فصل: قال ابن زنجلة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن زنجلة:

سورة سبحان:
{وءاتينا موسى الكتب وجعلنه هدى لبني إسراءيل ألا تتخذوا من دوني وكيلا} 2.
قرأ أبو عمرو: {ألا يتخذوا} بالياء وحجته أن الفعل قرب من الخبر عن بني إسرائيل فجعل الفعل مسندا إليهم إذ قال {وجعلناه هدى لبني إسرائيل} المعنى جعلناه هدى لبني إسرائيل لئلا يتخذوا من دوني وكيلا وقرأ الباقون: {ألا تتخذوا} بالتاء على الخطاب وحجتهم في الانصراف إلى الخطاب بعد الغيبة قوله: {الحمد لله رب العالمين} ثم قال {إياك نعبد وإياك نستعين} فالضمير في تتخذوا وإن كان على لفظ الخطاب فإنما يعني به الغيب في المعنى ويجوز أن تكون أن بمعنى أي التي هي للتفسير على هذا التأويل لأنه انصرف الكلام من الغيبة إلى الخطاب ويجوز أن تكون زائدة وتضمر القول المعنى: وجعلناه هدى لبني إسرائيل وقلنا لهم لا تتخذوا من دوني وكيلا ويجوز أن تكون الناصبة للفعل فيكون المعنى وجعلناه هدى كراهة أن تتخذوا من دوني وكيلا أو بأن لا تتخذوا.
{فإذا جاء وعد الآخرة ليسئوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا} 7.
قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وحفص: {ليسوؤوا وجوهكم} بالياء على الجمع وحجتهم ذكرها اليزيدي فقال والألف تدل على أنها جمع ولو كانت ليسوء على واحد أو لتسوء لم يكن فيها ألف وحجة أخرى وهي أن ما قبله وما بعده جاء بلفظ الجمع فالذي قبله {بعثنا عليكم عبادا} والذي بعده {وليدخلوا المسجد} {وليتبروا} قوله: {ليسوؤوا} إخبار عن قوله: {بعثنا عليكم عبادا} وجواب إذا محذوف المعنى فإذا جاء وعد الآخرة بعثنا عليكم عبادا لنا ليسوؤوا وجوهكم أي ليسوء العباد وجوهكم وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي: {ليسوء} بالياء وفتح الهمزة فاعل {ليسوء} يجوز أن يكون أحد شيئين أحدهما أن يكون اسم الله تعالى أي ليسوء الله وجوهكم والآخر أن يكون العذاب أي ليسوء العذاب وجوهكم ويجوز أن يكون الوعد وجواب إذا محذوف المعنى فإذا جاء وعد الآخرة جاء ليسوء وجوهكم ومن وجه تأويله إلى ليسوء الله كان أيضا في الكلام محذوف غير أنه سوى جاء ويكون معنى الكلام فإذا جاء وعد الآخرة بعثناهم ليسوء الله وجوهكم، قرأ الكسائي: {لتسوء} بالنون وفتح الهمزة أخبر جل وعز عن نفسه وحجته أن الكلام أتى عقيب قوله: {بعثنا عليكم} {ثم رددنا لكم الكرة} {وأمددناكم} وبعده {وإن عدتم عدنا} 8 {وأعتدنا} لهم فكان حكم ما توسط الكلامين الخارجين بلفظ الجمع أن يجري على لفظهما أولى من صرفه إلى العباد وإذا قرئ بالنون استعمل على المعاني كلها لأن الله تعالى هو الفاعل لذلك في الحقيقة فإذا أسند الفعل في اللفظ إليه جاز أن يسوء وجوههم بالوعد وجاز أن يسوءها بالعباد.
{وكل إنسان ألزمناه طئره في عنقه ونخرج له يوم القيمة كتبا يلقه منشورا} 13.
قرأ ابن عامر: {كتابا يلقاه منشورا} بضم الياء وفتح اللام وتشديد القاف جعل الفعل لغير الإنسان أي الملائكة تتلقاه بكتابه الذي فيه نسخة عمله وهو من قولك لقيت الكتاب فإذا ضعفت قلت لقانيه زيد فيتعدى الفعل بتضعيف العين إلى مفعولين بعدما كان يتعدى بغير التضعيف إلى مفعول واحد ويقوي هذا قوله: {ولقاهم نضرة} وقرأ الباقون: {يلقاه} بفتح الياء جعلوا الفعل للإنسان لأن الله تعالى إذا ألزمه طائره لقي هو الكتاب كما قال تعالى: {يلق أثاما}
{ومن يفعل ذلك يلق أثاما} ولم يقل يلق أثاما وهذا بين واضح متى بني الفعل للمفعول به نقص مفعول من المفعولين لأن أحدهما يقوم مقام الفاعل في إسناده إليه فيبقى متعديا إلى مفعول واحد.
{وقضى ربك الا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسنا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف} 23.
