فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الألوسي:

{وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ}.
غير ما نقل عنهم من المقالة الشنعاء {إِنَّمَا يُعَلّمُهُ} أي يعلم النبي صلى الله عليه وسلم القرآن، وهو الذي يقتضيه ظاهر كلام قتادة ومجاهد: وغيرهما واختير كون الضمير للقرآن ليوافق ضمير {نزَلَهُ} [النحل: 102]. أي يقولون إنما يعلم القرآن النبي عليه الصلاة والسلام {بُشّرَ} على طريق البت مع ظهور أنه نزوله روح القدس عليه عليه الصلاة والسلام، وتأكيد الجملة لتحقيق ما تتضمنه من الوعيد، وصيغة الاستقبال لإفادة استمرار العلم بحسب الاستمرار التجددي في متعلقه فانهم مستمرون على التفوه بتلك العظيمة، وفي البحر أن المعنى على المضي فالمراد علمنا وعنوا بهذا البشر قيل: جبرا الرومي غلام عامر بن الحضرمي وكان قد قرأ التوراة والإنجيل وكان صلى الله عليه وسلم يجلس إليه إذا آذاه أهل مكة فقالوا ما قالوا.
وروي ذلك عن السدي، وقيل: مولى الحويطب بن عبد العزى اسمه عائش أو يعيش كان يقرأ الكتب وقد أسلم وحسن إسلامه قاله الفراء والزجاج، وقيل: أبا فكيهة مولى لامرأة بمكة قيل اسمه يسار وكان يهوديًا قاله مقاتل وابن جبير إلا أنه لم يقل كان يهوديًا.
وأخرج آدم بن أبي إياس والبيهقي وجماعة عن عبد الله بن مسلم الحضرمي قال: كان لنا عبدان نصرانيان من أهل عين التمر يقال لأحدهما يسار وللآخر جبر وكانا يصنعان السيوف بمكة وكانا يقرءان الإنجيل فربما مر بهما النبي صلى الله عليه وسلم وهما يقرءان فيقف ويستمع فقال المشركون: إنما يتعلم منهما، وفي بعض الروايات أنه قيل لأحدهما أنك تعلم محمدًا صلى الله عليه وسلم فقال لا بل هو يعلمني، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: كان بمكة غلام أعجمي رومي لبعض قريش يقال: له بلعام وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمه الإسلام فقالت قريش: هذا يعلم محمدًا عليه الصلاة والسلام من جهة الأعاجم؛ وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن الضحاك أنه سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه، وضعف هذا بأن الآية مكية وسلمان أسلم بالمدينة، وكونها إخبارًا بأمر مغيب لا يناسب السباق، ورواية أنه أسلم بمكة واشتراه أبو بكر رضي الله تعالى عنه وأعتقه بها قيل ضعيفة لا يعول عليها كاحتمال أن هذه الآية مدنية.
وقد أخبرني من أثق به عن بعض النصارى أنه قال له: كان نبيكم صلى الله عليه وسلم يتردد إليه في غار حراء رجلان نصراني ويهودي يعلمانه، ولم أجد هذا عن أحد من المشركين وهو كذب بحت لا منشأ له وبهت محض لا شبهة فيه، وإنما لم يصرح باسم من زعموا أنه يعلمه عليه الصلاة والسلام مع أنه أدخل في ظهور كذبهم للإيذان بأن مدار خطئهم ليس بنسبته صلى الله عليه وسلم إلى التعلم من شخص معين بل من البشر كائنًا من كان مع كونه عليه الصلاة والسلام معدنًا لعلوم الأولين والآخرين {لّسَانُ الذي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِىٌّ} اللسان مجاز مشهور عن التكلم، والإلحاد الميل يقال: لحد وألحد إذا مال عن القصد، ومنه لحد القبر لأنه حفرة مائلة عن وسطه، والملحد لأنه أمال مذهبه عن الأديان كلها، والأعجمي الغير البين، قال أبو الفتح الموصلي: تركيب ع ج م في كلام العرب للإبهام والإخفاء وضد البيان والإيضاح، ومنه قولهم: رجل أعجم وامرأة عجماء إذا كانا لا يفصحان؛ وعجم الزبيب سمي بذلك لاستتاره واختفائه ويقال للبهيمة العجماء لأنه لا توضح ما في نفسها وسموا صلاتي الظهر والعصر العجماوين لأن القراءة فيهما سر وأما قولهم: أعجمت الكتاب فمعناه أزلت عجمته كأشكيت زيدًا أزلت شكواه، والأعجمي والأعجم الذي في لسانه عجمة من العجم كان أو من العرب، ومن ذلك زياد الأعجم وكان عربيًا في لسانه لكنة وكذاك حبيب الأعجمي تلميذ الحسن البصري قدس الله تعالى سرهما على ما رأيته في بعض التواريخ.
