فصل: (سورة النحل: الآيات 110- 111)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة النحل: الآيات 110- 111]

{ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا ثُمَّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (110) يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (111)}.
{ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ} دلالة على تباعد حال هؤلاء من حال أولئك، وهم عمار وأصحابه، ومعنى: إنّ ربك لهم، أنه لهم لا عليهم، بمعنى أنه وليهم وناصرهم لا عدوّهم وخاذلهم، كما يكون الملك الرجل لا عليه، فيكون محميًا منفوعا غير مضرور {مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا} بالعذاب والإكراه على الكفر، وقرئ {فُتِنُوا} على البناء للفاعل، أي: بعد ما عذبوا المؤمنين كالحضرمى وأشباهه مِنْ بَعْدِها من بعد هذه الأفعال وهي الهجرة والجهاد والصبر. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {إِن الله يأمر بالعدل} فيه أربعة أقوال:
أحدها: أنه شهادة أن لا إِله إِلا الله، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس.
والثاني: أنه الحق، رواه الضحاك عن ابن عباس.
والثالث: أنه استواء السريرة والعلانية في العمل لله تعالى، قاله سفيان بن عيينة.
والرابع: أنه القضاء بالحق، ذكره الماوردي.
قال أبو سليمان: العدل في كلام العرب: الإِنصاف، وأعظمُ الإِنصاف: الاعتراف للمنعِم بنعمته.
وفي المراد بالإِحسان خمسة أقوال:
أحدها: أنه أداء الفرائض، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس.
والثاني: العفو، رواه الضحاك عن ابن عباس.
والثالث: الإِخلاص، رواه أبو صالح عن ابن عباس.
والرابع: أن تعبد الله كأنك تراه، رواه عطاء عن ابن عباس.
والخامس: أن تكون السريرة أحسن من العلانية، قاله سفيان بن عيينة.
فأما قوله تعالى: {وإِيتاء ذي القربي} فالمراد به: صلة الأرحام.
وفي الفحشاء قولان:
أحدهما: أنها الزنا، قاله ابن عباس.
والثاني: المعاصي، قاله مقاتل.
وفي {المنكر} أربعة أقوال:
أحدها: أنه الشرك، قاله مقاتل.
والثاني: أنه ما لا يُعرَف في شريعة ولا سُنَّة.
والثالث: أنه ما وعد الله عليه النار، ذكرهما ابن السائب.
والرابع: أن تكون علانية، الإِنسان أحسن من سريرته قاله سفيان بن عيينة.
فأما {البغي} فقال ابن عباس: هو الظلم، وقد سبق شرحه في مواضع [البقرة: 173، والأعراف: 33، ويونس: 23، 90].
قوله تعالى: {يعظكم} قال ابن عباس: يؤدِّبكم، وقد ذكرنا معنى الوعظ في [سورة النساء: 58]، و{تذكَّرون} بمعنى: تتَّعظون.
قال ابن مسعود: هذه الآية أجمع آية في القرآن لخير أو لشر.
وقال الحسن: والله ما ترك العدلُ والاحسانُ شيئًا من طاعة الله إِلاَّ جمعاه، ولا تركت الفحشاء والمنكر والبغي شيئًا من معصية الله إِلاّ جمعوه.
قوله تعالى: {وأوفوا بعهد الله} اختلفوا فيمن نزلت على قولين:
أحدهما: أنها نزلت في حلف أهل الجاهلية، قاله مجاهد، وقتادة.
والثاني: أنها نزلت في الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال المفسرون: العهد الذي يجب الوفاء به، هو الذي يحسن فعله، فإذا عاهد العبد عليه، وجب الوفاء به، والوعد من العهد {ولا تنقضوا الأَيمان بعد توكيدها} أي: بعد تغليظها وتشديدها بالعزم والعقد على اليمين، بخلاف لغو اليمين، ووكدت الشيء توكيدًا، لغة أهل الحجاز.
فأما أهل نجد، فيقولون: أكدته تأكيدًا.
وقال الزجاج: يقال: وكَّدت الأمر، وأكّدت، لغتان جيدتان، والأصل الواو، والهمزة بدل منها.
قوله تعالى: {وقد جعلتم الله عليكم كفيلًا} أي: بالوفاء، وذلك أن من حلف بالله، فكأنه أكفل الله بالوفاء بما حلف عليه.
وللمفسرين في معنى {كفيلا} ثلاثة أقوال:
أحدها: شهيدًا، قاله سعيد بن جبير.
والثاني: وكيلا، قاله مجاهد.
والثالث: حفيظًا مراعيًا لعقدكم، قاله أبو سليمان الدمشقي.
