فصل: قال الشنقيطي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



نعم لم يفهم مما قبل شهادة هذه الأمة على تبليغ الأنبياء عليهم السلام ليظهر كون هذه الشهادة للتزكية كما في آية البقرة، ولعل الأمر في ذلك سهل.
وفي إرشاد العقل السليم أن قوله تعالى: {وَيَوْمَ نَبْعَثُ} تكرير لما سبق تثنية للتهديد، والمراد بهؤلاء الأمم وشهداؤهم، وإيثار لفظ المجيء على البعث لكمال العناية بشأنه صلى الله عليه وسلم، وصيغة الماضي للدلالة على تحقق الوقوع انتهى.
وتعقب بأن حمل {هَؤُلاء} على ما ذكر خلاف الظاهر، وجوز أن يكون إيثار المجيء على البعث للإيذان بالمغايرة بين الشهادتين بناء على أن شهادته صلى الله عليه وسلم على أمته للتزكية ولا كذلك شهادة سائر الأنبياء عليهم السلام على أممهم.
والظرف معمول لمحذوف كما مر، والمراد به يوم القيامة {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الكتاب} الكامل في الكتابية الحقيق بأن يخص به اسم الجنس، وهذا على ما في البحر استئناف أخبار وليس داخلًا مع ما قبله لاختلاف الزمانين.
وجوز غير واحد كونه حالًا بتقدير قد، وذكر بعض الأفاضل أن قوله تعالى: {وَجِئْنَا بِكَ} إلخ. إن كان كلامًا مبتدأ غير معطوف على قوله سبحانه: {نَبْعَثَ} و{شَهِيدًا} حالًا مقدرة فلا إشكال في الحالية وإن كان عطفًا عليه، والتعبير بالماضي لما عرف في أمثاله، فمضمون الجملة الحالية متقدم بكثير فلا يتمشى التأويل الذي ذكروه في تصحيح كون الماضوية حالًا هنا، ففي صحة كونه حالًا كلام إلا أن يبني على عدم جريان الزمان عليه سبحانه وتعالى.
وتعقب بأنه ليس شيء لأن قوله سبحانه: {تِبْيَانًا لّكُلّ شَىْء} يدخل فيه العقائد والقواعد بالدخول الأولى، وذلك مستمر إلى البعث وما بعده، ولا حاجة إلى ما قيل من أن المعنى بحيث أو بحال أنا كنا نزلنا عليك وتلك الحيثية ثابتة له سبحانه وتعالى إلى الأبد انتهى، وفيه نظر.
وزعم بعضهم أن الجملة حال من ضمير الرفع في الفعل العامل في الظرف أي خوفهم ذلك اليوم وقد نزلنا عليك الكتاب، وهو كما ترى والأسلم الاستئناف؛ والتبيان مصدر يدل على التكثير على ما روى ثعلب عن الكوفيين والمبرد عن البصريين، قال سلامة الأنباري في شرح المقامات: كل ما ورد من المصادر عن العرب على تفعال فهو بفتح التاء إلا لفظتين وهما تبيان وتلقاء، وقال ابن عطية: هو اسم وليس بمصدر، وهذه الصيغة أيضًا في الأسماء قليلة، فعن ابن مالك أنه قال في نظم الفوائد: جاء على تفعال بالكسر وهو غير مصدر رجل تكلام وتلقام وتلعاب وتمساح للكذاب وتضراب للناقة القريبة بضراب الفحل وتمراد لبيت الحمام وتلفاف لثوبين ملفوفين وتجفاف لما تجلل به الفرس وتهواء لجزء ماض من الليل وتنبال للقصير اللئيم وتعشار وتبارك لموضعين، وزاد ابن جعوان تمثال وتيفاق لموافقة الهلال، واقتصر أبو جعفر النحاس في شرح المعلقات على أقل من ذلك فقال: ليس في كلام العرب على تفعال إلا أربعة أسماء وخامس مختلفت فيه يقال تبيان ويقال لقلادة المرأة تقصار وتعشار وتبراك والخامس تمساح وتمسح أكثر وأفصح انتهى، والمعروف أن {تِبْيَانًا} مصدر وليس باسم وإن قيل: إنه قول أكثر النحويين، وجوز الزجاج فيه الفتح في غير القرآن، والمراد من {كُلّ شَىْء} على ما ذهب إليه جمع ما يتعلق بأمور الدين أي بيانًا بليغًا لكل شيء يتعلق بذلك ومن جملته أحوال الأمم مع أنبيائهم عليهم السلام، وكذا ما أخبرت به هذه الآية من بعث الشهداء وبعثه عليه الصلاة والسلام، فانتظام الآية بما