فصل: قال أبو السعود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال الزمخشري: ثم أوحينا في ثم هذه ما فيها من تعظيم منزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإجلال محله، والإيذان بأنّ أشرف ما أوتي يخليل الله إبراهيم عليه السلام من الكرامة، وأجل ما أوتي من النعمة اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم ملته، من قبل أنها على تباعد هذا النعت في المرتبة من بين سائر النعوت التي أثنى الله عليها بها انتهى.
وأنْ تفسيرية، أو في موضع المفعول.
واتباع ملته قال قتادة: في الإسلام، وعنه أيضًا: جميع ملته إلا ما أمر بتركه.
وعن عمرو بن العاص: مناسك الحج.
وقال القرطبي: الصحيح عقائد الشرع دون الفروع لقوله: {لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجًا} وقيل: في التبري من الأوثان.
وقال قوم كان على شريعة إبراهيم، وليس له شرع ينفرد به، وإنما المقصود من بعثته إحياء شرع إبراهيم عليه السلام.
قال أبو عبد الله الرازي: وهذا القول ضعيف، لأنه وصف إبراهيم في هذه الآية بأنه ما كان من المشركين، فلما قال: اتبع ملة إبراهيم، كان المراد ذلك.
فإن قيل: النبي صلى الله عليه وسلم إنما نفى الشرك وأثبت التوحيد بناء على الدلائل القطعية، وإذا كان كذلك لم يكن متابعًا له، فيمتنع حمل قوله: أن اتبع، على هذا المعنى، فوجب حمله على الشرائع التي يصح حصول المتابعة فيها.
{قلت}: يحتمل أن يكون المراد متابعته في كيفية الدعوة إلى التوحيد، وهي أن يدعو إليه بطريق الرفق والسهولة، وإيراد الدلائل مرة بعد أخرى بأنواع كثيرة على ما هو الطريقة المألوفة في القرآن انتهى.
ولا يحتاج إلى هذا، لأنّ المعتقد الذي تقتضيه دلائل العقول لا يمتنع أنْ يوحي لتظافر المعقول والمنقول على اعتقاده.
ألا ترى إلى قوله تعالى: {قل إنما يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد} فليس اعتقاد الوحدانية بمجرد الوحي فقط، وإنما تظافر المنقول عن الله في ذلك مع دليل العقل.
وكذلك هنا أخبر تعالى أنّ إبراهيم لم يكن مشركًا، وأمر الرسول باتباعه في ذلك، وإن كان انتفاء الشرك ليس مستنده مجرد الوحي، بل الدليل العقلي والدليل الشرعي تظافرًا على ذلك.
وقال ابن عطية: قال مكي: ولا يكون يعني حنيفًا حالًا من إبراهيم لأنه مضاف إليه، وليس كما قال لأنّ الحال قد تعمل فيها حروف الخفض إذا عملت في ذي الحال كقولك: مررت بزيد قائمًا انتهى.
أما ما حكى عن مكي وتعليله امتناع ذلك بكونه مضافًا إليه، فليس على إطلاق هذا التعليل لأنه إذا كان المضاف إليه في محل رفع أو نصب، جازت الحال منه نحو: يعجبني قيام زيد مسرعًا، وشرب السويق ملتوتًا.
وقال بعض النحاة: ويجوز أيضًا ذلك إذا كان المضاف جزءًا من المضاف إليه كقوله: {ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانًا} أو كالجزء منه كقوله: {ملة إبراهيم حنيفًا}.
وقد بينا الصحيح في ذلك فيما كتبناه على التسهيل، وعلى الألفية لابن مالك.
وأما قول ابن عطية في رده على مكي بقوله: وليس كما قال، لأنّ الحال إلى آخره فقول بعيد عن قول أهل الصنعة، لأن الباء في بزيد ليست هي العاملة في قائمًا، وإنما العامل في الحال مررت، والباء وإن عملت الجر في زيد فإنّ زيدًا في موضع نصب بمررت، وكذلك إذا حذف حرف الجر حيث يجوز حذفه نصب الفعل ذلك الاسم الذي كان مجرورًا بالحرف.
