فصل: قال الخطيب الشربيني:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الخطيب الشربيني:

{يوم} أي: اذكر يوم {تأتي كل نفس} أي: وإن عظم جرمها {تجادل}، أي: تحاجج {عن نفسها} أي: لا يهمها غيرها وهو يوم القيامة. فإن قيل: ما معنى النفس المضافة إلى النفس؟
أجيب: بأنه يقال لعين الشيء وذاته نفسه وفي نقيضه غيره، والنفس الجملة كما هي فالنفس الأولى هي الجملة والثانية عينها وذاتها فكأنه قيل: يوم يأتي كل إنسان يجادل عن ذاته لا يهمه شأن غيره كلٌ يقول: نفسي نفسي، ومعنى المجادلة عنها الاعتذار عنها كقولهم: هؤلاء الذين أضلونا وما كنا مشركين. {وتوفى كل نفس} صالحة أو غير صالحة {ما عملت} أي: جزاءه من جنسه {وهم لا يظلمون} أي: شيئًا، ولما هدّد تعالى الكفار بالوعيد الشديد في الآخرة هدّدهم أيضًا بآفات الدنيا وهي الوقوع في الجوع والخوف بقوله تعالى: {وضرب الله} أي: المحيط بكل شيء {مثلًا} ويبدل منه {قرية} هي مكة والمراد أهلها {كانت آمنة} أي: ذات أمن ويأمن بها أهلها في زمن الخوف، قال تعالى: {أو لم يروا أنا جعلنا حرمًا آمنًا ويتخطف الناس من حولهم} [العنكبوت] والأمن في مكة كان كذلك، لأنّ العرب كان يغير بعضهم على بعض دون أهل مكة فإنهم كانوا أهل حرم الله والعرب كانوا يحترمونهم ويخصونهم بالتعظيم والتكريم. {مطمئنة} أي: قارة بأهلها لا يحتاجون فيها إلى نجعة وانتقال، بسبب زيادة الأمن بكثرة العدد وقوّة المدد وكف الله تعالى الناس عنها ووجود ما يحتاج إليه أهلها. فإن قيل: الاطمئنان هو الأمن فيلزم التكرار؟
أجيب: بأنّ قوله تعالى: {آمنة} إشارة إلى الأمن وقوله تعالى: {مطمئنة} أي: لا يحتاجون فيها إلى نجعة كما مرّ، وقيل: أشار تعالى بذلك إلى الصحة لأنّ هواء ذلك البلد كان ملائمًا لأمزجتهم فلذلك اطمأنوا إليه واستقرّوا. قالت العقلاء: ثلاثة ليس لها نهاية الأمن والصحة والكفاية. {يأتيها} أي: على سبيل التجدّد والاستمرار {رزقها رغدًا} أي: واسعًا طيبًا {من كل مكان} برّ وبحر بتيسير الله تعالى، ولما كانت السعة تجر إلى البطر غالبًا نبه تعالى على ذلك بقوله تعالى: {فكفرت بأنعم الله} أي: الذي له الكمال كله وأنعم جمع نعمة. قال الزمخشري: على ترك الاعتداد بالتاء كدرع وأدرع، وقال قطرب: هي جمع نعم والنعم النعمة، يقال: هذه أيام نعم وطعم فلا تصوموا، وقيل: جمع نعماء مثل بأساء وأبؤس. فإن قيل: الأنعم جمع قلة فكأنّ تلك القرية كفرت بأنواع قليلة من نعم الله فعذبها الله تعالى فلم لم يقل تعالى: كفروا بنعم عظيمة فاستوجبوا العذاب؟
أجيب: بأنّ المقصود التنبيه بالأدنى على الأعلى فإن كفران النعم القليلة لما أوجب العذاب فبكفران النعم الكثيرة أولى وبأنّ الله تعالى أنعم عليهم بالنعمة العظيمة وهو محمد صلى الله عليه وسلم فكفروا به وبالغوا في إيذائه. {فأذاقها الله} أي: المحيط بكل شيء {لباس الجوع} بعد رغد العيش سبع سنين وقطعت العرب عنهم الميرة بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جهدوا وأكلوا العظام المحرقة والجيف والكلاب الميتة، وقيل: إنّ القرية غير مكة لأنها ضربت مثلًا لمكة ومثل مكة يكون غير مكة. {والخوف} بسرايا النبيّ صلى الله عليه وسلم تنبيه: استعير الذوق لإدراك أثر الضرر واللباس لما غشيهم واشتمل عليهم من الجوع والحوف وأوقع الإذاقة عليه بالنظر إلى المستعار له كقول كثير عزة:
