فصل: قال الشعراوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وبالكسر قرأ الجمهور.
وقرأها بالضمّ أبو عمرو وورش عن نافع وحَفص عن عاصم.
والبيت: مكان يجعل له بناء وفسطاط يحيط به يعين مكانه ليتّخذه جاعلُه مقَرًا يأوي إليه ويستكنّ به من الحرّ والقُرّ.
وقد يكون محيطُه من حجر وطين ويسمّى جدارًا، أو من أخشاب أو قصب أو غير ذلك وتُسمّى أيضًا الأخصاص.
ويوضع فوق محيطه غطاء ساتر من أعلاه يسمّى السقْف، يتّخذ من أعواد ويُطيّن عليها، وهذه بيوت أهل المدن والقرى.
وقد يكون المحيط بالبيت متّخذًا من أديم مدبوغ ويسمى القبّة، أو من أثواب تُنْسج من وَبر أو شَعَر أو صُوف ويسمّى الخَيمة أو الخباء، وكلّها يكون بشكل قريب من الهرميّ تلتقي شُقّتاه أو شُققه من أعلاه معتمدةً على عمود وتنحدر منه متّسعَة على شكل مخروط.
وهذه بيوت الأعراب في البوادي أهل الإبل والغنم يتّخذونها لأنها أسعد لهم في انتجاعهم، فينقلونها معهم إذا انتقلوا يتتبّعون مواقع الكَلأ لأنعامهم والكَمْأة لعَيشهم.
وقد تقدّم ذكر البيت عند قوله تعالى: {وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنًا} في سورة البقرة (125).
و{جَعَلَ} هنا بمعنى أوجد، فتتعدّى إلى مفعول واحد.
والسَكَن: اسم بمعنى المسكون.
والسكنى: مصدر سكن فلان البيتَ، إذا جعله مقرًّا له، وهو مشتقّ من السكون، أي القرار.
وانتصب قوله تعالى: {سكنًا} على المفعولية ل {جعل}.
وقوله: {من بيوتكم} بيان للسكن، فتكون {من} بيانية، أو تجعل ابتدائية ويكون الكلام من قبيل التجريد بتنزيل البيوت منزلة شيء آخر غير السكن، كقولهم: لئن لقيت فلانًا لتلقينّ منه بحرًا.
وأصل التركيب: والله جعل لكم بيوتكم سكنا.
وقيل: إن {سكنًا} مصدر وهو قول ضعيف، وعليه فيكون الامتنان بالإلهام الذي دلّ عليه السكون، وتكون {من} ابتدائية، لأن أول السكون يقع في البيوت.
وشمل البيوت هنا جميع أصنافها.
وخُصّ بالذّكر القباب والخيام في قوله تعالى: {وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتًا} لأن القباب من أدم، والخيام من منسوج الأوبار والأصواف والأشعار، وهي ناشئة من الجلد، لأن الجلد هو الإهاب بما عليه، فإذا دبغ وأزيل منه الشّعر فهو الأديم.
وهذا امتنان خاص بالبيوت القابلة للانتقال والارتحال، والبشر كلّهم لا يعدون أن يكونوا أهل قرى أو قبائل رحلًا.
والسين والتاء في {تستخفونها} للوجدان، أي تجدونها خفيفة، أي خفيفة المحمل حين ترحلون، إذ يسهل نقضها من مواضعها وطيّها وحملها على الرواحل، وحين تنيخون إناخة الإقامة في الموضع المنتقل إليه فيسهل ضربها وتوثيقها في الأرض.
والظعن بفتح الظاء والعين وتسكن العينُ، وقد قرأه بالأول نافع وابن كثير وأبو عمرو وأبو جعفر ويعقوب، وبالثاني الباقون، وهو السّفر.
وأطلق اليوم على الحين والزمن، أي وقت سفركم.
والأثاث بفتح الهمزة اسم جمع للأشياء التي تفرش في البيوت من وسائد وبُسط وزرابيّ، وكلها تنسج أو تحْشى بالأصواف والأشعار والأوبار.
والمتاع أعمّ من الأثاث، فيشمل الأعدال والخُطُم والرحائل واللّبود والعُقُل.
فالمتاع: ما يتمتّع به وينتفع، وهو مشتقّ من المتع، وهو الذهاب بالشيء، ولِملاحظة اشتقاقه تعلّق به إلى حين.
