فصل: قال الماوردي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {ما عندكم ينفد وما عند الله باقٍ}.
فيه وجهان:
أحدهما: يريد به أن الدنيا فانية، والآخرة باقية.
الثاني: أن طاعتكم تفنى وثوابها يبقى. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله تعالى: {ولو شاء الله} الآية، أخبر الله تعالى في هذه الآية أنه يبتلي عباده بالأوامر والنواهي ليذهب كل أحد إلى ما يسر له، وذلك منه تعالى بحق الملك، وأنه لا يسأل عما يفعل، ولو شاء لكان الناس كلهم في طريق واحد، إما في هدى وإما في ضلالة، ولكنه تعالى شاء أن يفرق بينهم، ويخص قومًا بالسعادة وقومًا بالشقاوة و{يضل} و{يهدي} معناه يخلق ذلك في القلوب خلافًا لقول المعتزلة، ثم توعد في آخر الآية بسؤال كل أحد يوم القيامة عن عمله، وهذا سؤال توبيخ، وليس ثم سؤال تفهم، وذلك هو المنفي في آيات.
{وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا}.
كرر النهي عن اتخاذ الأيمان {دخلًا بينكم} تهممًا بذلك ومبالغة في النهي عنه، لعظم موقعه من الدين وتردده في معاشرات الناس، والدخل كما قلنا الغوائل الخدائع، وقوله: {فتزل قدم بعد ثبوتها} استعارة للمستقيم الحال يقع في شر عظيم ويسقط لأن القدم إذا زلت نقلت الإحسان من حال خير إلى حال شر، ومن هذا المعنى قول كثير:
فلما توافينا ثبت وزلت

أي تنقلت من حال إلى حال، فاستعار لها الزلل، ومنه يقال لمن أخطأ في شيء: زل فيه، ثم توعد بعد بعذاب في الدنيا و{عذاب عظيم} في الآخرة، وقوله: {بما صددتم عن سبيل الله} يدل على أن الآية فيمن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقوله: {ولا تشتروا بعهد الله} الآية، هذه آية نهي عن الرشا وأخذ الأموال على فعل ما يجب على الأخذ أو تركه، أو فعل ما يجب عليه تركه، فإن هذه هي التي عهد الله إلى عباده فيها، فمن أخذ على ذلك مالًا فقد أعطى عهد الله وأخذ قليلًا من الدنيا، ثم أخبر تعالى أن ما عنده من نعيم الجنة ومواهب الآخرة خير لمن اتقى وعلم واهتدى، ثم بين الفرق بين حال الدنيا وحال الآخرة بأن هذه تنفد وتنقضي عن الإنسان، أو ينقضي عنها، ومنن الآخرة باقية دائمة، وقرأ ابن كثير وعاصم: {ولنجزين} بنون، وقرأ الباقون: {وليجزين} بالياء ولم يختلفوا في قوله: {ولنجزينهم} أنه بالنون، كذا قال أبو علي، وقال أبو حاتم: إن نافعًا روي عنه {وليجزينهم} بالياء، و{صبروا} معناه عن الشهوات وعلى مكاره الطاعة وهذه إشارة إلى الصبر عن شهوة كسب المال بالوجوه المذكورة، وقوله: {بأحسن} أي بقدر أحسن ما كانوا يعملون. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَلَوْ شَاء الله لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} أي على ملة واحدة.
{ولكن يُضِلُّ مَن يَشَاء} بخذلانه إياهم؛ عَدْلًا منه فيهم.
{وَيَهْدِي مَن يَشَاء} بتوفيقه إياهم؛ فضلًا منه عليهم، ولا يُسأل عما يفعل بل تسألون أنتم.
والآية ترد على أهل القدر كما تقدم.
واللام في {وليبينن} {ولتسئلن} مع النون المشددة يدلان على قسم مضمر، أي والله ليبينن لكم ولَتُسْأَلُنَّ.
قوله تعالى: {وَلاَ تتخذوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ} كرر ذلك تأكيدًا.
{فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا} مبالغة في النهي عنه لعظم موقعه في الدِّين وتردده في معاشرات الناس؛ أي لا تعقِدوا الأيمان بالانطواء على الخديعة والفساد فتزِل قدم بعد ثبوتها، أي عن الأيمان بعد المعرفة بالله.
وهذه استعارة للمستقيم الحال يقع في شر عظيم ويسقط فيه؛ لأن القدم إذا زلّت نقلت الإنسان من حال خير إلى حال شر؛ ومن هذا المعنى قول كُثَيّر:
فلما توافينا ثَبَتُّ وَزَلّتِ

والعرب تقول لكل مبتلًى بعد عافية أو ساقط في وَرْطة: زلّت قدمه؛ كقول الشاعر:
سَيُمَنُع منك السبقُ إن كنتَ سابقا ** وتقتل إن زلّت بك القدمان

