فصل: قال الثعلبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الثعلبي:

ثمّ ضرب الله تعالى مثلا المؤمن والكافر فقال عز من قائل: {ضَرَبَ الله مَثَلًا عَبْدًا مَّمْلُوكًا لاَّ يَقْدِرُ على شَيْءٍ}.
هو مثل الكافر رزقه الله مالًا فلم يقدّم خيرًا ولم يعمل فيه بطاعة الله تعالى: {وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا} هو مثل المؤمن أعطاه الله مالًا فعمل فيه بطاعة الله وأنفقه فيما يرضي الله سرًا وجهرًا فأثابه الله على ذلك النعيم المقيم في الجنة {هَلْ يَسْتَوُونَ} ولم يقل يستويان لمكان {من} لأنه اسم مبهم يصلح للواحد، والاثنين، والجميع، والمؤنث، والمذكر، وكذلك قوله: {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله مَا لاَ يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا} ثمّ قال: {وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ} بالجمع لأجل {ما} ومعنى الآية: هل يستوي هذا الفقر والبخل والغنى والسخاء. فكذلك لا يستوي الكافر العاصي المخالف لأمر الله والمؤمن المطيع له.
روى ابن جريج عن عطاء: {عَبْدًا مَّمْلُوكًا} قال: هو أبو جهل بن هشام {وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا} أبو بكر الصديق {رضي الله عنه}.
ثمّ قال: {الحمد لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} يقول الله تعالى: ليس الأمر كما يفعلون ولا القول كما يقولون، ماللأوثان عندهم من يد، ولا معروف فيحمد عليه، إنما الحمد هو الكامل لله خالصًا، لأنه هو المنعم والخالق والرازق ولكن أكثر هؤلاء الكفرة لا يعلمون أنها كذلك. ثمّ ضرب مثلًا آخر بنفسه والأصنام فقال: {وَضَرَبَ الله مَثَلًا رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ على شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ على مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ} يرسله {لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ} لأنه لا يفهم ما يقال، ولا يفهم عنه.
وقال ابن مسعود: أينما توجهه لا يأت بخير، هذا مثل للصنم الذي لا يسمع ولا ينطق ولا يعقل ولا يفعل وهو كَلّ على عائده يحتاج أن يحمله ويضعه ويخدمه {هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بالعدل} يعني الله قادر متكلم بأمر التوحيد فليس كصنمكم، فإنه لا يأمر بالتوحيد {وَهُوَ على صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}.
قال الكلبي: يعني وهو يدلكم على صراط مستقيم، وقيل: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم هو على صراط مستقيم.
قال الكلبي: يعني وهو يدلكم على صراط مستقيم.
آخر: ومن قال: كل المسلمين المؤمن والكافر، وهي رواية عقبة عن ابن عبّاس.
وروى إبراهيم بن عكرمة بن يعلي بن منبّه عن ابن عبّاس قال: نزلت هذه الآية في عثمان ابن عفان {رضي الله عنه} ومولاه، وكان عثمان ينفق عليه ويكفيه المؤنة وكان مولاه يكره الإسلام ويأباه وينهاه عن الصدقة ويمنعه من النفقة.
