فصل: قال الشنقيطي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الشنقيطي:

{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً}.
ذكر جل وعلا في هذه الاية الكريمة: أن كل عامل سواء كان ذكرًا أو أنثى عمل عملًا صالحًا فإنه جل وعلا يقسم ليحيينه حياة طيبة، وليجزينه أجره بأحسن ما كان يعمل.
اعلم أولًا- أن القرآن العظيم دل على أن العمل الصالح هو ما استكمل ثلاثة أمور:
الأول: موافقته لما جاء به النَّبي صلى الله عليه وسلم. لأن الله يقول: {وَمَا آتَاكُمُ الرسول فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فانتهوا} [الحشر: 7].
الثاني: أن يكون خالصًا لله تعالى. لأن الله جل وعلا يقول: {وَمَا أمروا إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدين} [البينة: 5]، {قُلِ الله أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَّهُ دِينِي فاعبدوا مَا شِئْتُمْ مِّن دُونِهِ} [الزمر: 14-15].
الثالث: أن يكون مبنيًا على أساس العقيدة الصحيحة. لأن الله يقول: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أنثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ} فقيَّد ذلك بالإيمان، ومفهوم مخالفته أنه لو كان غير مؤمن لما فبل منه ذلك العلم الصالح.
وقد أوضح جل وعلا هذا المفهوم في آيات كثيرة، كقوله في عمل غير المؤمن: {وَقَدِمْنَا إلى مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا} [الفرقان: 23]، وقوله: {أولئك الذين لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخرة إِلاَّ النار وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [هود: 16]، وقوله: {أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ} [النور: 39]. الآية، وقوله: {أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشتدت بِهِ الريح فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ} [إبراهيم: 18]، إلى غير ذلك من الآيات.
واختلف العلماء في المراد بالحياة الطيبة في هذه الآية الكريمة.
فقال قومك لا تطيب الحياة إلا في الجنة، فهذه الحياة الطيبة في الجنة. لأن الحياة الدنيا لا تخلو من المصائب والأكدار، والأمراض والآلام والأحزان، ونحو ذلك وقال تعالى: {وَإِنَّ الدار الآخرة لَهِيَ الحيوان لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ} [العنكبوت: 64]، والمراد بالحيون: الحياة.
وقال بعض العلماء: الحياة الطيبة في هذها لآية الكريمة في الدنيا، وذلك بأن يوفق الله عبده إلى ما يرضيه، ويرزقه العافية والرزق الحلال. كما قال تعالى: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدنيا حَسَنَةً وَفِي الآخرة حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النار} [البقرة: 201].
قال مقيدة عفا الله عنهك وفي الآية الكريمة قرينة تدل على أن المراد بالحياة الطيبة في الآية: حياته في الدنيا حياة طيبة، وتلك القرينة هي أننا لو قدرنا أن المراد بالحياة الطيبة: حياته في الجنة في قوله: {فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} صار قوله: {وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} تكرارًا معه. لأن تلك الحياة الطيبة هي أجر عملهم. بخلاف ما لو قدرنا أنها في الحياة الدنيا. فإنه يصير المعنى: فلنحيينه في الدنيا حياة طيبة، ولتجزينه في الآخرة بأحسن ما كان يعملن وهو واضح.
وهذا المعنى الذي دل عليه القرآن تؤيَّده السنة الثابته عنه صلى الله عليه وسلم.
قال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الاية الكريمة: والحياة الطيبة تشمل وجوه الراحة من أي جهة كانت.
وقد روي عن ابن عباس وجماعةك أنهم فسروها بالرزق الحلال الطيب، وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أنه فسرها بالقناعة، وكذا قال ابن عباس وعكرمة، ووهب بم منبه- إلى أن قال- وقال الضحاك: هي الرزق الحلال، والعبادة في الدنيا، وقال الضحاك أيضًا- هي العمل بالطاعو والانشراح بها.
