فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقد ثبت في صحيح مسلم أن الدخان من أشراط الساعة، ولا مانع من حمل الآية الكريمة على الدخانين: الدخان الذي مضى، والدخان المستقبل- جمعًا بين الأدلة، وقد قدمنا التفسيرات المتعددة في الآية إن كان يمكن حمل الآيه على جميعها فهو أولى، وقد قدمنا أن ذلك هو الذي حققه أبو العباس بن تيمية رحمه الله في رسالته، في علوم القرآن، بأدلته.
وأما الخوف المذكور في آية النحل- فقد ذكر جل وعلا مثله عن أهل مكة أيضًا على بعض تفسيرات الآية الكريمة التي هي {وَلاَ يَزَالُ الذين كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِّن دَارِهِمْ} [الرعد: 31]. فقد جاء عن جماعة من السلف تفسير القارعة التي تصيبهم بسرية من سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال صاحب الدر المنثور: أخرج الفريابي وابن جرير، وابن مردويه من طريق عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {تصيبهم بما صنعوا قارعة} قال السرايا، وأخرج الطيالسي وابن جريرن وابن المنذر وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ وابن مردويه، والبهقي في الدلائل، من طريق سعيد بن جبير رضي الله عنه، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {وَلاَ يَزَالُ الذين كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ} [الرعد: 31]. قال: سرية {أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِّن دَارِهِمْ} [الرعد: 31]. قال: أنت يا محمد {حتى يَأْتِيَ وَعْدُ الله} [الرعد: 31]. قال فتح مكة، وأخرج ابن مردويه، عن أبي سعيد رضي الله عنه في قوله: {تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ} قال سرية من سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم {أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِّن دَارِهِمْ} يا محمد {حتى يَأْتِيَ وَعْدُ الله}، وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير، وابن المنذر وأبو الشيخ، والبيهقي في الدلائل، عن مجاهد رضي الله عنه قال: {القارعة} السرايا {أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِّن دَارِهِمْ} قال الحديبية {حتى يَأْتِيَ وَعْدُ الله} قال: فتح مكة، وأخرج ابن جرير عن عكرمة رضي الله عنه في قوله: {وَلاَ يَزَالُ الذين كَفَرُوا} الآية- نزلت بالمدينة في سرايا النَّبي صلى الله عليه وسلم. أو تحل أنت يا محمد قريبًا من دارهم اه محل الغرض منه.
فهذا التفسير المذكور في آية {الرعد} هذه، والتفسير المذكور قبله في آية {الدخان}- يدل على أن أهل مكة أبدلوا بعد سعة الرزق والجوع، وبعد الأمن والطمأنينة بالخوف. كما قال في القرية المذكورة {كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ الله فَأَذَاقَهَا الله لِبَاسَ الجوع والخوف بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ}، وقوله في القريه المذكورة {وَلَقَدْ جَاءهُمْ رَسُولٌ مِّنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ} الآية- لا يخفي أنه قال مثل ذلك عن قريش في آيات كثيرة. كقوله: {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ} [التوبة: 128]. الآية، وقوله: {لَقَدْ مَنَّ الله عَلَى المؤمنين إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنْفُسِهِمْ} [آل عمران: 164]. الآية.
والآيات المصرحة بكفرهم وعنادهم كثيرة جدًا كقوله: {أَجَعَلَ الآلهة إلها وَاحِدًا إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص: 5]. {وانطلق الملأ مِنْهُمْ أَنِ امشوا وَاْصْبِرُواْ على آلِهَتِكُمْ} [ص: 6]. الآية، وقوله: {وَإِذَا رَأَوْكَ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُوًا أهذا الذي بَعَثَ الله رَسُولًا إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلاَ أَن صَبْرَنَا عَلَيْهَا} [الفرقان: 41-42]. الآية، والآيات بمثل ذلك كثيرة جدًا.
فمجموع ما ذكرنا قول من قال: إن المراد بهذه القرية المضروبة مثلًا في آية النحل، هذه: هي مكة.
وروي عن حفصة وغيرها: أنها المدينة، قالت ذلك لما بلغها قتل عثمان رضي الله عنه وقال بعض العلماء: هي قرية غير معينت، ضربها الله مثلًا للتخويف من مقابلة نعمة الأمن والاطمئنان والرزق، بالكفر والطغيان، وقال من قال بهذا القول: إنه يدل عليه تنكير القرية في الآية الكريمة في قوله: {وَضَرَبَ الله مَثَلًا قَرْيَةً} الآية.