قبلها ظاهر، والدليل على تقدير الوصف المخصص لشيء المقام وأن بعثة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إنما هي لبيان الدين، ولذا أجيب السؤال عن الأهلة بما أجيب، وقال صلى الله عليه وسلم: «أنتم أعلم بأمور دنياكم» وكون الكتاب تبيانًا لذلك باعتبار أن فيه نصًّا على البعض وإحالة للبعض الآخر على السنة حيث أمر باتباع النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل فيه: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهوى} [النجم: 3]، وحثا على الإجماع في قوله سبحانه: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المؤمنين} [النساء: 115]. الآية فإنها على ما روي عن الشافعي وجماعة دليل الإجماع، وقد رضي صلى الله عليه وسلم لأمته باتباع أصحابه حيث قال عليه الصلاة والسلام: {عَلَيْكُمْ} وقد اجتهدوا وقاسوا ووطؤا طرق الاجتهاد فكانت السنة والإجماع والقياس مستندة إلى تبيان الكتاب، وقال بعض: {قَدِيرٌ ءامَنَ الرسول بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبّهِ والمؤمنون كُلٌّ} للتكثير والتفخيم كما في قوله تعالى: {تُدَمّرُ كُلَّ شيء بِأَمْرِ رَبّهَا} [الأحقاف: 25]. إذ يأبى الإحاطة والتعميم ما في التبيان من المبالغة في البيان وأن من أمور الدين تخصيصًا لا يقتضيه المقام.
ورد الثاني بما سمعت آنفًا؛ والأول بأن المبالغة بحسب الكمية لا الكيفية كما قيل في قوله تعالى: {وَمَا رَبُّكَ بظلام لّلْعَبِيدِ} [فصلت: 46]. إنه من قولك: فلان ظالم لعبده وظلام لعبيده، ومنه قوله سبحانه: {وَمَا للظالمين مِنْ أَنصَارٍ} [البقرة: 270]، وقال بعضهم: لكل من القولين وجهة والمرجح للأول إبقاء {كُلٌّ} على حقيقتها في الجملة، وتعقب بأنه يرجح الثاني إبقاء {شَىْء} على العموم وسلامته من التقدير الذي هو خلاف الأصل ومن المجاز على قول.
نعم ذهب أكثر المفسرين إلى اعتبار التخصيص وروي ذلك عن مجاهد.
وقال الجلال المحلي في الرد على من لم يجوز تخصيص السنة بالكتاب: إنه يدل على الجواز قوله تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الكتاب تِبْيَانًا لّكُلّ شَىْء} وإن خص من عمومه ما خص بغير القرآن، وتوجيه كونه تبيانًا لكل ما يتعلق بالدين بما تقدم هو الذي يقتضيه كلام غير واحد من الأجلة، فعن الشافعي رضي الله تعالى عنه أنه قال مرة بمكة: سلوني عما شئتم أخبركم عنه من كتاب الله تعالى فقيل له: ما تقول في المحرم يقتل الزنبور؟ فقال: بسم الله الرحمن الرحيم قال الله تعالى: {وَمَا ءاتاكم الرسول فَخُذُوهُ وَمَا نهاكم عَنْهُ فانتهوا} [الحشر: 7]، وحدثنا سفيان بن عيينة عن عبد الملك بن عمير عن ربعي بن حراش عن حذيفة بن اليمانعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر» وحدثنا سفيان عن مسعر بن كدام عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه أمر بقتل المحرم الزنبور، وروى البخاري عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه قال: «لعن الله تعالى الواشمات والمتوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله تعالى» فقالت له امرأة في ذلك فقال: مالي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في كتاب الله تعالى فقالت له: لقد قرأت ما بين اللوحين فما وجدت فيه ما تقول فقال: لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه أما قرأت {وَمَا ءاتاكم الرسول فَخُذُوهُ وَمَا نهاكم عَنْهُ فانتهوا} [الحشر: 7]. قالت: بلى.