ولما أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم باتباع ملة إبراهيم عليه السلام، وكان الرسول قد اختار يوم الجمعة، فدل ذلك على أنه كان في شرع إبراهيم، بين أنّ يوم السبت لم يكن تعظيمه، واتخاذه للعبادة من شرع إبراهيم ولا دينه، والسبت مصدر، وبه سمي اليوم.
وتقدم الكلام في هذا اللفظ في الأعراف.
قال الزمخشري: سبتت اليهود إذا عظمت سبتها والمعنى: إنما جعل وبال السبت وهو المسخ على الذين اختلفوا فيه، واختلافهم فيه: أنهم أحلوا الصيد فيه تارة وحرموه تارة، وكان الواجب عليهم أنْ يتفقوا في تحريمه على كلمة واحدة بعدما حتم الله عليهم الصبر عن الصيد فيه، والمعنى في ذكر ذلك نحو المعنى في ضرب القرية التي كفرت بأنعم الله مثلًا، وغير ما ذكر وهو الإنذار من سخط الله على العصاة والمخالفين لأوامره والخالعين ربقة طاعته.
{فإن قلت}: فما معنى الحكم بينهم إذا كانوا جميعًا محلين أو محرمين؟ {قلت}: معناه أنه يجازيهم جزاء اختلاف فعلهم في كونهم محلين تارة ومحرمين أخرى، ووجه آخر وهو أنّ موسى عليه السلام أمرهم أنْ يجعلوا في الأسبوع يومًا للعبادة، وأن يكون يوم الجمعة، فأبوا عليه وقالوا: نريد اليوم الذي فرغ الله فيه من خلق السموات والأرض وهو السبت، إلا شرذمة منهم قد رضوا بالجمعة، فهذا اختلافهم في السبت، لأنّ بعضهم اختاره، وبعضهم اختار عليه الجمعة، فأذن الله لهم في السبت، وابتلاهم بتحريم الصيد فيه، فأطاع أمر الله الراضون بالجمعة فكانوا لا يصيدون، وأعقابهم لم يصبروا عن الصيد فمسخهم الله دون أولئك.
وهو يحكم بينهم يوم القيامة، فيجازي كل واحد من الفريقين بما يستوجبه.
ومعنى جعل السبت: فرض عليهم تعظيمه، وترك الاصطياد فيه انتهى.
وهو كلام ملفق من كلام المفسرين قبله.
وقال الكرماني: عدي جعل بعلى، لأن اليوم صار عليهم لا لهم، لارتكابهم المعاصي فيه انتهى.
ولهذا قدره الزمخشري: إنما جعل وبال السبت.
وقال الحسن: جعل السبت لعنة عليهم بأن جعل منهم القردة.
وقال ابن عباس: إن الله سبحانه قال: ذروا الأعمال في يوم الجمعة وتفرغوا فيه لعبادتي، فقالوا: نريد السبت، لأن الله تعالى فرغ فيه من خلق السموات والأرض، فهو أولى بالراحة.
وقرأ أبو حيوة: {جعل} بفتح الجيم والعين مبنيًا للفاعل، وعن ابن مسعود والأعمش: أنهما قرا إنما أنزلنا السبت، وهي تفسير معنى لا قراءة، لأنها مخالفة لسواد المصحف المجمع عليه، ولما استفاض عن الأعمش وابن مسعود أنهما قرا كالجماعة. اهـ.

.قال أبو السعود:

{إِنَّ إبراهيم كَانَ أُمَّةً}.