والصحيح- ان الحياة الطيبة تشمل هذا كله. كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد: حدثنا عبد الله ابن يزيد، حدثنا سعيد بن أبي أيوب، حدثني شرحبيل بن شريك، عن أبي عبد الرحمن الحبلي، عن عبد الله بن عمرو: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قد أفلح من أسلم ورزق كفافًا، وقنعه الله بما آتاه» ورواه مسلم من حديث عبد الله بن يزيد المقرى به، وروى الترمذي والنسائي من حديث ابي هانيء. عن أب على الجنبي، عن فضالة بن عبيد: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «قد افلح من هدي إلى الإسلام وكان عيشه كفافًا وقنع به» وقال الترمذي: هذا حديث صحيح.
وقال الإمام أحمد: حدثنا يزيد، حدثنا همام عن يحي عن قتادة عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا يظلم المؤمن حسنة يعطى بها في الدنيا ويثاب عليها في الآخرة، وأما الكافر فيطعم بحسناته في الدنيا حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم تكن له حسنة يعطى بها خيرًا» انفرد بإخراجه مسلم اه من ابن كثير.
وهذه الأحاديث ظاهرة في ترجيح القول: بأن الحياة الطيبة في الدنيا. لأن قوله صلى الله عليه وسلم: «أفلح» يدل على ذلك لأن من نال الفلاح نال حياة طيبة، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «يعطى بها في الدنيا» يدل على ذلك أيضًا، وابن كثير إنما ساق الأحاديث المذكورة لِيُنَبِّهَ على أنها ترجخ القول المذكور، والعلم عند الله تعالى.
وقد تقرر في الأصول: أنه إذا دار الكلام بين التوكيد والتاسيس رجح حمله على التأسيس: وإليه أشار في مراقي السععود جامعًا له مع نظائر يجب فيها تقديم الراحج من الاحتمالين بقوله:
كذلك ما قابل ذا اعتلال ** من التأصل والاستقلال

ومن تأسس عموم وبقا ** الأفراد والإطلاق مما ينتفى

كذاك ترتيب لإيجاب العمل ** بماله الرجحان مما يحتمل

ومعنى كلام صاحب المراقي: أنه يقدم محتمل اللفظ الراجح على المحتمل المرجوحن كالتَّأصل، فإنه يقدم على الزيادة: نحو: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء} [الشورى: 11]. يحتمل كون الكاف زائدة، ويحمل أنها غي زائدة. فالمراد بالمثل الذات. كقول العرب: مثلك لا يفعل هذا. يعنون أنت لا ينبغي لك أن تفعل هذا فالمعنى: ليس كالله شيء.
ونظيره من إطلاق المثل وإرادة الذات {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بني إسرائيل على مِثْلِهِ} [الأحقاف: 10]. أي على نفس القرآن لا شيء آخر مماثل له، وقوله: {كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظلمات} [الأنعام: 122]. أي كمن هو في الظلمات، وكالاستقلال فإنه يقدَّم على الإضمار. كقوله تعالى: {أَن يقتلوا أَوْ يصلبوا} [المائدة: 33]. الآية. فكثير من العلماء يضمرون قيودًا غير مذكورة فيقولون: أن يقتلوا إذا قتلوا، أو يصلبوا إذا قتلوا وأخذوا المال، أو تقطع أيديهم وأرجلهم إذا أخذوا المال ولم يقتلوا.. إلخ.
فالمالكية يرجحون أن الإمام مخير بين المذكورات مطلقًا. لأن استقلال اللفظ أرجح من إضمار قيود غير مذكورة. لأن الأصل عدمها حتى تثبت بدليل. كما اشرنا إليه سابقًا {في المائدة} وكذلك التأسيس يقدم على التأكيد وهو محل الشاهد. كقوله: {فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} في سورة الرحمن، وقوله: {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ} في المرسلات. قيل: تكرار اللفظ فيهما توكيد، وكونه تأسيسًا أرجح لما ذكرنا. فتحمل الآلاء في كل موضع على ما تقدم. قبل: لفظ ذلك التكذيب فلا يتكرر منها لفظ، وكذا يقال في سورة المرسلات فيحمل على المكذبين بما ذكر، قيل كل لفظ إلخ. فإذا علمت ذلك فاعلم- أنا إن حلمنا الحياة الطيبة في الآية على الحياة الدنيا كان ذلك تاسيسًا، وإن حملناها على حياة الجنة تكرر ذلك مع قوله بعده: {وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم} الآية. لأن حياة الجنة الطبية هي أجرهم الذي يجزونه.