غمر الرداء إذا تبسم ضاحكًا ** غلقت لضحكته رقاب المال

فإنه استعار الرداء للمعروف لأنه يصون عرض صاحبه صون الرداء لما يلقى عليه وأضاف إليه الغمر الذي هو وصف المعروف والنوال لا وصف الرداء نظرًا إلى المستعار له ولو نظر إلى المستعار لقال: ضافي الرداء، أي: سابغه ومعنى البيت إذا ضحك المسؤول ضحكة أيقن السائل بذلك التبسم استرقاق رقاب ماله وأنه يعطي بلا خلاف وقد ينظر إلى المستعار له كقوله:
ينازعني ردائي عبد عمرو ** رويدك يا أخا عمرو بن بكر

لي الشطر الذي ملكت يميني ** ودونك فاعتجر منه بشطر

استعار الدراء للسيف ثم قال: فاعتجر نظرًا إلى المستعار ولو نظر إلى المستعار منه لقال تعالى في الآية: وكساهم لباس الجوع والخوف ولقال كثير: ضافى الرداء إذا تبسم ضاحكًا وهذا نهاية ما يقال في الاستعارة، وقال ابن عطية: لما باشرهم ذلك صار كاللباس وهذا كقول الأعشى:
إذا ما الضجيع ثنى جيدها ** تثنت عليه فكانت لباسا

ومثله قوله تعالى: {هنّ لباس لكم وأنتم لباس لهنّ} [البقرة] ومثله قول الشاعر:
وقد لبست بعد الزبير مجاشع ** لباس التي حاضت ولم تغسل الدما

كأنَّ العار لما باشرهم ولصق بهم كأنهم نسوة وقوله تعالى: {فأذاقها} نظير قوله تعالى: {ذق إنك أنت العزيز الكريم} [الدخان] ونظير قول الشاعر:
دون ما جنيت فاحس وذق

وقوله تعالى: {بما كانوا يصنعون} يجوز أن تكون ما مصدرية، أي: بسبب صنعهم أو بمعنى الذي والعائد محذوف، أي: بسبب الذي كانوا يصنعونه والواو في يصنعون عائد على أهل البلد، وقيل: قرية نظير قوله تعالى: {أو هم قائلون} [الأعراف] بعد قوله تعالى: {وكم من قرية أهلكناها} [الأعراف]، ولما ذكر الله تعالى المثل ذكر الممثل له فقال تعالى: {ولقد جاءهم} أي: أهل هذه القرية {رسول منهم} من نسبهم يعرفونه بأصله ونسبه وهو محمد صلى الله عليه وسلم {فكذبوه فأخذهم العذاب} قال ابن عباس: يعني الجوع الذي كان بمكة، وقيل: القتل الذي كان يوم بدر {وهم ظالمون} أي: في حال تلبسهم بالظلم كقوله تعالى: {الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} [النساء] نعوذ بالله من مفاجأة النقمة والموت على الغفلة، وقرأ نافع وابن كثير وابن ذكوان وعاصم بإظهار دال قد عند الجيم والباقون بالادغام ثم قال تعالى: {فكلوا} أي: أيها المؤمنون {مما رزقكم الله} قال ابن عباس: يريد من الغنائم، وقال الكلبي: إنّ رؤوساء مكة كلموا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جهدوا وقالوا: عاديت الرجال فما بال النساء والصبيان، وكانت الميرة قد قطعت عنهم فأذن في الحمل إليهم فحمل الطعام إليهم فقال الله تعالى: {كلوا مما رزقكم الله}، وقال الرازي: والقول ما قال ابن عباس يدل عليه قوله تعالى بعد هذه الآية: {إنما حرم عليكم الميتة} يعني أنكم لما آمنتم وتركتم الكفر فكلوا مما رزقكم الله. {حلالًا طيبًا} وهو الغنيمة واتركوا الخبائث وهي الميتة والدم، ولما أمرهم تعالى بأكل الحلال أمرهم بشكر النعمة بقوله تعالى: {واشكروا نعمت الله إن كنتم إياه تعبدون} أي: تطيعون. تنبيه: رسمت نعمت بالتاء وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بالهاء والباقون بالتاء والكسائي يقف بالإمالة.