قال: فإنه عليه الصلاة والسلام قد نهى عنه.
وذهب بعضهم إلى ما يقتضيه ظاهر الآية غير قائل بالتخصيص ولا بأن {كُلٌّ} للتكثير فقال: ما من شيء من أمر الدين والدنيا ألا يمكن استخراجه من القرآن وقد بين فيه كل شيء بيانًا بليغًا واعتبر في ذلك مراتب الناس في الفهم فرب شيء يكون بيانًا بليغًا لقوم ولا يكون كذلك لآخرين بل قد يكون بيانًا لواحد ولا يكون بيانًا لآخر فضلًا عن كون البيان بليغًا أو غير بليغ وليس هذا التفاوت قوى البصائر، ونظير ذلك اختلاف مراتب الإحساس لتفاوت قوى الإبصار، وقيل: معنى كونه تبيانًا أنه كذلك في نفسه وهو لا يستدعي وجود مبين له فضلًا عن تشارك الجميع في تحقق هذا الوصف بالنسبة إليهم بأن يفهموا حال كل شيء منه على أتم وجه، ونظير ذلك الشمس فإنها منيرة في حد ذاتها، وإن لم يكن هناك مستنير أو ناظر، ويغني عن هذا الاعتبار اعتبار أن المبالغة بحسب الكمية لا الكيفية، ويؤيد القول بالظاهر أن الشيخ الأكبر قدس سره وغيره قد استخرجوا منه ما لا يحصى من الحوادث الكونية.
وقد رأيت جد ولا حرفيًا منسوبًا إلى الشيخ كتب عليه أنه يعرف منه حوادث أهل المحشر، وآخر كتب عليه أنه يعرف منه حوادث أهل الجنة، وآخر كتب عليه أنه يعرف منه حوادث أهل النار وكل ذلك على ما يزعمون مستخرج من الكتاب الكريم، ومثل هذا الجفر الجامع المنسوب إلى أمير المؤمنين علي كرم الله تعالى وجهه فإنهم قالوا: إنه جامع لما شاء الله تعالى من الحوادث الكونية وهو أيضًا مستخرج من القررن العظيم.
وقد نقل الجلال السيوطي عن المرسي أنه قال: جمع القرآن علوم الأولين والآخرين بحيث لم يحط بها علمًا حقيقة إلا المتكلم به ثم رسول الله صلى الله عليه وسلم خلا ما استأثر به سبحانه ثم ورث عنه معظم ذلك سادات الصحابة وأعلامهم مثل الخلفاء الأربعة ومثل ابن عباس وابن مسعود حتى قال الأول: لو ضاع لي عقال بعير لوجدته في كتاب الله تعالى ثم ورث عنهم التابعون لهم بإحسان ثم تقاصرت الهمم وفترت العزائم وتضاءل أهل العلم وضعفوا عن حمل ما حمله الصحابة والتابعون من علومه وسائر فنونه فنوعوا علومه وقامت كل طائفة بفن من فنونه، وقيل: لا يخلو الزمان من عارف بجميع ذلك وهو الوارث المحمدي ويسمى الغوث وقطب الأقطاب والمظهر الأتم ومظهر الاسم الأعظم إلى غير ذلك، ويرد على هؤلاء القائلين حديث التأبير وقوله صلى الله عليه وسلم: «أنتم أعلم بأمور دنياكم» وأجيب بأنه يحتمل أن يكون ذلك منه صلى الله عليه وسلم قبل نزول ما يعلم منه عليه الصلاة والسلام حال التأبير، ويحتمل أن يكون بعد النزول وقال ذلك صلى الله عليه وسلم قبل الرجوع إليه والنظر فيه ولو رجع ونظر لعلم فوق ما علموا فأعلميتهم بأمور دنياهم إنما جاءت لكون علمهم بذلك لا يحتاج إلى الرجوع والنظر وعلمه عليه الصلاة والسلام يحتاج إلى ذلك وهذا كما قال صلى الله عليه وسلم: «لو استقبلت ما استدبرت لما سقت الهدى» مع أن سوق الهدى من الأمور الدينية، وقد قالوا: إن القرآن العظيم تبيان لها، وهذا يرد عليهم لولا هذا الجواب فتأمل فالبحث بعد غير خال عن القيل والقال، وقال بعضهم: إن الأمور إما دينية أو دنيوية والدنيوية لا اهتمام للشارع بها إذ لم يبعث لها والدينية إما أصلية أو فرعية