فصل: قال القرطبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال القاضي أبو محمد: ويعتبر الإكراه عندي بحسب همة المكره وقدره في الدين، وبحسب قدر الشيء الذي يكره عليه، فقد يكون الضرب إكراهًا في شيء دون شيء، فلهذه النوازل فقه الحال، وأما يمين المكره كما قلنا فهي غير لازمة، قال ابن الماجشون: وسواء حلف فيما هو لله طاعة، أو فيما هو لله معصية، أو فيما ليس في فعله طاعة ولا معصية، فاليمين فيه ساقطة، وإن أكره على اليمين فيما هو طاعة مثل أن يأخذ الوالي رجلًا فاسقًا فيكرهه أن يحلف بالطلاق أن لا يشرب خمرًا أو لا يفسق أو لا يغش في عمله، أو الوالد يحلف ولده في مثل هذا تأديبًا له، فإن اليمين تلزم، وإن كان المكره قد أخطأ فيما تكلف من ذلك، وقال به ابن حبيب، وأما إن أكره رجل على أن يحلف وإلا أخذ له مال كأصحاب المسكن وظلمة السعاة وأهل الاعتداء، فقال مطرف: لا تقية في ذلك، وإنما يدرأ المرء بيمينه عن بدنه لا عن ماله، وقال ابن الماجشون: لا يحنث وإن درأ عن ماله ولم يخف على بدنه، وقال ابن القاسم بقول مطرف، ورواه عن مالك، وقاله ابن عبد الحكم وأصبغ وابن حبيب، قال مطرف وابن الماجشون: وإن بدر الحالف يمينه للوالي الظالم قبل أن يسألها ليذب بها عما خاف عليه من بدنه وماله فحلف له فإنه يلزمه، قاله ابن عبد الحكم وأصبغ، وقال أيضًا ابن الماجشون فيمن أخذه ظالم فحلف له بالطلاق البتة من غير أن يحلفه وتركه وهو كاذب وإنما حلف خوفًا من ضربه أو قتله أو أخذ ماله فإن كان إنما يتبرع باليمين غلبة خوف ورجاء النجاة من ظلمه فقد دخل في الإكراه ولا شيء عليه، وإن لم يحلف على رجاء النجاة فهو حانث، وإذا اتهم الوالي أحدًا بفعل أمر فقال لابد من عقوبتك إلا أن تحلف لي، فإن كان ذلك الأمر مما لذلك المكروه فعله إما أن يكون طاعة وإما أن يكون لا طاعة ولا معصية، فالتقية في هذا، وأما إن كان ذلك الأمر مما لا يحل لذلك الرجل فعله ويكون نظر الوالي فيه صوابًا فلا تقية في اليمين، وهو حانث، قاله مالك وابن الماجشون.
قال القاضي أبو محمد: فهذه نبذة من مسائل الإكراه.
{ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (107)}.
قوله: {ذلك} إشارة إلى الغضب والعذاب الذي توعد به قبل هذه الآية، والضمير في {أنهم} ل {من شرح بالكفر صدرًا} [النحل: 106]، ولما فعلوا فعل من استحب ألزموا ذلك وإن كانوا مصدقين بآخرة لكن الأمر في نفسه بين، فمن حيث أعرضوا عن النظر فيه كانوا كمن استحب غيره، وهذه الآية علق فيها العقاب بتكسبهم وذلك أن استحبابهم زينة الدنيا ولذات الكفر هو التكسب، وقوله: {وأن الله لا يهدي} إشارة إلى اختراع الله تعالى الكفر في قلوبهم، ولا شك أن كفر الكافر الذي يتعلق به العقاب إنما هو باختراع من الله تعالى وتكسب من الكافر، فجمعت الآية بين الأمرين، وعلى هذا مرت عقيدة أهل السنة، وقوله: {لا يهدي القوم الكافرين} عموم على أنه لا يهديهم من حيث إنهم كفار في نفس كفرهم، أو عموم يراد به الخصوص فيمن يوافي، وقوله: {أولئك الذين طبع الله على قلوبهم} الآية، عبارة عن صرف الله لهم عن طريق الهدى، واختراع الكفر المظلم في قلوبهم، وتغليب الإعراض على نظرهم، فكأنه سد بذلك طرق هذه الحواس حتى لا ينتفع بها في اعتبار وتأمل، وقد تقدم القول وذكر الاختلاف في الطبع والختم في سورة البقرة، وهل هو حقيقة أو مجاز؟ والسمع اسم جنس وهو مصدر في الأصل، فلذلك وحد، ونبه على تكسبهم الإعراض عن النظر، فوصفهم ب الغفلة، وقد تقدم شرح {لا جرم} في هذه السورة، وقوله: {ثم إن ربك للذين هاجروا} الآية، قال ابن عباس: كان قوم من أهل مكة أسلموا وكانوا يستخفون بالإسلام، فأخرجهم المشركون يوم بدر معهم، فأصيب بعضهم، فقال المسلمون: كان أصحابنا هؤلاء مسلمين وأكرهوا، فاستغفروا لهم، فنزلت {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} [النساء: 97]. إلى آخر الآية قال: وكتب بها إلى من بقي بمكة من المسلمين وأن لا عذر لهم، فخرجوا فلحقهم المشركون فأعطوهم الفتنة فنزلت {ومن الناس من يقول آمنا بالله} [البقرة: 8 العنكبوت:
10]. إلى آخر الآية، فكتب المسلمون إليهم بذلك فخرجوا ويئسوا من كل خير، ثم نزلت فيهم: {ثم إن ربك للذين هاجروا} الآية، فكتبوا إليهم بذلك أن الله قد جعل لكم مخرجًا فأدركهم المشركون فقاتلوهم حتى نجا من نجا، وقتل من قتل.
