فصل: مطلب بسط الرزق وقبضه ووأد البنات وما يتعلق فيه:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.مطلب بسط الرزق وقبضه ووأد البنات وما يتعلق فيه:

قال تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ} يوسعه ويكثره {لِمَنْ يَشاءُ} من عباده مؤمنا كان أو كافرا لا لكرامته ولا لمحبته {وَيَقْدِرُ} يضيق ويقلل ويقتر على من يشاء لا لهوانه ولا لبغضه ولا لبخل من الجواد عليه، تعالى اللّه عن ذلك بل لمصالح يقتضيها هو يعلمها وحكم تتعلق بها مشيئته، لأن مقاليد الرزق بيده جل جلاله، وهذه الآية كالعلة لقوله تعالى: {وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ} كأنه قيل إن أعرضت عنهم لفقد ما تعطيهم {فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا} ولا تهتم لذلك فإن عدم التوسعة عليك ليس لهوان منك عليه، وإن ما يعرض لك في بعض الأحيان من ضيق المال الذي يحوجك إلى الإعراض ليس إلا لمصلحة وحكمة، وعليه فتكون الآية {وَلا تَجْعَلْ} إلخ كالإعتراض بين هذه الآية والتي قبلها وكالتأكيد لمعنى ما تقتضيه حكمة اللّه عز وجل: {إِنَّهُ كانَ} قديما ولم يزل ولن يزال {بِعِبادِهِ خَبِيرًا} بمصالحهم السرية الخفية {بَصِيرًا} بحوائجهم العلنية الظاهرة التي منها بسط الرزق وقبضه، لأنهما أمران مختصان به، وما على العبد إلّا أن يقتصد في الإنفاق والإعطاء فيفعل ما عليه ويترك ما على اللّه بطريق التفضل إلى اللّه.
قال تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ} مخافة الفقر والفاقة، قال الشاعر:
وإني على الإملاق يا قوم ماجد ** أعد لأضيافي الشواء المصهّبا

وهذا النهي بحسب ظاهر الآية عن قتل الذكور والإناث، لأن لفظ الولد يتناولهما، لكن الشائع أن الجاهليين كانوا يئدون البنات فقط مخافة النهب والسبي أو مخافة أن يأخذن غير كفؤ وذلك جار عندهم، ومنهم من يئد مخافة العجز عن الإنفاق، فنهى اللّه في هذه الآية من كانت هذه عادتهم عن ذلك، وعليه فيكون المراد بالأولاد البنات، وبالقتل الوأد خشية العار والقتل مخافة الفقر واللّه أعلم.