وقال أبو حيان في البحر: والظاهر من قوله تعالى: {فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} أن ذلك في الدنيا، وهو قوله الجمهور، ويد عليه قوله: {وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم} يعني في الآخرة.
{فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98)}.
أظهر القولين في هذه الآية الكريمة: أن الكلام على حذف الإرادة. اي فإذا أردت قراءة القرآن فاستعذ بالله.. الآية، وليس المراد أنه إذا قرأ القرآن وفرغ من قراءته استعاذ بالله من الشيطان كما يفهم من ظاهر الآية، وذهب إليه بعض أهل العلم، والدليل على ما ذكرنا تكرر حذف الإرادة في القرآن وفي كلام العرب لدلالة المقام عليها. كقوله: {يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصلاة} [المائدة: 6]. الآية، اي أردتم القيا م إليها كما هو ظاهر، وقوله: {إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلاَ تَتَنَاجَوْاْ بالإثم والعدوان} [المجادلة: 9]. الآية. اي إذا أردتم أن تتناجوا فلا تتناجوا بالإثم. لأن النهي إنما هو عن أمر مستقبل يراد فعله، ولا يصح النهي عن فعل مضى وانقضى كما هو واضح.
وظاهر هذه الآية الكريمة: أن الاستعاذة من الشيطان الرجيم واجبة عند القراءة. لأن صيغة افعل للوجوب كما تقرر في الأصول.
وقال كثير من أهل العلم: إن الأمر في الآية للندب والاستحباب، وحكى عليه الإجماع أبو جعفر بن جرير وغيره من الأئمة، وظاهر الآية أيضًا: الأمر بالاستعاذة عن القراءة في الصلاة لعموم الآية، والعلم عند الله تعالى.
{إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99)}.
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن الشيطان ليس له سلطان على المؤمنين المتوكلين على الله، وأن سلطانه إنما هو على أتباعه الذين يتولَّنه، والذين هو به مشركون.
وبين هذا المعنى في غير هذا الموضع، كقوله: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتبعك مِنَ الغاوين} [الحجر: 42]، وقوله: {لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ المخلصين} [ص: 82-83]، وقوله: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وكفى بِرَبِّكَ وَكِيلًا} [الإسراء: 65]، وقوله: {وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بالآخرة مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ} [سبأ: 21]. الآية، وقوله: {وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فاستجبتم لِي} [إبراهيم: 22].
واختلف العلماء في معنى السلطان في هذه الآيات.
فقال أكثر أهل العمل: هو الحجة، أي ليس للشيطان عليهم حجة فيما يدعوهم إليه من عبادة الأوثان.
وقال بعضهم: ليس له سلطان عليهم. أي تسلط وقدرة على أن يوقعهم في ذنب لا توبة منه، وقد قدمنا هذا، والمراد ب، {الَّذين يتولونه} الذين يطيعونه الذين يطعيونه فيوالونه بالطاعة.
وأظهر الأقوال في قوله: {والذين هُم بِهِ مُشْرِكُونَ} [النحل: 100]. أن الضمير عائد إلى الشيطان لا إلى الله، ومعنى كونهم مشركين به هو طاعتهم له في الطفر والمعاصي. كما يدل عليه قوله تعالى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بني آدَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ الشيطان إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} [يس: 60]، وقوله عن إبراهيم: {يا أبت لاَ تَعْبُدِ الشيطان إِنَّ الشيطان} [مريم: 44]. إلى غير ذلك من الآيات، وأما سلطانه على الذين يتولونه فهو ما جعلوه له عل أنفسهم من الطاعة والاتباع والموالاة، بغير موجب يستوجب ذلك.