والمقصود من هذا المتعلّق الوعظ بأنها أو أنهم صائرون إلى زوال يحول دون الانتفاع بها ليكون الناس على أهبة واستعداد للآخرة فيتّبعوا ما يرضي الله تعالى.
كما قال: {أذهبتم طيّباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها} [سورة الأحقاف: 20].
{وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا}.
عطف على أخواتها.
والقول في نظم {والله جعل لكم} كالقول في نظائره المتقدّمة.
وهذا امتنان بنعمة الإلهام إلى التوقّي من أضرار الحرّ والقُرّ في حالة الانتقال، أعقبت به المنّة بذلك في حال الإقامة والسكنى، وبنعمة خلق الأشياء التي يكون بها ذلك التوقّي باستعمال الموجود وصنع مايحتاج إليه الإنسان من اللباس، إذ خلق الله الظّلال صالحة للتوقّي من حَرّ الشمس، وخلقَ الكهوف في الجبال ليمكن اللجأ إليها، وخلق مواد اللباس مع الإلهام إلى صناعة نسجها، وخلق الحديد لاتّخاذ الدروع للقتال.
و{من} في {مما خلق} ابتدائية.
والظلال تقدّم الكلام عليه عند قوله تعالى: {يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل} [سورة النحل: 48]. آنفًا، لأن الظلال آثار حجب الأجسام ضوء الشمس من الوقوع على الأرض.
والأكنان: جمع كِنّ بكسر الكاف وهو فعل بمعنى مفعول، أي مكنون فيه، وهي الغيران والكهوف.
و{من} في قوله تعالى: {مما خلق}، و{من الجبال}، للتبعيض.
كانوا يأوون إلى الكهوف في شدّة حرّ الهجير أو عند اشتداد المطر، كما ورد في حديث الثلاثة الذين سألوا الله بأفضل أعمالهم في صحيح البخاري.
والسّرابيل: جمع سربال، وهو القميص يقي الجسد حرّ الشمس، كما يقيه البرد.
وخص الحرّ هنا لأنه أكثر أحوال بلاد المخاطبين في وقت نزولها، على أنه لما ذكر الدفء في قوله تعالى: {والأنعام خلقها لكم فيها دفء} [سورة النحل: 5]. ذكر ضدّه هنا.
والسّرابيل التي تقي البأس: هي دروع الحديد.
ولها من أسماء القميص الدرع، والسّربال، والبدن.
والبأس: الشدّة في الحرب.
وإضافته إلى الضمير على معنى التوزيع، أي تقي بعضكم بأس بعض، كما فسر به قوله تعالى: {ويذيق بعضكم بأس بعض} [سورة الأنعام: 65]، وقال تعالى: {وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد} [سورة الحديد: 25]، وهو بأس السيوف، وقوله تعالى: {وعلمناه صنعة لبوس لكم ليحصنكم من بأسكم} [سورة الأنبياء: 80].
وجملة {كذلك يتم نعمته عليكم} تذييل لما ذكر من النّعم، والمشار إليه هو ما في النّعم المذكورة من الإتمام، أو إلى الإتمام المأخوذ من {يتم}.
و{لعلّ} للرجاء، استعملت في معنى الرّغبة، أي رغبةً في أن تسلموا، أي تَتّبعوا دين الإسلام الذي يدعوكم إلى ما مآله شكر نعم الله تعالى.
وتقدم تأويل معنى الرجاء في كلام الله تعالى من سورة البقرة.
{فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (82)}.
تفريع على جملة {لعلكم تسلمون} [سورة النحل: 81]، وقع اعتراضًا بين جملة {كذلك يتم نعمته عليكم} [سورة النحل: 81]، وجملة {ويوم نبعث من كل أمة شهيدًا} [سورة النحل: 84].
وقد حوّل الخطاب عنهم إلى خطاب النبي وهو نوع من الالتفات فيه التفات من أسلوب إلى أسلوب والتفات عمّن كان الكلام موجّهًا إليه بتوجيه الكلام إلى شخص آخر.
والمعنى: كذلك يتمّ نعمته عليكم لتسلموا فإن لم يُسلموا فإنما عليك البلاغ.
والمقصود: تسلية النبي على عدم استجابتهم.
والتولّي: الإعراض.
