فصل: قال السمرقندي في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال السمرقندي في الآيات السابقة:

{ضَرَبَ الله مَثَلًا} أي: وصف الله شبهًا {عَبْدًا مَّمْلُوكًا} وهو الكافر {لاَّ يَقْدِرُ على شَىْء} يقول: لا يقدر على مال ينفقه في طاعة الله {وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا} أي: مالًا حلالًا {فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ} أي: يتصدق منه {سِرّا وَجَهْرًا} يقول: يتصدق خفية وعلانية وهو المؤمن {هَلْ يَسْتَوُونَ} في الطاعة مثلًا {الحمد لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} ضرب المثل.
وروي عن ابن عباس أنه قال: نزلت هذه الآية في عثمان بن عفان.
والآخر أبو الفيض بن أمية وهو كافر، لا يقدر أن ينفق خيرًا لمعاده، وعثمان أنفق لآخرته فهل يستويان؟ أي: هل يستوي الكافر والمؤمن؟ ويقال ضرب المثل للآلهة.
ومعناه: أن الإثنين المتساويين في الخلق، إذا كان أحدهما قادرًا على الإنفاق، والآخر عاجزًا، لا يستويان.
فكيف يسوون بين الحجارة التي لا تتحرك ولا تعقل، وبين الذي هو على كل شيء قدير؟ فبيّن الله تعالى علامة ضلالتهم، ثم حمد نفسه، ودل خلقه على حمده، فقال: {الحمد لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} ثم زاد في البيان، وضرب مثلًا آخر فقال: {وَضَرَبَ الله مَثَلًا رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ} يعني أخرس وهو الصنم {لاَّ يَقْدِرُ على شَىْء} من مال ولا منفعة {وَهُوَ كَلٌّ على مَوْلاهُ} يعني: ثقل على وليه، وقرابته.
يعني: الصنم عيال، ووبال على عابده.
{أَيْنَمَا يُوَجّههُّ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ} يعني: حيث يبعثه لا يجيء بخير {هَلْ يَسْتَوِى هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بالعدل} يعني: بالتوحيد {وَهُوَ على صراط مُّسْتَقِيمٍ} يدل الخلق على التوحيد.
ويقال: هذا المثل للكافر مع النبي صلى الله عليه وسلم يعني: الكافر الذي لا يتكلم بالخير، هل يستوي هو {وَمَن يَأْمُرُ بالعدل} أي: التوحيد ويدعو الناس إليه {وَهُوَ على صراط مُّسْتَقِيمٍ} يدعو الناس إليه وهو دين الإسلام.
وقال السدي: المثلان ضربهما الله لنفسه وللآلهة.
ثم قال تعالى: {وَللَّهِ غَيْبُ السموات والأرض} يعني: ما غاب عن العباد {وَمَا أَمْرُ الساعة} يعني: قيام الساعة {إِلاَّ كَلَمْحِ البصر} كرجع البصر {أَوْ هُوَ أَقْرَبُ} يقول: بل هو أقرب.
أي أسرع.
قال الزجاج: أخبر الله تعالى أن البعث والإحياء في قدرة الله تعالى، ومشيئته كلمح البصر.
ولم يرد أن الساعة تأتي في لمح البصر، ولكنه وصف سرعة القدرة على الإتيان بها.
ويقال: أو هو أقرب الألف زيادة، ومعناه: وهو أقرب.
ثم قال: {إِنَّ الله على كُلِّ شيء قَدِيرٌ} يعني: من البعث وغيره.
قوله: {والله أَخْرَجَكُم مّن بُطُونِ أمهاتكم} قرأ حمزة والكسائي: {أُمَّهاتكم} بكسر الألف.
والباقون: بالضم.
ومعناهما واحد.
وقال الزجاج: الأصل في الأمهات، ولكن الهاء زيدت مؤكدة، كما زادوها في قولهم: أهرقت الماء، وأصله أرقت الماء.
{لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا} يعني: لا تعقلون شيئًا.
ويقال: لا تعلمون الأشياء كلها.
{وَجَعَلَ لَكُمُ السمع والابصار والأفئدة} تعقلون بها الخير والشر {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} أي: لكي تشكروا النعمة.
ثم بيّن لهم العبرة ليعتبروا بها، ويعرفوا بها وحدانيته فقال: {أَلَمْ تَرَوْاْ إلى الطير مسخرات} يقول: مذللات {فِى جَوّ السماء} قال ابن عباس أي: في الهواء {مَا يُمْسِكُهُنَّ} عند قبض الأَجنحة، وعند بسطها {إِلاَّ الله إِنَّ في ذلك} أي: فيما ذكرت {لاَيَاتٍ} أي: علامات لوحدانية الله، لمن علم أن معبودهم لم يعنه في ذلك.
يعني: الكفار لا يعلمون متى يبعثون وأيان كلمة الاختصار وأصله أي أوان؟.
