فصل: قال الثعلبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ويقال: من كلام ربك {بالحق} أي: بالوحي.
ويقال: بالصدق.
ويقال: للحق.
ويقال: لصلاح الخلق {لِيُثَبّتَ الذين ءامَنُواْ} أي: ليحفظ قلوب الذين آمنوا على الإسلام.
ويقال: لِتَطمئن إليه قلوب الذين آمنوا {وهدى} من الضلالة {وبشرى لِلْمُسْلِمِينَ} بالجنة.
ثم قال: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ} يعني: أن كفار قريش يقولون: {إِنَّمَا يُعَلّمُهُ بَشَرٌ} يعنون: جبرًا ويسارًا.
وروى حصين عن عبد الله بن مسلم قال: كان لنا غلامان من أهل اليمن نصرانيان، اسم أحدهما يسار، والآخر جبر، صيقليان.
وكانا يقرآن بلسانهما، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمر عليهما، يسمع منهما.
فقال المشركون: إنما يتعلم منهما، فأكذبهم الله تعالى حيث قال: {لّسَانُ الذي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِىٌّ} أي: رومي اللسان.
وقال مقاتل كان غلام لعامر بن الحضرمي اسمه يسار، يهودي أعجمي اللسان، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا آذاه كفار قريش يدخل عليه، ويحدثه، فقال المشركون: إنما يعلمه يسار.
فقال الله تعالى ردًا عليهم: {لّسَانُ الذي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِىٌّ} أي: يميلون إليه، ويزعمون أنه يعلمه أعجمي أي: عبراني.
وأصل الإلحاد الميل {وهذا} يعني: القرآن {لِسَانٌ عَرَبِىٌّ مُّبِينٌ} يعني: مفقه بلغتهم.
وروي عن طلحة بن عمير أنه قال: بلغني أن خديجة كانت تختلف إلى غلام ابن الحضرمي، وكان نصرانيًا، وكان صاحب كتب.
يقال له: جبر وكانت قريش تقول: إنَّ عبد ابن الحضرمي يعلم خديجة، وخديجة تعلم محمدًا صلى الله عليه وسلم، فنزل: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلّمُهُ بَشَرٌ} ثم أسلم جبر بعد ذلك، وحسن إسلامه، وهاجر مع سيده.
قرأ ابن كثير: {رُوحُ القدس} بجزم الدال.
وقرأ الباقون: {القدس} بضم الدال وقرأ حمزة والكسائي: {يُلْحِدُونَ} بنصب الياء والحاء.
وقرأ الباقون: {يُلْحِدُونَ} بضم الياء وكسر الحاء ومعناهما واحد.
ثم قال: {إِنَّ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بآيات الله} أي: القرآن {لاَ يَهْدِيهِمُ الله} أي: لا يوفقهم الله، ولا يكرمهم، لقلة رغبتهم في الإيمان.
ويقال: لا ينجيهم في الآخرة من النار {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} في الآخرة.
ثم قال: {إِنَّمَا يَفْتَرِى الكذب الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بآيات الله وَأُوْلئِكَ هُمُ الكاذبون} قال الزجاج: معناه {إِنَّمَا يَفْتَرِى الكذب الذين لاَ يُؤْمِنُونَ} إذا رأوا الآيات التي لا يقدر عليها إلاَّ الله، كذبوا بها، وهؤلاء أكذب الكذبة.
قوله: {مَن كَفَرَ بالله مِن بَعْدِ إيمانه} فعليهم غضب من الله على معنى التقديم.
ثم استثنى فقال: {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ} أي: أكره على الكفر، وتكلم بالكفر مكرهًا {وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بالإيمان} أي: قلبه معتقد عليه.
وهو عمار بن ياسر، وأصحابه.
وذلك أن ناسًا من أهل مكة آمنوا، فخرجوا مهاجرين، فأدركتهم قريش بالطريق، فعذبوهم، فكفروا مكرهين، فنزلت هذه الآية فيهم وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد مثله.
وروي عن قتادة أنه قال: ذكر لنا أن عمار بن ياسر أخذه بنو المغيرة، فطرحوه في بئر ميمونة حتى أمسى، فقالوا له: اكفر بمحمد، وأشرك بالله فبايعهم على ذلك، وقلبه كاره فنزلت الآية.
وذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى عمار بن ياسر وهو يبكي، فجعل يمسح الدموع من عينيه، ويقول: أخذني الكفار، ولم يتركوني حتى نلت منك، وذكرت آلهتهم بخير.
