فصل: قال أبو السعود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقد تكلموا في كيفية الإكراه المبيح لذلك، وفي تفصيل الأشياء التي يقع الإكراه فيها، وذلك كله مذكور في كتب الفقه.
والمكرهون على الكفر المعذبون على الإسلام: خباب، وصهيب، وبلال، وعمار، وأبواه ياسر وسمية، وسالم، وحبر، عذبوا فأجابهم عمار وحبر باللفظ فخلى سبيلهما، وتمادى الباقون على الإسلام فقتل ياسر وسمية، وهما أول قتيل في الإسلام، وعذب بلال وهو يقول: {أحد أحد} وعذب خباب بالنار فما أطفأها إلا ودك ظهره.
وجمع الضمير في فعليهم على معنى من، وأفرد في شرح على لفظها.
والظاهر أنّ ذلك إشارة إلى ما استحقوه من الغضب والعذاب أي: كائن لهم بسبب استحبابهم الدنيا على الآخرة.
وقال الزمخشري: واستحقاقهم خذلان الله بكفرهم انتهى.
وهي نزغة اعتزالية.
والضمير في بأنهم عائد على من في من شرح: ولما فعلوا فعل من استحب، ألزموا ذلك وإن كانوا غيره مصدقين بآخره، لكن من حيث أعرضوا عن النظر فيه كانوا كمن استحب غيره.
وقوله: {استحبوا} هو تكسب منهم علق به العقاب، وأنّ الله لا يهدي إشارة إلى اختراع الله الكفر في قلوبهم، فجمعت الآية بين الكسب والاختراع، وهذا عقيدة أهل السنة.
وقيل: ذلك إشارة إلى الارتداد والإقدام على الكفر، لأجل أنهم رجحوا الدنيا على الآخرة، ولأنه تعالى ما هداهم إلى الإيمان.
وتقدم الكلام على الطبع على القلوب والسمع والأبصار والختم عليها.
{وأولئك هم الغافلون} قال ابن عباس: عن ما يراد منهم في الآخرة.
وقال الزمخشري: الكاملون في الغفلة الذين لا أحد أغفل منهم، لأن الغفلة عن تدبر العواقب هي غاية الغفلة ومنتهاها.
ولما كان الإسناد ليكتسب بالطاعات سعادة الآخر، فعمل على عكس ذلك من المعاصي الكفر وغيره عظم خسرانه فقيل فيهم: هم الخاسرون ولا غيرهم.
ومن أخسر ممن اتصف بتلك الأوصاف السابقة من كينونة غضب الله عليهم، والعذاب الأليم، واستحباب الدنيا، وانتفاء هدايتهم، والإخبار بالطبع وبغفلتهم.
ولما ذكر تعالى حال من كفر بعد الإيمان، وحال من أكره، ذكر حال من هاجر بعد ما فتن.
قال ابن عطية: وهذه الآية مدنية، ولا أعلم في ذلك خلافًا.
وقال ابن عباس: نزلت فكتب بها المسلمون إلى من كان أسلم بمكة أنّ الله قد جعل لكم مخرجًا، فخرجوا، فأدركهم المشركون فقاتلوهم حتى نجا من نجا وقتل من قتل، فعلى هذا السبب يكون جهادهم مع الرسول على الإسلام.
وروي أنهم خرجوا واتبعوا وجاهدوا متبعيهم، فقتل من قتل، ونجا من نجا، فنزلت حينئذ، فعنى بالجهاد جهادهم لمتبعيهم.
وقال ابن إسحاق: نزلت في عمار، وعياش بن أبي ربيعة، والوليد بن الوليد.
قال ابن عطية: وذكر عمار في هذا غير قويم، فإنه أرفع من طبقة هؤلاء، وإنما هؤلاء من باب ممن شرح بالكفر صدرًا أفتح الله لهم باب التوبة في آخر الآية.
وقال عكرمة والحسن: نزلت في شأن عبد الله بن أبي سرح وأشباهه، فكأنه يقول: من بعد ما فتنهم الشيطان.
وقال الزمخشري: ثم إن ربك دلالة على تباعد حال هؤلاء من حال أولئك، وهم عمار وأصحابه.
