فصل: قال الفراء:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



110- ثم قال جل وعز: {أو تأتي بالله والملائكة قبيلا} روى معمر وسعيد عن قتادة قال قبيلا أي عيانا.
قال أبو جعفر ذهب إلى أنه من المقابلة وقال غيره قبيلا أي كفيلا يقال قبلت به أي كفلت وتقبل فلان بكذا أي تكفل به.
111- ثم قال جل وعز: {أو يكون لك بيت من زخرف} روى مجاهد قال كنا لا ندري ما الزخرف فرأيناه في قراءة ابن مسعود أو يكون لك بيت من ذهب وقال أبو جعفر الزخرف في اللغة الزينة والذهب من الزينة.
112- وقوله جل وعز: {أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه} أي كتابا بنبوتك فأعلم الله أنه لو فعل بهم ذلك ما آمنوا فقال تعالى: {ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين}
113- وقوله جل وعز: {وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا} فاعلم الله أن الأعدل الأبلغ أن يبعث إلى كل خلق من كان من جنسه فقال قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا فقالوا من يشهد لك بهذا فقال جل وعز: {قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم}.
114- وقوله جل وعز: {ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما} وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الذي امشاهم له على أرجلهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم». قال ابن عباس عميا لا يرون شيئا يسرهم وبكما لا ينطقون بحجة وصما لا يسمعون ما يسرون به.
115- ثم قال جل وعز: {مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا} قال مجاهد كلما خبت أي كلما طفئت أوقدت وقال الضحاك كلما سكنت قال أبو جعفر يقال خبت النار إذا سكن لهبها وعاد الجمر رمادا قيل كبت فإن طفئ بعض الجمر وسكن اللهب قيل خمدت فإن ظفئت كلها قيل: همدت تهمد همودا ومعنى زدناهم سعيرا زدناهم نارا تسعر أي تلتهب.
116- وقوله جل وعز: {قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذا لأمسكتم خشية الإنفاق} روى حجاج عن ابن جريج قال الإنفاق الفقر عن ابن عباس وروى معمر عن قتادة قال الإنفاق الفقر وحكى أهل اللغة أنفق وأصرم وأعدم واقتر إذا قل ماله.
117- ثم قال جل وعز: {وكان الإنسان قتورا} روى حجاج عن ابن جريج قال قتورا بخيلا عن ابن عباس.
118- وقوله جل وعز: {ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات} روى شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة عن صفوان بن عسال أن يهوديا قال لصاحبه تعال حتى نسأل هذا النبي صلى الله عليه وسلم فقال له الآخر لا تقل له النبي فإنه إن سمعها صارت له أربعة أعين قال فأتاه فسأله عن هذه الآية ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات فقال لا تشركوا بالله شيئا ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تأكلوا الربا ولا تمشوا ببرئ إلى سلطان ليقتله ولا تسحروا ولا تفروا من الزحف وعليكم خاصة اليهود ألا تعدوا في السبت قال فقبلوا يده وقالوا نشهد انك رسول الله قال فما يمنعكم أن تتبعوني قالوا إن داود عليه السلام دعا ألا يزال في ذريته نبي وإنا نخشى إذا اتبعناك ان تقتلنا اليهود.
وقال الحسن والشعبي ومجاهد والضحاك في قوله تعالى: {ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات} هي الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والسنون ونقص من الثمرات واليد والعصا هذا معنى قولهم 119- ثم قال جل وعز: {فاسأل بني إسرائيل إذ جاءهم روى عن أبن عباس أنه قرأ فسأل بني إسرائيل}.
والمعنى على هذه القراءة فسأل بني إسرائيل والمعنى فلم يرد فرعون ما جاء به موسى عليه السلام من الآيات والبراهين بأكثر من أنه أخبر أنه ظان ان موسى عليه السلام ساحر فقال إني لأظنك يا موسى مسحورا.