على حياله لحيازته من الفضائل البشريةِ ما لا تكاد توجد إلا متفرّقةً في أمة جمّةً حسبما قيل:
ليس على الله بمستَنْكَر ** أن يجمع العالَمَ في واحدِ

وهو رئيسُ أهل التوحيد وقدوةُ أصحابِ التحقيق جادل أهلَ الشرك وألقمهم الحجرَ ببينات باهرةٍ لا تُبقي ولا تذر، وأبطل مذاهبَهم الزائفةَ بالبراهين القاطعة والحُججِ الدامغة، أو لأنه عليه السلام كان مؤمنًا وحده والناسُ كلُّهم كفارٌ، وقيل: هي فُعْلة بمعنى مفعول كالرُّحلة والنُّخبة، من أمّه إذا قصده أو اقتدى به فإن الناسَ كانوا يقصِدونه ويقتدون بسيرته لقوله تعالى: {إِنّى جاعلك لِلنَّاسِ إِمَامًا} وإيرادُ ذكره عليه السلام عَقيبَ تزييفِ مذاهبِ المشركين من الشرك والطعنِ في النبوة وتحريمِ ما أحله الله تعالى للإيذان بأن حقِّيةَ دينِ الإسلام وبطلانَ الشرك وفروعِه أمرٌ ثابت لا ريب فيه {قانتا لِلَّهِ} مطيعًا له قائمًا بأمره {حَنِيفًا} مائلًا عن كل دينٍ باطل إلى الدين الحقِّ غيرَ زائلٍ عنه بحال {وَلَمْ يَكُ مِنَ المشركين} في أمر من أمور دينهم أصلًا وفرعًا صرح بذلك مع ظهوره لا ردًا على كفار قريشٍ فقط في قولهم: نحن على ملة أبينا إبراهيمَ بل عليهم وعلى اليهود المشركين بقولهم: {عُزَيْرٌ ابن الله} في افترائهم وادعائهم أنه عليه الصلاة والسلام كان على ما هم عليه كقوله سبحانه: {مَا كَانَ إبراهيم يَهُودِيّا وَلاَ نَصْرَانِيّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ المشركين} إذ به ينتظم أمر إيراد التحريم والسبت سابقًا ولاحقًا.
{شَاكِرًا لأنْعُمِهِ} صفةٌ ثالثة لأُمةً، وإنما أوثر صيغةُ جمعِ القلة للإيذان بأنه عليه السلام كان لا يُخِلُّ بشكر النعمة القليلة فكيف بالكثيرة وللتصريح بكونه عليه السلام على خلاف ما هم عليه من الكفرانَ بأنعم الله تعالى حسبما بيّن ذلك بضرب المثل {اجتباه} للنبوة {وَهَدَاهُ إلى صراط مُّسْتَقِيمٍ} موصلٍ إليه سبحانه وهو ملةُ الإسلامِ، وليست نتيجةُ هذه الهدايةِ مجردَ اهتدائِه عليه السلام بل مع إرشاد الخلقِ أيضًا بمعونة قرينةِ الاجتباء.
{وءاتيناه في الدنيا حَسَنَةً} حالةً حسنةً من الذكر الجميل والثناء فيما بين الناس قاطبةً حتى إنه ليس من أهل دينٍ إلا وهم يتولَّوْنه، وقيل: هي الخُلّة والنبوةُ، وقيل: قولُ المصلِّي منا كما صليتَ على إبراهيمَ، والالتفاتُ إلى التكلم لإظهار كمالِ الاعتناء بشأنه وتفخيمِ مكانه عليه الصلاة والسلام {وَإِنَّهُ في الأخرة لَمِنَ الصالحين} أصحابِ الدرجات العالية في الجنة حسبما سأله بقوله: {وَأَلْحِقْنِى بالصالحين واجعل لّى لِسَانَ صِدْقٍ في الأخرين واجعلنى مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ النعيم}. {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} مع طبقتك وسموِّ رتبتك {أَنِ اتبع مِلَّةَ إبراهيم} الملةُ اسمٌ لما شرعه الله تعالى لعباده على لسان الأنبياء عليهم السلام من أمللتُ الكتابَ إذا أمليتُه، وهو الدينُ بعينه لكنْ باعتبار الطاعة له وتحقيقُه أن الوضع الإلهي مهما نُسب إلى من يؤدّيه عن الله تعالى يسمّى ملةً، ومهما نُسب إلى من يُقيمه دينًا. قال الراغب: الفرقُ بينهما أن الملة لا تضاف إلا إلى النبي عليه السلام ولا تكاد توجد مضافةً إلى الله سبحانه وتعالى ولا إلى آحاد الأمة ولا تستعمل إلا في جملة الشرائعِ دون آحادها، والمرادُ بملّته عليه السلام الإسلامُ الذي عُبّر عنه آنفًا بالصراط المستقيم {حَنِيفًا} حالٌ من المضاف إليه لما أن المضافَ لشدة اتصالِه به عليه السلام جرى منه مجرى البعضِ فقُيّد بذلك، من قبيل: رأيتُ وجهَ هندٍ قائمةً، والمأمورُ به الاتباع في الأصول دون الشرائعِ المتبدّلة بتبدل الأعصار، وما في {ثم} من التراخي في الرتبة للإيذان بأن هذه النعمةَ من أجلّ النعم الفائضةِ عليه عليه السلام {وَمَا كَانَ مِنَ المشركين} تكريرٌ لما سبق لزيادة تأكيدٍ وتقريرٍ لنزاهته عليه السلام عما هم عليه من عقد وعمل.