وللذين عند الزمخشري في موضع خبران قال: ومعنى إن ربك لهم إنه لهم لا عليهم، بمعنى أنه وليهم وناصرهم، لا عدوهم وخاذلهم كما يكون الملك للرجل: لا عليه، فيكون محميًا منفوعًا غير مضرور انتهى.
وقوله: منفوعًا اسم مفعول من نفع، وهو قياسه لأنه متعد ثلاثي.
وزعم الأهوازي النحوي أنه لا يستعمل من نفع اسم مفعول، فلا يقال منفوع وقفت له عليه في شرحه موجز الرماني.
وقال أبو البقاء: خبر إن الأولى قوله: {إن ربك لغفور} وأن الثانية واسمها تكرير للتوكيد انتهى.
وإذا كانت أنّ الثانية واسمها تكريرًا للتوكيد كما ذكر، فالذي يقتضيه صناعة العربية أن يكون خبر إنّ الأولى هو قوله: {لغفور} ويكون للذين متعلقًا بقوله: {لغفور} أو برحيم على الأعمال، لأنّ إن ربك الثانية لا يكون لها طلب لما بعدها من حيث الإعراب.
كما أنك إذا قلت: قام قام زيد، فزيد إنما هو مرفوع بقام الأولى، لأن الثانية ذكرت على سبيل التوكيد للأولى.
وقيل: لا خبر لأن الأولى في اللفظ لأن خبر الثانية أغنى عنه انتهى.
وهذا ليس بجيد، لأنه ألغى حكم الأولى وجعل الحكم للثانية، وهو عكس ما تقدم، ولا يجوز.
وقيل: للذين متعلق بمحذوف على جهة البيان كأنه قيل: أعني للذين، أي الغفران للذين.
وقرأ الجمهور: {فتنوا} مبنيًا للمفعول أي: بالعذاب والإكراه على كلمة الكفر.
وقرأ ابن عامر: {فتنوا} مبنيًا للفاعل، والظاهر أن الضمير عائد على الذين هاجروا، فالمعنى: فتنوا أنفسهم بما أعطوا المشركين من القول كما فعل عمار.
أو لما كانوا صابرين على الإسلام وعذبوا بسبب ذلك صاروا كأنهم هم المعذبون أنفسهم، ويجوز أن يكون عائدًا على المشركين أي: من بعد ما عذبوا المؤمنين كالحضرمي وأشباهه.
والضمير في مَن بعدها عائد على المصادر المفهومة من الأفعال السابقة أي: من بعد الفتنة والهجرة والجهاد والصبر.
وقال ابن عطية: والضمير في بعدها عائد على الفتنة، أو الهجرة، أو التوبة، والكلام يعطيها وإن لم يجر لها ذكر صريح. اهـ.

.قال أبو السعود:

{مَن كَفَرَ بالله} أي تلفظ بكلمة الكفر {مِن بَعْدِ إيمانه} به تعالى، وهو ابتداء كلامٍ لبيان حالِ من كفر بآيات الله بعدما آمن بها بعد بيان حالِ من لم يؤمن بها رأسًا، ومَنْ موصولةٌ ومحلُّها الرفعُ على الابتداء، والخبرُ محذوفٌ لدِلالة الخبرِ الآتي عليه أو هو خبرٌ لهما معًا، أو النصبُ على الذم {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ} على ذلك بأمر يخاف على نفسه أو على عضو من أعضائه، وهو استثناء متّصلٌ من حكم الغضبِ والعذاب أو الذمّ لأن الكفرَ لغةٌ تتم بالقول كما أشير إليه قوله تعالى: {وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بالإيمان} حالٌ من المستثنى والعاملُ هو الكفرُ الواقع بالإكراه، لأن مقارنةَ اطمئنان القلبِ بالإيمان للإكراه لا تجدي نفعًا، وإنما المجدي مقارنتُه للكفر الواقعِ به أي إلا مَنْ كفر بإكراه وإلا من أُكره فكفر، والحالُ أن قلبه مطمئنٌّ بالإيمان لم تتغير عقيدتُه، وإنما لم يصرَّح به إيماء إلى أنه ليس بكفر حقيقة، وفيه دليلٌ على أن الإيمانَ هو التصديقُ بالقلب {ولكن مَّن} لم يكن كذلك بل {شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا} أي اعتقده وطاب به نفسًا {فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ} عظيم لا يُكتنه كُنهه {مِنَ الله} إظهارُ الاسم الجليلِ لتربية المهابة وتقويةٌ لعظيم العذاب {وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ} إذ لا جُرم أعظمُ من جرمهم، والجمعُ في الضميرين المجرورين لمراعاة جانبِ المعنى كما أن الإفراد في المستكنّ في الصلة لرعاية جانبِ اللفظ.