قال القاضي أبو محمد: جاءت هذه الرواية هكذا أن بعد نزول الآية خرجوا فجيء الجهاد الذي ذكر في الآية جهادهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وروت طائفة أنهم خرجوا وأتبعوا، وجاهدوا متبعيهم، فقتل من قتل، ونجا من نجا فنزلت الآية حينئذ، فعنى بالجهاد المذكور جهادهم لمتبعيهم، وقال ابن إسحاق: ونزلت هذه الآية في عمار بن ياسر وعياش بن أبي ربيعة والوليد بن الوليد.
قال القاضي أبو محمد: وذكر عمار في هذا عندي غير قويم، فإنه أرفع من طبقة هؤلاء، وإنما هؤلاء من شرح بالكفر صدرًا فتح الله لهم باب التوبة في آخر الآية، وقال عكرمة والحسن: نزلت هذه الآية في شأن عبد الله بن أبي سرح وأشباهه، فكأنه يقول من بعد ما فتنهم الشيطان وهذه الآية مدَنية، ولا أعلم في ذلك خلافًا، وإن وجد فهو ضعيف، وقرأ الجمهور: {من بعد ما فُتِنوا} بضم الفاء وكسر التاء، وقرأ ابن عامر وحده {فَتَنوا} بفتح الفاء والتاء، فإن كان الضمير للمعذبين فيجيء بمعنى فتنوا أنفسهم بما أعطوا للمشركين من القول، كما فعل عمار، وإن كان الضمير للمعذبين فهو بمعنى من بعد ما فتنهم المشركون، وإن كان الضمير للمشركين فهو بمعنى من بعد ما فتنهم الشيطان، والضمير في {بعدها} عائد على الفتنة، أو على الفعلة، أو الهجرة، أو التوبة، والكلام يعطيها، وإن لم يجر لها ذكر صريح. اهـ.

.قال القرطبي:

{مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106)}.
فيه إحدى وعشرون مسألة:
الأولى قوله تعالى: {مَن كَفَرَ بالله} هذا متصل بقوله تعالى: {وَلاَ تَنقُضُواْ الأيمان بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} فكان مبالغة في الوصف بالكذب؛ لأن معناه لا ترتدوا عن بيعة الرسول صلى الله عليه وسلم.
أي من كفر من بعد إيمانه وارتد فعليه غضب الله.
قال الكلبي: نزلت في عبد الله بن سعد بن أبي سَرْح ومِقْيَس بن صُبابة وعبد الله بن خَطَل، وقيس بن الوليد بن المغيرة، كفروا بعد إيمانهم.
ثم قال: {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ}.
وقال الزجاج: {من كفر باللَّهِ مِن بعد إيمانِهِ} بدل ممن يفتري الكذب؛ أي إنما يفتري الكذب من كفر بالله من بعد إيمانه؛ لأنه رأى الكلام إلى آخر الاستثناء غير تام فعلّقه بما قبله.
وقال الأخفش: {مَن} ابتداء وخبره محذوف، اكتُفِي منه بخبر {من} الثانية؛ كقولك: مَن يأتنا مَن يحسن نكرمه.
الثانية قوله تعالى: {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ} هذه الآية نزلت في عَمّار بن ياسر، في قول أهل التفسير؛ لأنه قارب بعض ما ندبوه إليه.
قال ابن عباس: أخذه المشركون وأخذوا أباه وأمَّه سُمَيّة وصُهَيبًا وبلالًا وخَبّابًا وسالما فعذّبوهم، ورُبطت سُمَية بين بعيرين ووُجِىء قُبُلها بحربة، وقيل لها إنك أسلمت من أجل الرجال؛ فقتلت وقتل زوجها ياسر، وهما أول قتيلين في الإسلام.