فقال: «كَيْفَ وَجَدْتَ قَلْبَكَ» قال: مطمئن بالإيمان فقال: «إنْ عَادُوا فَعُدْ».
وقال مقاتل: أسلم جبر مولى ابن الحضرمي، فأخذه مولاه وعذبه، حتى رجع إلى اليهودية.
ثم رجع إلى هؤلاء النفر، فنزلت الآية {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بالإيمان} ثم بيّن حال الذين ثبتوا على الكفر فقال: {ولكن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا} أي: فتح صدره بالقبول.
يعني: قبل الكفر طائعًا وهو عبد الله بن سعد بن أبي سرح ارتدّ ولحق بمكة {فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مّنَ الله وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} أي: شديد في الآخرة {ذلك} العذاب {ذلك بِأَنَّهُمُ استحبوا الحياة} أي: اختاروا الدنيا {على الآخرة وَأَنَّ الله لاَ يَهْدِى} أي: لا يرشد إلى دينه {القوم الكافرين} أي: لا يرشدهم إلى دينه.
قوله: {أُولَئِكَ الذين طَبَعَ الله على قُلُوبِهِمْ} مجازاة لهم {وَسَمْعِهِمْ وأبصارهم} أي: ختم على قلوبهم، وسمعهم، وأبصارهم، {وَأُولَئِكَ هُمُ الغافلون} أي: التاركون لأمر الله تعالى: {لاَ جَرَمَ} أي: حقًا {أَنَّهُمْ في الآخرة هُمُ الخاسرون} {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجروا} قال ابن عباس: نزلت في عمار بن ياسر، وأبويه، وبلال، وصهيب، وخباب بن الأرت، عذبهم المشركون، ثم هاجروا إلى المدينة، فأخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجروا} {مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ} يقول: عذبهم أهل مكة {ثُمَّ جاهدوا} مع النبي صلى الله عليه وسلم {وَصَبَرُواْ} على البلاء، وصبروا على دينهم، وصبروا مع النبي صلى الله عليه وسلم على طاعة الله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا} أي: من بعد الفتن.
ويقال: من بعد الهجرة {لَغَفُورٌ} لذنوبهم {رَّحِيمٌ}.
ويقال: نزلت الآية في عياش بن أبي ربيعة.
وقد ذكرناه في سورة النساء.
قرأ ابن عامر: {مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ} بفتح الفاء والتاء، أي: أصابتهم الفتنة.
وقرأ الباقون: {فَتَنُواْ} على معنى فعل ما لم يسم فاعله. اهـ.

.قال الثعلبي:

{إِنَّ الله يَأْمُرُ بالعدل} يعني بالإنصاف {والإحسان} إلى الناس، الوالبي عن ابن عبّاس: العدل: التوحيد، والإحسان أداء الفرائض.
وقيل: العدل: شهادة أن لا إله إلاّ الله، والاحسان: الاخلاص فيه.
عطاء عنه: العدل: مصطلح الأنداد، والإحسان: أن تعبد الله كأنك تراه، مقاتل: العدل: التوحيد، والإحسان: العفو عن الناس، وقيل: العدل في الأفعال والإحسان في الأقوال. كقوله: {وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة: 83].
{وَإِيتَاء ذِي القربى} صلة الرحم {وينهى عَنِ الفحشاء} القبيح من الأقوال والأفعال.
وقال ابن عبّاس: الزنا.
{والمنكر} ما لا يُعرف في شريعة ولا سنّة {والبغي} الفسق والظلم.
وقال ابن عيينة: والعدل في مستوى السر والعلانية.
والإحسان أن تكون سريرته أحسن من علانيته، والفحشاء أن تكون علانيته أحسن من سريرته.
{يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} تتعظون.
قتادة: إن الله تعالى أمر عباده بمكارم الأخلاق ومعاليها، ونهاهم عن سفاسف الأخلاق ومذاقها.
وقال ابن مسعود: وأجمع آية في القرآن هذه الآية.