وتقدّم تفسير قوله تعالى: {إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهلّ لغير الله به فمن اضطرّ غير باغ ولا عاد فإنّ الله غفور رحيم} في سورة البقرة فلا إفادة في تفسير ذلك، وقرأ أبو عمرو وعاصم وحمزة فمن اضطر في الوصل بكسر النون والباقون بالضمّ. تنبيه: حصر المحرمات في هذه الأشياء الأربعة مذكور أيضًا في سورة الأنعام عند قوله تعالى: {قل لا أجد فيما أوحي إليّ محرّمًا على طاعم يطعمه} [الأنعام]الآية.
وفي سورة المائدة في قوله تعالى: {أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم} [المائدة] وأجمعوا على أنّ المراد بقوله تعالى: {إلا ما يتلى عليكم} هو قوله تعالى في سورة البقرة: {حرّم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهلّ به لغير الله} [البقرة] وقوله تعالى في المائدة: {والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم} [المائدة] فهذه الأشياء داخلة في الميتة. ثم قال تعالى: {وما ذبح على النصب} [المائدة] وهو أحد الأشياء الداخلة تحت قوله تعالى: {وما أهل به لغير الله} [البقرة] فثبت أنّ هذه السور الأربعة دالة على حصر المحرمات في هذه الأربعة سورتان مكيتان وسورتان مدنيتان، فإنّ سورة البقرة مدنية وسورة المائدة من آخر ما أنزل الله بالمدينة، فمن أنكر حصر التحريم في هذه الأربعة إلا ما خصه الإجماع والدلائل العقلية القاطعة كان في محل أن يخشى عليه، لأنّ هذه السورة دلت على أنّ حصر المحرمات في هذه الأربعة كان مشروعًا ثابتًا في أوّل زمان مكة وآخره، وأوّل زمان المدينة وأنه تعالى أعاد هذا البيان في هذه السور الأربعة قطعًا للأعذار وإزالة للشبهة، ولما حصر تعالى المحرمات في هذه الأربع بالغ في تأكيد ذلك الحصر وزيف طريقة الكفار وفي الزيادة على هذه الأربعة تارة وفي النقصان عنها أخرى بقوله تعالى: {ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام} لما لم يحله الله ولم يحرمه فإنهم كانوا يحرّمون البحيرة والسائبة والوصيلة والحام وكانوا يقولون: {ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرّم على أزواجنا} [الأنعام] فقد زادوا في المحرمات وزادوا أيضًا في المحللات لأنهم حللوا الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله فبيّن تعالى أنّ المحرمات هي هذه الأربعة وبين أن الأشياء التي يقولون هذا حلال وهذا حرام كذب وافتراء على الله تعالى.
