فصل: قال البيضاوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال البيضاوي:

{ضَرَبَ الله مَثَلًا عَبْدًا مَّمْلُوكًا لاَّ يَقْدِرُ على شَيْءٍ وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يستوُون}.
مثل ما يشرك به بالمملوك العاجز عن التصرف رأسًا ومثل نفسه بالحر المالك الذي رزقه الله مالًا كثيرًا فهو يتصرف فيه وينفق منه كيف يشاء، واحتج بامتناع الاشتراك والتسوية بينهما مع تشاركهما في الجنسية والمخلوقية على امتناع التسوية بين الأصنام التي هي أعجز المخلوقات وبين الله الغني القادر على الإِطلاق، وقيل هو تمثيل للكافر المخذول والمؤمن الموفق، وتقييد العبد بالمملوكية للتمييز عن الحر فإنه أيضًا عبد الله وبسلب القدرة للتمييز عن المكاتب والمأذون وجعله قسيمًا للمالك المتصرف يدل على أن المملوك لا يملك، والأظهر أن {مِنْ} نكرة موصوفة ليطابق {عَبْدًا}، وجمع الضمير في {يَسْتَوُونَ} لأنه للجنسين فإن المعنى هل يستوي الأحرار والعبيد؟. {الحمد للَّهِ} كل الحمد له، لا يستحقه غيره فضلًا عن العبادة لأنه مولى النعم كلها. {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} فيضيفون نعمة إلى غيره ويعبدونه لأجلها.
{وَضَرَبَ الله مَثَلًا رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ} ولد أخرس لا يَفْهمُ وَلا يُفْهِمُ. {لاَّ يَقْدِرُ على شَيْءٍ} من الصنائع والتدابير لنقصان عقله. {وَهُوَ كَلٌّ على مَوْلاهُ} عيال وثقل على من يلي أمره. {أَيْنَمَا يُوَجّههُّ} حيثما يرسله مولاه في أمر، وقرئ {يوجه} على البناء للمفعول و{يوجه} بمعنى يتوجه كقوله أينما أوجه ألق سعدًا وتوجه بلفظ الماضي. {لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ} ينجح وكفاية مهم. {هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بالعدل} ومن هو فهم منطيق ذو كفاية ورشد ينفع الناس بحثهم على العدل الشامل لمجامع الفضائل. {وَهُوَ على صراط مُّسْتَقِيمٍ} وهو في نفسه على طريق مستقيم لا يتوجه إلى مطلب إلا ويبلغه بأقرب سعي، وإنما قابل تلك الصفات بهذين الوصفين لأنهما كمال ما يقابلهما، وهذا تمثيل ثان ضربه الله تعالى لنفسه وللأصنام لإِبطال المشاركة بينه وبينها أو للمؤمن والكافر.
{وَللَّهِ غَيْبُ السموات والأرض} يختص به علمه لا يعلمه غيره، وهو ما غاب فيهما عن العباد بأن لم يكن محسوسًا ولم يدل عليه محسوس، وقيل يوم القيامة فإن علمه غائب عن أهل السموات والأرض. {وَمَا أَمْرُ الساعة} وما أمر قيام الساعة في سرعته وسهولته. {إِلاَّ كَلَمْحِ البصر} إلا كرجع الطرف من أعلى الحدقة إلى أسفلها. {أَوْ هُوَ أَقْرَبُ} أو أمرها أقرب منه بأن يكون في زمان نصف تلك الحركة بل في الآن الذي تبتدىء فيه، فإنه تعالى يحيي الخلائق دفعة وما يوجد دفعة كان في آن، و{أَوْ} للتخيير أو بمعنى بل، وقيل معناه أن قيام الساعة وإن تراخى فهو عند الله كالشيء الذي تقولون فيه هو كلمح البصر أو هو أقرب مبالغة في استقرابه. {إِنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} فيقدر أن يحيي الخلائق دفعة كما قدر أن أحياهم متدرجًا، ثم دل على قدرته فقال: {والله أَخْرَجَكُم مّن بُطُونِ أمهاتكم} وقرأ الكسائي بكسر الهمزة على أنه لغة أو إتباع لما قبلها، وحمزة بكسرها وكسر الميم والهاء مزيدة مثلها في أهراق. {لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا} جهالًا مستصحبين جهل الجمادية. {وَجَعَلَ لَكُمُ السمع والأبصار والأفئدة} أداة تتعلمون بها فتحسون بمشاعركم جزئيات الأشياء فتدركونها ثم تتنبهون بقلوبكم لمشاركات ومباينات بينها بتكرر الإِحساس حتى تتحصل لكم العلوم البديهية، وتتمكنوا من تحصيل المعالم الكسبية بالنظر فيها. {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} كي تعرفوا ما أنعم عليكم طورًا بعد طور فتشكروه.
