فصل: قال أبو جعفر النحاس:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو جعفر النحاس:

سورة الإسراء وهي مكية.
1- من ذلك قوله تعالى جده: {سبحان الذي أسرى بعبده ليلا} يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن معنى {سبحان} فقال: إنزاه الله من السوء وفي بعض الحديث براءة الله من السوء قال سيبويه وغيره معناه براءة الله من السوء وأنشد:
أقول لما جائني فخره ** سبحان من علقمة الفاخر

وروى معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال قمت في الحجر لما كذبني قومي ليلة أسري بي فأثنيت على ربي وسألته أن يمثل لي بيت المقدس فرفع لي فجعلت أنعت لهم آياته وروى سفيان عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر قال قلت يا رسول الله أي مسجد وضع أول فقال المسجد الحرام قلت ثم أي قال ثم المسجد الأقصى قلت كم بينهما قال أربعون سنة ثم قال أينما أدركتك الصلاة فصل فهو مسجد.
2- وقوله جل وعز: {من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله} {من المسجد الحرام} يعني مكة {إلى المسجد الأقصى} يعني بيت المقدس {الذي باركنا حوله} قيل فجر حوله الأنهار وأنبت الثمار 3- ثم قال جل وعز: {لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير} {لنريه من آياتنا} ما رأى من الأنبياء وآثارهم.
4- وقوله جل وعز: {وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل} أي دللناهم به على الهدى.
5- ثم قال جل وعز: {تتخذوا من دوني وكيلا} ويقرأ {أن لا يتخذوا} على إضمار بمعنى وعهدنا إليهم وروى ورقاء عن ابن أبي نجيح: {ألا تتخذوا من دوني وكيلا} قال شريكا قال أبو جعفر وذلك معروف في اللغة أن يقال لكل من قام مقام آخر في أي شيء كان هو شريكه وقال الفراء ألا تتخذوا من دوني وكيلا أي كافيا.
6- وقوله جل وعز: {ذرية من حملنا مع نوح} روى ابن أبي نجيح عن مجاهد أنه قال على النداء أي ذرية من حملنا قال أبو جعفر أي حرف نداء مثل يا وروى سفيان عن حميد عن مجاهد أنه قرأ {ذرية} بفتح الذال وتشديد الراء والياء وروى عن زيد بن ثابت ذرية بكسر الذال وتشديد الراء والياء فأما عامر بن عبد الواحد فحكي أن زيدا قرأ {ذرية} بفتح الذال وتشديد الراء والياء.
7- ثم قال جل وعز: {إنه كان عبدا شكورا} روى معمر عن قتادة قال كان إذا لبس ثوبا قال بسم الله وإذا نزعه قال الحمد لله وروى معمر عن منصور عن إبراهيم قال شكره أنه إذا أكل قال بسم الله فإذا فرغ من الأكل قال الحمد لله.
8- وقوله جل وعز: {وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب} قال سفيان أي على بني إسرائيل قال ابن عباس قضينا أعلمنا.
9- وقوله جل وعز: {فإذا جاء وعد أولاهما} أي أولى المرتين {بعثنا عليكم عبادا لنا أولى بأس شديد} روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال لجاءوا من ناحية فارس أول مرة ومعهم بختنصر فهزمهم بنو إسرائيل ثم رجعوا في الثانية فقتلوا بني إسرائيل ودمروهم النبي تدميرا قال قتادة بعث عليهم في أول مرة جالوت وفي الثانية بختنصر.
10- ثم قال جل وعز: {فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا} روى معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال جاسوا مشوا قال أبو جعفر المعروف عند أهل اللغة أنه يقال جسنا دور بني فلان وجسناها وإن إذا قهروهم وغلبوهم.
