فصل: مطلب الخوف والرّجاء وأنواع العبادة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقيل نزلت في عمر بن الخطاب حين أمر بالعفو عمن شتمه، وسياق اللفظ يأباه، والآية عامة في جميع المؤمنين بأن يفعلوا الخلّة الحسنة من قول أو عمل بعضهم مع بعض ومع غيرهم، ولا تأخذهم وساوس الشيطان ودسائسه فيما يقع بينهم، ممّا يؤدي إلى الخصومة، وأن يتذكروا عداوته القديمة فيرفضوا نزغاته.
ومما يدل على كونها للعموم قوله تعالى: {رَبُّكُمْ} أيها الناس {أَعْلَمُ بِكُمْ} وبما يؤول إليه أمركم مما أنتم صائرون إليه بحسب علمه الازلي {إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ} فيوفقكم للنجاة من الكفار وأذاهم كما وفقكم للإيمان {أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ} بتسليطهم عليكم، وعلى القول بأن الآية في الكفار يكون المعنى بأن يميتكم على الشرك، واعلم أن هذه الجمل الثلاث كالتفسير لقوله تعالى: {الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} والجملتان قبلها: {إن الشيطان} {إن الشيطان} كالاعتراض بينهما، فكأنه قيل يا أيها المؤمنون قولوا للمشركين الذين يؤذونكم بالكلام هذه الجمل الثلاث، لان أمرهم معلق على المشيئة، ولا تصارحوهم فتقولوا لهم إنكم من أهل النار مثلا، فإنه مما يهبجهم على الشرّ، لأن الخاتمة مجهولة لا يعلمها إلا اللّه، ولا يبعد أن يهديهم فيكونوا من أهل الجنة وأو هنا للإباحة كقولك جالس العلماء أو الحكماء لإمكان مجالستهما معا فإنها محتملة وجائزة، وقد تكون للتخيير فيما لا يمكن الاجتماع كقولك تزوج هندا أو أختها، ودخلت لسعة الأمرين عند اللّه تعالى.
ثم التفت جل شأنه إلى رسوله فقال: {وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا} 54 لهم حافظا أحوالهم أو كفيلا بما يلزمهم، ولم نجعلك مسيطرا عليهم مأمورا بقسرهم، فما عليك الآن إلا الاشتغال بالدعوة إلى الحق فقط، فمن شاء منهم فليؤمن ومن شاء فليكفر، وعلى القول الثاني لا تشدد القول عليهم، ولا تغلظ لهم، ولا تجبرهم على الإيمان وتقسرهم لاتباعك وامتثال أوامرك، لأنا أرسلناك بشيرا ونذيرا، فدارهم ومر أصحابك بمجاملتهم، وتحمل أنت وأصحابك أذاهم، واتركوا المشاغبة معهم وأظهروا لهم اللين والرفق علّه يؤثر في قلوبهم، وذلك لأن أحكام اللّه تدريجية حتى إذا ظهر لنبيه إيمان من آمن وإصرار من أصر على كفره كما في سابق علمه أمره بقتاله، ولهذا فلا محل للقول لأن هذه الآية منسوخة بآية السيف، لأن اللّه تعالى جعل للإرشاد والنصح أناسا وللسيف والقتل آخرين، قال تعالى: {وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} وما هم عليه من أحوال ظاهرة وباطنة؟؟؟ كلا لما يستأهله، فيختار للنبوة والولاية من تراه حكمته أهلا لها، وهذا ردّ على القائلين بعد أن يكون يتيم بن أبي طالب نبيا والعراة الجوع كصهيب وبلال وخباب وغيرهم أصحابا إليه، دون الأكابر من قريش والصناديد منهم فلا نقبل دعوته ولا نؤمن به، وذكر جل ذكره من في السموات، لإبطال قولهم {لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ} الآية 21 من الفرقان المارّة، وذكر من في الأرض رد لقولهم لولا أكابر قريش وصناديدهم معه {وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ} بالفضائل النفسانية والمزايا المقدسة، وإنزال الكتب السماوية لا بكثرة الأموال والأتباع، فأعطينا إبراهيم الخلة وشرفنا موسى بالتكليم وداود بالفضل وسليمان بالملك وخصصنا كل نبي بخاصة لم نعطها غيره، فخلقنا عيسى من روحنا واتخذنا محمدا حبيبا {وَآتَيْنا داوُدَ زَبُورًا} 55 فضلناه به لا بالملك والسلطنة وفيه إيذان بأن نبينا خاتم النبيين وأمته خير الأمم إذ أن الزبور تضمن ذلك، وقد أخبر اللّه عز وجل عن ذلك بقولة {وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ} الآية 106 من سورة الأنبياء، يعني محمد وأصحابه وأمته من بعدهم، وهذا من باب التلميح راجع هذه الآية في ج 2 تجد أن ما جاء في الزبور موافق لما جاء في القرآن، وسنبحث ما يتعلق فيها هناك إن شاء اللّه، والزبور كله حكم وأدعية وأمثال لا حكم فيه، وكان عليه السلام يرجع في أحكامه إلى التوراة، وهو كما قيل مائة وخمسون سورة، وسيدنا داود عليه السلام أول نبي جمع بين الملك والنبوة في بني إسرائيل كما تقدم في الآية 15 من سورة النمل المارة، ففضله اللّه تعالى بالتوراة والزبور والملك وما منحه في الآيات 10 فما بعدها من سورة سبأ في ج 2، ولم تجمع لمن قبله ولم تكن لنبيّ بعده، وفي هذه الآية تكذيب لليهود والقائلين لا نبي بعد موسى ولا كتاب بعد التوراة ونظير هذه الآية الآية 153 من سورة البقرة في ج 3، هذا وكما هو ثابت ارتفاع بعض النبيين على بعض وعلو درجاتهم ومن تبعهم فمن يليهم ثابت أيضا اتضاع دركات الكافرين فمن دونهم من العصاة لانهما مظاهر صفتي اللطف والقهر هذا ولما أصاب أهل مكة القحط وأكلوا الجيف والكلاب جاءوا فاستغاثوا بحضرة الرسول صلّى اللّه عليه وسلم فأنزل اللّه عليه {قُلِ} يا سيد الرسل لهؤلاء الكفرة {ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ} أنهم آلهة {مِنْ دُونِهِ} أي الإله الواحد ليكشفوا ما حل بكم من الجدب وأتى لهم ذلك {فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ} لانهم عاجزون مثلكم عن كشف ضر أنفسهم فكيف يستطيعون إزالة ضركم كلا {وَلا} يستطيعون {تَحْوِيلًا} 56 لحالكم من العسر إلى اليسر، ومن الشر إلى الخير، ومن المرض إلى الصحة، ومن الفقر إلى الغنى، ومن العذاب إلى النعيم، وهذه الآية المدنية قال تعالى: {أُولئِكَ} إشارة إلى ما يسمونه آلهة ويرجونه لكشف ضرهم ويستعينون بهم لزيادة خيرهم {الَّذِينَ يَدْعُونَ} صيغة لإسم الإشارة الواقع مبتدأ من حيث الإعراب وخبره {يَبْتَغُونَ} بتلك الآلهة التي يعبدونها الكفرة {إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ} يسألون ربهم ومالك أمرهم القربة بالطاعة والعبادة وهذا دليل قاطع على أن الذين يعبدون غير اللّه يعرفون بأن ما يعبدونهم محتاجون إلى اللّه وأن قدرتهم المزعومة مفاضة منه تعالى لانهم لا ينكرون أنها مخلوقة للّه وأن اللّه تعالى أقوى وأكمل منها مما يدل على بطلانها قال تعالى: {ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى} الآية 3 من سورة الزمر وقال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} الآية 87 من الزخرف في ج 2، ومثلها كثير في القرآن وهذا كاف على افحامهم وعجز آلهتهم وعلى اعترافهم بأنها مخلوقة للّه.
واعلم أنه إذا صرف معنى الآية لكفار قريش فيراد بالذين يزعمون من دونه الملائكة والأوثان فقط وإذا صرف معناها للعموم يدخل فيها عزير وعيسى والكواكب والنار والحيوان من كل ما عبد من دون اللّه ولهذا قالوا إن ضمير يدعو وضمير يبتغون عائدان للمشار إليهم وهم الأنبياء الذين عبدوا من دون اللّه كعيسى وعزير والملائكة ويدخل ضمنهم الشمس والقمر والنجوم والنار والحيوان والتماثيل وغيرها من كل ما يطلق عليه اسم الوثن وما اتخذوه تقربا للعبادة بأن كل أولئك ليست بأهل للعبادة مباشرة وتبعا وأن زعمهم ذلك فيها باطل وفي الآية تغليب العاقل على غيره لأن الجمع في يدعون ويبتغون من خصائص العقلاء لا الجمادات {أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} أيهم هنا بدل من ويبتغون وهي موصولة بمعنى من أي أولئك المعبودون يطلبون من هو لحصرة ربه أقرب من غيره الوسيلة إلى اللّه فيتوسون به لقضاء مصالحهم أو أيّهم الذكر هو أقرب يبتغي الوسيلة إلى اللّه بطاعته، فكيف بالأبعد فهو بحاجة إلى ذلك من باب أولى.