قال مقيده عفا الله عنه: وعلى كل حال، فيجب على كل عاقل أن يعتبر بهذا المثل، وألا يقابل نعم الله بالكفر والطغيان. لئلا يحل به ما حل بهذه القرية المذكروة، ولكن الأمثال لا يعقلها عن الله إلا من أعطاه الله علمًا. لقوله: {وَتِلْكَ الأمثال نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ العالمون} [العنكبوت: 43].
وفي قوله في هذه الآية الكريمة {قرية} وجهان من الإعراب.
أحدهما- أنه بدل من قوله: {مثلًا}. الثاني: أن {ضرب} مضمن معنى جعل، وأن {قرية} هي المفعول الأول، و{مثلًا} المفعول الثاني وإنما أخرت قرية لئلا يقع الفصل بينها وبين صفاته المذكورة في قوله: {كانت آمنة} إلخ..
وقوله في هذه الآية الكريمة: {مطمئِنة} أي لا يزعجها خوف. لأن الطمأنينة مع الأمن، والانزعاج والقلق مع الخوف.
وقوله: {رغدًا} أي واسعًا لذيذًا، والأنعام قيل جمع نعمة كشدة واشد. أو على ترك الاعتداد بالتاء. كدرع وأدرع. أو جمع نعم كبؤس وأبؤس. كما تقدم في سورة الأنعام في الكلام على قوله: {حتى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} [الأنعام: 152]. الآية.
وفي هذه الآية الكريمة سؤال معروف، هو أن يقال: كيف أوقع الإذاقة على اللباس في قوله: {فَأَذَاقَهَا الله لِبَاسَ الجوع} الآية، وروي أن ابن الراوندي الزنديق قال لابن الأعرابي إمام اللغة والأدب: هل يُذاق اللباس؟! يريد الطعن في قوله تعالى: {فَأَذَاقَهَا الله لِبَاسَ الجوع} الآية. فقال له ابن الأعرابي: لا بأس أيها النسناس! هب أن محمدًا صلى الله عليه وسلم ما كان نبيًا! أما كان عربيًا؟
قال مقيده عفا الله عنه: والجواب عن هذا السؤال ظاهر، وهو أنه أطلق اسم اللباس على ما أصابهم من الجوع والخوف. لأن آثار الجوع والخوف تظهر على أبدانهم، وحيط بها كالباس، ومن حيث وجانهم ذلك اللباس المعبٍّر به عن آثار الجوعوالخوف، أوقع عليه الإذاقة، فلا حاجة إلى ما يذكره البيانيون من الاستعارات في هذه الآية الكريمة وقد أوضحنا في رسالتنا التي سميناها منع المجاز في المنزل للتعبد والإعجاز: أنه لا يجوز لأحد أن يقول إن في القرآن مجازًا، وأوضحنا ذلك بأدلته، وبينا أن ما يسميه البيانيون مجازًا أنه أسلوب من أساليب اللغة العربية.
وقد اختلف أهل البيان في هذه الآية، فبعضهم يقول: فيها استعارة مجردة. يعنون أنها جيء فيها بما يلائم المستعار له.
وذلك في زعمهم أنه استعار اللباس لما غشيهم من بعض الحوادث كالجوع ولخوف، بجامع اشتماله عليهم كاشتمال اللباس على اللابس على سبيل الاستعارة التصريحية الأصلية التحقيقية، ثم ذكر الوصف، الذي هو الإذاقة ملائمًا للمستعار له، الذي هو الجوع والخوف. لأن إطلاق الذوق على وجدان الجوع والخوف جرى عندهم مجرى الحقيقة لكثرة الاستعمال. فيقولون: ذاق البؤس والضر، وأذاقه غيره إياهما. فكانت الاستعارة مجردة لذكر ما يلائم المستعار له، الذي هو المشبه في الأصل في التشبيه الذي هو أصل الاستعارة، ولو أريد ترشيح هذه الاستعارة في زعمهم لقيل: فكساها. لأن الإتيان بما يلائم المستعار منه الذي هو المشبه به في التشبيه الذي هو أصل الاستعارة يسمى ترشيحًا والكسوة تلائم اللباس، فذكرها ترشيح للاستعارة. قالوا: وإن كانت الاسعارة المرشحة أبلغ من المجردة، فتجريد الاستعارة في الآية أبلغ. من حيث إنه روعي المستعار له الذي هو الخوف والجوع، وبذكر الإذاقة المناسبة لذلك ليزدادد الكلام وضوحًا.