120- وقوله جل وعز: {قال لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السموات والأرض بصائر} وروى عن علي بن أبي طالب رحمه الله عليه أنه قرأ لقد علمت بضم التاء وقال والله ما علم فرعون وإنما هو موسى الذي علم قال أبو جعفر والقراء كلهم على فتح التاء إلا الكسائي فإنه ضمها ولو صح الحديث عن علي رحمة الله لم يحتج في ذلك إلى نظر وكانت القراءة به أولى ولكن إنما رواه أبو إسحاق عن رجل من مراد عن علي رحمة الله عليه وعلم فرعون بذلك أوكد في الحجة عليه وقد احتج في ذلك عبد الله بن عباس بحجة قاطعة فقال إنما هو لقد علمت كما قال تعالى: {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم} حدثنا إبراهيم بن شريك قال نا أحمد بن عبد الله بن يونس قال نا زهير قال حدثنا أبو أسحق قال سمعت أبا عبيدة يسأل سعد بن عياض عن قوله تعالى: {لقد علمت ما أنزل هؤلاء} قال سعد هو كقول الرجل لصاحبه وهو يحاوره لقد علمت قال زهير قال أبو اسحاق وحدثني رجل من مراد أنه سمع عليا يقول والله ما علم عدو الله ولكن موسى الذي علم قال لقد علمت أنا ثم قال: {وإني لأظنك يا فرعون مثبورا}.
روى المنهال عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال ملعونا وروى ابن جريج عن مجاهد قال هالكا وروى معمر عن قتادة قال مهلكا وروى علي بن الحكم عن الضحاك قال ملعونا وروى عنه جويبر قال هالكا قال أبو جعفر وهذه الأقوال ترجع إلى شيء واحد لأنه حكى أهل اللغة ما ثبرك عن هذا أي ما منعك منه وصرفك عنه فالمعنى ممنوع من الخير.
121- ثم قال جل وعز: {فأراد أن يستفزهم من الأرض أي يزيلهم عنها} إما بقتل أو بتنحيه ذلك.
122- وقوله جل وعز: {وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا}.
قال مجاهد وقتادة أي جميعا وروى سفيان عن منصور عن أبي رزين قال من كل قوم قال أبو جعفر وهذا أولى عند أهل اللغة لأنه يقال لففت الشيء إذا خلطته وقال الأصمعي اللفيف جمع ليس له واحد وهو مثل الجميع.
123- وقوله جل وعز: {وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا}. أي تبشر المطيعين الجنة وتنذر العاصين بالنار.
124- وقوله جل وعز: {وقرآنا فرقناه} قال أبو عمرو رحمه الله فرقناه بيناه.
125- ثم قال تعالى: {لتقرأه على الناس على مكث} قال مجاهد أي على تؤدة.
126- وقوله جل وعز: {إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا}.
قال الحسن أي للجباه محمد وقال قتادة أي للوجوه والذقن عند أهل اللغة مجتمع اللحيين وهو أقرب الأشياء إلى الأرض من الوجوه إذا ابتدئ السجود.
127- ثم قال جل وعز: {قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن} فيروى أنهم قالوا ندعو اثنين فأعلم اله جل جلاله أنه لا يدعى غيره بأسمائه فقال أيا ما تدعو فله الأسماء الحسنى.
128- ثم قال جل وعز: {ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا} فيها وجهان أحدهما رواه الأعمش عن جعفر بن إياس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلن إذا قرأ فيسب المشركون القرآن ومن أنزله ومن جاء به فصار يخفي القراءة فأنزل الله جل وعز ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها والقول الآخر رواه هشام بن عروة عن أبيه قال قالت لي عائشة يا ابن أختي أتدري فيم أنزل ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها قال قلت لا قالت أنزل في الدعاء قال أبو جعفر والإسنادان حسنان والدعاء يسمى صلاة ولا يكاد يقع ذلك للقراءة.
قال الأعمش:
تقول بنتي وقد قربت مرتحلا ** يا رب جنب أبي الأوصابا إلى والوجعا