ويقال لمن أخطأ في شيء: زلّ فيه.
ثم توعّد تعالى بعدُ بعذاب في الدنيا وعذاب عظيم في الآخرة.
وهذا الوعيد إنما هو فيمن نقض عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإن من عاهده ثم نقض عهده خرج عن الإيمان، ولهذا قال: {وَتَذُوقُواْ السوء بِمَا صَدَدتُّمْ عَن سَبِيلِ الله} أي بصدّكم.
وذَوْقُ السوء في الدنيا هو ما يحل بهم من المكروه.
قوله تعالى: {وَلاَ تَشْتَرُواْ بِعَهْدِ الله ثَمَنًا قَلِيلًا} نهى عن الرُّشَا وأخذ الأموال على نقض العهد؛ أي لا تنقضوا عهودكم لعَرَض قليل من الدنيا.
وإنما كان قليلًا وإن كثر لأنه مما يزول، فهو على التحقيق قليل، وهو المراد بقوله: {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَد وما عند اللَّهِ باقٍ} فبين الفرق بين حال الدنيا وحال الآخرة بأن هذه تنفَد وتحول، وما عند الله من مواهب فضله ونعيم جنته ثابت لا يزول لمن وَفّى بالعهد وثَبَت على العقد.
ولقد أحسن من قال:
المالُ ينفَدُ حِلُّه وحرامه ** يومًا وتبقى في غدٍ آثامُه

ليس التَّقِيُّ بمتَّقٍ لإلهه ** حتى يطيب شرابه وطعامه

آخر:
هَبِ الدنيا تساق إليك عفْوًا ** أليس مصير ذاك إلى انتقال

وما دنياك إلا مثلُ فَيْءٍ ** أظلّك ثم آذن بالزوال

قوله تعالى: {وَلَنَجْزِيَنَّ الذين صبروا} أي على الإسلام والطاعات وعن المعاصي.
{أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} أي من الطاعات، وجعلها أحسن لأن ما عداها من الحسن مباح، والجزاء إنما يكون على الطاعات من حيث الوعد من الله.
وقرأ عاصم وابن كثير: {ولنجزِيَنّ} بالنون على التعظيم.
الباقون بالياء.
وقيل: إن هذه الآية {ولا تشتروا} إلى هنا نزلت في امرئ القيس بن عابس الكندي وخصمه ابن أَسْوع، اختصما في أرض فأراد امرؤ القيس أن يحلف فلما سمع هذه الآية نكل وأقَرّ له بحقه؛ والله أعلم. اهـ.

.قال الخازن:

قوله سبحانه وتعالى: {ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة} يعني على ملة واحدة ودين واحد، وهو دين الإسلام {ولكن يضل من يشاء} يعني بخذلانه إياه عدلًا منه {ويهدي من يشاء} بتوفيقه إياه فضلًا منه وذلك مما اقتضته الحكمة الإلهية لا يسأل عما يفعل، وهم يسألون، وهو قوله تعالى: {ولتسألن عما كنتم تعملون} يعني في الدنيا فيجازى المحسن بإحسانه، ويعاقب المسيء بإساءته أو يغفر له.
قوله: {ولا تتخذوا أيمانكم دخلًا بينكم} يعني خديعة وفسادًا بينكم فتغروا بها الناس فيسكنوا إلى أيمانكم، ويأمنوا إليكم ثم تنقضونها.
وإنما كرر هذا المعنى تأكيدًا عليهم وإظهارًا لعظم أمر نقض العهد.
قال المفسرون: وهذا في نهي الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام نهاهم عن نقض عهده، لأن الوعيد الذي بعده وهو قوله سبحانه وتعالى: {فنزل قدم بعد ثبوتها} لا يليق بنقض عهد غيره، إنما يليق بنقض عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإيمان به وبشريعته وقوله: {فتزل قدم بعد ثبوتها} مثل يذكر لكل من وقع في بلاء ومحنة بعد عافية ونعمة أو سقط في ورطة بعد سلامة.
تقول العرب لكل واقع في بلاء بعد عافية: زلت قدمه، والمعنى: فتزل أقدامكم عن محجة الإسلام، بعد ثبوتها عليها {وتذوقوا السوء} يعني العذاب {بما صددتم عن سبيل الله} يعني بسبب صدكم غيركم عن دين الله وذلك لأن من نقض العهد، فقد علّم غيره نقض العهد فيكون هو أقدمه على ذلك {ولكم عذاب عظيم} يعني بنقضكم العهد {ولا تشتروا بعهد الله ثمنًا قليلًا} يعني ولا تنقضوا عهودكم وتطلبوا بنقضها عوضًا من الدنيا قليلًا، ولكن أوفوا بها {إنما عند الله} يعني فإن ما عند الله من الثواب لكم على الوفاء بالعهد {هو خير لكم} يعني من عاجل الدنيا {إن كنتم تعلمون} يعني فضل ما بين العوضين ثم بين ذلك فقال تبارك وتعالى: {ما عندكم ينفد} يعني من متاع الدنيا، ولذاتها يفنى ويذهب {وما عند الله باق} يعني من ثواب الآخرة ونعيم الجنة {ولنجزين الذين صبروا} يعني على الوفاء بالعهد على السراء والضراء {أجرهم} يعني ثواب صبرهم {بأحسن ما كانوا يعملون} عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أحب دنياه أضر بآخرته ومن أحب آخرته أضر بدنياه فآثروا ما يبقى على ما يفنى». اهـ.