والمراد من {الذى} على القول بتعدد من زعموا نسبة التعليم إليه الجن ومفعول {يُلْحِدُونَ} محذوف أي تكلم الذي يميلون قولهم عن الاستقامة إليه أي ينسبون التعليم إليه غير بين لا يتضح المراد منه.
وظاهر كلام ابن عطية أن اللسان على معناه الحقيقي وهو الجارحة المعروفة.
وقرأ الحسن {فَلْيُؤَدّ الذى} بتعريف اللسان بآل ووصفه بالذي.
وقرأ حمزة والكسائي وعبد الله بن طلحة والسلمي والاعمش: {يُلْحِدُونَ} بفتح الياء والحاء من لحد، وألحد ولحد لغتان فصيحتان مشهورتان {وهذا} القرآن الكريم {لِسَانٌ عَرَبِىٌّ مُّبِينٌ} ذو بيان وفصاحة على ما يشعر به وصفه بمبين بعد وصفه بعربي والكلام على حذف مضاف عند ابن عطية أي سرد لسان أو نطق لسان، والجملتان مستأنفتان عند الزمخشري لإبطال طعنهم، وجوز أبو حيان أن يكونا حالين من فاعل {يَقُولُونَ} ثم قال: وهو أبلغ في الإنكار أي يقولون هذا والحال أن علمهم بأعجمية هذا البشر وعربية هذا القرآن كان ينبغي أن يمنعهم عن مثل تلك المقالة كقولك: أتشتم فلانًا وهو قد أحسن إليك وإنما ذهب الزمخشري إلى الاستئناف لأن مجيء الاسمية حالًا بدون واو شاذ عنده، وهو مذهب مرجوح تبع فيه الفراء إذ مجيئها كذلك في كلام العرب أكثر من أن يحصى اه، وتقرير الإبطال كما قال العلامة البيضاوي يحتمل وجهين، أحدهما أن ما يسمعه من ذلك البشر كلام أعجمي لا يفهمه هو ولا أنتم والقرآن عربي تفهمونه بأدنى تأمل فكيف يكون ما تلقفه منه.