وقال مقاتل: نزلت هذه الآية في هاشم بن عمرو بن الحرث بن ربيعة القرشي وكان رجلًا قليل الخير يعادي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال عطاء: الأبكم أبي بن حلف، ومن يأمر بالعدل حمزة وعثمان بن عفان وعثمان بن مظعون.
{وَلِلَّهِ غَيْبُ السماوات والأرض وَمَا أَمْرُ الساعة} في قريب كونها وسرعة قيامها {إِلاَّ كَلَمْحِ البصر} كالنظر في البصر ورجع الطرف؛ لأن ذلك هو أن يقال له: كن فيكون، {أَوْ هُوَ أَقْرَبُ} بل هو أقرب {إِنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} نزلت في الكفار الذين استعجلوا القيامة إستهزاء منهم.
{والله أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ}.
قرأ الأعمش: {أُمَّهَاتِكُمْ} بكسر الألف والميم.
وقرأ حمزة والكسائي بكسر الألف وفتح الميم.
وقرأ الباقون بضم الألف وفتح الميم.
وأصل الأمهات: أمات، فزيدت الهاء للتأكيد كما زادوها في أهرقت الماء وأصله أرقت {لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا} هذا كلام تام.
ثمّ ابتدأ فقال: {وَجَعَلَ لَكُمُ السمع والأبصار والأفئدة} لأن الله تعالى جعل لعباده السمع والأبصار والأفئدة قبل إخراجهم من بطون أمهاتهم وإنما أعطاهم العلم بعد ما أخرجهم منها {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} نعمه.
{أَلَمْ يَرَوْاْ}. قرأ يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة ويعقوب بالتاء.
وقرأ عاصم بضمر التاء، واختاره أبو عبيد لما قبلها.
{إلى الطير مُسَخَّرَاتٍ} مذللات {فِي جَوِّ السماء} أي في الهواء بين الأرض والسماء {مَا يُمْسِكُهُنَّ} في الهواء {إِلاَّ الله إِنَّ فِي ذلك لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ والله جَعَلَ لَكُمْ مِّن بُيُوتِكُمْ} التي هي من الحجر والمدر {سَكَنًا} مسكنًا تسكنونه.
قال الفراء: السكن: الدار، والسكن بجزم الكاف: أهل البلد.
{وَجَعَلَ لَكُمْ مِّن جُلُودِ الأنعام بُيُوتًا} يعني الخيام والقباب والأخبية والفساطيط من الأنطاع والأدم وغيرها {تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ} رحلكم وسفركم {وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ} في بلادكم لا يثقل عليكم في الحالتين.
واختلف القرّاء في قوله: {يَوْمَ ظَعْنِكُمْ}.
فقرأ الكوفيون بجزم العين، وقرأ الباقون: بفتحه، وإختاره أبو عبيد وأبو حاتم، لأنه أشهر اللغتين وأفصحهما. {وَمِنْ أَصْوَافِهَا} يعني أصواف الضان وأوبار الإبل وأشعار المعز، والكنايات كلها راجعة إلى الأنعام.
{أَثَاثًا} قال ابن عبّاس: مالا، مجاهد: متاعًا.
حميد بن عبد الرحمن: أثاثًا يعني الأثاث: المال أجمع من الإبل والغنم والعبيد، والمتاع غيره هو متاع البيت من الفرش والأكسية وغيرها ولم يسمع له واحد مثل المتاع.
وقال أبو زيد: واحد الأثاث أثاثة. قال الخليل: أصله من الكثرة واجتماع بعض المتاع إلى بعض حتّى يكثر ومنه شعر الشعراء كثر وأثّ شعر فلان أي إذا كثر والتف.
قال امرؤ القيس:
أثيث كقنو النخلة المتعال