ثم قال تعالى: {إلهكم إله واحد} يعني: ربكم رب واحد فاعبدوه، ولا تعبدوا غيره {لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} أي: لمن آمن به.
قرأ ابن عامر وحمزة: {أَلَمْ تَرَوْاْ} بالتاء على معنى المخاطبة.
وقرأ الباقون بالياء.
ثم قال: {والله جَعَلَ لَكُمْ مّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا} أي: خلق لكم البيوت قرارًا ومأوًى لكم.
ويقال: معناه سخر لكم الأرض، لتبنوا فيها البيوت.
ويقال: معناه وفقكم لبناء البيوت لسكناكم، وقراركم، فذكر النعم، والمنن، والدلائل لوحدانيته.
ثم قال: {وَجَعَلَ لَكُمْ مّن جُلُودِ الأنعام} أي: من الشعر، والصوف، والوبر، {بُيُوتًا} أي: الفساطيط والخيام {تَسْتَخِفُّونَهَا} أي: تستخفون حملها {يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إقامتكم} أي: يوم انتقالكم، وسفركم، ويوم نزولكم {وَمِنْ أَصْوَافِهَا} أي: من أصواف الغنم {وَأَوْبَارِهَا} يعني: الإبل {وَأَشْعَارِهَا} يعني: أشعار المعز {أَثَاثًا} أي: متاع البيت من الفرش، والأكسية.
وقال قتادة والكلبي: يعني: المال.
{ومتاعا إلى حِينٍ} يعني: المنفعة حتى تعيشون فيه إلى الموت.
ويقال: تنتفعون بها إلى حين تبلى، وتهلك.
وقرأ نافع، وابن كثير، وأبو عمرو {ظَعْنِكُمْ} بنصب العين.
وقرأ الباقون: بالجزم ومعناهما واحد.
قوله: {والله جَعَلَ لَكُمْ مّمَّا خَلَقَ ظلالا} أي: أشجارًا تستظلون بها.
ويقال: بيوتًا تسكنون فيها {وَجَعَلَ لَكُمْ مّنَ الجبال أكنانا} أي: جعل لكم من الجبال بيوتًا تسكنون فيها.
ويقال: أكنانًا يعني: الغيران، والأسراب واحدها كنّ {وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ} أي: القمص {تَقِيكُمُ الحر} يعني: والبرد اكتفاء أحدهما إذا كان يدل على الآخر.
وقال قتادة في قوله: {مّمَّا خَلَقَ ظلالا} أي: من الشجر وغيره {وَجَعَلَ لَكُمْ مّنَ الجبال أكنانا} يعني: غيرانًا في الجبال يسكن فيها {تَقِيكُمُ مِنَ الحرث} أي: من القطن، والكتان، والصوف.
قال: وكانت تسمى هذه السورة سورة النعم.
{وسرابيل تَقِيكُم بَأْسَكُمْ} وهي الدروع من الحديد تدفع عنكم قتال عدوكم.
ثم قال: {كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ} أي: ما ذكر من النعم في هذه السورة {لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ} أي: تعرفون رب هذه النعم.
فتوحّدوه، وتخلصوا له بالعبادة.
وروي عن ابن عباس أنه كان يقرأ: {لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ} بنصب التاء واللام، ومعناه: تسلمون من الجراحات إذا لبستم الدروع، وتسلمون من الحر والبرد إذا لبستم القمص.
ثم قال: بعد ما بيّن العلامات: {فَإِن تَوَلَّوْاْ} أي: أعرضوا عن الإيمان {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ البلاغ المبين} تبلغهم رسالتي، وتبيّن لهم الهدى من الضلالة.
ثم قال تعالى: {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ الله ثُمَّ يُنكِرُونَهَا} أي: يعرفون أن خالق هذه الأشياء هو الله تعالى، ثم ينكرونها.
ويقولون: هي بشفاعة آلهتنا، وهذا قول الكلبي.
وقال السدي: يعني: يعرفون محمدًا صلى الله عليه وسلم أنه نبي، وأنه صادق، ولا يؤمنون به.
وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله: {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ الله ثُمَّ يُنكِرُونَهَا} قال: هي المساكن، والأنعام، وما يرزقون منها.
وسرابيل الحديد والثياب، يعرف هذا الكافرون {ثُمَّ يُنكِرُونَهَا} ويقولون: هذا كان لآبائنا، وورثناها.
ويقال: إنكارهم قولهم: لولا كذا لكان كذا.
ويقال: {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ الله} وذلك أنهم إذا سئلوا من خلقهم؟ يقولون: الله {ثُمَّ يُنكِرُونَهَا} يعني: البعث {وَأَكْثَرُهُمُ الكافرون} يعني: كلهم كافرون بالتوحيد.
ويقال: جاحدون بالنعم.
قوله: {وَيَوْمَ نَبْعَثُ} اذكر يوم نبعث {فِى كُلّ أُمَّةٍ شَهِيدًا} أي: نبيًا شاهدًا على أمته بالرسالة أنه بلغها {ثُمَّ لاَ يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ} أي: في الكلام {وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ} يقول: لا يرجعون من الآخرة إلى الدنيا.