وقوله تعالى: {إِنَّمَا جُعِلَ السبت} أي فُرض تعظيمُه والتخلي فيه للعبادة وتركُ الصيد فيه تحقيقٌ لذلك النفي الكليِّ وتوضيحٌ له بإبطال ما عسى يُتوهم كونُه قادحًا في كلّيته حسبما سلف في قوله تعالى: {وَعَلَى الذين هَادُواْ حَرَّمْنَا} إلخ.، فإن اليهود كانوا يدّعون أن السبتَ من شعائر الإسلام وأن إبراهيمَ عليه السلام كان محافظًا عليه أي ليس السبتُ من شرائع إبراهيمَ وشعائرِ ملّته التي أُمرْتَ باتباعها حتى يكون بينه عليه الصلاة والسلام وبين بعض المشركين علاقةٌ في الجملة وإنما شرُع ذلك لبني إسرائيل بعد مدةٍ طويلة، وإيرادُ الفعل مبنيًا للمفعول جَرْيٌ على سنن الكبرياء وإيذانٌ بعدم الحاجة إلى التصريح بالفاعل لاستحالة الإسنادِ إلى الغير، وقد قرئ على البناء للفاعل، وإنما عبّر عن ذلك بالجعل موصلًا بكلمة على وعنهم بالاسم الموصول باختلافهم فقيل: إنما جُعل السبت {على الذين اختلفوا فِيهِ} للإيذان بتضمنه للتشديد والابتلاء المؤدّي إلى العذاب وبكونه معلَّلًا باختلافهم في شأنه قبل الوقوعِ إيثارًا له على ما أمر الله تعالى به واختيارًا للعكس لكن لا باعتبار شمولِ العلّية لطرفي الاختلاف وعمومِ الغائلةِ للفريقين، بل باعتبار حالِ منشأ الاختلافِ من الطرف المخالفِ للحق، وذلك أن موسى عليه الصلاة والسلام أمرَ اليهودَ أن يجعلوا في الأسبوع يومًا واحدًا للعبادة وأن يكون ذلك يومَ الجمعة فأبَوا عليه وقالوا: نريد اليوم الذي فرَغ الله تعالى فيه من خلق السموات والأرض وهو السبت إلا شرذمةً منهم قد رضُوا بالجمعة فأذِن الله تعالى لهم في السبت وابتلاهم بتحريم الصيد فيه فأطاع أمرَ الله تعالى الراضون بالجمعة فكانوا لا يَصيدون، وأعقابُهم لم يصبِروا عن الصيد فمسخهم الله سبحانه قردةً دون أولئك المطيعين {وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ} أي بين الفريقين المختلفَين فيه {يَوْمَ القيامة فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} أي يفصِل ما بينهما من الخصومة والاختلاف فيجازي كلّ فريق بما يستحقه من الثواب والعقاب، وفيه إيماء إلى أن ما وقع في الدنيا من مسخ أحدِ الفريقين وإنجاء الآخر بالنسبة إلى ما سيقع في الآخرة شيءٌ لا يعتدّ به. هذا هو الذي يستدعيه الإعجازُ التنزيليُّ، وقيل: المعنى إينا جُعل وبالُ السبت وهو المسخُ على الذين اختلفوا فيه أي أحلوا الصيدَ فيه تارةً وحرّموه أخرى، وكان حتمًا عليهم أن يتّفقوا على تحريمه حسبما أمر الله سبحانه به، وفسّر الحكمُ بينهم بالمجازاة باختلاف أفعالِهم بالإخلال تارةً والتحريمِ أخرى، ووجهُ إيرادِه هاهنا بأنه أريد به إنذارُ المشركين من سخط الله تعالى على العصاة والمخالفين لأوامره، كضرب المثلِ بالقرية التي كفرت بأنعُم الله تعالى، ولا ريب في أن كلمة {بينهم} تحكم بأن المرادَ بالحكم هو فصلُ ما بين الفريقين من الاختلاف وأن توسيطَ حديث المسخِ للإنذار المذكورِ بين حكاية أمرِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم باتباع ملة إبراهيمَ عليه الصلاة والسلام وبين أمرِه صلى الله عليه وسلم بالدعوة إليها من قبيل الفصل بين الشجر ولِحائِه فتأمل. اهـ.

