فصل: قال سيد قطب:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأن الله مكنه من حرمي النبوة والشريعة، فالمسجد الأقصى لم يكن معمورا حين نزول هذه السورة وإنما عمرت كنائس حوله، وأن بني إسرائيل لم يحفظوا حرمة المسجد الأقصى، فكان إفسادهم سببا في تسلط أعدائهم عليهم وخراب المسجد الأقصى.
وفي ذلك رمز إلى أن إعادة المسجد الأقصى ستكون على يد أمة هذا الرسول الذي أنكروا رسالته.
ثم إثبات دلائل تفرد الله بالإلهية، والاستدلال بآية الليل والنهار وما فيهما من المنن على إثبات الوحدانية.
والتذكير بالنعم التي سخرها الله للناس، وما فيها من الدلائل على تفرده بتدبير الخلق، وما تقتضيه من شكر المنعم وترك شكر غيره، وتنزيهه عن اتخاذ بنات له.
وإظهار فضائل من شريعة الإسلام وحكمته، وما علمه الله المسلمين من آداب المعاملة نحو ربهم سبحانه، ومعاملة بعضهم مع بعض، والحكمة في سيرتهم وأقوالهم، ومراقبة الله في ظاهرهم وباطنهم.
وعن ابن عباس أنه قال: التوراة كلها في خمس عشرة آية من سورة بني إسرائيل.
وفي رواية عنه: ثمان عشرة آية منها كانت في ألواح موسى، أي من قوله تعالى: {لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا} إلى قوله: {وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا} [الاسراء: 22ـ39].
ويعني بالتوراة الألواح المشتملة على الوصايا العشر، وليس مراده أن القرآن حكى ما في التوراة ولكنها أحكام قرآنية موافقة لما في التوراة.
على أن كلام ابن عباس معناه: أن ما في الألواح مذكور في تلك الآي، ولا يريد أنهما سواء، لأن تلك الآيات تزيد بأحكام، منها قوله: {رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ} إلى قوله: {لِرَبِّهِ كَفُورًا} [الاسراء: 25ـ27] وقوله: {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ} [الاسراء: 31]، وقوله: {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ} إلى قوله: {ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ} [الاسراء: 34ـ39]، مع ما تخلل ذلك كله من تفصيل وتبيين عريت عنه الوصايا العشر التي كتبت في الألواح.
وإثبات البعث والجزاء.
والحث على إقامة الصلوات في أوقاتها.
والتحذير من نزغ الشيطان وعداوته لآدم وذريته، وقصة إبايته من السجود.
والإنذار بعذاب الآخرة.
وذكر ما عرض للأمم من أسباب الاستئصال والهلاك.
وتهديد المشركين بأن الله يوشك أن ينصر الإسلام على باطلهم.
وما لقي النبي صلى الله عليه وسلم من أذى المشركين واستعانتهم باليهود.
واقتراحهم الآيات، وتحميقهم في جهلهم بآية القرآن وأنه الحق.
وتخلل ذلك من المستطردات والنذر والعظات ما فيه شفاء ورحمة، ومن الأمثال ما هو علم وحكمة. اهـ.

.قال سيد قطب:

مقدمة سورة الإسراء:
هذه السورة- سورة الإسراء- مكية، وهي تبدأ بتسبيح الله وتنتهي بحمده؛ وتضم موضوعات شتى معظمها عن العقيدة؛ وبعضها عن قواعد السلوك الفردي والجماعي وآدابه القائمة على العقيدة؛ إلى شيء من القصص عن بني إسرائيل يتعلق بالمسجد الأقصى الذي كان إليه الإسراء، وطرف من قصة آدم وإبليس وتكريم الله للإنسان.
ولكن العنصر البارز في كيان السورة ومحور موضوعاتها الأصيل هو شخص الرسول صلى الله عليه وسلم وموقف القوم منه في مكة، وهو القرآن الذي جاء به، وطبيعة هذا القرآن، وما يهدي إليه، واستقبال القوم له، واستطرادا بهذه المناسبة إلى طبيعة الرسالة والرسل، وإلى امتياز الرسالة المحمدية بطابع غير طابع الخوارق الحسية وما يتبعها من هلاك المكذبين بها، وإلى تقرير التبعة الفردية في الهدى والضلال الاعتقادي، والتبعة الجماعية في السلوك العملي في محيط المجتمع كل ذلك بعد أن يعذر الله سبحانه إلى الناس، فيرسل إليهم الرسل بالتبشير والتحذير والبيان والتفصيل {وكل شيء فصلناه تفصيلا}.
ويتكرر في سياق السورة تنزيه الله وتسبيحه وحمده وشكر آلائه. ففي مطلعها: {سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى} وفي أمر بني إسرائيل بتوحيد الله يذكرهم بأنهم من ذرية المؤمنين مع نوح {إنه كان عبدا شكورا}، وعند ذكر دعاوي المشركين عن الآلهة يعقب بقوله: {سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم} وفي حكاية قول بعض أهل الكتاب حين يتلى عليهم القرآن: {ويقولونسبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا}، وتختم السورة بالآية {وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن لهشريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا}.
في تلك الموضوعات المنوعة حول ذلك المحور الواحد الذي بينا، يمضي سياق السورة في أشواط متتابعة.
يبدأ الشوط الأول بالإشارة إلى الإسراء: {سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله} مع الكشف عن حكمة الإسراء {لنريه من آياتنا}، وبمناسبة المسجد الأقصى يذكر كتاب موسى وما قضى فيه لبني إسرائيل، من نكبة وهلاك وتشريد مرتين، بسبب طغيانهم وإفسادهم مع إنذارهم بثالثة ورابعة {وإن عدتم عدنا}. ثم يقرر أن الكتاب الأخير- القرآن- يهدي للتي هي أقوم، بينما الإنسان عجول مندفع لا يملك زمام انفعالاته، ويقرر قاعدة التبعة الفردية في الهدى والضلال، وقاعدة التبعة الجماعية في التصرفات والسلوك.
ويبدأ الشوط الثاني بقاعدة التوحيد، ليقيم عليها البناء الاجتماعي كله وآداب العمل والسلوك فيه، ويشدها إلى هذا المحور الذي لا يقوم بناء الحياة إلا مستندا إليه.
ويتحدث في الشوط الثالث عن أوهام الوثنية الجاهلية حول نسبة البنات والشركاء إلى الله، وعن البعث واستبعادهم لوقوعه، وعن استقبالهم للقرآن وتقولاتهم على الرسول صلى الله عليه وسلم ويأمر المؤمنين أن يقولوا قولا آخر، ويتكلموا بالتي هي أحسن.
وفي الشوط الرابع يبين لماذا لم يرسل الله محمدا صلى الله عليه وسلم بالخوارق فقد كذب بها الأولون، فحق عليهم الهلاك اتباعا لسنة الله؛ كما يتناول موقف المشركين من إنذارهم لله في رؤيا الرسول صلى الله عليه وسلم وتكذيبهم وطغيانهم، ويجيء في هذا السياق طرف من قصة إبليس، وإعلانه أنه سيكون حربا على ذرية آدم. يجيء هذا الطرف من القصة كأنه كشف لعوامل الضلال الذي يبدو من المشركين، ويعقب عليه بتخويف البشر من عذاب الله، وتذكيرهم بنعمة الله عليهم في تكريم الإنسان، وما ينتظر الطائعين والعصاة يوم ندعو كل أناس بإمامهم: فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرؤون كتابهم ولا يظلمون فتيلا، ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا.
ويستعرض الشوط الأخير كيد المشركين للرسول صلى الله عليه وسلم ومحاولة فتنته عن بعض ما أنزل إليه ومحاولة إخراجه من مكة، ولو أخرجوه قسرا- ولم يخرج هو مهاجرا بأمر الله- لحل بهم الهلاك الذي حل بالقرى من قبلهم حين أخرجت رسلها أو قتلتهم، ويأمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يمضي في طريقه يقرأ قرآنه ويصلي صلاته، ويدعو الله أن يحسن مدخله ومخرجه ويعلن مجيء الحق وزهوق الباطل، ويعقب بأن هذا القرآن الذي أرادوا فتنته عن بعضه فيه شفاء وهدى للمؤمنين، بينما الإنسان قليل العلم {وما أوتيتم من العلم إلا قليلا}.
ويستمر في الحديث عن القرآن وإعجازه. بينما هم يطلبون خوارق مادية، ويطلبون نزول الملائكة، ويقترحون أن يكون للرسول بيت من زخرف أو جنة من نخيل وعنب، يفجر الأنهار خلالها تفجيرا! أو أن يفجر لهم من الأرض ينبوعا. أو أن يرقى هو في السماء ثم يأتيهم بكتاب مادي معه يقرأونه إلى آخر هذه المقترحات التي يمليها العنت والمكابرة، لا طلب الهدى والاقتناع، ويرد على هذا كله بأنه خارج عن وظيفة الرسول وطبيعة الرسالة، ويكل الأمر إلى الله، ويتهكم على أولئك الذين يقترحون هذه الاقتراحات كلها بأنهم لو كانوا يملكون خزائن رحمة الله- على سعتها وعدم نفادها- لأمسكوها خوفا من الإنفاق! وقد كان حسبهم أن يستشعروا أن الكون وما فيه يسبح لله، وأن الآيات الخارقة قد جاء بها موسى من قبل فلم تؤد إلى إيمان المتعنتين الذين استفزوه من الأرض، فأخذهم الله بالعذاب والنكال.
وتنتهي السورة بالحديث عن القرآن والحق الأصيل فيه. القرآن الذي نزل مفرقا ليقرأه الرسول على القوم زمنا طويلا بمناسباته ومقتضياته، وليتأثروا به ويستجيبوا له استجابة حية واقعية عملية، والذي يتلقاه الذين أوتوا العلم من قبله بالخشوع والتأثر إلى حد البكاء والسجود، ويختم السورة بحمد الله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل. كما بدأها بتسبيحه وتنزيهه. اهـ.