{ذلك} إشارةٌ إلى الكفر بعد الإيمان أو إلى الوعيد المذكور {بِأَنَّهُمْ} بسبب أنهم {استحبوا الحياة الدنيا} آثروها {على الآخرة وَأَنَّ الله لاَ يَهْدِى} إلى الإيمان وإلى ما يوجب الثباتَ عليه هدايةَ قسرٍ وإلجاء {القوم الكافرين} في علمه المحيطِ فلا يعصمهم عن الزيغ وما يؤدّي إليه من الغضب والعذابِ العظيم، ولولا أحدُ الأمرين: إما إيثارُ الحياة الدنيا على الآخرة وإما عدمُ هدايةِ الله سبحانه للكافرين هدايةَ قسرٍ بأن آثروا الآخرة على الدنيا أو بأن هداهم الله تعالى هدايةَ قسرٍ، لَما كان ذلك لكنّ الثانيَ مخالفٌ للحكمة والأولُ مما لا يدخُل تحت الوقوعِ وإليه أشير بقوله تعالى: {أولئك} أي أولئك الموصوفين بما ذكر من القبائح {الذين طَبَعَ الله على قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وأبصارهم} فأبت عن إدراك الحقِّ والتأمل فيه {وَأُولَئِكَ هُمُ الغافلون} أي الكاملون في الغفلة إذ لا غفلةَ أعظمُ من الغفلة عن تدبر العواقب.
{لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ في الآخرة هُمُ الخاسرون}.
إذْ ضيّعوا أعمارَهم وصرفوها إلى ما لا يفضي إلا إلى العذاب المخلد.
{ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجروا} إلى دار الإسلام وهم عمارٌ وأصحابُه رضي الله عنهم، أي لهم بالولاية والنصرِ لا عليهم كما يوجبه ظاهرُ أعمالِهم السابقةِ، فالجارُّ والمجرور خبرٌ لإن ويجوز أن يكون خبرُها محذوفًا فالدلالة الخبرِ الآتي عليه ويجوز أن يكون ذلك خبرًا لها وتكون إن الثانيةُ تأكيدًا للأولى، وثم للدِلالة على تباعد رتبةِ حالهم التي يفيدها الاستثناء من مجرد الخروجِ عن حكم الغضب والعذابِ بطريق الإشارة، لا عن رتبة حالِ الكفرة {مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ} أي عُذّبوا على الارتداد وتلفظوا بما يرضيهم مع اطمئنان قلوبِهم بالإيمان، وقرئ على بناء الفاعل أي عذَّبوا المؤمنين كالحضْرمي أكره مولاه جبرًا حتى ارتد ثم أسلما وهاجرا {ثُمَّ جاهدوا} في سبيل الله {وَصَبَرُواْ} على مشاقّ الجهاد {إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا} من بعد المهاجِرةَ والجهاد والصبرِ، فهو تصريحٌ بما أشعر به بناء الحُكم على الموصول من علّية الصلة له أو من بعد الفتنة المذكورة فهو لبيان عدمِ إخلالِ ذلك بالحكم {لَغَفُورٌ} لما فعلوا من قبلُ {رَّحِيمٌ} يُنعم عليهم مجازاةً على ما صنعوا من بعد، وفي الترعض لعنوان الربوبيةِ في الموضعين إيماء إلى علة الحكمِ، وفي إضافة الربِّ إلى ضميره عليه السلام مع ظهور الأثرِ في الطائفة المذكورة إظهارٌ لكمال اللطفِ به عليه السلام وإشعارٌ بأن إفاضة آثارِ الربوبيةِ عليهم من المغفرة والرحمةِ بواسطته عليه السلام ولكونهم أتباعًا له. اهـ.