{أَلَمْ يَرَوْاْ إلى الطير} قرأ ابن عامر وحمزة ويعقوب بالتاء على أنه خطاب للعامة. {مسخرات} مذللات للطيران بما خلق لها من الأجنحة والأسباب المؤاتية له. {فِي جَوّ السماء} في الهواء المتباعد من الأرض. {مَا يُمْسِكُهُنَّ} فيه. {إِلاَّ الله} فإن ثقل جسدها يقتضي سقوطها ولا علاقة فوقها ولا دعامة تحتها تمسكها. {إِنَّ في ذَلِكَ لآيَاتٍ} تسخير الطير للطيران بأن خلقها خلقة يمكن معها الطيران، وخلق الجو بحيث يمكن الطيران فيه وإمساكها في الهواء على خلاف طبعها. {لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} لأنهم هم المنتفعون بها.
{والله جَعَلَ لَكُمْ مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا} موضعًا تسكنون فيه وقت إقامتكم كالبيوت المتخذة من الحجر والمدر، فعل بمعنى مفعول. {وَجَعَلَ لَكُمْ مِّن جُلُودِ الأنعام بُيُوتًا} هي القباب المتخذة من الأدم، ويجوز أن يتناول المتخذة من الوبر والصوف والشعر فإنها من حيث إنها نابتة على جلودها يصدق عليها أنها من جلودها. {تَسْتَخِفُّونَهَا} تجدونها خفيفة يخف عليكم حملها ونقلها. {يَوْمَ ظَعْنِكُمْ} وقت ترحالكم. {وَيَوْمَ إِقََامَتِكُمْ} ووضعها أو ضربها وقت الحضر أو النزول، وقرأ الحجازيان والبصريان {يَوْمَ ظَعْنِكُمْ} بالفتح وهو لغة فيه. {وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا} الصوف للضائنة والوبر للإبل والشعر للمعز، وإضافتها إلى ضمير {الأنعام} لأنها من جملتها. {أَثَاثًا} ما يلبس ويفرش. {ومتاعا} ما يتجر به. {إلى حِينٍ} إلى مدة من الزمان فإنها لصلابتها تبقى مدة مديدة، أو إلى حين، مماتكم أو إلى أن تقضوا منه أوطاركم.
{والله جَعَلَ لَكُمْ مّمَّا خَلَقَ} من الشجر والجبل والأبنية وغيرها. {ظلالا} تتقون بها حر الشمس. {وَجَعَلَ لَكُمْ مّنَ الجبال أكنانا} مواضع تسكنون بها من الكهوف والبيوت المنحوتة فيها جمع كن. {وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ} ثيابًا من الصوف والكتان والقطن وغيرها. {تَقِيكُمُ الحر} خصه بالذكر اكتفاء بأحد الضدين أو لأن وقاية الحر كانت أهم عندهم. {وسرابيل تَقِيكُم بَأْسَكُمْ} يعني الدروع والجواشن، والسربال يعم كل ما يلبس. {كذلك} كإتمام هذه النعم التي تقدمت. {يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ} أي تنظرون في نعمه فتؤمنون به وتنقادون لحكمه، وقرئ {تُسْلِمُونَ} من السلامة أي تشكرون فتسلمون من العذاب، أو تنظرون فيها فتسلمون من الشرك، وقيل {تُسْلِمُونَ} من الجراح بلبس الدروع.
{فَإِن تَوَلَّوْاْ} أعرضوا ولم يقبلوا منك. {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ البلاغ المبين} فلا يضرك فإنما عليك البلاغ وقد بلغت، وهذا من إقامة السبب مقام المسبب.
{يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ الله} أي يعرف المشركون نعمة الله التي عددها عليهم وغيرها حيث يعترفون بها وبأنها من الله تعالى. {ثُمَّ يُنكِرُونَهَا} بعبادتهم غير المنعم بها وقولهم إنها بشفاعة آلهتنا، أو بسبب كذا أو بأعراضهم عن أداء حقوقها، وقيل نعمة الله نبوة محمد صلى الله عليه وسلم عرفوها بالمعجزات ثم أنكروها عنادًا ومعنى ثم استبعاد الإنكار بعد المعرفة. {وَأَكْثَرُهُمُ الكافرون} الجاحدون عنادًا، وذكر الأكثر إما لأن بعضهم لم يعرف الحق لنقصان العقل أو التفريط في النظر، أو لم تقم عليه الحجة لأنه لم يبلغ حد التكليف وإما لأنه يقام مقام الكل كما في قوله: {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ}.
{وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِن كُلّ أُمَّةٍ شَهِيدًا} وهو نبيها يشهد لهم وعليهم بالإيمان والكفر. {ثُمَّ لاَ يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ} في الاعتذار إذ لا عذر لهم، وقيل في الرجوع إلى الدنيا، و{ثُمَّ} لزيادة ما يحيق بهم من شدة المنع عن الاعتذار لما فيه من الإقناط الكلي على ما يمنون به من شهادة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. {وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ} ولا هم يسترضون، من العتبى وهي الرضا وانتصاب يوم بمحذوف تقديره اذكر، أو خوفهم أو يحيق بهم ما يحيق وكذا قوله: {وَإِذَا رَأى الذين ظَلَمُواْ العذاب} عذاب جهنم. {فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ} أي العذاب. {وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ} يمهلون. {وَإِذَا رَءا الذين أَشْرَكُواْ شُرَكَاءهُمْ} أوثانهم التي ادعوها شركاء، أو الشياطين الذين شاركوهم في الكفر بالحمل عليه. {قَالُواْ رَبَّنَا هَؤُلاء شُرَكَاؤنَا الذين كُنَّا نَدْعُوْا مِن دُونِكَ} نعبدهم أو نطيعهم، وهو اعتراف بأنهم كانوا مخطئين في ذلك، أو التماس لأن يشطر عذابهم. {فَألْقَوْا إِلَيْهِمُ القول إِنَّكُمْ لكاذبون} أي أجابوهم بالتكذيب في أنهم شركاء الله، أو أنهم ما عبدوهم حقيقة وإنما عبدوا أهواءهم كقوله تعالى: {كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بعبادتهم} ولا يمتنع إنطاق الله الأصنام به حينئذ، أو في أنهم حملوهم على الكفر وألزموهم إياه كقوله: {وَمَا كَانَ لِىَ عَلَيْكُمْ مّن سلطان إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فاستجبتم لِي} {وَأَلْقَوْاْ} وألقى الذين ظلموا. {إلى الله يَوْمَئِذٍ السلم} الاستسلام لحكمه بعد الاستكبار في الدنيا. {وَضَلَّ عَنْهُم} وضاع عنهم وبطل. {مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} من أن آلهتهم ينصرونهم ويشفعون لهم حين كذبوهم وتبرؤوا منهم.
{الذين كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله} بالمنع عن الإسلام والحمل على الكفر. {زدناهم عَذَابًا} لصدهم. {فَوْقَ العذاب} المستحق بكفرهم. {بِمَا كَانُواْ يُفْسِدُونَ} بكونهم مفسدين بصدهم.
{وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مّنْ أَنفُسِهِمْ} يعني نبيهم فإن نبي كل أمة بعث منهم. {وَجِئْنَا بِكَ} يا محمد. {شَهِيدًا على هَؤُلاء} على أمتك. {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الكتاب} استئناف أو حال بإضمار قد. {تِبْيَانًا} بيانًا بليغًا. {لّكُلِّ شَيْءٍ} من أمور الدين على التفصيل أو الإجمال بالإحالة إلى السنة أو القياس. {وَهُدًى وَرَحْمَةً} للجميع وإنما حرمان المحروم من تفريطه. {وبشرى لِلْمُسْلِمِينَ} خاصة. اهـ.