والاهتمام بالفرعية دون الاهتمام بالأصلية فإن المطلوب أولًا بالذات من بعثة الأنبياء عليهم السلام هو التوحيد وما أشبهه بل المطلوب من خلق العباد هو معرفته تعالى كما يشهد له قوله سبحانه: {وَمَا خَلَقْتُ الجن والإنس إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]. بناء على تفسير كثير العبادة بالمعرفة، وقوله تعالى في الحديث القدسي المشهور على الألسنة المصحح من طريق الصوفية: «كنت كنزًا مخفيًا فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق لأعرف» والقرآن العظيم قد تكفل ببيان الأمور الدينية الأصلية على أتم وجه فليكن المراد من {كُلّ شَىْء} ذلك، ولا يحتاج هذا إلى توجيه كونه تبيانًا إلى ما احتاج إليه حمل {كُلّ شَىْء} على أمور الدين مطلقًا من قولنا: إنه باعتبار أن فيه نصًّا على البعض وإحالة للبعض الآخر على السنة إلخ، واختار بعض المتأخرين أن {كُلّ شَىْء} على ظاهره إلا أن المراد بالتبيان التبيان على سبيل الإجمال وما من شيء إلا بين في الكتاب حاله إجمالًا، ويكفي في ذلك بيان بعض أحواله والمبالغة باعتبار الكمية لا الكيفية على ما علمت سابقًا، ولو حمل التبيان على ما يعم الإجمال والتفصيل مع اعتبار مراتب المبين لهم واعتبر التوزيع جاز أيضًا فليتدبر، ونصب {تِبْيَانًا} على الحال كما قال أبو حيان.
وجوز أن يكون مفعولًا من أجله أي نزلنا عليك الكتاب لأجل التبيان {وَهُدًى وَرَحْمَةٌ} للجميع بقرينة قوله تعالى: {وَمَا أرسلناك إِلاَّ رَحْمَةً للعالمين} [الأنبياء: 107]، وحرمان الكفرة من جهة تفريطهم {وبشرى لِلْمُسْلِمِينَ} خاصة، وجوز صرف الجميع لهم لأنهم المنتفعون بذلك أو لأنه الهداية الدلالة الموصلة والرحمة الرحمة التامة. اهـ.

.قال الشنقيطي:

قوله تعالى: {وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِّنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا على هؤلاء وَنَزَّلْنَا}.
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أنه يوم القيامة يبعث في كل أمة شهيدًا عليهم من أنفسهم يشهد عليهم بما أجابوا به رسولهم، وأنه ياي بنبينا صلى الله عليه وسلم شاهدًا علينا، وبين هذا المعنى في غير هذا الموضع. كقوله: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ على هؤلاء شَهِيدًا يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الذين كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ الرسول لَوْ تسوى بِهِمُ الأرض} [النساء: 41-42]. الآية، وكقوله: {يَوْمَ يَجْمَعُ الله الرسل فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُم} [المائدة: 109]، وكقوله: {فَلَنَسْأَلَنَّ الذين أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ المرسلين} [الأعراف: 6]، إلى غير ذلك من الآيات، وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اقرأ علي» قال: فقلت يا رسول الله، أأقرأ عليك وعليك نزل؟! قال: «نعم. أني إحب أن أسمعه من غيري» فقرأت سورة النساء حتى أتيت إلى هذه الآية: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ على هؤلاء شَهِيدًا} [النساء: 41]. فقال: «حسبك الآن» فإذا عيناه تذرفان اهـ.