قال محمّد بن نمير الثقفي في الأثاث:
أهاجتك الظعائن يوم بأتوا ** بذي الزي الجميل من الأثاث

{وَمَتَاعًا} بلاغًا تنتفعون بها {إلى حِينٍ} يعني الموت، وقيل: إلى حين يبلى ويفنى.
{والله جَعَلَ لَكُمْ مِّمَّا خَلَقَ ظِلاَلًا} تستظلون بها من شدة الحر وهو ظلال الأشجار والسقوف والأبنية {مِّنَ الجبال أَكْنَانًا} يعني الغيران والأسراب والمواضع التي تسكنون فيها واحدها كنّ {وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ} قمصًا من الكتان والقطن والخز والصوف {تَقِيكُمُ} تمنعكم. {الحر}.
وقال أهل المعاني: أراد الحر والبرد فأكتفى بأحدهما عن الآخر بدلالة الكلام عليه نظيره قوله: {إِنَّ عَلَيْنَا للهدى} [الليل: 12]. يعني الهدي والإضلال.
{وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ} يعني الدروع ولباس الحرب والمعنى: تقيكم في بأسكم السلاح أن يصل إليكم {كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ} يخضعون له بالطاعة ويخلصون له بالعبادة.
وروى نوفل بن أبي عقرب عن ابن عبّاس أنه قرأ: {يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون} بالفتح، يعني من الجراحات.
قال أبو عبيد: الاختيار قراءة العامّة، لأن ما أنعم الله علينا في الإسلام أكثر من إنعامه علينا في السلامة من الجراح.
وقال عطاء الخراساني في هذه الآية: إنما أنزل القرآن على قدر معرفتهم ألا ترى إلى قوله تعالى: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ الجبال أَكْنَانًا} وما جعل لكم من السهول أعظم وأكثر ولكنهم كانوا أصحاب جبال.
وقال: {وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَآ} وما جعل لهم من غير ذلك أعظم وأكثر ولكنهم كانوا أصحاب وبر وشعر. الا ترى إلى قوله: {وَيُنَزِّلُ مِنَ السماء مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاء} [النور: 43]، وما ينزل من الثلج أعظم وأكثر ولكنهم كانوا لا يعرفونه، ألا ترى إلى قوله: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الحر} وما يقي من البرد أعظم وأكثر ولكنهم ظلوا أصحاب حر.
{فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ البلاغ المبين يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ الله}.
قال السدي: يعني محمد صلى الله عليه وسلم.
{ثُمَّ يُنكِرُونَهَا} يكذبون ويجحدون نبوّته.
قال مجاهد: يعني ما عدد عليهم في هذه السورة من النعم ينكرون ذلك فيزعمون أنهم ورثوا ذلك عن آبائهم، وبمثله قال قتادة.
وقال الكلبي: وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر هذه النعم لهم فقالوا: نعم هذه كلها من الله تعالى ولكنها بشفاعة آلهتنا، وقال عون بن عبد الله: هو قول الرجل لولا فلان لكان كذا، لولا فلان ما أصبت كذا.
{وَأَكْثَرُهُمُ الكافرون} الجاحدون.
{وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا} يعني رسولها {ثُمَّ لاَ يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ} في الاعتذار {وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ} يسترضون، يعني لا يكلّفون أن يرضوا ربهم لأن الآخرة ليست بدار تكليف، ولا يتركون للرجوع إلى دار الدنيا فيتوبون {وَإِذَا رَأى الذين ظَلَمُواْ} كفروا {العذاب فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ} يؤخّرون {وَإِذَا رَأى الذين أَشْرَكُواْ} يوم القيامة {شُرَكَاءهُمْ} أوثانهم {قَالُواْ رَبَّنَا هؤلاءاء شُرَكَاؤنَا الذين كُنَّا نَدْعُوْا مِن دُونِكَ} أربابًا ونعبدهم {فَألْقَوْا إِلَيْهِمُ القول} أي قالوا لهم، يقال: ألقيت إليك كذا، يعني: قلت لك {إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ} في تسميتنا آلهة ما دعوناكم إلى عبادتنا ولا علمنا بعبادتكم إيانا {وَأَلْقَوْاْ} يعني المشركين {إلى الله يَوْمَئِذٍ السلم} استسلموا وانقادوا لحكمه فيهم ولم تغن عنهم آلهتهم شيئًا {وَضَلَّ} زال. {عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} من إنها تشفع لهم.
{الذين كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ العذاب}.
روى عبد الله بن مرة عن مسروق قال: قال عبد الله: {زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ العذاب}، قال: عقارب لها أنياب أمثال النخل الطوال، ابن عبّاس ومقاتل: يعني خمسة أنهار من صفر مذاب كالنار يسيل من تحت العرش، يعذبون بها ثلث على مقدار الليل وثلثان على مقدار النهار.
سعيد بن جبير: حيّات أمثال البخت وعقارب أمثال البغال تلسع إحداهن اللسعة يجد صاحبها حمّتها أربعين خريفًا.
وقيل: إنهم يخرجون من حر النار إلى الزمهرير فيبادرون من شدة الزمهرير إلى النار.
ويقال: هو أنهم يحملون أثقال أتباعهم. كما قال الله تعالى: {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَّعَ أَثْقَالِهِمْ} [العنكبوت: 13].
ويقال: إنه يضاعف لهم العذاب.
{بِمَا كَانُواْ يُفْسِدُونَ} في الدنيا من الكفر وصد الناس عن الإيمان {وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِّنْ أَنْفُسِهِمْ} يعني عليها، وإنما قال: {مِّنْ أَنْفُسِهِمْ} لأنه كان يبعث إلى الأُمم أنبياءها منها {وَجِئْنَا بِكَ} يا محمّد {شَهِيدًا على هؤلاء} الذين بُعثت إليهم {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الكتاب تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ} يحتاج إليه من الأمر والنهي، والحلال والحرام، والحدود والأحكام {وَهُدًى وَرَحْمَةً وبشرى لِلْمُسْلِمِينَ}. اهـ.