وقال أهل اللغة: عَتَب يَعْتِب إذا وجد عليه، وأعْتَبَ يُعْتِبُ إذا رجع عن ذنبه، واستعتب يستعتب إذا طلب منهم الرجوع، أي: لا يطلب منهم الرجوع إلى الدنيا.
قوله: {وَإِذَا رَأى الذين ظَلَمُواْ العذاب} أي: الكفار {فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ} أي: لا يهوّن عليهم العذاب حين رأوها {وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ} أي: لا يمهلون، ولا يؤجلون، ولا يتركون ساعة، ليستريحوا.
قوله: {وَإِذَا رَءا الذين أَشْرَكُواْ شُرَكَاءهُمْ} أي: آلهتهم {قَالُواْ رَبَّنَا هَؤُلاء شُرَكَاؤنَا الذين كُنَّا نَدْعُوْا} يعني: نعبد {مِن دُونِكَ} يقولون: نعبد دونك، وهم أمرونا بذلك.
ويقال: يعني: السفلة إذا رأوا شركاءهم.
يعني: أمراءهم ورؤساءهم قالوا: ربنا هؤلاء قادتنا الذين كنا ندعو من دونك.
أي: هم أَمرونا بالمعصية فأطعناهم {فَألْقَوْا إِلَيْهِمُ القول} يعني: الآلهة، والقادة، وأجابوهم {إِنَّكُمْ لكاذبون} ما أمرناكم بذلك.
قوله: {وَأَلْقَوْاْ إلى الله يَوْمَئِذٍ السلم} أي: استسلموا، وخضعوا، وانقادوا.
العابد والمعبود، والتابع والمتبوع، يومئذٍ خضعوا كلهم لله تعالى: {وَضَلَّ عَنْهُم} أي: اشتغل عنهم آلهتهم بأنفسهم {مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} يعني: يختلفون.
ويقال: بطل عنهم ما كانوا يقولون من الكذب في الدنيا.
ثم بيّن عذابهم فقال تعالى: {الذين كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله} أي: صرفوا الناس عن دين الإسلام {زدناهم عَذَابًا فَوْقَ العذاب} يعني: القادة {بِمَا كَانُواْ يُفْسِدُونَ} من الشرك والتكذيب.
زدناهم عذابًا فوق عذاب السفلة.
ويقال: التابع والمتبوع زدناهم في كل وقت عذابًا مع العذاب.
وقال مقاتل: يجري الله عليهم خمسة أنهار من نحاس ذائب.
ثلاثة أنهار في مقدار وقت الليل، واثنان في مقدار وقت النهار بما كانوا يفسدون في الدنيا.
وقال الكلبي نحو هذا.
قال الفقيه أبو الليث: حدثنا محمد بن الفضل.
قال: حدثنا محمد بن جعفر.
قال: حدثنا إبراهيم بن يوسف، عن عبيد الله، عن إسرائيل، عن السدي، عن مرة، عن عبد الله بن مسعود في قوله: {زدناهم عَذَابًا فَوْقَ العذاب} قال: أفاعي في النار.
وعن ابن مسعود أيضًا قال: زيدوا عقارب في النار.
أنيابها كالنخيل الطوال.
وعن مجاهد أنه قال: في النار عقارب كالبغال، أنيابهن كالرماح، تضرب إحداهن على رأسه، فيسقط لحمه على قدميه.
وقال: يسألون الله تعالى المطر في النار ألف سنة، ليسكن ما بهم من شدة الحر، والغم، فيظهر لهم سحابة، فيظنون، أنها تمطر عليهم، فجعلت السحابة تمطر عليهم الغيث.
فإذا هي تمطر عليهم بالحيات، والعقارب.
ويقال: يسلط عليهم الجوع.
ويقال: الجرب.
ويقال: الخوف.
قوله: {وَيَوْمَ نَبْعَثُ في كُلّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مّنْ أَنفُسِهِمْ} أي: رسولًا من الآدميين {وَجِئْنَا بِكَ} يا محمد {شَهِيدًا على هَؤُلاء} أي: على أمتك {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الكتاب} أي: القرآن {تِبْيَانًا لّكُلّ شَىْء} من الأمر والنهي.
إلا أن بعضه مفسر، وبعضه مجمل، يحتاج إلى الاستخراج، والاستنباط.
وقال مجاهد: ما يسأل الناس عن شيء إلا في كتاب الله تبيانه، ثم قرأ: {تِبْيَانًا لّكُلّ شَىْء} وقال علي بن أبي طالب: كل شيء علمه في الكتاب إلا أن آراء الرجال تعجز عنه.
ثم قال: {وَهُدًى وَرَحْمَةٌ} أي {هُدًى} من الضلالة {وَرَحْمَةً} أي: نعمة لمن آمن به، وعمل بما فيه {وبشرى لِلْمُسْلِمِينَ} بالجنة. اهـ.