.قال ابن جزي:

{ضَرَبَ الله مَثَلًا عَبْدًا مَّمْلُوكًا}.
الآية: مثل لله تعالى وللأصنام، فالأصنام كالعبد المملوك الذي لا يقدر على شيء، والله تعالى له الملك، وبيده الرزق ويتصرف فيه كيف يشاء، فكيف يسوي بينه وبين الأصنام، وإنما قال: لا يقدر على شيء، لأن بعض يقدرون على بعض الأمور كالمكاتب والمأذون له {وَمَن رزقناه} من هنا نكرة موصوفة، والمراد بها من هو حر قادر كأنه قال: حرًّا رزقناه ليطابق عبدًا، ويحتمل أن تكون موصولة {هَلْ يَسْتَوُونَ} أي هل يستوي العبيد والأحرار الذي ضرب لهم المثل {الحمد لِلَّهِ} شكرًا لله على بيان هذا المثال ووضوح الحق {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} يعني الكفار.
{وَضَرَبَ الله مَثَلًا رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ} الآية: مثل لله تعالى وللأصنام كالذي قبله، والمقصود منهما إبطال مذاهب المشركين، وإثبات الوحدانية لله تعالى، وقيل: إن الرجل الأبكم أبو جهل، والذي يأمر بالعدل عمار بن ياسر، والأظهر عدم التعيين {وَهُوَ كَلٌّ على مولاه} الكلّ: الثقيل يعني أنه عيال على وليه أو سيده، وهو مثل للأصنام والذي يأمر بالعدل هو الله تعالى.
{وَمَا أَمْرُ الساعة إِلاَّ كَلَمْحِ البصر أَوْ هُوَ أَقْرَبُ} بيان لقدرة الله على إقامتها، وأن ذلك يسير عليه كقوله: {مَّا خَلْقُكُمْ وَلاَ بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ واحدة} [لقمان: 28]، وقيل: المراد سرعة إتيانها {والله أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أمهاتكم} الأمهات جمع أم زيدت فيه الهاء فرقًا بين من يعقل ومن لا يعقل، وقرئ بضم الهمزة وبكسرها إتباعًا للكسرة قبلها: {فِي جَوِّ السماء} أي في الهواء البعيد من الأرض {والله جَعَلَ لَكُمْ مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا} السكن مصدر يوصف به، وقيل: هو فعل بمعنى مفعول ومعناه ما يسكن فيه كالبيوت أو يسكن إليه {وَجَعَلَ لَكُمْ مِّن جُلُودِ الأنعام بُيُوتًا} يعني الأدم من القباب وغيرها {تَسْتَخِفُّونَهَا} أي تجدونها خفيفة {يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ} يعني في السفر والحضر، واليوم هنا بمعنى الوقت ويقال: ظعن الرجل إذا رحل، وقرئ {ظعنكم} بفتح العين، وإسكانها تخفيفًا {وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَآ} الأصواف للغنم، والأوبار للإبل، والأشعار للمعز والبقر {أثاثا} الأثاث متاع البيت من البسط وغيرها، وانتصابه على أنه مفعول بفعل مضمر تقديره جعل {وَمَتَاعًا إلى حِينٍ} أي إلى وقت غير معين، ويحتمل أن يريد أن تبلى وتغنى أو إلى أن تموت.
{والله جَعَلَ لَكُمْ مِّمَّا خَلَقَ ظلالا} أي نعمة عددها الله عليهم بالظل، لأن الظل مطلوب في بلادهم محبوب لشدّة حرها، ويعني بما خلق من الشجر وغيرها {وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ الجبال أكنانا} الأكنان جمع كن، وهو ما يقي من المطر والريح وغير ذلك، ويعني بذلك الغيران والبيوت المنحوتة في الجبال {وَجَعَلَ لَكُمْ سرابيل تَقِيكُمُ الحر} السرابيل هي الثياب من القمص وغيرها، وذكر وقاية الحر ولم يذكر وقاية البرد، لأن وقاية الحر عندهم لحرارة بلادهم، وقيل: لأن ذكر أحدهما يغني عن ذكر الآخر {وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ} يعني دروع الحديد.
{يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ الله} إشارة إلى ما ذكر من النعم من أول السورة إلى هنا والضمير في يعرفون للكفار، وإنكارهم لنعم الله إشراكهم به وعبادة غيره، وقيل نعمة الله نبوة محمد صلى الله عليه وسلم {وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا} أي يشهد عليهم بإيمانهم وكفرهم {ثُمَّ لاَ يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ} أي لا يؤذون لهم في الاعتذار {وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ} أي لا يسترضون، وهو من العتب بمعنى الرضى {وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ} يحتمل أن يكون بمعنى التأخير أو بمعنى النظر: أي لا ينظر الله إليهم.
{فَألْقَوْا إِلَيْهِمُ القول إِنَّكُمْ لكاذبون} الضمير في القول للمعبودين والمعنى أنهم كذبوهم في قولهم أنهم كانوا يعبدونهم، كقولهم: {مَّا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ} [الشعراء: 75]. فإن قيل: كيف كذبوهم وهم قد كانوا يعبدونهم؟ فالجواب أنهم لما كانوا غير راضين بعبادتهم، فكأن عبادتهم لم تكن عبادة، ويحتمل أن يكون تكذيبهم لهم في تسميتهم شركاء لله، لا في العبادة {وَأَلْقَوْاْ إلى الله يَوْمَئِذٍ السلم} أي استسلموا له وانقادوا {زدناهم عَذَابًا فَوْقَ العذاب} رُوي أن الزيادة في العذاب هي حيات وعقارب كالبغال تلسعهم. اهـ.

.قال الخطيب الشربيني:

ولما ختم تعالى إبطال مذهب عبدة الأصنام بسبب العلم الذي هو مناط السداد عنهم، أكد ذلك بضرب مثل بقوله تعالى: {ضرب الله} أي: الذي له كمال العلم وتمام القدرة. {مثلًا} بالأحرار والعبيد ثم أبدل من مثلًا {عبدًا} وقيده بقوله تعالى: {مملوكًا} ليخرج الحرّ. لأنّ العبد يطلق على الحرّ بالنسبة إلى الله تعالى وقيده بقوله تعالى: {لا يقدر على شيء} ليخرج المكاتب ومن فيه شائبة حرّية وهذا مثل شركائهم ثم عطف على عبدًا قوله: {ومن} أي: وحرًّا فهي نكرة موصوفة ليطابق عبدًا {رزقناه منا رزقًا حسنًا} أي: واسعًا طيبًا {فهو ينفق منه} دائمًا وهو معنى قوله تعالى: {سرًا وجهرًا} أي: يتصرف فيه كيف يشاء وهذا مثل الإله وله المثل الأعلى ثم بكتهم إنكارًا عليهم بقوله تعالى: {هل يستوون} أي: هذان الفريقان الممثل بهما لأن المراد الجنس فإذا كان لا يسوغ في عقل أن يسوّى بين مخلوقين أحدهما حرّ مقتدر والآخر مملوك عاجز، فكيف يسوّى بين حجر من صوّان أو غيره وبين الله تعالى الذي له القدرة التامّة على كل شيء، وقيل: ذلك تمثيل للكافر المخذول والمؤمن الموفق. تنبيه: جواب هل يستوون هو لا يستوون، وقوله تعالى: {الحمد لله} قال ابن عباس: الحمد لله على ما فعل بأوليائه وأنعم عليهم بالتوحيد، وقيل المعنى: أن كل الحمد لله، وليس شيء من الحمد للأصنام لأنه لا نعمة لها على أحد لأنها جماد عاجز، أي: إنما الحمد لله لا لغيره فيجب على جميع العباد حمد الله لأنه تعالى أهل المحامد والثناء الحسن، فكأنهم قالوا: نحن نعلم ذلك فقيل: {بل أكثرهم} أي: الكفار {لا يعلمون} لكونهم يسوّونه غيره ومن نفى عنه أصل العلم الذي هو أعلى صفات الكمال. كان في عداد الأنعام فهم لذلك يشبهون به ما ذكر ويضربون له الأمثال الباطلة ويضيفون نعمه إلى غيره.