.قال أبو حيان:

{وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً}.
نفذ الشيء ينفذ فنى.
{وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً}.
هذه المشيئة مشيئة اختيار على مذهب أهل السنة، ابتلى الناس بالأمر والنهي ليذهب كل إلى ما يسر له، وذلك لحق الملك لا يسأل عما يفعل.
ولو شاء لكانوا كلهم على طريق واحدة، إما هدى، وإما ضلالة، ولكنه فرق، فناس للسعادة، وناس للشقاوة.
فخلق الهدى والضلال، وتوعد بالسؤال عن العمل، وهو سؤال توبيخ لا سؤال تفهم، وسؤال التفهم هو المنفى في آيات.
ومذهب المعتزلة أن هذه المشيئة مشيئة قهر.
قال العسكري: المراد أنه قادر على أن يجمعكم على الإسلام قهرًا، فلم يفعل ذلك، وخلقكم ليعذب من يشاء على معصيته، ويثيب من يشاء على طاعته، ولا يشاء شيئًا من ذلك إلا أن يستحقه.
ويجوز أن يكون المعنى: أنه لو شاء خلقكم في الجنة، ولكن لم يفعل ذلك ليثيب المطيعين منكم، ويعذب العصاة.
ثم قال: {ولتسألن عما كنتم تعملون} يعني: سؤال المحاسبة والمجازاة.
وفيه دليل على أنّ الإضلال في الآية العقاب، ولو كان الإضلال عن الدين لم يكن لسؤاله إياهم معنى.
وقال الزمخشري: أمة واحدة حنيفة مسلمة على طريق الإلجاء والاضطرار، وهو قادر على ذلك، ولكن الحكمة اقتضت أن يضل من يشاء، وهو أن يخذل من علم أنه يختار الكفر ويصمم عليه، ويهدي من يشاء وهو أنْ يلطف بمن علم الله أنه يختار الإيمان، يعني: أنه بنى الأمر على الاختيار، وعلى ما يستحق به اللطف والخذلان والثواب والعقاب، ولم ينبه على الإجبار الذي لا يستحق به شيء من ذلك، وحققه بقوله: {ولتسألن عما كنتم تعملون}.
ولو كان هذا المضطر إلى الضلال والاهتداء، لما أثبت لهم عملًا يسألون عنه انتهى.
قالوا: كرر النهي عن اتخاذ الأيمان دخلًا تهممًا بذلك، ومبالغة في النهي عنه لعظم موقعه في الدين.
قال ابن عطية: وتردده في معاملات الناس.
وقال الزمخشري: تأكيدًا عليهم، وإظهار العظم ما يرتكب منه انتهى.
وقيل: إنما كرر لاختلاف المعنيين: لأن الأول نهى فيه عن الدخول في الحلف ونقض العهد بالقلة والكثرة، وهنا نهي عن الدخل في الإيمان التي يراد بها اقتطاع حقوق، فكأنه قال: دخلًا بينكم لتتوصلوا بها إلى قطع أموال المسلمين، وأقول: لم يتكرر النهي عن اتخاذ الأيمان دخلًا، وإنما سبق إخبار بأنهم اتخذوا أيمانهم دخلًا معللًا بشيء خاص وهو: أن تكون أمة هي أربى من أمة.
وجاء النهي بقوله: {ولا تتخذوا} استئناف إنشاء عن اتخاذ الإيمان دخلًا على العموم، فيشمل جميع الصور من الحلف في المبايعة، وقطع الحقوق المالية، وغير ذلك.
وانتصب فتزل على جواب النهي، وهو استعارة لمن كان مستقيمًا ووقع في أمر عظيم وسقط، لأنّ القدم إذا زلت تقلب الإنسان من حال خير إلى حال شر.
وقال كثير: فلما توافينا ثبت وزلت.
قال الزمخشري: فنزل أقدامكم عن محجة الإسلام بعد ثبوتها عليها.
{فإن قلت}: لم وجدت القدم ونكرت؟ {قلت}: لاستعظام أن تزل قدم واحدة عن طريق الحق بعد أن ثبتت عليه، فكيف بأقدام كثيرة انتهى؟ ونقول: الجمع تارة يلحظ فيه المجموع من حيث هو مجموع، وتارة يلحظ فيه اعتبار كل فرد فرد، فإذا لوحظ فيه المجموع كان الإسناد معتبرًا فيه الجمعية، وإذا لوحظ كل فرد فرد كان الإسناد مطابقًا للفظ الجمع كثيرًا، فيجمع ما أسند إليه، ومطابقًا لكل فرد فرد فيفرد كقوله: {وأعتدت لهن متكأ} أفرد متكأ لما كان لوحظ في قوله لهن معنى لكل واحدة، ولو جاء مرادًا به الجمعية أو على الكثير في الوجه الثاني لجمع المتكأ، وعلى هذا المعنى ينبغي أن يحمل قول الشاعر:
فإني وجدت الضامرين متاعهم ** يموت ويفنى فارضخي من وعائيا

