى من حيث إنسانيتها صنو الرجل وشطر نفسه كما يقرر الإسلام.
ويرسم السياق صورة منكرة لعادات الجاهلية: {وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم} مسودا من الهم والحزن والضيق، وهو كظيم، يكظم غيظه وغمه، كأنها بلية، والأنثى هبة الله له كالذكر، وما يملك أن يصور في الرحم أنثى ولا ذكرا، وما يملك أن ينفخ فيه حياة، وما يملك أن يجعل من النطفة الساذجة إنسانا سويا.
وإن مجرد تصور الحياة نامية متطورة من نطفة إلى بشر بإذن الله ليكفي لاستقبال المولود أيا كان جنسه بالفرح والترحيب وحسن الاستقبال، لمعجزة الله التي تتكرر، فلا يبلي جدتها التكرار! فكيف يغتم من يبشر بالأنثى ويتوارى من القوم من سوء ما بشر به وهو لم يخلق ولم يصور. إنما كان أداة القدرة في حدوث المعجزة الباهرة؟.
وحكمة الله، وقاعدة الحياة، اقتضت أن تنشأ الحياة من زوجين ذكر وأنثى. فالأنثى أصيلة في نظام الحياة أصالة الذكر؛ بل ربما كانت أشد أصالة لأنها المستقر. فكيف يغتم من يبشر بالأنثى، وكيف يتوارى من القوم من سوء ما بشر به ونظام الحياة لا يقوم إلا على وجود الزوجين دائما؟.
إنه انحراف العقيدة ينشيء آثاره في انحراف المجتمع وتصوراته وتقاليده.. {ألا ساء ما يحكمون} وما أسوأه من حكم وتقدير.
وهكذا تبدو قيمة العقيدة الإسلامية في تصحيح التصورات والأوضاع الاجتماعية، وتتجلى النظرة الكريمة القويمة التي بثها في النقوس والمجتمعات تجاه المرأة، بل تجاه الإنسان. فما كانت المرأة هي المغبونة وحدها في المجتمع الجاهلي الوثني إنما كانت الإنسانية في أخص معانيها. فالأنثى نفس إنسانية، إهانتها إهانة للعنصر الإنساني الكريم، ووأدها قتل للنفس البشرية، وإهدار لشطر الحياة؛ ومصادمة لحكمة الخلق الأصيلة، التي اقتضت أن يكون الأحياء جميعا لا الإنسان وحده من ذكر وانثى.
وكلما انحرفت المجتمعات عن العقيدة الصحيحة عادت تصورات الجاهلية تطل بقرونها.، وفي كثير من المجتمعات اليوم تعود تلك التصورات إلى الظهور. فالأنثى لا يرحب بمولدها كثير من الأوساط وكثير من الناس، ولا تعامل معاملة الذكر من العناية والاحترام، وهذه وثنية جاهلية في إحدى صورها، نشأت من الانحراف الذي أصاب العقيدة الإسلامية.
ومن عجب أن ينعق الناعقون بلمز العقيدة الإسلامية والشريعة الإسلامية في مسألة المرأة، نتيجة لما يرونه في هذه المجتمعات المنحرفة ولا يكلف هؤلاء الناعقون اللامزون أنفسهم أن يراجعوا نظرة الإسلام، وما أحدثته من ثورة في التطورات والأوضاع، وفي المشاعر والضمائر، وهي بعد نظرة علوية لم تنشئها ضرورة واقعية ولا دعوة أرضية ولا مقتضيات اجتماعية أو اقتصادية. إنما أنشأتها العقيدة الإلهية الصادرة عن الله الذي كرم الإنسان، فاستتبع تكريمه للجنس البشري تكريمه للأنثى، ووصفها بأنها شطر النفس البشرية، فلا تفاضل بين الشطرين الكريمين على الله.
والفارق بين طبيعة النظرة الجاهلية والنظرة الإسلامية، هو الفارق بين صفة الذين لا يؤمنون بالآخرة وصفة الله سبحانه ولله المثل الأعلى: {للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء ولله المثل الأعلى وهو العزيز الحكيم}.
وهنا تقترن قضية الشرك بقضية إنكار الآخرة، لأنهما ينبعان من معين وانحراف واحد، ويختلطان في الضمير البشري، وينشئان آثارهما في النفس والحياة والمجتمع والأوضاع. فإذا ضرب مثل للذين لا يؤمنون بالآخرة فهو مثل السوء. السوء المطلق في كل شيء: في الشعور والسلوك، في الاعتقاد والعمل. في التصور والتعامل، في الأرض والسماء.. {ولله المثل الأعلى} الذي لا يقارن ولا يوازن بينه وبين أحد، بله الذين لا يؤمنون بالآخرة هؤلاء.. {وهو العزيز الحكيم} ذو المنعة وذو الحكمة الذي يتحكم ليضع كل شيء موضعه، ويحكم ليقر كل شيء في مكانه بالحق والحكمة والصواب.