وأيّ مبتدأ مبني على الضم في محل رفع مضاف للضمير، والميم علامة الجمع، وأقرب خبر، والعائد محذوف تقديره هو، وبعضهم جعلها معربة وفيها معنى الاستفهام أي أيهم هو أقرب بالتقوى والصلاح والرضى وازدياد الخير.
وأعلم أن يدعون تأتي بمعنى يعبدون كما مر في الآية 49 من سورة مريم المارّة، وسيأتي لهذا البحث صلة في الآية 35 من المائدة وفي الآية 13 من سورة التوبة في ج 3، وهناك بحث يتعلق بالسّادة الصوفية بشأن الرابطة التي يتخذونها في بدء أورادهم {وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ} تعالى وخيره وإحسانه وهذا عطف على يبتغون والرجاء بمعنى التوقع {وَيَخافُونَ عَذابَهُ} كغيرهم من العباد بل أعظم وجلا منهم، لأن العبد كلما رسخ قدمه في العبادة وتقرب إلى المعبود ازداد خوفه بسبب ازدياد معرفته به، وقدم الرجاء على الخوف، لأن متعلقه أسبق من متعلقه.

.مطلب الخوف والرّجاء وأنواع العبادة:

جاء في الحديث القدسي: «سبقت رحمتي غضبي».
لهذا فإن العلماء قالوا ينبغي للمؤمن أن يغلّب الخوف على الرجاء ما لم يحضره الموت، فإذا حضره غلّب الرّجاء على الخوف، وفي الآية دليل على أن رجاء الرّحمة وخوف العذاب مما لا يخلّ بكمال العابد، وقد شاع عن بعض العابدين أنه قال لست أعبد اللّه تعالى رجاء جنّته ولا خوفا من ناره.
والناس بين قادح لمن يقول ذلك ومادح، والحق التفصيل، وهو أن من قال هذا إظهارا للاستغناء عن فضل اللّه ورحمته فهو مخطئ كافر، ومن قاله اعتقادا بأن اللّه تعالى أهل للعبادة لذاته بحيث لو لم يكن هناك جنّة ولا نار لكان أهلا لأن يعبد فهو محقق عارف كامل.
والعبادات ثلاث عبادة للرياء والسمعة فهي مخادعة داخل أهلها في قوله تعالى: {يُخادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا} الآية 9 من سورة البقرة ج 3، وعبادة للخوف والرجاء فهي مسقطة للفرض وبالدرجة الثانية الوسطى، فإذا لم يقصد منها الاستغناء فهي داخلة في معنى الآية المفسرة وإلا فهي الوسطى في نار جهنم، وعبادة خلاصة للّه تعالى بقصد الاستحقاق لذاته وصرف النظر عن الخوف والرجاء فهي العبادة الحقيقية الموصلة إلى اللّه عز وجل الموصوف أهلها بقوله تعالى: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيامًا وَقُعُودًا وَعَلى جُنُوبِهِمْ} الآية 190 من آل عمران في ج 3، وفي اتحاد أسلوب الجملتين إيماء إلى تساوي رجاء أولئك الطالبين الوسيلة إليه تعالى بالطاعة والعبادة وحذرهم منه {إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُورًا} 57 يخافه كل أحد من ملك ومملوك ومن ملك وولي مقرب أو نبي مرسل، فضلا عن بقية الخلائق، وجدير بأن يحذره ويحترز منه كل أحد، وهذه الجملة تعليل لقوله تعالى: {ويخافون} إلخ، وفي تخصيصها بالتعليل زيادة تحذير الكفرة من العذاب.
انتهت الآية المدنية.