11- وقوله جل وعز: {ثم رددنا لكم الكرة عليهم} أي الدولة {وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا} يجوز أن يكون نفيرا بمعنى نافر مثل قدير وقادر ويجوز أن يكون جمع نفر مثل عبيد وكليب ومعيز وأصله من ينفر مع الرجل من عشيرته وأصحابه.
12- وقوله جل وعز: {فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم} {فإذا جاء وعد الآخرة} أي من المرتين {ليسوءوا وجوهكم} روى زائد عن الأعمش قال الله: {ليسوء وجوهكم} وقال غيره ليسوء الوعد وجوهكم ويروى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قرأ {لنسوء وجوهكم} بالنون وهي قراءة الكسائي وفي الكلام حذف والمعنى فإذا جاء وعد الآخرة بعثناهم لنسوء وجوهكم وروى عن أبي بن كعب أنه قرأ {فإذا جاء وعد الآخرة لنسوءن وجوهكم} بالنون الخفيفة واللام المفتوحة والوقف عليه {لنسوءا} كما مثل {لنسفعا} وهو على غير حذف ومن قرأ {ليسوءوا} فالمعنى عنده للعباد وفيه حذف.
13- وقوله عز وجل: {وليتبروا ما علوا تتبيرا} قال ابن جريج ليدمروا تدميرا كذا قال ابن عباس قال أبو جعفر وكذلك هو في اللغة يقال تبر الشيء إذا كسرة ومنه التبر.
14- وقوله جل ذكره: {وإن عدتم عدنا} روى مبارك عن الحسن قال إن عدتم إلى المعصية عدنا إلى العقوبة.
15- وقوله جل وعز: {وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا} قال مجاهد أي يحصرون فيها وقال الحسن فراشا ومعادا وروى معمر عن قتادة قال محبسا قال أبو جعفر ومعروف في اللغة أن يقال حصرت الرجل أي حبسته ويقال للموضع الذي يحبس فيه حصير ويقال أحصره المرض والأصل فيه واحد.
16- وقوله جل وعز: {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم} المعنى يهدي للحال التي هي أقوم والحال التي هي أقوم توحيد الله واتباع رسله والعمل بطاعته.
17- وقوله جل وعز: {ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا} روى معمر عن قتادة قال يدعو الإنسان على نفسه بما لو استجيب له لهلك ويدعو على ولده وماله ثم قال تعالى: {وكان الإنسان عجولا} قيل يعجل بالدعاء على نفسه ولا يعجل الله بالإجابة وروى عن سلمان أنه قال أول ما خلق الله من آدم رأسه فاقبل ينظر إلى سائره يخلق فلما دنا المساء قال رب عجل قبل الليل فقال الله تعالى: {وكان الإنسان عجولا}.
18- وقوله جل وعز: {وجعلنا الليل والنهار آيتين} الآية في اللغة الدلالة والعلامة أي جعلناهما دالين على أن خالقهما ليس كمثله شيء ودالين على عدد السنين والحساب.
19- ثم قال جل وعز: {فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة} روى هشيم عن حصين عن عكرمة عن ابن عباس فمحونا آية الليل قال هو السواد الذي ترونه في القمر ويروي أن ابن الكواء سأل علي بن أبي طالب عن السواد الذي في القمر فقال لو سألت عما ينفعك في دنياك وآخرتك ذاك أن الله يقول وجعلنا الليل والنهار آيتين إلى آخر الآية فآية النهار الشمس وآية الليل القمر وصحوه هو السواد الذي فيه.
20- وقوله جل ثناؤه: {وجعلنا آية النهار مبصرة} روى الحسن عن قتادة قال منيرة قال أبو جعفر وهذا مذهب الفراء فقد قال مبصرة بمعنى مضيئة وقال غيره هذا على التشبيه أي ذات إبصار أي يبصرون بها.