وقال بعضهم: هي استعارة مبنية على استعارة. فإنه أولًا استعار لما يظهر على أبدانهم من الاصفرار والذبول والنحول اسم اللباس، بجامع الإحاطة بالشيء والاشتمال عليه، فصار اسم اللباس مستعارًا لآثار الجوع والخوف على أبدانهمن ثم استعار اسم الإذاقة لما يجدونه من ألم ذلك الجوع والخوف، المعبر عنه باللباس، بجامع التعرف والاختبار في كل من الذوق بالفم، ووجود الألم من الجوع والخوف، وعليه ففي اللباس استعارة أصلية كما ذكرنا، وفي الإذاقةالمستعارة لمس لم لجمع، والخوف استعارة تبعية.
وقد ألممنا هنا بطرف قليل من كلام البيانيين هنا ليفهم الناظر مرادهم، مع ان التحقيق الذي لا شك فيه: أن كل ذلك لا فائدة فيه، ولا طائل تحته، وأن العرب تطلق الإذاقة على الذوق وعلى غيره من وجود الألم واللذة، وأنها تطلق اللباس على المعروف، وتطلقه على غيره مما فيه معنى اللباس من الاشتمال. كقوله: {هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنّ} [البقرة: 187]، وقول الأعشى:
إذا ما الضجيع ثنى عطفها ** ثتنت فكانت لباسا

وكلها أساليب عربية، ولا إشكال في أنه إذا أطلق اللباس على مؤثر مؤلم يحيط بالشخص إحاطة اللباس، فلا مانع من إيقاع الإذاقة على ذلك الألم المحيط المعبر باسم اللباس، والعلم عند الله تعالى. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (111)}.
يجوز أن يكون هذا استئنافًا وتذييلًا بتقدير: اذْكر يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها، وقع عقب التحذير والوعيد وعيدًا للذين أنذروا ووعدًا للذين بُشّروا.
ويجوز أن يكون متّصلًا بقوله: {إن ربك من بعدها لغفور رحيم} [سورة النحل: 110]، فيكون انتصاب {يوم تأتي كل نفس} على الظرفية {لغفور رحيم}، أي يغفر لهم ويرحمهم يوم القيامة بحيث لا يجدون أثرًا لذنوبهم التي لا يخلو عنها غالب الناس ويجدون رحمة من الله بهم يومئذٍ.
فهذا المعنى هو مقتضى الإتيان بهذا الظرف.
والمجادلة: دفاع بالقول للتخلّص من تبعة فِعل.
وتقدم عند قوله تعالى: {ولا تجادِل عن الذين يختانون أنفسهم} في سورة النساء (107).
والنّفس الأول: بمعنى الذات والشخصصِ كقوله: {أنّ النفس بالنفس} سورة المائدة (45).
والنّفس الثانية ما به الشخص شخص؛ فالاختلاف بينهما بالاعتبار كقول أعرابي قَتل أخُوه ابنًا له {من الحماسة}:
أقول للنفس تَأسَاء وَتسلية ** إحدى يديّ أصابتني ولم تُرِد

وتقدم في قوله: {وتنسون أنفسكم} في سورة البقرة (44).
وذلك أن العرب يستشعرون للإنسان جملة مركّبة من جَسد وروح فيسمونها النفس، أي الذات وهي ما يعبّر عنه المتكلّمُ بضمير {أنا}، ويستشعرون للإنسان قوّة باطنيّة بها إدراكه ويسمّونها نفسًا أيضًا.
ومنه أخذ علماء المنطق اسمَ النفس الناطقة.
والمعنى: يأتي كل أحد يدافع عن ذاته، أي يدافع بأقواله ليدفع تبعات أعماله.
ففاعلُ المجادلة وما هو في قوّة مفعوله شيءٌ واحد.
وهذا قريب من وقوع الفاعل والمفعول شيئًا واحدًا في أفعال الظنّ والدّعاء، بكثرة مثل: أراني فاعلًا كذا، وقولهم؛ عَدِمْتُني وَفقَدْتُني، وبقلّة في غير ذلك مع الأفعال نحو قول امرئ القيس:
قد بتّ أحرُسُني وحْدي ويمنعني ** صوت السّباع به يضبَحْن والهام

{وتُوفّى} تعطَى شيئًا وافيًا، أي كاملًا غير منقوص، و{ما عملت} مفعول ثانٍ ل {توفّى}، وهو على حذف مضاف تقديره: جزاء ما عملت، أي من ثواب أو عقاب، وإظهار كل نفس في مقام الإضمار لتكون الجملة مستقلّة فتجري مجرى المَثل.
والظّلم: الاعتداء على الحقّ.