وأما عَمّار فأعطاهم ما أرادوا بلسانه مُكْرَهًا فشكا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كيف تجد قلبك؟ قال: مطمئن بالإيمان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإن عادوا فَعُدْ» وروى منصور بن المُعْتَمِر عن مجاهد قال: أول شهيدة في الإسلام أمّ عمار، قتلها أبو جهل، وأول شهيد من الرجال مِهْجَع مولى عمر.
وروى منصور أيضًا عن مجاهد قال: أول من أظهر الإسلام سبعة: رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، وبلال، وخَبّاب، وصهيب، وعَمّار، وسُميّة أمّ عمار.
فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعه أبو طالب، وأما أبو بكر فمنعه قومه، وأخذوا الآخرين فألبسوهم أدراع الحديد، ثم صَهَروهم في الشمس حتى بلغ منهم الجهد كل مبلغ من حر الحديد والشمس، فلما كان من العشيّ أتاهم أبو جهل ومعه حربة، فجعل يَسُبُّهم ويوبخهم، وأتى سُمَيّة فجعل يسبّها ويَرْفُث، ثم طعن فرجها حتى خرجت الحربة من فمها فقتلها؛ رضي الله عنها.
قال: وقال الآخرون ما سُئلوا؛ إلا بلالًا فإنه هانت عليه نفسه في الله، فجعلوا يعذبونه ويقولون له: ارجع عن دينك، وهو يقول أَحَدٌ أحد؛ حتى ملّوه، ثم كتّفوه وجعلوا في عنقه حبلًا من ليف، ودفعوه إلى صبيانهم يلعبون به بين أَخْشَبَيْ مكة حتى ملّوه وتركوه، قال فقال عمار: كلنا تكلم بالذي قالوا لولا أن الله تدارَكنا غير بلال فإنه هانت عليه نفسه في الله، فهان على قومه حتى ملّوه وتركوه.
والصحيح أن أبا بكر اشترى بلالًا فأعتقه.
وروى ابن أبي نَجيح عن مجاهد أن ناسًا من أهل مكة آمنوا، فكتب إليهم بعض أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بالمدينة: أن هاجروا إلينا، فإنا لا نراكم منا حتى تهاجروا إلينا، فخرجوا يريدون المدينة حتى أدركتهم قريش بالطريق، ففتنوهم فكفروا مكرهين، ففيهم نزلت هذه الآية.
ذكر الروايتين عن مجاهد إسماعيلُ بن إسحاق.
وروى الترمذيّ عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما خُيِّر عَمّار بين أمرين إلا اختار أرشدهما» هذا حديث حسن غريب.
وروي عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الجنة لتشتاق إلى ثلاثة عليّ وعمّار وسلمان بن ربيعة» قال الترمذيّ: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث الحسن بن صالح.
الثالثة: لما سمح الله عز وجل بالكفر به وهو أصل الشريعة عند الإكراه ولم يؤاخذ به، حمل العلماء عليه فروع الشريعة كلّها، فإذا وقع الإكراه عليها لم يؤاخذ به ولم يترتب عليه حكم؛ وبه جاء الأثر المشهور عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» الحديث.
والخبر وإن لم يصح سنده فإن معناه صحيح باتفاق من العلماء؛ قاله القاضي أبو بكر بن العربيّ.
وذكر أبو محمد عبد الحق أن إسناده صحيح، قال: وقد ذكره أبو بكر الأصيلي في الفوائد وابن المنذر في كتاب الإقناع.
الرابعة: أجمع أهل العلم على أن من أكرِه على الكفر حتى خَشِيَ على نفسه القتل، أنه لا إثم عليه إن كفر وقلبُه مطمئن بالإيمان، ولا تَبِين منه زوجته ولا يحكم عليه بحكم الكفر؛ هذا قول مالك والكوفيين والشافعيّ؛ غير محمد بن الحسن فإنه قال: إذا أظهر الشرك كان مرتدًا في الظاهر، وفيما بينه وبين الله تعالى على الإسلام، وتَبِين منه امرأته ولا يصلَّى عليه إن مات، ولا يَرِث أباه إن مات مسلمًا.
وهذا قول يرده الكتاب والسنة، قال الله تعالى: {إلاّ مَن أكرِه} الآية.
وقال: {إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً} [آل عمران: 28]، وقال: {إِنَّ الذين تَوَفَّاهُمُ الملائكة ظالمي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأرض} [النساء: 97]. الآية.
وقال: {إِلاَّ المستضعفين مِنَ الرجال والنساء والولدان} [النساء: 98]. الآية.