قال تعالى: {وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ} من القرى والتنوين هنا يفيد التعميم، لأن إذ نافية بمعنى ما، ومن صلة مؤكدة لاستغراق النفي، فتفيد العموم أيضا {إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوها} بإبادة أهلها وتخريبها بعدهم أو هدمها عليهم أو قلبها بهم أو بسبب آخر، ويكون هذا {قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ} عند النفخة الأولى قال تعالى: {فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ} الآيات من سورة الحاقة في ج 2 لأن القيامة لا تقوم إلا بعد إتلاف هذا الكون بما فيه {أَوْ مُعَذِّبُوها} أي أهلها بالقتل وأنواع البلاء {عَذابًا شَدِيدًا} لا تقواه قوى أهلها ولا يقدرون على رفعه عنهم {كانَ ذلِكَ} الإهلاك والتعذيب {فِي الْكِتابِ} الأزلي المدون فيه ما كان وما يكون من بدء الخليقة إلى يوم القيامة وما بعدها من أقوال أهل الجنة والنار وخلودهما {مَسْطُورًا} 58 في اللوح المحفوظ مثبتا، وهو واقع لا محيد عنه لأحد إذ لا شيء في الكون إلا وهو مدون فيه بكيفياته وأسبابه الموجبة له ووقته المضروب له ومكانه الواقع فيه، قال تعالى: {ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْ ءٍ} الآية 39 من الأنعام في ج 2.
أخرج الترمذي عن عبادة بن الصامت قال سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يقول: «أول ما خلق اللّه تعالى القلم، فقال له أكتب فقال ما أكتب؟ قال أكتب القدر وما هو كائن إلى يوم القيامة إلى الأبد».
وقال عبد اللّه بن مسعود إذا ظهر الزنى والرّبى في قرية أذن اللّه تعالى في إهلاكها.
قال مقاتل الهلاك للفرقة الصالحة والعذاب للطالحة.
قال تعالى: {وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ} التي اقترحها عليك قومك {إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ} من قبلهم من الأمم السالفة التي اقترحت على أنبيائها مثل ما اقترحوه عليك قال ابن عباس سأل أهل مكة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم أن يجعل لهم الصفا ذهبا وفضة وأن ينحي الجبال عنهم ليزرعوا مكانها فأوحى اللّه إليه إن شئت أن أستأني بهم فعلت وإن شئت أوتيهم ما سألوا فعلت فإن لم يؤمنوا أهلكتهم كما أهلكت من كان قبلهم، فقال صلّى اللّه عليه وسلم: «لا بل تستأني بهم» فأنزل اللّه هذه الآية {وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ} التي اقترحوها على نبيهم صالح عليه السلام بأن يخرجها لهم من حجر معين راجع قصتها في الآية 79 من سورة الأعراف المارة وهي آية عظيمة كانت أعينهم {مُبْصِرَةً} لها ظاهرة بينة {فَظَلَمُوا} أنفسهم {بِهَا} بقتلها وجحودها، وإنما خص ثمود بالذكر لأنهم عرب مثل قوم محمد صلّى اللّه عليه وسلم، ولأن الصادر من قريش والوارد منهم يرى آثار ديارهم خاوية خالية لقربها منها، وإنهم لم يؤمنوا بعد إظهارها على يد رسولهم فأهلكهم، إذ جرت عادة اللّه واقتضت حكمته أن كل قوم اقترحوا على رسولهم معجزة فأوتوها ولم يؤمنوا أهلكهم عن آخرهم، وفي هذه الآية الإيجاز بالحذف والإضمار، لأن المعنى وآتينا ثمود الناقة آية مبصرة فظلموا أنفسهم بقتلها، وقيل إن مبصرة وصف للناقة، وإنما وصفها بالإبصار لأنها خلقت من الصخرة معجزة لنبيهم دفعا لما يتوهم بأنها من المصورات، لأن فن التصوير لم يبلغ أن يكون للمصور أعينا يبصر بها كسائر الحيوانات، لأن البشر عاجز عن ذلك، أما اللون والشكل والحركة حتى النطق المحدود الذي يولجوه بها فقط فإنهم توصلوا لعمل ذلك بواسطة الآلات المحدثة، ولكن الإبصار لم يتوصلوا إليه ولن يتوصلوا لمعرفة مادته إلى الآن، ولم يقفوا على تراكيبها، فبقيت القوة الباصرة بالأعين مخزونة بأمر اللّه لم يطلع عليها أحد البتة، وما ندري ما يقع بعد:
وما تدري إذا ما الليل ** ولىّ بأي عجيبة يلد النهار

قال تعالى: {وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ} المقترحة ونظهرها للأمم {إِلَّا تَخْوِيفًا} 59 من نزول العذاب عليهم، ولذلك لم نجب اقتراح قومك بإرسال الآيات التي اقترحوها لأنا نعلم أن مصير المقترحين الهلاك وهو خلاف ما تريده أنت.
أخرج بن جوير عن قتادة قال إن اللّه تعالى يخوف الناس بما شاء من آياته لعلهم يعتبرون أو يذكرون فيرجعون عن غيهم.