21- وقوله جل وعز: {وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه} روى منصور وابن أبي نجيح وابن جريج عن مجاهد قال عمله وقال الضحاك رزقه وأجله وشقاءه وسعادته وروى ابن جريج عن عطاء الخرساني عن ابن عباس قال طائره ما قدر عليه يكون معه حيثما كان ويزول معه أينما زال وقيل طائره حظه قال أبو جعفر والمعاني متقاربة إنما هو ما يطير من خير أو شر على التمثيل كما تقول هذا في عنق فلان أي يلزمه كما تلزم القلادة.
22- ثم قال جل وعز: {ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورًا} روى جرير بن حازم عن حميد عن مجاهد أنه قرأ ويخرج له يوم القيامة كتابا قال يريد يعني ويخرج له الطائر كتابا أي عمله كتابا وروى عن مجاهد ويخرج وكذلك قرأ أبو جعفر يزيد بن القعقاع وقرأ الحسن ويخرج له يوم القيامة كتابا بفتح الياء أيضا ورويت هذه القراءة عن ابن عباس فإنه قال سيحول عمله كتابا وقرأ الحسن يلقاه بضم الياء وتشديد القاف.
23- وقوله جل وعز: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} روى معمر عن ابن طاووس عن أبيه عن أبي هريره قال إذا كان يوم القيامة جمع الله أهل الفترة والمعتوه والأصم والأبكم والأخرس والشيوخ الذين لم يدركوا الإسلام فأرسل إليهم رسولا أن ادخلوا النار فيقولون كيف ولم يأتنا رسول قال ولو دخلوها لكانت عليهم بردا وسلاما فيرسل الله عليهم رسولا فيطيعه من كان يريد أن يطيعه ثم قرأ أبو هريرة وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا وقال غيره يوم القيامة ليس بيوم تعبد ولا محنة فيرسل إلى أحد رسول ولكن معنى الآية وما كنا معذبين أحدا في الدنيا بالإهلاك حتى نبعث رسولا.
24- وقوله جل وعز: {وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها} يقرأ هذا الحرف على وجوه روى عن عبد الله بن مسعود أنه قرأ أمرنا بالقصر والتخفيف وكذلك يروي عن ابن عباس وروى عن علي بن أبي طالب رضى الله عنه أنه قرأ أمرنا مترفيها وكذلك قرأ أبو عثمان النهدي وأبو العالية وقرأ الحسن والأعرج وابن أبي إسحاق آامرنا مترفيها وروى {أمرنا مترفيها} على فعلنا عن ابن عباس هذه القراءة أيضا قال أبو جعفر من قرأ {أمرنا مترفيها} ففي قراءته ثلاثة أقوال أحدها وأثبتها ما قاله ابن جريج وزعم أنه قول ابن عباس وهو أن المعنى أمرناهم بالطاعة ففسقوا قال محمد بن يزيد قد علم أن الله عز وجل لا يأمر إلا بالعدل والإحسان كما قال تعالى: {إن الله يأمر بالعدل والإحسان} فقد علم أن المعنى أمرنا مترفيها بالطاعة فعصوا قال مجاهد مترفوها فساقها وقال أبو العالية مستكبروها والمعنى أمرناهم بالطاعة والفاسق إذا أمر بالطاعة عصى فعصوا فحق عليهم القول بالعصيان أي وجب والقول الثاني في معنى أمرنا قال معمر عن قتادة قال أمرنا أكثرنا قال الكسائي يجوز أن يكون أمرنا بمعنى أمرنا من الإمارة وأنكر أن يكون أمرنا بمعنى أكثرنا وقال لا يقال في هذا إلا أمرنا قال أبو جعفر وهذا القول الثالث أعني قول الكسائي ينكره أهل اللغة وقد حكى أبو زيد وأبو عبيدة أنه يقال أمرنا بمعنى أكثرنا ويقوي ذلك الحديث المرفوع خير المال سكة مأبورة ومهرة