عليك مثل الذي صليت فاغتمضي ** نوما فإن لجنب المرء مضطجعا

ويقال إنه إنما قيل صلاة أنها لا تكون إلا بدعاء والدعاء صلاة فسميت باسمه.
129- وقوله جل وعز: {ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل} أي لم يحتج إلى من ينتصر له.
130- ثم قال عز وجل: {وكبره تكبيرا} أي عظمه تعظيما أنتهت سورة الإسراء ولله الحمد والمنة. اهـ.

.قال الفراء:

ومن سورة بني إسرائيل:
قوله: {سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ}. الحرم كلّه مسجد، يعني مكّة وحرمها {إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَا}: بيت المقدس {الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ} بالثمار والأنهار.
وقوله: {لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا} يعني النبىّ صلى اللّه عليه وسلّم حين أسرى به ليريه تلك الليلة العجائب، وأرى الأنبياء حتّى وصفهم لأهل مكّة، فقالوا: فإنّ لنا إبلا في طريق الشام فأخبرنا بأمرها، فأخبرهم بآيات وعلامات، فقالوا: متى تقدم؟ فقال: يوم كذا مع طلوع الشمس يقدمها جمل أورق. فقالوا: هذه علامات نعرف بها صدقه من كذبه. فغدوا من وراء العقبة يستقبلونها، فقال قائل: هذه واللّه الشمس قد شرقت ولم تأت، وقال آخر: هذه واللّه العير يقدمها جمل أورق كما قال محمد صلى اللّه عليه وسلم. ثم لم يؤمنوا.
وقوله: {أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا} [2]. يقال: ربّا، ويقال: كافيا.
وقوله: {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا} [3]. منصوبة على النداء ناداهم: يا ذرّيّة من حملنا مع نوح، يعني في أصلاب الرجال وأرحام النساء ممّن لم يخلق.
وقوله: {وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إسرائيل} [4].
أعلمناهم أنهم سيفسدون مرّتين.
وقوله: {فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما} يقول: عقوبة أولى المرّتين، وهو أول الفسادين {بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِبادًا لَنا} يعني بختنصّر فسبى وقتل.
وقوله: {فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ} يعنى: قتلوكم بين بيوتكم {فَجاسُوا} في معنى أخذوا وحاسوا أيضا بالحاء في ذلك المعنى.
وقوله: {ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ} [6]. يعني على بختنصّر جاء رجل بعثه اللّه عزّ وجلّ على بختنصّر فقتله وأعاد اللّه إليهم ملكهم وأمرهم، فعاشوا، ثم أفسدوا وهو آخر الفسادين.
وقوله: {فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ} [7]. يقول القائل: أين جواب {إذا}؟
ففيه وجهان. يقال: فإذا جاء وعد الآخرة بعثناهم ليسوء اللّه وجوهكم لمن قرأ بالياء، وقد يكون {ليسوء العذاب وجوهكم}، وقرأها أبىّ بن كعب بـ {لنسوءن وجوهكم} بالتخفيف يعني النون.
ولو جعلتها مفتوحة اللام كانت جوابا لإذا بلا ضمير فعل. تقول إذا أتيتنى لأسوءنّك ويكون دخول الواو فيما بعد {لنسوءن} بمنزلة قوله: {وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ} نريه الملكوت، كذلك الواو في {وَلِيَدْخُلُوا} تضمر لها فعلا بعدها، وقد قرئت {ليسوءوا وجوهكم} الذين يدخلون.
وقوله: {إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [9]. يقول: لشهادة أن لا إله إلا اللّه.
{وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ} أوقعت البشارة على قوله: {أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا} ويجوز أن يكون المؤمنون بشروا أيضا بقوله: {وَأَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذابًا أَلِيمًا} لأن الكلام يحتمل أن تقول: بشّرت عبد اللّه بأنه سيعطى وأن عدوّه سيمنع، ويكون، ويبشّر الذين لا يؤمنون بالآخرة أنا أعتدنا لهم عذابا أليما، وإن لم يوقع التبشير عليهم كما أوقعه على المؤمنين قبل {أنّ} فيكون بمنزلة قولك في الكلام بشّرت أن الغيث آت فيه معنى بشّرت الناس أن الغيث آت وإن لم تذكرهم، ولو استأنفت {وَأَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ} صلح ذلك ولم أسمع أحدا قرأ به.
وقوله: {وَيَدْعُ الْإِنْسانُ} [11]. حذفت الواو منها في اللفظ ولم تحذف في المعنى لأنها في موضع رفع، فكان حذفها باستقبالها اللام السّاكنة، ومثلها {سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ} وكذلك {وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ} وقوله: {يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ} وقوله: {فَما تُغْنِ النُّذُرُ} ولو كنّ بالياء والواو كان صوابا، وهذا من كلام العرب. قال الشاعر:
كفاك كفّ ما تليق درهما جودا ** وأخرى تعط بالسيف الدّما

وقال بعض الأنصار:
ليس تخفى بشارتى قدر يوم ** ولقد تخف شيمتى إعسارى

وقوله: {وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ} يريد كدعائه بالخير في الرغبة إلى اللّه عزّ وجل فيما لا يحبّ الداعي إجابته، كدعائه على ولده فلا يستجاب له في الشرّ وقد دعا به. فذلك أيضا من نعم اللّه عزّ وجلّ عليه.
وقوله: {فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ} [12]. حدّثنا محمد بن الجهم قال حدثنا الفراء قال حدثنى مندل بن علىّ عن داود بن أبى هند عن أبى حرب بن أبى الأسود الدّؤلي رفعه إلى علىّ بن أبى طالب رحمه اللّه قال: هو اللّطخ الذي في القمر.
وقوله: {وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ} [13]، وهو عمله، إن خيرا فخيرا وإن شرّا فشرّا {وَنُخْرِجُ لَهُ} قرأها يحيى بن وثّاب بالنون وقرأها غيره بالياء مفتوحة: {ويخرج له} طائره، منهم مجاهدو الحسن، وقرأ أبو جعفر المدنىّ {ويخرج له كتابا} معناه: ويخرج له عمله كتابا وكلّ حسن.
وقوله: {اقْرَأْ كِتابَكَ} [14]: فيها واللّه أعلم يقال مضمرة. مثل قوله: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ} ومثل قوله: {فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ} المعنى واللّه أعلم:
فيقال: أكفرتم.