فعذر الله المستضعفين الذين يمتنعون من ترك ما أمر الله به، والمكره لا يكون إلا مستضعفًا غير ممتنع من فعل ما أمر به؛ قاله البخاريّ.
الخامسة ذهبت طائفة من العلماء إلى أن الرخصة إنما جاءت في القول، وأما في الفعل فلا رخصة فيه، مثل أن يكرهوا على السجود لغير الله أو الصلاة لغير القبلة، أو قتل مسلم أو ضربه أو أكل ماله، أو الزنى وشرب الخمر وأكل الربا؛ يروى هذا عن الحسن البصريّ، رضي الله عنه.
وهو قول الأوزاعيّ وسُحْنون من علمائنا.
وقال محمد بن الحسن: إذا قيل للأسير: اسجد لهذا الصنم وإلا قتلتك.
فقال: إن كان الصنم مقابل القبلة فليسجد ويكون نيته لله تعالى، وإن كان لغير القبلة فلا يسجد وإن قتلوه.
والصحيح أنه يسجد وإن كان لغير القبلة، وما أحراه بالسجود حينئذ؛ ففي الصحيح عن ابن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلّي وهو مقبل من مكة إلى المدينة على راحلته حيث كان وجهه، قال: وفيه نزلت {فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ الله} [البقرة: 115]. في رواية: ويُوتِر عليها، غير أنه لا يصلّى عليها المكتوبة.
فإذا كان هذا مباحًا في السفر في حالة الأمن لتعب النزول عن الدابة للتنفل فكيف بهذا.
واحتج من قصر الرخصة على القول بقول ابن مسعود: ما من كلام يَدرأ عنّي سوطين من ذي سلطان إلا كنت متكلّمًا به.
فقصَر الرخصة على القول ولم يذكر الفعل، وهذا لا حجة فيه؛ لأنه يحتمل أن يجعل الكلام مثالًا وهو يريد أن الفعل في حكمه.
وقالت طائفة: الإكراه في الفعل والقول سواء إذا أسرّ الإيمان.
روي ذلك عن عمر بن الخطاب ومكحول، وهو قول مالك وطائفة من أهل العراق.
روى ابن القاسم عن مالك أن من أكره على شرب الخمر وترك الصلاة أوالإفطار في رمضان، أن الإثم عنه مرفوع.
السادسة أجمع العلماء على أن من أكره على قتل غيره أنه لا يجوز له الإقدام على قتله ولا انتهاك حرمته بجلد أو غيره، ويصبر على البلاء الذي نزل به، ولا يحلّ له أن يَفْدِي نفسه بغيره، ويسأل الله العافية في الدنيا والآخرة.
واختلف في الزنى، فقال مُطَرِّف وأَصْبَغ وابن عبد الحكم وابن الماجِشُون: لا يفعل أحد ذلك، وإن قُتل لم يفعله، فإن فعله فهو آثم ويلزمه الحَدّ؛ وبه قال أبو ثَوْر والحسن.
قال ابن العربي: الصحيح أنه يجوز الإقدام على الزنى ولا حَدّ عليه، خلافًا لمن ألزمه ذلك؛ لأنه رأى أنها شهوة خُلقية لا يتصوّر الإكراه عليها، وغفل عن السبب في باعث الشهوة وهو الإلجاء إلى ذلك، وهو الذي أسقط حكمه، وإنما يجب الحَدّ على شهوة بعث عليها سبب اختياري، فقاس الشيء على ضده، فلم يحل بصواب من عنده.
وقال ابن خُوَيْزِ مَنْداد في أحكامه: اختلف أصحابنا متى أكره الرجل على الزنى؛ فقال بعضهم: عليه الحدّ؛ لأنه إنما يفعل ذلك باختياره.
وقال بعضهم: لا حدّ عليه.
قال ابن خُوَيْزِ منداد: وهو الصحيح، وقال أبو حنيفة: إن أكرهه غير السلطان حُدّ، وإن أكرهه السلطان فالقياس أن يحدّ، ولكن أستحسن ألا يحدّ.
وخالفه صاحباه فقالا: لا حدّ عليه في الوجهين، ولم يراعوا الانتشار، وقالوا: متى علم أنه يتخلص من القتل بفعل الزنى جاز أن ينتشر.
قال ابن المنذر: لا حدّ عليه، ولا فرق بين السلطان في ذلك وغير السلطان.
السابعة اختلف العلماء في طلاق المكره وعتاقه؛ فقال الشافعيّ وأصحابه: لا يلزمه شيء.
وذكر ابن وهب عن عمر وعليّ وابن عباس أنهم كانوا لا يرون طلاقه شيئًا.