.قال الألوسي:

{مَن كَفَرَ بالله} أي بكلمة الكفر {مِن بَعْدِ إيمانه} به تعالى.
وهذا بحسب الظاهر ابتداء كلام لبيان حال من كفر بآيات الله تعالى بعدما آمن بها بعد بيان حال من لم يؤمن بها رأسًا و{مِنْ} موصولة محلها الرفع على الابتداء والخبر محذوف لدلالة {فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ} الآتي عليه وحذف مثل ذلك كثير في الكلام، وجوز أيضًا الرفع وكذا النصب على القطع لقصد الذم أي هم أو أذم من كفر والقطع للذم والمدح وإن تعورف في النعت، و{مِنْ} لا يوصف بها لكن لا مانع من اعتباره في غيره كالبدل وقد نص عليه سيبويه.
نعم قال أبو حيان: إن النصب على الذم بعيد.
وأجاز الحوفي والزمخشري كونها بدلًا من {الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بآيات الله} [النحل: 104]، وقوله تعالى: {وَأُوْلئِكَ هُمُ الكاذبون} [النحل: 105]. اعتراض بينهما.
واعترضه أبو حيان وغيره بأنه يقتضي أن لا يفتري الكذب إلا من كفر بعد إيمانه والوجود يقتضي أن من يفتري الكذب هو الذي لا يؤمن مطلقًا وهم أكثر المفترين.
وأيضًا البدل هو المقصود والآية سيقت للرد على قريش وهم كفار أصليون.
ووجه ذلك الطيبي بأن يراد بقوله تعالى: {مِن بَعْدِ إيمانه} من بعد تمكنه منه كقوله تعالى: {أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى} [البقرة: 16]، وذكر أن فيه ترشيحًا لطريق الاستدراج وتحسيرًا لهم على ما فاتهم من التصديق وما اقترفوه من نسبته عليه الصلاة والسلام إلى الافتراء وفيه كما في الكشف أن قوله سبحانه: {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ} لا يساعد عليه، وحمل التمكن منه على ما هو أعم من التمكن في إحداثه وبقائه لا يخفى ما فيه.
وقال المدقق: الأولى في التوجيه أن يجعل المعنى من وجد الكفر فيما بينهم تعييرًا على الارتداد أيضًا وأن من وجد فيهم هذه الخصلة لا يبعد منهم الافتراء ويجعل ذلك ذريعة إلى أن ينعى عليهم ما كانوا يفعلونه مع المؤمنين من المثلة ويدمج فيه الرخصة بإجراء كلمة الكفر على اللسان على سبيل الإكراه وتفاوت ما بين صاحب العزيمة والرخصة، ولا يخفى ما فيه أيضًا وأنه غير ملائم لسبب النزول، وقال الخفاجي: لك أن تقول: الأقرب أن يبقى الكلام على ظاهره من غير تكلف وأن هذا تكذيب لهم على أبلغ وجه كما يقال لمن قال: إن الشمس غير طالعة في يوم صاح هذا ليس بكذب لأن الكذب يصدر فيما قد تقبله العقول ويكون هذا على تقدير أن يكون المراد في {لاَ يَهْدِيهِمُ الله} لا يهديهم إلى الحق فالله تعالى لما لم يهدهم إلى الحق والصدق وختم على حواسهم نزلوا منزلة من لم يعرفه حتى يساعده لسانه على النطق به فقبح إنكارهم له أجل من أن يسمى كذبًا وإنما يكذب من تعمد ذلك ونطق به مرة، فتكون الآية الأولى للرد على قريش صريحًا والأخرى دلالة على أبلغ وجه انتهى، ولعمري إنه نهاية في التكلف، ومثل هذا الإبدال الإبدال من {أولئك} [النحل: 105]، والإبدال من {الكاذبون} [النحل: 105]، وقد جوزهما الزمخشري أيضًا؛ وجوز الحوفي الأخير أيضًا ولم يجوز الزجاج غيره.
