فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأمر سبحانه أن ألا يقف الإنسان! ما لا علم له به، أو ما لا سبيل إلى العلم، {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36)}.
ويعلم الإنسان الأدب واللياقة حتى لا ينفر الناس منه، {وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا (37)}.
وإن ذلك له في المجتمع عواقب سيئة مكروهة مقطعة لأوصال الجماعة.
وينهى سبحانه عن أن يكون مع الله إله آخر، ويندد بعادات أهل الجاهلية في كراهيتهم للبنات {أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا (40)}.
وقد بين الله تعالى تصريفه سبحانه في القرآن ليتذكر الناس ولكنه يزيدهم نفورا؟ لأنهم يرون فيه قوة الحق، والمبطل المعاند كلما وضحت الحجة نفر وما اهتدى، ثم يبين سبحانه أنه لو كان معه آلهة كما يقولون لنازعوه سبحانه وتعالى في عرشه فيفسد الكون.
ثم ذكر سبحانه تسبيح كل ما في الوجود له، ثم بين سبحانه هداية القرآن وضلال الناس: {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا (45) وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا (46) نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (47) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (48)}.
وإن الأمر الذي يشغلهم عن الحق هو كقرهم بالبعث فهم يقولون: {أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (49)}، فيرد الله تعالى كلام هؤلاء فيقول: {قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا (50) أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا (51)}.
وبين سبحانه أن هذا كله من نزغ الشيطان بينهم، وإن ربكم أعلم بكم إن يشأ يرحمكم وإن يشأ يعذبكم، وما أرسلناك يا محمد عليهم وكيلا، وقد بين سبحانه أنه فضل بعض النبيين على بعض، وآتى الله داود زبورا، ويبين سبحانه عجز الأوثان في كشف الضر، ويصف المؤمنين فيقول تعالت كلماته: {أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا}.
ويضرب الله تعالى الأمثال بالقرى التى فسقت عن أمر ربها، فيقول سبحانه: {وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا (58)}.
طلب المشركون آيات حسية بدل القرآن، فيقول سبحانه: {وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا (59) وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا (60)}.
ثم يشير سبحانه إلى قصة الخلق والتكوين ويذكر تكريم آدم بالأمر بالسجود له، وموقف إبليس، ويأمره سبحانه بأن يبذل أقصى ما يملك: {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (64)}.
وبين سبحانه أن عباده المؤمنين ليس للشيطان عليهم سلطان، وكفى بربك وكيلا.
ثم بين سبحانه نعمه في البر والبحر وكشف الضر إذ يستغيثون به، فإذا كشف الضر عنهم أعرضوا وكان الإنسان كفورا.
وأشار سبحانه إلى قدرته القاهرة: {أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا (68) أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا (69)}.
هو أى مطالبا ينتصر لكم، ولقد ذكر بعد ذلك تكريم الله تعالى لبنى آدم وذكر أن من تكريمهم أن يبعثوا، {يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (71) وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا (72)}.
ولقد ذكر سبحانه وتعالى محادة المشركين أن يفتنوا محمدا صلى الله عليه وسلم عن دينه، وأنه لولا أن الله ثبته لركن إليهم، {وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا (74) إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا (75)}.
ثم أشار سبحانه إلى أن المشركين يستفزون محمدا وأتباعه ليخرجوه {وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا} ويأمره سبحانه بإقامة الصلاة في أوقاتها فيقول: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (78) وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (79) وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا (80) وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا (81)}.
وبعد ذلك ذكر نزول القرآن وأنه يكون تنزيلا وقتا بعد آخر، {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا (82)}.
وبين سبحانه وتعالى طبيعة الإنسان غير المؤمن، حيث يعرض عن الله عند النعمة {وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا (83)} و{كل يعمل على شاكلته} {وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلًا (86) إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا (87)} وبعد ذلك بين القرآن وأن الله سبحانه وتعالى يتحدى به الخليقة إلى يوم القيامة.
ولقد ذكر سبحانه أنهم طلبوا آيات أخرى حسية، طلبوا أن تفجر لهم الأرض يناييع، وأن تكون لهم جنات من نخيل وعنب، أو أن يسقط السماء عليهم كسفا، أو يأتى بالله والملائكة قبيلا، أو يكود له بيت من زخرف، أو يرقى في السماء ويرسل إليهم كتابا من السماء.
وكلها آيات مادية حسية، والنبى صلى الله عليه وسلم يجيبهم: {سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا (93)}.
ولقد كان المشركون يعجبون ويقولون أبعث الله بشرا رسولا! فيقول سبحانه: {قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا (95)}
ويأمر النبى صلى الله عليه وسلم ييها أن يجعل الله شهيدا بينه وبينهم.
وإن من يهديه الله فهو المهتد ومن يضلل الله فلن تجد له أولياء من دونه، {وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا (97) ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (98)}.
ثم يذكر سبحانه أنه خلق السموات والأرض فهو قادر على أن يخلق مثلهم، {وجعل لهم أجلا لا ريب فيه فأبى الظالمون إلا كفورا قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذا لأمسكتم خشية الإنفاق وكان الإنسان قتورا}.
وإن المشركين يلحون في أن يأتيهم الرسول بآيات حسية، ولا يقتنعون بالقرآن معجزة مع أنه تحداهم أن يأتوا بسورة من مثله، فذكر الله تعالى أن الله آتى موسى تسع آيات بينات {فَاسْأَلْ بَنِي إسرائيل إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا (101) قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا (102)}.
فهم مع هذه الآيات التسع لم يؤمنوا، فأخرجهم من الأزض فأغرقه الله ومن معه جميعا.