.قال الزمخشري:

.[سورة النحل: آية 75]

{ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا}.
ثم علمهم كيف تضرب فقال: مثلكم في إشراككم باللّه الأوثان: مثل من سوّى بين عبد مملوك عاجز عن التصرف، وبين حرّ مالك قد رزقه اللّه مالا فهو يتصرف فيه وينفق منه كيف شاء.
فإن قلت: لم قال {مَمْلُوكًا لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ} وكل عبد مملوك، وغير قادر على التصرف؟
قلت: أما ذكر المملوك فليميز من الحرّ، لأن اسم العبد يقع عليهما جميعا، لأنهما من عباد اللّه.
وأما {لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ} فليجعل غير مكاتب ولا مأذون له، لأنهما يقدران على التصرف.
واختلفوا في العبد هل يصح له ملك؟ والمذهب الظاهر أنه لا يصحّ له. فإن قلت: {مَنْ} في قوله: {وَمَنْ رَزَقْناهُ} ما هي؟ قلت: الظاهر أنها موصوفة، كأنه قيل: وحرًا رزقناه، ليطابق عبدًا، ولا يمتنع أن تكون موصولة. فإن قلت: لم قيل يَسْتَوُونَ على الجمع؟ قلت: معناه: هل يستوي الأحرار والعبيد؟

.[سورة النحل: آية 76]

{وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ أَيْنَما يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (76)}.
الأبكم الذي ولد أخرس، فلا يَفهم ولا يُفهم {وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ} أي ثقل وعيال على من يلي أمره ويعوله {أَيْنَما يُوَجِّهْهُ} حيثما يرسله ويصرفه في مطلب حاجة أو كفاية مهم، لم ينفع ولم يأت بنجح {هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ} هو سليم الحواس نفاعا ذو كفايات، مع رشد وديانة، فهو {يَأْمُرُ} الناس {بِالْعَدْلِ} والخير {وَهُوَ} في نفسه {عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ} على سيرة صالحة ودين قويم، وهذا مثل ثان ضربه اللّه لنفسه ولما يفيض على عباده ويشملهم من آثار رحمته وألطافه ونعمه الدينية والدنيوية، وللأصنام التي هي أموات لا تضر ولا تنفع وقرئ: {أينما يوجه}، بمعنى أينما يتوجه، من قولهم: أينما أوجه ألق سعدًا: وقرأ ابن مسعود: {أينما يوجه}، على البناء للمفعول.

.[سورة النحل: آية 77]

{وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (77)}.
{وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} أي يختصّ به علم ما غاب فيهما عن العباد وخفى عليهم علمه. أو أراد بغيب السموات والأرض: يوم القيامة، على أن علمه غائب عن أهل السموات والأرض لم يطلع عليه أحد منهم {إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ} أي هو عند اللّه وإن تراخى، كما تقولون أنتم في الشيء الذي تستقربونه: هو كلمح البصر أو هو أقرب، إذا بالغتم في استقرابه.
ونحوه قوله: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} أي هو عنده دان وهو عندكم بعيد، وقيل: المعنى أن إقامة الساعة وإماتة الأحياء وإحياء الأموات من الأولين والآخرين، يكون في أقرب وقت وأوحاه، {إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} فهو يقدر على أن يقيم الساعة ويبعث الخلق، لأنه بعض المقدورات. ثم دل على قدرته بما بعده.