وجوز غير واحد كون {مِنْ} شرطية مرفوعة المحل على الابتداء واستظهره في البحر والجواب محذوف لدلالة الآتي عليه كما سمعت في الوجه الأول، والكلام في خبر من الشرطية مشهور، وظاهر صنيع الزمخشري اختيار الإبدال وهو عندي غريب منه.
وفي الكشف أن كون {مِنْ} شرطية مبتدأ وجه ظاهر السداد إلا أن الذي حمل جار الله على إيثار كون {مِنْ} بدلًا طلب الملاءمة بين أجزاء النظم الكريم لا أن يكون ابتداء بيان حكم، ولا يخفى ما في هذا العذر من الوهن، والظاهر أن استثناء {مَنْ أُكْرِهَ} أي على التلفظ بالكفر بأمر يخاف منه على نفسه أو عضو من أعضائه ممن كفر استثناء متصل لأن الكفر التلفظ بما يدل عليه سواء طابق الاعتقاد أولًا.
قال الراغب: يقال كفر فلان إذا اعتقد الكفر ويقال إذا أظهر الكفر وإن لم يعتقد، فيدخل هذا المستثنى في المستثنى منه المذكور، وقيل: مستثنى من الخبر الجواب المقدر، وقيل: مستثنى مقدم من قوله تعالى: {فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ} وليس بذاك، والمراد إخراجه من حكم الغضب والعذاب أو الذم؛ وقوله سبحانه: {وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بالإيمان} حال من السمثتنى، والعامل كما في إرشاد العقل السليم هو الكفر الواقع بالإكراه لا نفس الإكراه لأن مقارنة اطمئنان القلب بالإيمان للإكراه لا تجدي نفعًا وإنما المجدي مقارنته للكفر الواقع به أي إلا من كفر بإكراه أو إلا من أكره فكفروا لحال أن قلبه مطمئن بالإيمان لم تتغير عقيدته، وأصل معنى الاطمئنان سكون بعد انزعاج، والمراد هنا السكون والثبات على ما كان عليه بعد إزعاج الإكراه، وإنما لم يصرح بذلك العامل إيماء إلى أنه ليس بكفر حقيقة.
واستدل بالآية على أن الإيمان هو التصديق بالقلب والإقرار ليس ركنًا فيه كما قيل.
واعترض بأن من جعله ركنًا لم يرد أنه ركن حقيقي لا يسقط أصلًا بل أنه دال على الحقيقة التي هي التصديق إذ لا يمكن الاطلاع عليها فلا يضره عند سقوطه لنحو الإكراه والعجز فتأمل.
{ولكن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا} أي اعتقده وطاب به نفسًا و{صَدْرًا} على معنى صدره إذ البشر في عجز عن شرح صدر غيره، ونصبه كما قال الإمام على أنه مفعول به لشرح وجوز بعضهم كونه على التمييز، و{مِنْ} إما شرطية أو موصولة لكن إذا جعلت شرطية قال أبو حيان لابد من تقدير مبتدأ قبلها لأن لكن لا تليها الجمل الشرطية، والتقدير هنا ولكن هم من شرح بالكفر صدرًا أي منهم ومثله قوله:
ولكن متى تسترفد القوم أرفد

أي ولكن أنا متى تسترفد إلخ.
وتعقب بأنه تقدير غير لازم، وقوله تعالى: {فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ} جواب الشرط على تقدير شرطية {مِنْ} وهي على التقديرين مبتدأ وهذا خبرها على تقدير الموصولية وكذا على تقدير الشرطية في رأي والخلاف مشهور، وجعله بعضهم خبرًا لمن هذه ولمن الأولى للاتحاد في المعنى إذ المراد بمن كفر الصنف الشارح بالكفر صدرًا.
وتعقبه في البحر بأن هاهنا جملتين شرطيتين وقد فصل بينهما بأداة الاستدراك فلابد لكل واحدة منهما من جواب على حدة فتقدير الحذف أحرى في صناعة الإعراب.