وفعل {تولوا} هنا بصيغة الماضي، أي فإن أعرضوا عن الدعوة فلا تقصير منك ولا غضاضة عليك فإنك قد بلّغت البلاغ المبين للمحجّة.
والقصر إضافي، أي ما عليك إلا البلاغ لا تقليب قلوبهم إلى الإسلام، أو لا تولى جزاءهم على الإعراض، بل علينا جزاؤهم كقوله تعالى: {فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب} [سورة الرعد: 40].
وجَعْل هذا جوابًا لجملة {فإن تولوا} من إقامة السبب والعلّة مقام المسبّب والمعلُول: وتقدير الكلام: فإن تولّوا فلا تقصير ولا مؤاخذة عليك لأنك ما عليك إلا البلاغ.
ونظير هذه قوله تعالى: {وأطيعوا الله وأطيعو الرسول واحذروا فإن تولّيتم فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين} [سورة المائدة: 92].
{يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ (83)}.
استئناف بياني لأن تولّيهم عن الإسلام مع وفرة أسباب اتّباعه يثير سؤالًا في نفس السامع: كيف خفيت عليهم دلائل الإسلام، فيجاب بأنهم عرفوا نعمة الله ولكنهم أعرضوا عنها إنكارًا ومكابرة.
ويجوز أن تجعلها حالًا من ضمير {تولوا} [سورة النحل: 82].
ويجوز أن تكون بدل اشتمال لجملة {تولوا}.
وهذه الوجوه كلها تقتضي عدم عطفها على ما قبلها.
والمعنى: هم يعلمون نعمة الله المعدودة عليهم فإنهم منتفعون بها، ومع تحقّقهم أنها نعمة من الله ينكرونها، أي ينكرون شكرها فإن النّعمة تقتضي أن يشكُر المنعَمُ عليه بها من أنعم عليه؛ فلما عبدوا ما لا ينعم عليهم فكأنهم أنكروها، فقد أطلق فعل ينكرون بمعنى إنكار حقّ النّعمة، فإسناد إنكار النّعمة إليهم مجاز لغوي، أو هو مجاز عقلي، أي ينكرون مُلابسها وهو الشكر.
و{ثمّ} للتراخي الرتبي، كما هو شأنها في عطف الجمل، فهو عطف على جملة {يعرفون نعمت الله}، وكأنه قيل: وينكرونها، لأن {ثمّ} لما كانت للعطف اقتضت التّشريك في الحكم، ولما كانت للتراخي الرتبي زال عنها معنى المهلة الزمانية الموضوعة هي له فبقي لها معنى التّشريك وصارت المهلة مهلة رتبية لأن إنكار نعمة الله أمر غريب.
وإنكار النّعمة يستوي فيه جميع المشركين أيّمتهم ودهماؤهم، ففريق من المشركين وهم أئمة الكفر شأنهم التعقّل والتأمّل فإنهم عرفوا النّعمة بإقرارهم بالمنعِم وبما سمعوا من دلائل القرآن حتى تردّدوا وشكّوا في دين الشّرك ثم ركبوا رؤوسهم وصمّموا على الشّرك.
ولهذا عبّر عن ذلك بالإنكار المقابل للإقرار.
وأما قوله تعالى: {وأكثرهم الكافرون} فظاهر كلمة أكثر وكلمة {الكافرون} أن الذين وصفوا بأنهم الكافرون هم غالب المشركين لا جميعهم، فيحمل المراد بالغالب على دهماء المشركين.
فإن معظمهم بسطاء العقول بعداء عن النّظر فهم لا يشعرون بنعمة الله، فإن نعمة الله تقتضي إفراده بالعبادة.
فكان إشراكهم راسخًا، بخلاف عقلائهم وأهل النظر فإن لهم تردّدًا في نفوسهم ولكن يحملهم على الكفر حبّ السيادة في قومهم.
وقد تقدم قوله تعالى: فيهم: {ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون} في سورة العقود (103).
وهم الذين قال الله تعالى فيهم في الآية الأخرى {فإنهم لا يكذّبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون} [سورة الأنعام: 33]. اهـ.

.قال الشعراوي:

قوله: {والله جَعَلَ لَكُمْ مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا} [النحل: 80].
كلمة سكن مأخوذة من السكون، والسكون ضد الحركة، فالبيت نُسمّيه سكنًا؛ لأن الإنسان يلجأ إليه ليرتاح فيه من حركة الحياة خارج البيت، إذن: في الخارج حركة، وفي البيت سكن.