وثانيهما هب أنه تعلم منه المعنى باستماع كلامه ولكن لم يلقف منه اللفظ لأن ذلك أعجمي وهذا عربي والقرآن كما هو معجز باعتبار المعنى فهو معجز من حيث اللفظ مع أن العلوم الكثيرة التي في القرآن لا يمكن تعلمها إلا بملازمة معلم فائق في تلك العلوم مدة متطاولة فكيف تعلم جميع ذلك من غلام سوقى سمع منه بعض المنقولات بكلمات أعجمية لعله لم يعرف معناها، وحاصل ذلك منع تعلمه عليه الصلاة والسلام منه مع سنده ثم تسليمه باعتبار المعنى إذ لفظه مغاير للفظ ذلك بديهية فيكفي دليلًا له ما أتى به من اللفظ المعجز ويمكن تقريره بنحو هذا على سائر الأقوال السابقة في البشر، وقال الكرماني: المعنى أنتم أفصح الناس وأبلغهم وأقدرهم على الكلام نظمًا ونثرًا وقد عجزتم وعجز جميع العرب عن الإتيان بمثله فكيف تنسبونه إلى أعجمي ألكن وهو كما ترى، وبالجملة التشبث في أثناء الطعن بمثل هذه الخرافات الركيكة دليل قوي على كمال عجزهم فقد راموا اجتماع اليوم والأمس واستواء السها والشمس:
فدعهم يزعمون الصبح ليلا ** أيعمى الناظرون عن الضياء

{إِنَّ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بآيات الله} أي يصدقون بأنها من عنده تعالى بل يقولون فيها ما يقولون يسمونها تارة افتراء وأخرى أساطير معلمة من البشر، وقيل: المراد بالآيات المعجزات الدالة على صدق النبي صلى الله عليه وسلم ويدخل فيها الآيات القرآنية دخولًا أولياء والأول على ما قيل أوفق بالمقام.
{لاَ يَهْدِيهِمُ الله} قيل: أي إلى الجنة بل يسوقهم إلى النار كما يشير إليه قوله تعالى: {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.
وقال بعض المحققين: المعنى لا يهديهم إلى ما ينجيهم من الحق لما يعلم من سوء استعدادهم، وقال في البحر: أي لا يخلق الإيمان في قلوبهم، وهذا عام مخصوص فقد اهتدى قوم كفروا بآيات الله تعالى، وقال الجلبي: المعنى أن سبب عدم إيمانهم هو أنه تعالى لا يهديهم لختمه على قلوبهم أو لا يهديهم سبحانه مجازاة لعدم إيمانهم بأن تلك الآيات من عنده تعالى، وقال العسكري: يجوز أن يكون المعنى أنهم إن لم يؤمنوا بهذه الآيات لم يهتدوا، والمراد بلا يهديهم الله لا يهتدون فإنه إنما يقال هدى الله تعالى فلانًا على الإطلاق إذا اهتدى هو، وأما من لم يقبل الهدى فإنه يقال فيه: إن الله تعالى هداه فلم يهتد كما قال تعالى: {وَأَمَّا ثَمُودُ فهديناهم فاستحبوا العمى عَلَى الهدى} [فصلت: 17]، وقيل: المعنى إن الذين لا يصرفون اختيارهم إلى الإيمان بآياته تعالى لا يخلقه سبحانه في قلوبهم، وقال ابن عطية: المفهوم من الوجود أن الذين لا يهديهم الله تعالى لا يؤمنون بآياته ولكنه قدم وأخر تتميمًا لتقبيح حالهم وللتشنيع بخطئهم كما في قوله تعالى: {فَلَمَّا زَاغُواْ أَزَاغَ الله قُلُوبَهُمْ} [الصف: 5]، ويؤدي مؤدى التقديم والتأخير ما ذكره الجلبي، أولًا والأكثر لا يخلو عن دغدغة.
وقال القاضي: أقوى ما قيل في الآية ما ذكر أولًا، وكونه تفسيرًا للمعتزلة مناسبًا لأصولهم فيه نظر، وأيًا مّا كان فالمراد من الآية التهديد والوعيد لأولئك الكفرة على ما هم عليه من الكفر بآيات الله تعالى ونسبة رسوله صلى الله عليه وسلم إلى الافتراء والتعلم من البشر بعد إماطة شبهتهم ورد طعنهم وقوله سبحانه: {إنَّمَا يَفْتَري الْكَذبَ الَّذِينَ لا يُؤْمنُونَ بآيَات الله}.