قوله تعالى: {ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها} قال مجاهد: هذا فعل نساء أهل نجد، تنقض إِحداهن حبلها، ثم تنفشه، ثم تخلطه بالصوف فتغزله، وقال مقاتل: هي امرأة من قريش تسمى رَيْطة بنت عمرو بن كعب، كانت إِذا غزلت، نقضته.
وقال ابن السائب: اسمها رَائطة وقال ابن الأنباري: اسمها رَيطة بنت عمرو المرِّيّة، ولقبها الجعراء، وهي من أهل مكة، وكانت معروفة عند المخاطبين، فعرفوها بوصفها، ولم يكن لها نظير في فعلها ذلك، كانت متناهية الحمق، تغزِلُ الغزل من القطن أو الصوف فتُحكِمُه، ثم تأمر جاريتها بتقطيعه.
وقال بعضهم: كانت تغزل هي وجواريها، ثم تأمرهن أن ينقضن ما غزلن، فضربها الله مثلًا لناقضي العهد و{نقضت}، بمعنى: تنقض، كقوله: {ونادى أصحابُ الجنة} [الأعراف: 43]. بمعنى: وينادي.
وفي المراد بالغَزْل قولان:
أحدهما: أنه الغَزْل المعروف، سواء كان من قطن أو صوف أو شعر، وهو قول الأكثرين.
والثاني: أنه الحَبْل، قاله مجاهد.
وقوله: {من بعد قوة} قال قتادة: من بعد إِبرام، وقوله: {أنكاثًا} أي: أنقاضًا.
قال ابن قتيبة: الأنكاث: ما نُقض من غَزْل الشَّعْر وغيره.
وواحدها: نِكْث.
يقول: لا تؤكدوا على أنفسكم الأَيمان والعهود، ثم تنقضوا ذلك وتحنثوا فيه، فتكونوا كامرأة غزلت ونسجت، ثم نقضت ذلك النسج، فجعلته أنكاثًا.
قوله تعالى: {تتخذون أيمانكم دَخَلًا بينكم} أي: دغلًا، ومكرًا، وخديعة، وكل شيء دخله عيب، فهو مدخول، وفيه دَخَلٌ.
قوله تعالى: {أن تكون أمة} قال ابن قتيبة: لأن تكون أمة، {هي أربى} أي: هي أغنى {مِنْ أُمَّةٍ} وقال الزجاج: المعنى: بأن تكون أمة هي أكثر، يقال: ربا الشيء يربو: إِذا كثر.
قال ابن الأنباري: قال اللغويون: {أربى} أَزْيَد عددًا.
قال مجاهد: كانوا يحالفون الحلفاء فيجدون أكثر منهم وأعزَّ، فينقضون حِلف هؤلاء ويحالفون أولئك، فنُهوا عن ذلك.
وقال الفراء: المعنى: لا تغدِروا بقوم لقلَّتِهم وكثرتكم، أو قِلَّتكم وكثرتهم وقد غرَّرتموهم بالأَيمان.
قوله تعالى: {إِنما يبلوكم الله به} في هذه الآية ثلاثة أقوال:
أحدها: أنها ترجع إِلى الكثرة، قاله سعيد بن جبير، وابن السائب، ومقاتل، فيكون المعنى: إِنما يختبركم الله بالكثرة، فإذا كان بين قومين عهد، فكثر أحدهما، فلا ينبغي أن يفسخ الذي بينه وبين الأقلِّ.
فإن قيل: إِذا كنى عن الكثرة، فهلاّ قيل بها؟ فقد أجاب عنه ابن الأنباري، بأن الكثرة ليس تأنيثها حقيقيًا، فحملت على معنى التذكير، كما حملت الصيحة على معنى الصياح.
والثاني: أنها ترجع إِلى العهد، فانَّه لدلالة الأَيمان عليه، يجرى مجرى المظهر، ذكره ابن الأنباري.
والثالث: أنها ترجع إِلى الأمر بالوفاء، ذكره بعض المفسرين.
قوله تعالى: {ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة} قد فسرناه في آخر [هود: 118].
قوله تعالى: {ولكن يُضِلُّ من يشاء} صريح في تكذيب القَدَرية، حيث أضاف الإِضلال والهداية إِليه، وعلَّقهما بمشيئته.
قوله تعالى: {ولا تتخذوا أَيْمانكم دَخَلا} هذا استئناف للنهي عن أيمان الخديعة.
{فَتَزِلَّ قَدَمٌ بعد ثبوتها} قال أبو عبيدة: هذا مَثَل يقال لكل مبتَلَىً بعد عافية، أو ساقط في ورطة بعد سلامة: زلّت به قَدَمه.
قال مقاتل: ناقض العهد يَزِلُّ في دينه كما تَزِلُّ قَدم الرَّجُل بعد الاستقامة.