شهر بن حوشب عن ابن عبّاس قال: «بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم بفناء بيته بمكة جالسًا إذ مرَّ به عثمان بن مظعون فكسر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله: ألا تجلس قال: بلى، فجلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مستقبله فبينما هو يحدّثه إذ شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم بصره إلى السماء فنظر ساعة فأخذ يضع بصره حتّى وقع على يمينه في الأرض فتحرّف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن جليسه عثمان إلى حيث وضع بصره فأخذ ينغض رأسه كأنّه يستفهم شيئًا يقال له، ثمّ شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم بصره إلى السماء كما شخص أول مرة فأتبعه بصره حتّى توارى في السماء فأقبل إلى عثمان كحالته الأولى، فقال: يا محمّد فيما كنت أُجالسك ما رأيتك تفعل فعلتك لغداة؟ قال: وما رأيتني فعلت؟ قال: رأيتك تشخص بصرك إلى السماء ثمّ وضعته على يمينك فتحرّفت إليه وتركتني، فأخذت تنغض رأسك كأنك تستفهم شيئًا يقال لك. فقال: أو فطنت إلى ذلك؟ قال: نعم، قال: أتاني رسول الله جبرائيل آنفًا وأنت جالس قال: نعم: فماذا قال: لك؟ قال: قال: {إِنَّ الله يَأْمُرُ بالعدل والإحسان} إلى آخره» قال عثمان: فذلك الحين استقر الإيمان في قلبي وأحببت محمدًا صلى الله عليه وسلم.
وروى حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ على الوليد بن المغيرة {إِنَّ الله يَأْمُرُ بالعدل} إلى آخر الآية، قال له: يابن أخ أعد، فأعاد عليه. فقال: إن له والله لحلاوة وإن عليه لطلاوة فإن أعلاه لمثمر وإن أسفله لمغدق وما هو بقول بشر، ثمّ لم يسلم، فأنزل الله فيه: {وأعطى قَلِيلًا وأكدى} [النجم: 34].
{وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ الله إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأيمان بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} تشديدها ويحنثوا فيها، والتوكيد لغة أهل الحجاز، أمّا أهل نجد فإنهم يقولون: أُكّدت تأكيدًا {وَقَدْ جَعَلْتُمُ الله عَلَيْكُمْ كَفِيلًا} بالوفاء {إِنَّ الله يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} واختلفوا فيمن نزلت هذه الآية وإن كان حكمها عامًا.
فقال بعضهم: نزلت في الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم الله بالوفاء بها.
وقال مجاهد وقتادة: نزلت في حِلف أهل الجاهلية.
ثمّ ضرب جلّ ثناؤه مثلًا لنقض العهد، فقال عز من قائل: {وَلاَ تَكُونُواْ كالتي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ} أي من بعد إبرامه وإحكامه، وكان بعض أهل اللغة يقول: القوة ما غزل على طاقة واحدة ولم يثن.
الكلبي ومقاتل: هي امرأة خرقاء حمقاء من قريش يقال لها: ريطة بنت عمرو بن سعد بن كعب بن زيد مناة بن تميم كانت اتخذت مغزلًا بقدر ذراع وصنارة مثل الإصبع وفتل عظمة على قدرها وكانت تغزل من الصوف والشعر والوبر وتأمر جواريها بذلك فكنّ يغزلنّ من الغداة إلى نصف النهار، فإذا إنتصف النهار أمرت جواريها بنقض جميع ما غزلن فهذا كان دأبها.
وقوله: {أَنكَاثًا} يعني أنقاضًا واحدتها نكثة، وهو كل ما نقض بعد الفتل غزلًا كان أو حبالًا {تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ} أي دخلًا وخيانة وخديعة.
قال أبو عبيدة: كل أمر لم يكن صحيحًا فهو دخل.
{أَن تَكُونَ} أي لأن تكون {أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى} أكثر وأجلّ {مِنْ أُمَّةٍ}.
قال مجاهد: ذلك أنهم كانوا يحالفون الحلف فيجدون أكبر منهم وأعز ويستيقنوه فيحلف هؤلاء ويحالفون الأكثر فنهاهم الله تعالى عن ذلك {إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ الله بِهِ} يختبركم بأمره إياكم بالوفاء بالعهد {وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ القيامة مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} في الدنيا {وَلَوْ شَاء الله لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} على ملّة واحدة، {ولكن يُضِلُّ مَن يَشَاء} بخذلانه إياهم عدلا منه فيهم {وَيَهْدِي مَن يَشَاء} بتوفيقه إياهم فضلًا منه {وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}.