وقوله تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الكتاب تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ}.
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أنه نزل على رسوله هذا الكتاب العظيم تبيانًا لكل شيء، وبين ذلك في غير هذا الموضع، كقوله: {مَّا فَرَّطْنَا فِي الكتاب مِن شَيْءٍ} [الأنعام: 38]. على القول بأن المراد بالكتاب فيها القرآن. أما على القول بأنه اللوح المحفوظ. فلا بيان بالآية، وعلى كل حال فلا شك أن القرآن فيه بيان كل شيء، والسنة كلها تدخل في آية واحدة منه، وهي قوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرسول فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فانتهوا} [الحشر: 7].
وقال السيوطي في الإكليل في استنباط التنزيل قال تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الكتاب تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ} وقال: {مَّا فَرَّطْنَا فِي الكتاب مِن شَيْءٍ} [الأنعام: 38]، وقال صلى الله عليه وسلم: «ستكون فتنة قيل: وما المخرج منها؟ قال: كتب الله فيه نبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم».
أخرجه الترمذي، وغيره وقال سعيد بن منصور في سننه: حدثنا خديج بن معاوية، عن أبي إسحاق، عن مرة، عن ابن مسعود قال: من أراد العلم فعليه بالقرآن. فإن فيه خبر الأولين والآخرين. قال البيهقي: اراد به أصول العلم، وقال الحسن البصري: أنزل الله مائة وأربعة كتب، أودع علومها أربعة: التوارة، والإنجيل، والزبور، والفرقان. ثم أودع علوم الثلاثة الفرقان، ثم أودع علوم القرآن: المفصل، ثم أودع علوم المفصل: فاتحة الكتاب. فمن علم تفسيرها كان كمن علم تفسير الكتب المنزلة.
أخرجه البيهقي في الشعب.
وقال الإمام الشافعي رضي الله عنه: جميع ما تقوله الأمة للسنة، وجميع شرح السنة شرح للقرآن.
وقال بعض السلف: ما سمعت حديثًا إلا التمست له آية من كتاب الله.
وقال سعيد بن جبير: مابلغني حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على وجهة إلا وجدت مصداقه في كتاب الله. أخرجه ابن أبي حاتم.
وقال ابن مسعود: إذا حدثتكم بحديث أنبأتكم بتصديقه من كتاب الله. أخرجه ابن أبي حاتم.
وقال ابن مسعود أيضًا: أنزل في القرآن كل علم، وبين لنا فيه كل شيء، ولكن علمنا يقصر عما بين لنا في القرآن. أخرجه ابن جريرن وابن أبي حاتم.
وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله لو أغفل شيئًا لأغفل الذرة والخردلة والبعوضة».
وقال الشافعي أيضًا: جميع ما حكم به النَّبي صلى الله عليه وسلم فهو مما فهمه من القرآن.
قلت: ويؤيد هذا قوله صلى الله عليه وسلم: «إني لا أحل إلا ما أحل الله في كتابه، ولا أحرم إلا ما حرم الله في كتابه» رواه بهذا اللفظ الطبراني في الأوسط من حديث عائشة.
وقال الشافعي أيضًا: ليست تنزل بأحد في الدين نازلة إلا في كتاب الله الدليل على سبيل الهدى فيها. فإن قيل: من الأحكام ما ثبت ابتداء بالسنة؟ قلنا: ذلك مأخوذ من كتاب الله في الحقيقة. لأن كتاب الله أوجب علينا اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، وفرض علينا الأخذ بقوله.
وقال الشافعي مرة بمكة: سلوني عما شئتم، أخبركم عنه من كتاب الله. فقيل له: ما تقول في المحرم يقتل الزنبور؟ فقال: بسم الله الرحمن الرحيم، قال الله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرسول فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فانتهوا} [الحشر: 7]، وحدثنا سفيان بن عيينة، عن عبد الملك بن عمير، عن ربعي بن حراش، عن حذيفة بن اليمان، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «اقتدوا باللذين من بعدي: ابي بكر وعمر» وحدثنا سفيان، عن مسعر بن كدام، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، عن عمر بن الخطاب: أنه أمر بقتل المحرم الزنبور.