وأطلق هنا على مجاوزة الحدّ المعيّن للجزاء في الشر والإجحاف عنه في الخير، لأن الله لما عيّن الجزاء على الشرّ ووعد بالجزاء على الخير صار ذلك كالحقّ لكل فريق.
والعلمُ بمراتب هذا التحديد مفوّض لله تعالى: {ولا يظلم ربّك أحدًا} [سورة الكهف: 49].
وضميرا {وهم لا يظلمون} عائدان إلى كل نفس بحسب المعنى، لأن {كل نفس} يدلّ على جمع من النفوس.
وزيادة هذه الجملة للتصريح بمفهوم {وتوفى كل نفس ما عملت}، لأن توفية الجزاء على العمل تستلزم كون تلك التوفية عدلًا، فصرّح بهذا اللازم بطريقة نفي ضدّه وهو نفي الظلم عنهم، وللتّنبيه على أن العدل من صفات الله تعالى.
وحصل مع ذلك تأكيد المعنى الأول.
{وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ}.
عطف عظة على عظة.
والمعطوف عليها هي جمل الامتنان بنعم الله تعالى عليهم من قوله: {وما بكم من نعمة فمن الله} [النحل: 53]، وما اتّصل بها إلى قوله: {يعرفون نعمت الله ثم ينكرونها وأكثرهم الكافرون} [سورة النحل: 83].
فانتقل الكلام بعد ذلك بتهديد من قوله: {ويوم نبعث من كل أمة شهيدًا} [سورة النحل: 84].
فبعد أن توعّدهم بقوارع الوعيد بقوله: {ولهم عذاب أليم} [سورة النحل: 104]، وقوله: {فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم} [سورة النحل: 106]. إلى قوله: {لا جرم أنهم في الآخرة هم الخاسرون} [سورة النحل: 109]. عاد الكلام إلى تهديدهم بعذاب في الدنيا بأن جعلهم مضرب مثل لقرية عذبت عذاب الدنيا، أو جعلهم مثَلًا وعظة لمن يأتي بمثل ما أتوا به من إنكار نعمة الله.
ويجوز أن يكون المعطوف عليها جملة {يوم تأتي كل نفس} [سورة النحل: 111]. إلخ.
على اعتبار تقدير {اذكر}، أي اذكر لهم هول يوم تأتي كل نفس تجادل إلخ.
وضرب الله مثلًا لعذابهم في الدنيا شأن قرية كانت آمنة إلخ.
و{ضربَ} بمعنى جعل، أي جعل المركّب الدّال عليه وكوّن نظمه، وأوحى به إلى رسوله صلى الله عليه وسلم كما يقال: أرسل فلان مثلًا قوله: كيْت وكيْت.
والتعبير عن ضرب المثل الواقع في حال نزول الآية بصيغة الماضي للتشويق إلى الإصغاء إليه، وهو من استعمال الماضي في الحال لتحقيق وقوعه، مثل {أتى أمر الله} [سورة النحل: 1]. أو لتقريب زمن الماضي من زمن الحال، مثل قد قامت الصلاة.
ويجوز أن يكون {ضرب} مستعملًا في معنى الطلب والأمر، أي اضرب يا محمد لقومك مثلًا قرية إلى آخره، كما سيجيء عند قوله تعالى: {ضرب الله مثلًا رجلًا فيه شركاء} في سورة الزمر (29).
وإنما صيغ في صيغة الخبر توسّلًا إلى إسناده إلى الله تشريفًا له وتنويهًا به.
ويفرّق بينه وبين ما صيغ بصيغة الطلب نحو: {واضرب لهم مثلًا أصحاب القرية} [سورة يس: 13]. بما سيذكر في سورة الزمر فراجعه.
وقد تقدّم في قوله تعالى: {إن الله لا يستحي أن يضرب مثلًا} في سورة البقرة (26)، وقوله في سورة إبراهيم (24) {ألم تر كيف ضرب الله مثلًا كلمة طيبة} وجُعل المثلُ قريةً موصوفة بصفات تبيّن حالها المقصود من التمثيل، فاستغني عن تعيين القرية.
والنكتة في ذلك أن يصلح هذا المثل للتعريض بالمشركين باحتمال أن تكون القرية قريتهم أعني مكة بأن جعلهم مثلًا للناس من بعدهم.
ويقْوَى هذا الاحتمالُ إذا كانت هذه الآية قد نزلت بعد أن أصاب أهلَ مكّة الجوع الذي أنذروا به في قوله تعالى: {فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين يغشى الناس هذا عذاب أليم} [سورة الدخان: 10].
وهو الدخان الذي كان يراه أهل مكة أيام القحط الذي أصابهم بدعاء النبي.