تنبيه:
فإن قيل: اثبت الله للشيطان سلطانًا على أوليائه في آيات. كقوله هنا {إِنَّمَا سُلْطَانُهُ على الذين يَتَوَلَّوْنَهُ} [النحل: 100]. الآية، وقوله: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتبعك مِنَ الغاوين} [الحجر: 42]. فالاستثناء يدل على أن له سلطانًا على من اتبعه من الغاوين: مع أنه نفى عنه السلطان عليهم في آيات أخر. كقوله: {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فاتبعوه إِلاَّ فَرِيقًا مِّنَ المؤمنين وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِّن سُلْطَانٍ} [سبأ: 20-21]. الآية.
وقوله تعالى حاكيًا عنه مقررًا له: {وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فاستجبتم لِي} [إبراهيم: 22].
فالجواب هو: أن اسلطان الذي أثبته له عليهم غير السلطان الذي نفاه، وذلك من وجهين:
الأول: أن السلطان المثبت له هو سلطان إضلاله لهم بتزينه، والسلطان المنفي هو سلطان الحجة. فلم يكن لإبليس عليهم من حجة يتسلط بها، غير أَنه دعاهم فاجابوه بلا حجة ولا برهان، وإطلاق السلطان على البرهان كثير في القرآن.
الثاني: أن الله لم يجعل له عليهم سلطانًا ابتداء البتة ولكنهم هم الذين سلَّطوه على أنفسهم بطاعاته ودخولهم في حزبه، فلم يتسلط عليهم بقوة. لأن الله يقول: {إِنَّ كَيْدَ الشيطان كَانَ ضَعِيفًا} [النساء: 76]، وإنما تسلط عليهم بإرادتهم واختيارهم.
ذكر هذا الجواب بوجهيه العلامة ابن القيم رحمه الله، وقد بينا ها في كتابنا {دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب}. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً}.
لما كان الوعد المتقدم بقوله تعالى؛ {وليجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون} [سورة النحل: 96]. خاصًا بأولئك الذين نهوا عن أن يشتروا بعهد الله ثمنًا قليلًا عُقب بتعميمه لكل من ساواهم في الثبات على الإسلام والعمل الصالح مع التبيين للأجر، فكانت هذه الجملة بمنزلة التذييل للتي قبلها، والبيان لما تضمّنته من مجمل الأجر.
وكلا الاعتبارين يوجب فصلها عمّا قبلها.
وقوله تعالى: {من ذكر أو أنثى} تبيين للعموم الذي دلّت عليه {مَن} الموصولة.
وفي هذا البيان دلالة على أن أحكام الإسلام يستوي فيها الذكور والنساء عدا ما خصّصه الدين بأحد الصّنفين.
وأكّد هذا الوعدُ كما أكّد المبيّن به.
وذُكر {لنحيينّه} ليبنى عليه بيان نوع الحياة بقوله تعالى: {حياة طيبة}.
وذلك المصدر هو المقصود، أي لنجعلنّ له حياة طيّبة.
وابتدىء الوعد بإسناد الإحياء إلى ضمير الجلالة تشريفًا له كأنه قيل: فله حياة طيبة مِنّا.
ولما كانت حياة الذّات لها مدّة معيّنة كثُر إطلاق الحياة على مدّتها، فوصفها بالطيّب بهذا الاعتبار، أي طيب ما يحصل فيها، فهذا الوصف مجاز عقلي، أي طيّبًا ما فيها.
ويقارنها من الأحول العارضة للمرء في مدّة حياته، فمن مات من المسلمين الذين عملوا صالحًا عوّضه الله عن عمله ما فاته من وعده.
ويفسّر هذا المعنى ما ورد في الصحيح عن خباب بن الأرت قال: هاجرنا مع رسول الله نبتغي بذلك وجه الله فوجب أجرنا على الله، فمنّا من مضى لم يأكل من أجره شيئًا، كان منهم مُصعَب بنُ عمير قتل يوم أُحد فلم يترك إلا نَمِرة كنّا إذا غطّينا بها رأسه خرجت رجلاه، وإذا غُطي بها رجلاه خرج رأسه، ومنّا من أينعت له ثمرته فهو يَهْدُبُها.
والطيِّب: ما يطيب ويحسن.