وأصل الخشية خوف يشوبه تعظيم ويكون عن علم بما يخشى منه، {نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ} هذا ضمان من اللّه تعالى لرزقهم وتعليل للنهي عن قتلهن، أما النهب والسبي فهو أمر قسري وكل ما يقسر عليه لا عار فيه، كما أن ما يكره عليه لا يتم؟؟؟ فيه، أما الكفاءة فهي في الإسلام متقاربة ولو فرض عدم توفرها، فإنه لا يستوجب القتل وقد أجاز الشرع للولي طلب فسخ النكاح فيها كما أجاز له الإقرار عليها، وإذا كان اللّه تعالى تعهد بالرزق فلا ينبغي أن يخشى من الفقر لإطعام العاجزات عن طلب الرزق، وسيأتي في الآية 150 من سورة الأنعام في ج 2 في نظير هذه الآية تقديم ضمير الأولاد على ضمير المخاطبين عكس ما في هذه الآية وذلك التقديم للإشعار بأصالتهم في افاضة الرزق، وعارض هذه النكتة في آية الأنعام تقدم ما يستدعي الاعتناء بشأن المخاطبين، لأن الباعث على القتل فيها الإملاق الناجز، ولذلك قيل من إملاق، وهنا الإملاق المتوقع، ولذلك قيل فيها خشية إملاق، فكأنه قيل نرزقهم من غير أن ينقص من رزقكم شيء فيعتريكم ما تخشونه ونرزقكم أنتم أيضا رزقا إلى رزقكم {إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً} لذلك السبب المزعوم المبتني على قلة يقينكم بالرازق وترهمكم ذلك {كَبِيرًا} إثمه عظيما تخطره، والإثم والخطأ بمعنى واحد، ومن قرأ خطا بفتح الخاء والطاء أراد أنه لغة في الخطء بكسر الخاء وسكون الطاء مثل مثل مثل وحذر وحذر، لأنه من خطأ يخطىء، وعليه يكون المعنى أن قتلهم غير صواب، والمقام لا يناسبه، لأن غير الصواب لا يوصف بالكبر عادة، وإنما وصف اللّه تعالى قتلهم بالكبر لأن السبب الذي توخوه منهي عنه ولا أساس له في الشرع، فكان قتلهم بناء على ذلك السبب الواهي أعظم عند اللّه من قتلهم عفوا، لأن فيه عدم الاعتماد على اللّه تعالى في أن يرزقهم وإطاعة للشيطان فيما يلقيه في قلوبهم من خوف الفقر، قال تعالى: {الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ} الآية 129 من البقرة في ج 3، وقال تعالى: {وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا} الآية 25 من سورة النساء في ج 3، فانظروا أيها الناس أيهما تختارون، اتباع اللّه المتكفل بأرزاقكم، أم الشيطان الذي يخوفكم الفقر، وإنما كان قتلهن أعظم وزرا من القتل العفو لأن القتل يقع عادة بين الناس لعداوة أو انتقام، أو حالة المقابلة بالغزو وغيره، وليس فيه عدم الاعتماد على اللّه، تأمل قول القائل:
لا تبخلن بدنيا وهي مقبلة ** فليس ينقصها التبذير والسرف