.قال الألوسي:

{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً}.
قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أي كان عنده عليه السلام من الخير ما كان عند أمة وهي الجماعة الكثيرة، فإطلاقها عليه عليه السلام لاستجماعه كمالات لا تكاد توجد إلا متفرقة في أمة جمة:
وليس على الله بمستنكر ** أن يجمع العالم في واحد

وهو صلى الله عليه وسلم رئيس الموحدين وقدوة المحققين الذي نصب أدلة التوحيد ورفع أعلامها وخفض رايات الشرك وجزم ببواتر الحجج هامها، وقال مجاهد: سمي عليه السلام أمة لانفراده بالإيمان في وقته مدة ما، وفي صحيح البخاري أنه عليه السلام قال لسارة: ليس على الأرض اليوم مؤمن غيري وغيرك، وذكر في القاموس أن من معاني الأمة من هو على الحق مخالف لسائر الأديان، والظاهر أنه مجاز بجعله كأنه جميع ذلك العصر لأن الكفرة بمنزلة العدم، وقيل: الأمة هنا فعلة بمعنى مفعول كالرحلة بمعنى المرحول إليه، والنخبة بمعنى المنتخب من أمه إذا قصده أو اقتدى به أي كان مأمومًا أو مؤتمًا به فإن الناس كانوا يقصدونه للاستفادة ويقتدون بسيرته.
وقال ابن الأنباري: هذا مثل قول العرب: فلان رحمة وعلامة ونسابة يقصدون بالتأنيث التناهي في المعنى الموصوف به.
وإيراد ذكره عليه السلام عقيب تزييف مذاهب المشركين من الشرك والطعن في النبوة وتحريم ما أحل الله تعالى للإيذان بأن حقية دين الإسلام وبطلان الشرك وفروعه أمر ثابت لا ريب فيه.
وفي ذلك أيضًا رد لقريش حيث يزعمون أنهم على دينه، وقيل: إنه تعالى لما بين حال المشركين وأجرى ذكر اليهود بين طريقة إبراهيم عليه السلام ليظهر الفرق بين حاله وحال المشركين وحال اليهود {قانتا لِلَّهِ} مطيعًا له سبحانه قائمًا بأمره تعالى: {حَنِيفًا} مائلًا عن كل دين باطل إلى الدين الحق غير زائل عنه.
{وَلَمْ يَكُ مِنَ المشركين} في أمر من أمور دينهم أصلًا وفرعًا، صرح بذلك مع ظهوره قيل: ردًا على كفار قريش في قولهم: نحن على ملة أبينا إبراهيم، وقيل: لذلك وللرد على اليهود المشركين بقولهم: {عُزَيْرٌ عَبْدُ الله} [التوبة: 30]. في افترائهم وزعمهم أنه عليه السلام كان على ما هم عليه كقوله تعالى: {مَا كَانَ إبراهيم يَهُودِيّا وَلاَ نَصْرَانِيّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ المشركين} [آل عمران: 67]. إذ به ينتظم أمر إيراد التحريم والسبت سابقًا ولاحقًا.
{شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ} صفة ثالثة لأمة والجار والمجرور متعلق بشاكرًا كما هو الظاهر، وأوثر صيغة جمع القلة قيل: للإيذان بأنه عليه السلام لا يخل بشكر النعمة القليلة فكيف بالكثيرة وللتصريح بأنه عليه السلام على خلاف ما هم عليه من الكفران بأنعم الله تعالى حسبما أشير إليه بضرب المثل، وقيل: إن جمع القلة هنا مستعار لجمع الكثرة ولا حاجة إليه.