تمهيد لكونهم هم المفترين وقلب عليهم بعد أن حقق بالبيان البرهاني براءة ساحته صلى الله عليه وسلم عن لوث الافتراء، وقوله تعالى: {وَأُوْلئِكَ هُمُ الكاذبون} إشارة إلى قريش القائلين: {إنما أنت مفتر} [النحل: 101]، وهو تصريح عبد التعريض ليكون كالوسم عليهم، وهذا الأسلوب أبلغ من أن يقال: أنتم معشر قريش مفترون لما أشير إليه، وإقامة الدليل على أنهم كذلك وأن من زنوه به لا يجوز أن يتعلق بذيله نشب منه أي إنما يليق افتراء الكذب بمن لا يؤمن لأنه لا يترقب عقابًا عليه وقريش كذلك فهم الكاذبون أو إشارة إلى {الذين لاَ يُؤْمِنُونَ} [النحل: 104]. فيستمر الكلام على وتيرة واحدة، والمعنى أن الكاذب بالحقيقة هذا الكاذب على ما قرروه في قوله تعالى: {وأولئك هُمُ المفلحون} [البقرة: 5]، واللام للجنس وهو شهادة عليهم بالكمال في الافتراء، فالكذب في الحقيقة مقيد بالكذب بآيات الله تعالى، وأطلق إشعارًا بأن لا كذب فوقه ليكون كالحجة على كمال الافتراء أو الكذب غير مقيد على هذا الوجه على معنى أنهم الذين عادتهم الكذب فلذلك اجترؤا على تكذيب آيات الله تعالى دلالة على أن ذلك لا يصدر إلا ممن لهج بالكذب قيله، ويدل على اعتبار هذا المعنى التعبير بالجملة الاسمية ولذا عطفت على الفعلية، وفيه قلب حسن وإشارة إلى أن قريشًا لما كان من عادتهم الكذب أخذوا يكذبون بآيات الله تعالى ومن أتى بها، ثم لم يرضوا بذلك حتى نسبوا من شهدوا له بالأمانة والصدق إلى الافتراء.
وموضع الحسن الإيماء إلى سبق حالتي النبي صلى الله عليه وسلم وقريش أو الكذب مقيد على هذا الوجه أيضًا بما نسبوا إليه عليه الصلاة والسلام من الافتراء، و{الذين لاَ يُؤْمِنُونَ} [النحل: 104]. على هذا المراد به قريش من إقامة الظاهر مقام المضمر، وإيثار المضارع على الماضي دلالة على استمرار عدم إيمانهم وتجدده عقب نزول كل آية واستحضارًا لذلك وهذا الوجه أيضًا بما نسبوا إليه عليه الصلاة والسلام من الافتراء، و{الذين لاَ يُؤْمِنُونَ} على هذا المراد به قريش من إقامة الظاهر مقام المضمر، وإيثار المضارع على الماضي دلالة على استمرار عدم إيمانهم وتجدده عقب نزول كل آية واستحضارًا لذلك وهذا الوجه مرجوح بالنسبة إلى السوابق، وقد ذكر هذه الأوجه صاحب الكشاف وقد حررها بما ذكر المولى المدقق في كشفه، والحصر في سائرها غير حقيقي، ولا استدراك في الآية لاسيما على الأول منها، وهي من الكلام المنصف في بعضها.
وتعلقها بقوله سبحانه حكاية عنهم: {إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ} [النحل: 101]. لأنها كما سمعت لرده، وتوسيط ما وسط لما لا يخفى من شدة اتصاله بالرد الأول. اهـ.

.قال الشنقيطي:

قوله تعالى: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ}.
أقسم جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أنه يعلم أن الكفار يقولون: إن هذا القرآن الذي جاء به النَّبي صلى اله عليه وسلم ليس وحيًا من الله، وإنما تعلمه من بشر من الناس.
وأوضح هذا المعنى في غير هذا الموضع، كقوله: {وقالوا أَسَاطِيرُ الأولين اكتتبها فَهِيَ تملى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [الفرقان: 5]، وقوله: {فَقَالَ إِنْ هاذا إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ} [المدثر: 24]. أي يرويه محمد صلى الله عليه وسلم عن غيره، وقوله: {وَلِيَقُولُواْ دَرَسْتَ} [الأنعام: 105]. الآية كما تقدم {في الأنعام}.