مأمورة والسكة المأبورة النخل الملقح والمهرة المأمورة الكثيرة النتاج. فأما معنى أمرنا ففيه قولان أحدهما رواه معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال أمرنا سلطنا وكذلك قال أبو عثمان النهدي وروى وكيع عن أبى جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية أنه قرأ أمرنا مثقلة أي سلطنا مستكبريها والقول الثاني رواه الكسائي عن أبى جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية أمرنا أي أكثرنا وليس بمبعد ما رواه الكسائي ويكون مثل سمن الدابة وسمنته وأسنمته قال أبو جعفر وهذا أولى قال جل وعز: {ففسقوا فيها} فوصف أنهم جماعة والقرية الواحدة لا توصف إن فيها جماعة امراء إن قيل يكون واحدا فقد قيل وهذا خصوص والهلاك بالكثرة فتكثر المعاصي فأما معنى آمرنا إلا فأكثرنا كذلك قال الحسن ويحتمل معنى آمرنا أكثرنا عدهم وأكثرنا يسارهم وحقيقة أمر كثرت املاكه من مال أو غير ذلك من حالة ومن لقد جئت شيئا إمرا قال الكسائي عظيما وقال هارون في قراءة أبي وإذا أردنا أن نهلك قرية بعثنا فيا أكابر مجرميها فمكروا فيها فحق عليها القول فاما معنى آمرنا فلا يكاد يعرف لأنه إنما يقال أمر القوم إذا كثروا وآمرهم الله أي أكثرهم ولا يعرف أمرهم الله.
25- وقوله جل وعز: {من كان يريد العاجله فيه عجلنا له فيها ما نشاء} العاجلة أي الدنيا عجلنا له فيها ما نشاء وتقرأ ما يشاء قال أبو جعفر والمعنيان واحد أي ما شاء الله ويجوز أن يكون ل من.
26- وقوله جل وعز: {ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا} أي مباعدا يقال دحره يدحره دحرا ودحورا إذا أبعده ثم أخبر تعالى أنه يرزق المؤمن والكافر فقال كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك.
27- وقوله جل ذكره: {وقضى ربك إلا تعبدوا إلا إياه} روى مبارك عن الحسن قال قضى أمر ألا تعبدوا إلا إياه وروى سفيان عن الأعمش قال قرأ عبد الله بن مسعود ووصى ربك ألا تعبدوا إلا إياه.
28- ثم قال تعالى: {وبالوالدين إحسانا أي وأمر أن تحسنوا بالوالدين إحسانا}.
29- وقوله جل وعز: {فلا تقل لهما أف} روى عن مجاهد أنه قال لا تستقذرهما صلى كما كانا لا يستقذرانك والمعنى عن أهل اللغة لا تستثقلهما أنه ولا تغلظ عليهما في القول والناس يقولون لما يستثقلونه أف له وأصل هذا أن الإنسان إذا وقع عليه الغبار أو شيء يتأذى به نفخه فقال أف وقيل إن أف وسخ الأظفار وإن التف الشيء الحقير نحو وسخ الأذن والقول الأول أعرف.
30- ثم قال جل وعز: {ولا تنهرهما} أي لا تكلمهما بصياح ولا بضجر يقال نهره وانتهره بمعنى واحد وبين هذا بقوله: {وقل لهما قولا كريما}.
31- وقوله جل وعز: {واخفض لهما جناح الذل من الرحمة} قرأ سعيد بن جبير ويحيى بن وثاب وعاصم الجحدري {واخفض لهما جناح الذل من الرحمة} بكسر الذال ومعنى الضم كن لهما بمنزلة الذليل المقهور إكراما وإعظاما وتبجيلا وروى هشام بن عروة عن أبيه وبعضهم يقول عن عائشة: {واخفض لهما جناح الذل من الرحمة} هو أن يطيعهما ولا يمتنع من شيء أراداه وقال عطاء لا ترفع يدك عليهما وقال سعيد بن المسيب هو قول العبد المذنب للسيد الفظ الغليظ.