والسكن قد يكون ماديًا كالبيت وهو سكن القالب، وقد يكون معنويًا، كما قال تعالى في حَقِّ الأزواج: {خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لتسكنوا إِلَيْهَا} [الروم: 21].
فالزوجة سكَنٌ معنويٌّ لزوجها، وهذا يُسمّونه سكن القلب.
فإنْ قال قائل: {مِّن بُيُوتِكُمْ} [النحل: 80].
يعني: نحن الذين صنعناها وأقمناها. فكيف جعلها الله لنا؟.
نقول: وأنت كيف صنعتها؟ ومِمَ بنيْتها؟ صنعتَها من غابٍ أو خشب، أو بنيْتها من طين أو طوب.. كل هذه المواد من مادةَ الأرض من عطاء الله لك، وكذلك العقل الذي يُفكّر ويرسم، والقوة التي تبني وتُشيّد كلها من الله.
إذن: {جَعَلَ لَكُمْ} إما أنْ يكون جَعْلًا مباشرًا، وإما أنْ يكون غير مباشر.. فالله سبحانه جعل لنا هذه المواد.. هذا جَعْل مباشر، وأعاننا وقوّانا على البناء.. هذا جَعْلٌ غير مباشر.
لكن في أيّ الأماكن تُبنى البيوت؟
البيوت لا تُبنَى إلا في أماكن الاستقرار، التي تتوفّر لها مُقوّمات الحياة.. فقبل أن نُنظّم مدينة سكنية نبحث أولًا عن مُقوّمات الاستقرار فيها من مأكل ومشرب ومرافق وخدمات ومياه وصرف.. إلى آخره.
فإن وجدت هذه المقوّمات فلا مانعَ من البناء هنا.. فإذا لم توجد المرافق في الصحراء ومناطق البدو، هنا لا يناسبها البيوت والبناء الدائم، بل يناسبها: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِّن جُلُودِ الأنعام بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ} [النحل: 80]. فنرى أهل البدو يتخذون من الجلود بُيُوتًا مثل الخيمة والفسطاط.. حيث نراهم كثيري التنقُّل يبتغون مواطن الكلأ والعشب، ويرحلون طَلبًا للمرعى والماء، وهكذا حياتُهم دائمة التنقّل من مكان لآخر.. فيناسبهم بيت من جلد أو من صوف أو من وَبَر خفيف الحَمْل، يضعونه أيْنما حَطُّوا رحالهم، ويرفعونه أينما ساروا.، والظّعْن هو التنقُّل من مكان لآخر.
إذن: كلمة {سكن} تفيد الاستقرار، وتُوفِّر كل مُقوِّمات الحياة؛ ولذلك فالحق سبحانه وتعالى يقول لآدم: {اسكن أَنْتَ وَزَوْجُكَ الجنة} [البقرة: 35].
أي: المكان الذي فيه راحتكم، وفي نعيمكم، فحدّد له مكان إقامة وسكَن..
ومكان الإقامة هذا قد يكون عَامًّا، وقد يكون خاصًا، مثل لو قُلْت: أسكن الإسكندرية.. هذا سكَنٌ عام، فلو أردتَ السكن الحقيقي الخاص بك لَقُلْتَ: أسكن في شارع كذا، وفي عمارة رقم كذا، وفي شقة رقم كذا، وربما كان لك حجرة خاصة من الشقة هذه.
إذن: هذا سكَنٌ خاص بك.. سكنُك الحقيقي الذي تشعر فيه بالهدوء والراحة والخصوصية، فالسكن يحتاج إلى استقرار ذاتيٍّ لا يشاركك فيه أحد؛ ولذلك نرى بعض سكان العمارات يشكُون من الإزعاج والضوضاء، ويتمنوْنَ أن يعيشوا في بيوت مستقلة تُحقّق لهم الراحة الكافية التي لا يضايقهم فيها أحد.
إذن: حينما ننظر إلى السكون.. إلى السكن، نحتاج المكان الضيق الذي يُحقّق لن الخصوصية التامة التي تصل إلى حجرة، مجرد حجرة، ولكنها تعني السكن الحقيقي الخاص بي، وقد تصل الخصوصية أنْ نجعلَ لكل ولد من الأولاد سريرًا خاصًا به في نفس الحجرة.