وقد اختلف العلماء في تعيين هذا البشر الذي زعموا أنه يعلم النَّبي صلى الله عليه وسلم، وقد صرح القرآن بأنه أعجمي اللسان. فقيل: هو غلام الفاكة بن المغيرة، واسمه جبر، وكان نصرانيًا فاسلم، وقيل: اسمه يعيش عبد لبني الحضرمي، وكان يقرأ الكتب الأعجمية، وقيل: غلام لبني عامر بن لؤي، وقيل: هما غلامان: اسم أخدهما يسار، واسم الآخر جبر، وكانا صيقليين يعملان السيوف، وكانا يقرآن كتابًا لهم، وقيل: كانا يقرآن التوراة والإنجيل، إلى غير ذلك من الأقوال.
وقد بين جل وعلا كذبهم وتعنتهم في قولهم: {إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ} بقوله: {لِّسَانُ الذي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وهذا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ} [النحل: 103]. أي كيف يكون تعلمه من ذلك البشر، مع أن ذلك البشر أعجمي اللسان، وهذا القرآن عربي مبين فصيح، لا شائبة فيه من العجمة. فهذا غير معقول.
وبين شدة تعنتهم أيضًا بأنه لو جلع لالقرآن أعجميًا لكذبوه ايضًا وقالوا: كيف يكون هذا القرآن أعجميًا مع أن الرسول الذي أنزل عليه عربي، وذلك في قوله: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أعْجَمِيًّا لَّقَالُواْ لَوْلاَ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ ءَاعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ} [فصلت: 44]. أي أقرآن أعجمي، ورسول عربي. فكيف ينكرون أن القرآن أعجمي والرسول عربي، ول ينكرون أن المعلم المزعوم أعجمي، مع أن القرآن المزعوم تعليمه له عربي.
كما بين تعنتهم أيضًا، بأنه لو نزل هذا القرآن العربي المبين، على أعجمي فقرأه عليهم عربيًّا لكذبوه أيضًا، مع ذلك الخارق للعادة. لشدة عنادهم وتعنتهم، وذلك في وقوله: {وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ على بَعْضِ الأعجمين فَقَرَأَهُ عَلَيْهِم مَّا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ} [الشعراء: 198: 199].
وقوله في هذه الآية الكريمة: {يلحدون} أي يميلون عن الحث، والمعنى لسان البشر يلحدون، أي يميلون قولهم عن الصدق والاستقامة إليه- أعجمي غير بين، وهذا القرآن لسان عربي مبين، أي ذو بيان وفصاحةز وقرأ هذا الحرف حمزة والكسائي: {يلحدون} بفتخ الياء والحاء، من لحد الثلاثي، وقرأه الباقون: {يلحدون} بضم الياء وكسر الحاء من ألحد الرباعي، وهما لغتان، والمعنى واحد. أي يميلون عن الحق إلى الباطل، وأما {يلحدون} التي في الأعراف، والتي في فصلت فلم يقرأهما بفتح الياء والحاء إلا حمزة وحده دون الكسائي، وإنما وافقه الكسائي في هذه التي في النحل وأطلق اللسان على القرآن لأن العرب تطلق اللسان وتريد به الكلام. فتؤنثها وتذكرها، ومنه أعشى باهلة:
إني أتتني لسان لا أسر بها ** من علو لا عجل فيها ولا سخر

وقوله الآخر:
لسان الشر تهديها إلينا ** وخنت وما حسبتك أن تخونا

قوله الآخر:
أتتني لسان بني عامر ** أحاديتها بعد قول نكر

ومنه قوله تعالى: {واجعل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخرين} [الشعراء: 84]. أي ثناء حسنًا باقيًا، ومن إطلاق اللسان بمعنى الكلام مذكرًا قوله الحطيئة:
ندمت على لسان فات مني ** فليت بأنه في جوف عكم

اهـ.