قال المفسرون: وهذا نهي للذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإِسلام ونصرة الدين عن نقض العهد، ويدل عليه قوله يتعالى: {وتذوقوا السوء} يعني: العقوبة {بما صددتم عن سبيل الله} يريد أنهم إِذا نقضوا عهدهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، صدَّوا الناس عن الإِسلام، فاستحقُّوا العذاب.
وقوله تعالى: {ولكم عذاب عظيم} يعني: في الآخرة.
ثم أكد ذلك بقوله: {ولا تشتروا بعهد الله ثمنًا قليلًا} قال أبو صالح عن ابن عباس: نزلت في رجُلين اختصما إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أرض، يقال لأحدهما عِيدان بن أشوع وهو صاحب الأرض، وللآخر: امرؤ القيس وهو المدعى عليه، فهمّ امرؤ القيس أن يحلف، فأخَّره رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت هذه الآية.
وذكر أبو بكر الخطيب أن اسم صاحب الأرض ربيعة بن عبْدان وقيل: عَيدان، بفتح العين وياء معجمه باثنتين.
ومعنى الآية: لاتنقضوا عهودكم، تطلبون بنقضها عَرَضًا يسيرًا من الدنيا، إِن ما عندالله من الثواب على الوفاء هو خير لكم من العاجل.
{ما عندكم ينفد} أي: يفنى {وما عند الله} في الآخرة {باقٍ} وقف بالياء ابن كثير في رواية عنه، ولا خلاف في حذفها في الوصل.
{ولَنَجْزِيَنَّ الذين صبروا} قرأ نافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: {ولَيَجْزِيَنَّ} بالياء.
وقرأ ابن كثير، وعاصم: {ولَنَجْزِيَنَّ} بالنون.
ولم يختلفوا في {ولَنَجْزِيَنَّهم أجرهم} أنها بالنون، ومعنى هذه الآية: وليَجْزِيَنَّ الذين صبروا على أمره أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون في الدنيا، ويتجاوز عن سيئاتهم.
قوله تعالى: {من عمل صالحًا من ذكر أو أُنثى وهو مؤمن} في سبب نزولها قولان: أحدهما: أن امرأ القيس المتقدِّم ذكره أقرَّ بالحق الذي هَمَّ أن يحلف عليه، فنزلت فيه: {من عمل صالحًا}، وهو إِقراره بالحق، قاله أبو صالح عن ابن عباس.
والثاني: أن ناسًا من أهل التوارة، وأهل الإِنجيل، وأهل الأوثان، جلسوا، فتفاضلوا، فنزلت هذه الآية، قاله أبو صالح.
قوله تعالى: {فلنُحيِيَنَّهُ حياة طيبة} اختلفوا أين تكون هذه الحياة الطيبة على ثلاثة أقوال: أحدها: أنها في الدنيا، رواه العوفي عن ابن عباس.
ثم فيها للمفسرين تسعة أقوال:
أحدها: أنها القناعة، قاله علي عليه السلام، وابن عباس في رواية، والحسن في رواية، ووهب بن منبه.
والثاني: أنها الرزق الحلال، رواه أبو مالك عن ابن عباس.
وقال الضحاك: يأكل حلالًا ويلبس حلالًا.
والثالث: أنها السعادة، رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس.
والرابع: أنها الطاعة، قاله عكرمة.
والخامس: أنها رزق يوم بيوم، قاله قتادة.
والسادس: أنها الرزق الطيِّب، والعمل الصالح، قاله إِسماعيل بن أبي خالد.
والسابع: أنها حلاوة الطاعة، قاله أبو بكر الوراق.
والثامن: العافية والكفاية.
والتاسع: الرضى بالقضاء، ذكرهما الماوردي.
والثاني: أنها في الآخرة، قاله الحسن، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وقتادة، وابن زيد، وذلك إِنما يكون في الجنة.
والثالث: أنها في القبر، رواه أبو غسان عن شريك.
قوله تعالى: {فإذا قرأتَ القرآن فاستعذ بالله} فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أن المعنى: فإذا أردتَ القراءة فاستعذ، ومثله {إِذا قمتم إِلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم} [المائدة: 6]، وقوله: {وإِذا سألتموهُنَّ متاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ من وراء حجاب} [الأحزاب 53]، وقوله: {إِذا ناجيتم الرسول فقدِّموا بين يَدَيْ نجواكم صدقة} [المجادلة: 12].
ومثله في الكلام: إِذا أكلت فقل: باسم الله، هذا قول عامة العلماء واللغويين.
والثاني: أنه على ظاهره، وأن الاستعاذة بعد القراءة.
روي عن أبي هريرة، وداود.
والثالث: أنه من المقدَّم والمؤخَّر، فالمعنى: فإذا استعذت بالله فاقرأ، قاله أبو حاتم السجستاني، والأول أصح.