أي: رأيت كل ضامر.
ولذلك أفرد الضمير في يموت ويفنى.
ولما كان المعنى هنا: لا يتخذ كل واحد منكم، جاء فنزل قدم مراعاة لهذا المعنى ثم قال: وتذوقوا، مراعاة للمجموع، أو للفظ الجمع على الوجه الكثير.
إذا قلنا: إن الإسناد لكل فرد فرد، فتكون الآية قد تعرضت للنهي عن اتخاذ الأيمان دخلًا باعتبار المجموع وباعتبار كل فرد فرد، ودل على ذلك بإفراد قدم وبجمع الضمير في: وتذوقوا.
وما مصدرية في بما صددتم، أي: بصدودكم أو بصدكم غيركم، لأنهم لو نقضوا الأيمان وارتدوا لاتخذ نقضها سنة لغيرهم فيسبون بها، وذوق السوء في الدنيا.
ولكم عذاب عظيم أي: في الآخرة.
والسوء: ما يسوءهم من قتل، ونهب، وأسر، وجلاء، وغير ذلك مما يسوء.
قال ابن عطية: وقوله صددتم عن سبيل الله، يدل على أنّ الآية فيمن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا فسر الزمخشري قال: لأنهم قد نقضوا أيمان البيعة.
ولا يدل على ذلك لخصوصه، بل نقض الأيمان في البيعة مندرج في العموم.
ولا تشتروا بعهد الله ثمنًا قليلًا، هذا نهي عن نقض ما بين الله تعالى والعبد لأخذ حطام من عرض الدنيا.
قال الزمخشري: كان قوم ممن أسلم بمكة زين لهم الشيطان لجزعهم مما رأوا من غلبة قريش واستضعافهم المسلمين وإيذائهم لهم، ولما كانوا يعدونهم إنْ رجعوا من المواعيد أن ينقضوا ما بايعوا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فثبتهم الله.
{ولا تشتروا}: ولا تستبدلوا بعهد الله وبيعة رسول الله ثمنًا قليلًا عرضًا من الدنيا يسيرًا، وهو ما كانت قريش يعدونهم ويمنونهم إن رجعوا أنّ ما عند الله من إظهاركم وتغنيمكم ومن ثواب الآخرة خير لكم.
وقال ابن عطية: هذه آية نهي عن الرشا وأخذ الأموال على ترك ما يجب على الآخذ فعله، أو فعل ما يجب عليه تركه، فإن هذه هي التي عهد الله إلى عباده فيها وبين تعالى الفرق بين حال الدنيا وحال الآخرة، بأنّ هذه تنفد وتنقضي عن الإنسان، وينقضي عنها، والتي في الآخرة باقية دائمة.
ودل قوله: {وما عند الله باق} على أن نعيم الجنة لا ينقطع، وفي ذلك حجة على جهم بن صفوان إذ زعم أن نعيم الجنة منقطع.
وقرأ عاصم، وابن كثير: {ولنجزين} بالنون، وباقي السبعة بالياء.
{وصبروا}: أي جاهدوا أنفسهم على ميثاق الإسلام وأذى الكفار، وترك المعاصي، وكسب المال بالوجه الذي لا يحل بأحسن ما كانوا يعملون.
قيل: من التنفل بالطاعات، وكانت أحسن لأنها لم يحتم فعلها، فكان الإنسان يأتي بالتنفلات مختارًا غير ملزوم بها.
وقيل: ذكر الأحسن ترغيبًا في عمله، وإن كانت المجازاة على الحسن والأحسن.
وقيل: الأحسن هنا بمعنى الحسن، فليس أفعل التي للتفضيل.
والذي يظهر أنّ المراد بالأحسن هنا الصبر أي: وليجزين الذين صبروا بصبرهم أي: بجزاء صبرهم، وجعل الصبر أحسن الأعمال لاحتياج جميع التكاليف إليه، فالصبر هو رأسها، فكان الأحسن لذلك. اهـ.