وقد بين سبحانه وتعالى مقام القرآن والرسالة المحمدية، فقال عز من قائل:
{وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (105) وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا (106)}، وأنه لا يغض من شأن القرآن إلا من به أشرك {قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا (107) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا (108) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا (109)}.
وكان المشركون يقولون لا نعرف الرحمن، فقال لهم رب العالمين: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (110) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا (111)}. اهـ.

.قال ابن عاشور:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.
سورة الإسراء سميت في كثير من المصاحف سورة الإسراء.
وصرح الألوسي بأنها سميت بذلك، إذ قد ذكر في أولها الإسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم واختصت بذكره، وتسمى في عهد الصحابة سورة بني إسرائيل.
ففي جامع الترمذي في أبواب الدعاء عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان النبي صلى الله عليه وسلم لا ينام حتى يقرأ الزمر وبني إسرائيل».
وفي صحيح البخاري عن عبد الله بن مسعود أنه قال في بني إسرائيل والكهف ومريم: إنهن من العتاق الأول وهن من تلادي.
وبذلك ترجم لها البخاري في كتاب التفسير، والترمذي في أبواب التفسير.
ووجه ذلك أنها ذكر فيها من أحوال بني إسرائيل ما لم يذكر في غيرها.
وهو استيلاء قوم أولى بأس الآشوريين عليهم ثم استيلاء قوم آخرين وهم الروم عليهم.
وتسمى أيضا سورة سبحان، لأنها افتتحت بهذه الكلمة.
قاله في بصائر ذوي التمييز.
وهي مكية عند الجمهور.
قيل: إلا آيتين منها، وهما {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ} إلى قوله: {قَلِيلًا} [الاسراء: 73].
وقيل: إلا أربعا، هاتين الآيتين، وقوله: {وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ} [الاسراء: 60]، وقوله: {وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْق} [الاسراء: 80].
وقيل: إلا خمسا، هاته الأربع، وقوله: {قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِه} [الاسراء: 107]. إلى آخر السورة.
وقيل: إلا خمس آيات غير ما تقدم، وهي المبتدأة بقوله: {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} الآية [الاسراء: 33]، وقوله: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى} الآية [الاسراء: 32]، وقوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ} الآية [الاسراء: 57]، وقوله: {أَقِمِ الصَّلاة} الآيةَ[الاسراء: 78]، وقوله: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّه} الآيةُ[الاسراء: 26].
وقيل إلا ثمانيا من قوله: {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ} إلى قوله: {سُلْطَانًا نَصِيرًا} [الاسراء: 73ـ80].
وأحسب أن منشأ هاته الأقوال أن ظاهر الأحكام التي اشتملت عليها تلك الأقوال يقتضي أن تلك الآي لا تناسب حالة المسلمين فيما قبل الهجرة فغلبت على ظن أصحاب تلك الأقوال مدنية.
وسيأتي بيان أن ذلك غير متجه عند التعرض لتفسيرها.
ويظهر أنها نزلت في زمن فيه جماعة المسلمين بمكة، وأخذ التشريع المتعلق بمعاملات جماعتهم يتطرق إلى نفوسهم، فقد ذكرت فيها أحكام متتالية لم تذكر أمثال عددها في سورة مكية غيرها عدا سورة الأنعام، وذلك من قوله: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} إلى قوله: {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا} [الاسراء: 23ـ38].
وقد اختلف في وقت الإسراء.
والأصح أنه كان قبل الهجرة بنحو سنة وخمسة أشهر، فإذا كانت قد نزلت عقب وقوع الإسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم تكون قد نزلت في حدود سنة اثنتي عشرة بعد البعثة، وهي سنة اثنتين قبل الهجرة في منتصف السنة.
وليس افتتاحها بذكر الإسراء مقتضيا أنها نزلت عقب وقوع الإسراء.
بل يجوز أنها نزلت بعد الإسراء بمدة.
وذكر فيها الإسراء إلى المسجد الأقصى تنويها بالمسجد الأقصى وتذكيرا بحرمته.
نزلت هذه السورة بعد سورة القصص وقبل سورة يونس.
وعدت السورة الخمسين في تعداد نزول سورة القرآن.
وعدد آيها مائة وعشر في عد أهل المدينة، ومكة، والشام، والبصرة.
ومائة وإحدى عشرة في عد أهل الكوفة.
أغراضها:
العماد الذي أقيمت عليه أغراض هذه السورة إثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وإثبات أن القرآن وحي من الله وإثبات فضله وفضل من أنزل عليه وذكر أنه معجز ورد مطاعن المشركين فيه وفيمن جاء به، وأنهم لم يفقهوه فلذلك أعرضوا عنه وإبطال إحالتهم أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أسري به إلى المسجد الأقصى.
فافتتحت بمعجزة الإسراء توطئة للتنظير بين شريعة الإسلام وشريعة موسى عليه السلام على عادة القرآن في ذكر المثل والنظائر الدينية، ورمزا إلهيا إلى أن الله أعطى محمدا صلى الله عليه وسلم من الفضائل أفضل مما أعطى من قبله.
وأنه أكمل له الفضائل فلم يفته منها فائت.
فمن أجل ذلك أحله بالمكان المقدس الذي تداولته الرسل من قبل، فلم يستأثرهم بالحلول بذلك المكان هو مهبط الشريعة الموسوية، ورمز أطوار تاريخ بني إسرائيل وأسلافهم، والذي هو نظير المسجد الحرام في أن أصل تأسيسه في عهد إبراهيم كما سننبه عليه عند تفسير قوله تعالى: {إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} [الاسراء: 1]، فأحل الله به محمدا عليه الصلاة والسلام بعد أن هجر وخرب إيماء إلى أن أمته تجدد مجده.