{وَلاَ تتخذوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا} خديعة وفسادًا {بَيْنَكُمْ} يغرون بها الناس فتسكنون إلى إيمانكم ويأمنون ثمّ ينقضونها ويختلفون فيها {فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا} فتهلكوا بعد ما كنتم آمنين، والعرب تقول لكل مبتل بعد عافية أو ساقط في ورطة بعد سلامة: زلّت قدميه.
كقول الشاعر:
سيمنع منك السبق إن كنت سابقًا ** وتلطع إن زلت بك القدمان

{وَتَذُوقُواْ السواء} العذاب {بِمَا صَدَدتُّمْ عَن سَبِيلِ الله وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِعَهْدِ الله ثَمَنًا قَلِيلًا} يعني ولا تنقظوا عهودكم تطلبون بنقضها عوضًا قليلًا من الدنيا، ولكن أوفوا بها فإنما عند الله من الثواب لكم على الوفاء بذلك {خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} فصل ما بين العوضين ثمّ بين ذلك {مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ الله بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ} بالنون عاصم. الباقون بالياء.
{الذين صبروا} على الوفاء في السرّاء والضراء {أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} دون أسوأها ويغفر سيئاتهم بفضله {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أنثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} اختلفوا فيها:
فقال سعيد بن جبير وعطاء والضحاك: هي الرزق الحلال، وهو رواية ابن أبي مالك وأبي الربيع عن ابن عبّاس.
وقال الحسن وعلي وزيد ووهب بن منبّه: هي القناعة والرضا بما قسم الله، وهذه رواية عكرمة عن ابن عبّاس.
وقال مقاتل بن حيان: يعني أحسن في الطاعة، وهي رواية عبيد بن سليم عن الضحاك، فقال: من يعمل صالحًا وهو مؤمن في فاقة أو ميسرة فحياة طيبة، ومن أعرض عن ذكر الله فلم يؤمن ولم يعمل عملًا صالحًا فمعيشة ضنك لا خير فيها.
أبو بكر الوراق: هي حلاوة الطاعة.
الوالبي عن ابن عبّاس: هي السعادة، مجاهد وقتادة وابن زيد: هي الجنة، ومثله روي عن الحسن وقال: لا تطيب الحياة لأحد إلاّ في الجنة.
{وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}.
قال أبو صالح: جلس ناس من أهل التوراة وأهل الإنجيل وأهل الأوثان، فقال هؤلاء: نحن أفضل، وقال هؤلاء: نحن أفضل، فأنزل الله عزّ وجلّ هذه الآية {فَإِذَا قَرَأْتَ القرآن} يعني فإذا كنت قارئًا للقرآن {فاستعذ بالله مِنَ الشيطان الرجيم}.
قال محمّد بن جرير، وقال الآخرون: مجازه: فإذا أردت قراءة القرآن فاستعذ، كقوله: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصلاة فاغسلوا} [المائدة: 6]. الآية، أي الطهارة مقدمة على الصلاة، وقوله: و{إِذَا طَلَّقْتُمُ النساء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1]. معناها وإذا أردتم تطليق النساء لأنه محال أن يأمرهم بالتطليق المعين بعد ما مضى التطليق، وأما حكم الآية: فاعلم أن الاستعاذة عند قراءة القرآن مستحبة في الصلاة وغير الصلاة، هذا قول جماعة الفقهاء إلاّ مالكًا، فإنه لا يتعوذ إلاّ في قيام رمضان، واحتج بما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفتتح الصلاة بالحمد لله رب العالمين، وإنما تأويل هذا الحديث أنه كان يفتتح القراءة في الصلاة بالحمد لله رب العالمين، يدل عليه أن الصلاة تفتتح بالتكبير بلا خلاف على أن الخبر متروك الظاهر.
ويدل على صحة ما قلنا حديث: «جبير بن مطعم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلّي فقال: الله أكبر كبيرًا والحمد لله وسبحان الله بكرة وأصيلًا، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم من نفخه ونفثه وهمزه» وقال ابن مسعود: نفخة الكبر ونفثة الشعر وهمزة المرض يعني الجنون، فإذا تقرر هذا ثبت أن الخبر المتقدم متروك بالظاهر مأخوذ المعنى.
واختلف الفقهاء في وقت الاستعاذة:
فقال أكثرهم: قبل القراءة، وهو قول الجمهور، وهو الصحيح المشهور.
وقال أبو هريرة: يتعوذ بعد القراءة وإليه ذهب داود بن علي.