تنبيه:
في انتصاب الكذب وجهان؛ أحدهما: قال الكسائي: ما مصدرية والتقدير ولا تقولوا لأجل وصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام نظيره أن يقال: لا تقولوا لكذا وكذا كذا وكذا. فإن قيل: حمل الآية على هذا يؤدّي إلى التكرار لأنّ قوله تعالى: {لتفتروا على الله الكذب} عين ذلك؟
أجيب: بأنّ قوله تعالى: {لما تصف ألسنتكم الكذب} ليس فيه بيان أنه كذب على الله فأعاده ليحصل فيه هذا البيان الزائد، ونظيره في القرآن كثير، وهو أنه تعالى يذكر كلامًا ويعيده بعينه مع فائدة زائدة. الثاني: أن تكون ما موصولة والتقدير: ولا تقولوا للذي تصف ألسنتكم الكذب فيه هذا حلال وهذا حرام، وحذف لفظ فيه لكونه معلومًا، وقيل: اللام في لتفتروا لام العاقبة كما في قوله تعالى: {ليكون لهم عدوًّا وحزنًا} [القصص] فإن قيل: ما معنى وصف ألسنتكم الكذب؟
أجيب: بأنّ ذلك من فصيح الكلام وبليغه جعل قولهم كأنه عين الكذب ومحضه وإذا نطقت به ألسنتهم فقد حلت الكذب بحليته وصورته بصورته، كقولهم: وجهها يصف الجمال، أي: هي جميلة، وعينها تصف السحر، أي: هي ساحرة فلما أرادوا المبالغة في وصف الوجه بالجمال ووصف العين بالسحر عبروا بذلك.
ثم إنه تعالى أوعد المفترين بقوله تعالى: {إنّ الذين يفترون على الله} أي: الذي له الملك كله {الكذب} منكم ومن غيركم {لا يفلحون} أي: لا يفوزون بخير لأن المفتري يفتري لتحصيل مطلوب فنفى الله تعالى عنه الفلاح، لأنه الفوز بالخير والنجاح. ثم بين تعالى أن ما هم فيه من نعيم الدنيا يزول عنهم عن قريب بقوله تعالى: {متاع قليل} أي: منفعة قليلة تنقطع عن قرب لفنائه وإن امتدّ ألف عام {ولهم} بعده {عذاب أليم} أي: مؤلم في الآخرة، ولما بين تعالى ما يحل ويحرم لأهل الإسلام أتبعه ببيان ما يخص اليهودية من المحرمات بقوله تعالى: {وعلى الذين هادوا} أي: اليهود {حرّمنا} عليهم عقوبة لهم بعداوتهم وكذبهم على ربهم {ما قصصنا عليك} يا أجل المرسلين {من قبل} أي: في سورة الأنعام وهو قوله تعالى: {وعلى الذين هادوا حرّمنا كل ذي ظفر} [الأنعام] الآية. {وما ظلمناهم} أي: بتحريم ذلك عليهم {ولكن كانوا} أي: دائمًا طبعًا لهم وخلقًا مستمرًّا {أنفسهم} خاصة {يظلمون} بالبغي والكفر فضيقنا عليهم معاملة بالعدل وعاملناكم أنتم حيث ظلمتم بالفضل فاشكروا النعمة واحذروا غوائل النقمة، ولما بيّن تعالى هذه النعمة الدنيوية عطف عليها نعمة هي أكبر منها جدًّا استجلابًا لكل ظالم، وبين عظمتها بحرف التراخي فقال تعالى: {ثم إن ربك} أي: المحسن إليك {للذين عملوا السوء} وهو يتناول كل ما لا ينبغي فعله فيشمل الكفر وسائر المعاصي {بجهالة} أي: بسببها أو ملتبسين بها ليعمّ الجهل بالله وبقضائه وعدم التدبر في العواقب، فكل من عمل سوءًا إنما يفعله بالجهالة، أما الكفر فلأن أحدًا لا يرضى به مع العلم بكونه كفرًا لأنه لو لم يعتقد كونه حقًا فإنه لا يختاره ولا يرتضيه، وأما المعصية فلأن العالم لم تصدر منه المعصية ما لم تصر الشهوة غالبة للعقل، فثبت أنّ كل من عمل السوء فإنما يقدم عليه بسبب الجهالة. {ثم تابوا من بعد ذلك} أي: الذنب ولو كان عظيمًا واقتصروا على ما أذن