.قال الصابوني:

سورة الإسراء مكية وآياتها إحدى عشرة ومائة آية.

.بين يدي السورة:

سورة الإسراء من السور المكية التي تهتم بشئون العقيدة، شأنها كشأن سائر السورة المكية من العناية بأصول الدين: الوحدانية، والرسالة، والبعث ولكن العنصر البارز في هذه السورة الكريمة هو شخصية الرسول، وما أى ده الله به من المعجزات الباهرة، والحجج القاطعة، الدالة على صدقه عليه الصلاة والسلام.
* تعرضت السورة الكريمة لمعجزة الإسراء التى كانت مظهرا من مظاهر التكريم الإلهى، لخاتم الأنبياء والمرسلين، وآية باهرة تدل على قدرة الله جل وعلا في صنع العجائب والغرائب.
*وتحدثت عن بني إسرائيل، وما كتب الله عليهم من التشرد في الأرض مرتين، بسبب طغيانهم وفسادهم، وعصيانهم لأوامر الله {وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين} الآيات.
* وتحدثت عن بعض الآيات الكونية، التي تدل على العظمة والوحدانية، وعن النظام الدقيق الذي يحكم الليل والنهار، ويسير وفق ناموسٍ ثابت لا يتبدل {وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل} الآيات.
* وتعرضت السورة إلى بعض الآداب الاجتماعية، والأخلاق الفاضلة الكريمة، فحثت عليها، ودعت إلى التحلى بها، ليكون هناك المجتمع المثالي الفاضل الذي ينشده الإسلام، بدءا من قوله تعالى: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه}. الآيات.
* وتحدثت عن ضلالات المشركين، حيث نسبوا إلى الله تعالى الصاحبة والولد، والعجيب في أمرهم أنهم يكرهون البنات، ثم ينسبونها إلى العلي الكبير، المنزه عن الشبيه والنظير {أفأصفاكم ربكم بالبنين وإتخذ من الملائكة إناثا؟ إنكم لقولون قولا عظيمًا} الآيات.
* وتحدثت عن البعث والنشور، والمعاد والجزاء، الذي كثر حوله الجدل، وأقامت الأدلة والبراهين على إمكانه، ثم تحدثت عن القرآن العظيم معجزة محمد صلى الله عليه وسلم الخالدة، وذكرت تعنت المشركين في اقتراحاته حيث طلبوا معجزة أخرى غير القرآن، أن يفجر لهم الأنهار، ويجعل لهم مكة حدائق وبساتين {وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا} الآيات.
ثم ختمت السورة بتنزيه الله عن الشريك والولد، وعن صفات النقص والعجز، واتصافه بالعزة والكبرياء {وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولى من الذل وكبره تكبيرا}.

.التسمية:

سميت السورة الكريمة سورة الإسراء لتلك المعجزة الباهرة معجزة الإسراء التى خص الله تعالى بها نبيه الكريم خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم، احتفاء به، وتكريما له، على صبره، وتحمله ضروب البلاء والأذى، في سبيل تبليغ دعوة الله، وإنها لحفاوة عظيمة أن يُسرى به إلى بيت المقدس، ثم أن يُصعد به إلى السماء، لم ينلها قبله أحد من الأنبياء. اهـ.

.قال أبو عمرو الداني:

سورة الإسراء مكية وقد ذكر نظيرتها في الكوفي والشامي ولا نظير لها في غيرهما وكلمها ألف وخمس مئة وثلاث وثلاثون كلمة وحروفها ستة آلاف وأربع مئة وستون حرفا وهي مئة وإحدى عشرة آية في الكوفي وعشرا في عدد الباقين اختلافها آية {للأذقان سجدا} عدها الكوفي ولم يعدها الباقون وفيها مما يشبه الفواصل وليس معدودا بإجماع ستة مواضع {أولي بأس شديد} {ومن قتل مظلوما} {إلا أن كذب بها الأولون} {أو معذبوها عذابا شديدا} {ورحمة للمؤمنين} و{بكما وصما}.