وإن تولت فأحرى أن تجود بها ** فالحمد منها إذا ما أدبرت خلف

قال تعالى: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى} نهى اللّه تعالى عن قربانه فضلا عن إتيانه مبالغة في التجنّب عنه والتباعد عن التعرض لأسبابه من الإشارة واللمس والغمز والقرص والقبلة والعضّ حتى النظرة الثانية إذا كانت الأولى غير مقصودة، لأن النظر هو أول مبادثه، ولذلك نهى اللّه تعالى المؤمنين والمؤمنات عنه كما سيأتي في الآيتين 31 و32 من سورة النور في ج 3، {إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً} قبيحة فظيعة زائدة عن حد الشرع لما فيها من التعدي الشنيع على الغير وتضييع النسب، ومن لا نسب له ميت حكما {وَساءَ سَبِيلًا} 32 ذلك السبيل لأن الالتقاء بطريقة الزنى يسبب انقطاع النسل وهو سبب خراب العالم لأن المجتمع الإنساني لا يقوم إلا بالنكاح المسبب عنه كثرة النسل قال صلّى اللّه عليه وسلم تناكحوا تكثروا فإني مباه بكم الأمم.
ولهذه الحكمة أبيح تعدد الزوجات لأن في الكثرة عز ومنعة وقوة وسيطرة على أعداء اللّه وفي عدمه القلة الناشيء عنها الذلة والضعف والمسكنة للإعداء، قال صلّى اللّه عليه وسلم: «إذا زنى العبد خرج منه الإيمان فكان على رأسه كاظلة، فإذا تاب ونزع رجع إليه» وفي رواية الشيخين: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن» أي متوغل الإيمان في قلبه إذ يمنعه عنه، أما من كان يدعي الإيمان أو الإسلام دون التقيد بأحكامهما فلا يمنعانه من ارتكاب جميع المحرمات لأنهما صوريّان، واللّه تعالى لا ينظر إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم، وقال صلّى اللّه عليه وسلم: «إياكم والزنى فإن فيه ست خصال، ثلاث في الدنيا وثلاث في الآخرة، فأما التي في الدنيا فنقصان الرزق ونقصان العمر والبغض في قلوب الناس، وأما الثلاث التي في الآخرة فغضب الرب وشدة الحساب ودخول النار» ولهذا نهى عن قربانه فضلا عن مباشرته والعياذ باللّه، ولما جاء في الخبر، العين تزني بالنظر واليد تزني باللمس والرجل تزني بالمشي والقلب يشتهي الوقاع والفرج يصدق أو يكذب، أي يصدق هذه الجوارح إذا باشر بالزنى فعلا ويكذبها إذا ردع نفسه فلم يباشره، ولا يخفى أن الزنى من الكبائر، وقدمنا في الآية 31 والآية 72 من سورة الأعراف والآية 68 من سورة الفرقان المارتين ما يتعلق بالزنى واللواطة والسحاق وما يتفرع عنها، فراجعها.
واعلم أن الزنى على مراتب أعلاها أي أعظمها وزرا بالمحارم لما جاء في صحيح الحاكم أنه صلّى اللّه عليه وسلم قال: «من وقع على ذات محرم فاقتلوه» والمحرمات معلومات بالنص راجع الآية 21 فما بعدها من سورة النساء في ج 3، ثم بحليلة الجار، ثم بالأجنبية، ثم في مكان حرام كمكة والمدينة والقدس، ثم في زمن معظم كرمضان وعشر ذي الحجة والمحرم وليالي الولادة والإسراء والمعراج والبراءة والقدر والعيدين، ثم بالأجنبية على سبيل القهر لأوليائها، والإكراه لها، ثم بالأجنبية التي لا والي لها على الرضاء منها أو غير رضاء، ثم بالمسبلة، وزنى الثيب الأيّم أقبح من البكر والأعزب، بدليل اختلاف الحدّ، وزنى الشيخ أفظع من زنى الشاب لكمال عقل الأول، وزنى الحر والعالم أفظع من زنى القن والجاهل للسبب نفسه، وهو الكمال فيهما دونها، والزنى أكبر جرما من اللواطة وان كانت اللواطة فحش منه لما فيه من اختلاط الأنساب ولأن الشهوة داعية إليه، ولهذا البحث صلة في نفس الآية 35 الآية.

.مطلب في القتل والولي الذي له حق القصاص ومراتب الزنى واللواطة:

قال تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ} قتلها بأن عصمها بالإسلام أو بالعهد {إِلَّا بِالْحَقِّ} استثناء مفرغ أي لا تقتلوها أبدا لسبب من الأسباب إلا بسبب واحد هو الحق، وذلك بأسباب ثلاثة أن يكفر باللّه بعد الإيمان أو يزني بعد الإحصان أو يقتل نفسا عمدا، روى البخاري ومسلم عن ابن مسعود: «لا يحل دم امرئ يشهد أن لا إله إلا اللّه وإني رسول إلا بإحدى ثلاث النفس بالنفس والثيب الزاني والتارك لدينه المفارق للجماعة».
وما ذهب إليه الأمام مالك والشافعي رحمهما اللّه من قتل تارك الصلاة كسلا وما قاله الإمام احمد من أن من تركها جاحدا فرضيتها فإنه يقتل فلا قول فيه، أما في غير الجحد فلا، ولا يجوز الإفتاء فيه فقد جاء بالحديث لأن يخطىء الإمام بالعفو أحبّ إلي من أن يخطىء في العقوبة.
لأنه لا يجوز قتل رجل يقول ربي اللّه إلا بأمر صريح من الشارع لا شك فيه ولا معارض له، لأن الدليل إذا طرقه الاحتمال أفقده الاستدلال، وأما أبو حنيفة رحمه اللّه فإنه يختار حبس التارك لها كسلا وتهاونا حتى يصليها، أما جحدا فإنه يقتل إجماعا بلا خلاف، وما قاله بعض المحققين من قتل اللوطي فلم تجمع عليه الأمة ولم يرد به نص قاطع من آية قرآنية أو حديث متواتر، وما قيل ان الحصر منقوض بجواز قتل الصائل فيقتل منقوض، لأن قتل الصائل قصد منه الدفع لا القتل، والمراد بالقتل هنا ما يكون مقصودا بنفسه، فإذا أفضى الدفع إلى القتل فيكون أيضا بحق، لأنه لو لم يقتله لقتله، والدفاع عن النفس والمال والعرض مشروع، فقد ورد قاتل دون مالك، قاتل دون عرضك، قاتل دون نفسك، فيكون قتالا بحق إذا أدى الحال إليه ولم يقدر على حفظ ماله ونفسه وعرضه من القتل إلا بالقتل، ولهذا فإن القانون المدني عد القتل دفاعا عن النفس معفوا من العقوبة استنباطا من تلك الأدلة، وهكذا كل قانون يقبله العقل السليم مأخوذ من الشرائع السماوية {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا} منكم أيها الناس دون اقتراف ذنب ولا سبب من هذه الأسباب الثلاثة، والصائل متعد غير مظلوم فلا يدخل في هذه الآية.
قال العلماء إن من عليه القصاص يقتص منه ولا يفيده قول الولي أنا أمرته بذلك، وهذا المظلوم الذي قتل عمدا بغير حق يوجب قتله أو يبيحه {فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطانًا} قويا بأن جعلنا له حق التسلط على قتل القاتل والاستيلاء عليه وإجباره بالقصاص منه أو أخذ الدية بالعفو عنه إن شاء الولي، ولا تتعين الدية إلا بعد العفو، فيجوز أخذها حينئذ كما في قتل الخطأ، لأن القتل العمد لا دية فيه بل القصاص والكفّارة، والمقتول خطأ مقتول ظلما أيضا، إذ لم يقترف جناية تستوجب قتله، إلا أنه لا إثم على قاتله لقوله صلّى اللّه عليه وسلم: «رفع عن أمتي ثلاث: الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه».
وشرعت الكفارة في قتل الخطأ لعدم التثبت واجتناب ما يؤدي إليه، ومن قال إن المرأة لها دخل في طلب القصاص فقد فسّر الولي بالوارث، والصحيح أن لا دخل لها في ذلك، لأن القرآن جاء بلفظ الولي وهو لفظ مذكّر لا تدخل فيه المرأة، وسيأتي لهذا البحث صلة في الآيتين 92 و93 من سورة النساء في ج 3 إن شاء اللّه {فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ} فيتجاوز الحد الشرعي بأن يمثل في القاتل أو يقتل اثنين بدل واحد أو يقتل غير القاتل، راجع تفسير الآية 15 المارة في هذا البحث، إذ كان الناس قبل شريعة إبراهيم عليه السلام يؤاخذون القريب بقريبه كما هو الحال الآن في أعراب البادية، إذ يقتلون من عثروا عليه من أقارب القاتل، وقد لا يكتفون بقتل واحد إذا كان المقتول وجيها ويتحرون الوجيه والشريف من أبناء عشيرة القاتل الأبرياء فيقتلونهم وهم غافلون، وهذا غاية في الظلم والتعسف ولا حول ولا قوة إلا باللّه {إِنَّهُ كانَ} ولي المقتول {مَنْصُورًا} 33 على القاتل لاستيفاء حقه منه قصاصا، وقد أمر ولي الأمر بنصرته ومعاونته على استيفاء حقه، وهذه أول آية نزلت في القتل وهو من أكبر الكبائر بعد الشرك باللّه، وهذه الآية والتي قبلها 32 و33 مدنيتان على قول الحسن والجمهور على أنها مكيتان وسياقهما يؤيد مكيتهما.