فيه خالقهم {وأصلحوا} بالاستمرار على ذلك {إن ربك} أي: المحسن إليك بتسهيل دينك وتيسيره {من بعدها} أي: التوبة {لغفور} أي: بليغ الستر لما عملوا من السوء {رحيم} أي: بليغ الرحمة محسن بالإكرام فضلًا منه ونعمة، ولما دعاهم الله تعالى إلى مكارم الأخلاق ونهاهم عن مساوئها بقبوله لمن أقبل إليه وكان إبراهيم عليه الصلاة والسلام رئيس الموحدين لا جرم ذكره الله تعالى في آخر هذه السورة ووصفه بتسع صفات. الصفة الأولى: قوله تعالى: {إن إبراهيم كان أمّة} أي: لكماله واستجماعه فضائل لا تكاد توجد إلا متفرّقة في أشخاص كثيرة كقول القائل:
وليس لله (أي: من الله):
بمستنكر أن يجمع العالم في واحد

أي أن يجمع صفاتهم في شخص واحد، وقال مجاهد: كان مؤمنًا وحده والناس كلهم كانوا كفارًا فلهذا المعنى كان وحده أمّة واحدة، وكان النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول في زيد بن عمرو بن نفيل: «يبعثه الله امّة واحدة»، وعن شهر بن حوشب لم تبق الأرض إلا وفيها أربعة عشر يدفع الله تعالى بهم عن أهل الأرض إلا زمن إبراهيم فإنه كان وحده، وقيل: أمّة فعلة بمعنى مفعول كالدخلة والنخبة من أمّه إذا قصده واقتدى به، فإنّ الناس كانوا يؤمونه للاستفادة ويقتدون بسيره كقوله تعالى: {إني جاعلك للناس إمامًا} [البقرة]، وقرأ هشام: {أن إبراهام} و{ملة إبراهام} بالألف بعد الهاء فيهما، وقرأ الباقون بالياء فيهما.
الصفة الثانية: قوله تعالى: {قانتًا لله} أي: مطيعًا له قائمًا بأوامره. الصفة الثالثة: قوله تعالى: {حنيفًا} أي: مائلًا عن الباطل، قال ابن عباس: إنه أوّل من اختتن، وأقام مناسك الحج، وضحى وهذه السنة الحنيفية. الصفة الرابعة: قوله تعالى: {ولم يك من المشركين} أي: أنه عليه الصلاة والسلام كان من الموحدين في الصغر والكبر، وقد أبطل عبادة الأصنام والكواكب بقوله: {لا أحب الآفلين} [الأنعام] ثم كسر تلك الأصنام حتى آل الأمر إلى أنّ القوم ألقوه في النار وذلك دليل إثبات الصانع مع ملك زمانه، وهو قوله: {ربي الذي يحيي ويميت} [البقرة].
ثم طلب من الله تعالى أن يريه كيف يحيي الموتى ليحصل له زيادة الطمأنينة. قال الرازي: ومن وقف على علم القرآن علم أنّ إبراهيم عليه الصلاة والسلام كان غريقًا في بحر علم التوحيد. الصفة الخامسة: قوله تعالى: {شاكرًا لأنعمه} فإن قيل: لفظ الأنعم جمع قلة ونعمة الله تعالى على إبراهيم عليه السلام كانت كثيرة فلم قال: {شاكرًا لأنعمه}؟
أجيب: بأنه ذكر القلة للتنبيه على أنه كان لا يخل بشكر القليلة فكيف بالكثيرة، وروي أنه عليه الصلاة والسلام كان لا يتغدّى إلا مع ضيف فلم يجد ذات يوم ضيفًا فأخر غداءه فإذا هو بقوم من الملائكة في صورة البشر فدعاهم إلى الطعام فخيلوا له أنّ بهم جذامًا فقال لهم: الآن وجبت مؤاكلتكم شكرًا لله على أنه عافاني وابتلاكم بهذا البلاء. الصفة السادسة: قوله تعالى: {اجتباه} أي: اصطفاه للنبوّة واختاره لخلقه. الصفة السابعة: قوله تعالى: {وهداه إلى صراط مستقيم} أي: وهداه إلى دين الإسلام لأنه الصراط المستقيم، والدين القويم، ونظيره قوله تعالى: {وأنّ هذا صراطي مستقيمًا فاتبعوه} [الأنعام].