.مطلب المحافظة على أموال اليتيم والوفاء بالعهود:

قال تعالى: {وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ} الذي مات أبوه، أما الذي ماتت أمه فهو عجي، والذي مات أبواه فهو لطيم، وفي النهي عن قربانه المبالغة في النهي عن أخذه كما لا يخفى على بصير، ثم استثنى جل شأنه من عموم أخذ مال اليتيم حالات بينها بقوله عز قوله: {إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} لنفس اليتيم من الخصال التي تعود عليه بالنفع والحظ من طرق تنميتها وحفظها والإنفاق عليه منها بلا تقتير ولا إسراف، وبغير هذه الجهات الثلاث وما يقاربها فقد حرم اللّه قربان ماله، فكيف بأخذه وأكله، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْمًا إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} الآية 10 من سورة النساء في ج 3، ولا استثناء في الأكل وإنما هو في القربان فقط لما فيه من النفع لليتيم كما علمت، ويجب على وليه أو وصيه المحافظة عليه وعلى ماله بكل إخلاص وصدق {حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} ليستكمل قواه ويصير أهلا للتصرف بماله، بأن يبلغ رشيدا ويجرّب في الأخذ والعطاء والبيع والشراء إن كان من أهله، ولا يكون ذلك إلا بعد بلوغه إحدى وعشرين سنة من عمره على أصح الأقوال، لأن أقل الأشد ثمانية عشرة سنة، وأكثره ثلاثون راجع الآية 14 من سورة القصص المارة، فإذا لم يبلغ رشيدا فلا يسلم إليه ماله ولا يمكن من التصرف به ولا من قربانه بغير الصور الثلاث، لأنه مقيد ببلوغه وكماله، أما إذا بلغ رشيدا وجرّب جاز للولي والوصي أن يسلمه ماله وملكه، راجع الآية 5 من سورة النساء في ج 3، ويسن مراقبته من قبلهما وإرشاده لما به سداده، وإذ ذاك يسقط الوجوب عنهما ويخرج عن كونه يتيما راجع الآية 9 من النساء أيضا في ج 3.
وليعلم أن أكل مال اليتيم من الكبائر بدليل الوعيد فيه المار ذكره أعلاه قليلا كان المأكول أو كثيرا فلا يتقيد بمقدار نصاب السرقة المستوجبة للقطع، لأن الآيات والأحاديث الواردة في النهي عنه جاءت مطلقة عامة لم تقيد بقليل أو كثير ولم تخصص أيضا، ولا يجوز قيدها وتخصيصها إلا بدليل سمعي، ولا يوجد، لذلك فإن مرتكب أكل مال اليتيم مهما كان قليلا يستحق العذاب والوعيد المترتب عليه، اللهم إلا التافه الذي يتسامح فيه عادة كشربة ماء وحبّة فاكهة ملقاة في الأرض أو ذوق الطعام لمعرفة نضجه وطعمه، وقد توصل في هذا الزمان والعياذ باللّه بعض القضاء المكلفين بحفظه إلى أكله بوسيلة حفظه وتنميته، عاملهم اللّه بعدله وأذاق الخائن منهم جزاء أكله، وللّه در القائل في أمثالهم:
قضاة زماننا أضحوا لصوصا ** عموما في البرايا لا خصوصا

أباحوا أكل أموال اليتامى ** كأنهمو رأوا فيها نصوصا

فدعنا يا أخي من أناس ** باعوا دينهم بيعا رخيصا

قال تعالى: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ} الذي عاهدتم اللّه عليه أزلا يوم أخذه عليكم في عالم الذّر من التزام أوامره واجتناب نواهيه، وما عاهدتم عليه الناس من أقوال وأفعال، وكل ما التزمتم به أنفسكم للغير وكلفكم به اللّه في هذه الدنيا، والوفاء بالعهد هو القيام به والعمل بمقتضاه والمحافظة عليه وعدم نقضه، لأنه الغدر بعينه {إِنَّ الْعَهْدَ} وضع جل شأنه الظاهر موضع المضمر لكمال الاعتناء، وإلا لقال {إنه} لأن الضمير يعود على العهد المذكور قبله {كانَ مَسْؤُلًا} 34 عنه في الدنيا ومكلف بالقيام به ومؤاخذ عليه في الدنيا والآخرة، وتقدم كيفية أخذ العهد من قبل اللّه في الآية 172 من سورة الأعراف المارة.