قرأ حمزة والكسائي: {إما يبلغان} على الإثنين وحجتهما أن الوالدين تقدم ذكرهما في قوله تعالى: {وبالوالدين إحسانا} فأخرجا الفعل على عددهما مثنى فإن قيل فبم يرتفع أحدهما أو كلاهما قيل في ذلك وجهان أحدهما أن يكون بدلا من الضمير في يبلغان والوجه الآخر أن يرفعه بفعل مجدد تقديره إما يبلغان عندك الكبر يبلغه أحدهما أو كلاهما، وقرأ الباقون: {إما يبلغن} على واحد وحجتهم أن الفعل إذا تقدم لم يثن ولم يجمع ويرتفع أحدهما بفعله وهو {يبلغن} قرأ ابن كثير وابن عامر: {أف} بفتح الفاء وقرأ نافع وحفص: {أف} بالتنوين وقرأ الباقون: {أف} خفضا بغير تنوين قال أبو عبيد من خفض بغير تنوين قال إنما يحتاج إلى تنوين في الأصوات الناقصة التي على حرفين مثل مه وصه لأنها قلت فتمموها بالنون وأف على ثلاثة أحرف قالوا فما حاجتنا إلى التنوين ولكنا إنما خفضنا لئلا نجمع بين ساكنين ومن قرأ أف بالفتح فهو مبني على الفتح وإنما بني على الفتح لالتقاء الساكنين والفتح مع التضعيف حسن لخفة الفتحة وثقل التضعيف ومن نون أف فإنه في البناء على الكسر مع التنوين مثل البناء على الفتح إلا أنه بدخول التنوين دل على التنكير مثل صه ومه وقال الزجاج أف غير متمكن بمنزلة الأصوات فإذا لم ينون فهو معرفة وإذا نون فهو نكرة بمنزلة غاق وعاق في الصوت وهذه الكلمة يكني بها عن الكلام القبيح لأن الأف وسخ الأظفار والتف الشيء الحقير.
{إن قتلهم كان خطئا كبيرا} 31.
قرأ ابن عامر: {إن قتلهم كان خطأ كبيرا} بفتح الخاء والطاء وهو ضد العمد وحجته قوله: {أن يقتل مؤمنا إلا خطأ}.
قال الزجاج خطأ له تأويلات احدها معناه {إن قتلهم} كان غير صواب يقال أخطأ يخطئ إخطاء وخطأ والخطأ الاسم من هذا لا المصدر وقد يكون الخطأ من خطئ يخطأ خطأ إذا لم يصب مثل فزع يفزع فزعا.
قرأ ابن كثير: {خطاء} بكسر الخاء وفتح الطاء وهو مصدر خطئ يخطأ خطأ وخطاء إذا لم يصب كما تقول سفد الطائر يسفد سفادا، وقرأ الباقون: {خطأ} بكسر الخاء وإسكان الطاء معناه إثما كبيرا وهو مصدر ل خطئ الرجل يخطأ خطئا مثل أثم يأثم إثما فهو آثم قال الشاعر:
عبادك يخطؤون وأنت رب ** بكفيك المنايا لا تموت

والفاعل منه خاطئ وقد جاء الوعيد فيه في قوله تعالى: {لا يأكله إلا الخاطئون} أي الآثمون.
{ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا} 33.
قرأ حمزة والكسائي: {فلا تسرف في القتل} بالتاء على الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد به هو والأئمة من بعده يقول لا تقتل بالمقتول ظلما غير قاتله وحجتهما أنها في حرف عبد الله {فلا تسرفوا} في القتل فدل هذا على أن ذلك وجه النهي للمواجهة وقرأ الباقون: {فلا يسرف} بالياء وحجتهم أن هذا الكلام أتى عقيب خبر عن غائب وهو قوله: {ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا} فكأنه قال فلا يسرف الولي في القتل وفاعل يسرف يجوز أن يكون أحد شيئين أحدهما أن يكون القاتل الأول كذا قال مجاهد ويكون التقدير فلا يسرف القاتل في القتل فيكون بقتله مسرفا والآخر أن يكون في يسرف ضمير الولي أي فلا يسرف الولي في القتل والإسراف في القتل قد اختلف فيه قال أكثر الناس الإسراف أن يقتل غير قاتل صاحبه وقيل الإسراف أن يقتل هو القاتل دون السلطان وقيل أن يقتل جماعة بواحد.
{وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم ذلك خير وأحسن تأويلا} 35.
قرأ حمزة والكسائي وحفص: {وزنوا بالقسطاس} بكسر القاف وقرأ الباقون بالضم وهما لغتان مثل القرطاس والقرطاس.
{كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها} 38.
قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو: {كل ذلك كان سيئة} منونة وحجتهم ذكرها اليزيدي فقال يعني كل ما نهى الله عنه مما وصف في هذه الآيات كان سيئة وكان مكروها قال أبو عمرو ولا يكون فيما نهى الله عنه شيء حسن فيكون سيئه مكروها وقرأ الباقون: {كل ذلك كان سيئه} مضافا وحجتهم قوله: {مكروها} بالتذكير ولو كان {سيئه} غير مضاف للزم أن يكون مكروهة بالتأنيث لأنه وصف للسيئة وأخرى وهي أنه ذكر في هذه الآيات من لدن قوله: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه} حتى ينتهي إلى قوله: {كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها} بعضه طاعة مأمور به وبعضه معصية منهي عنه فالمأمور به قوله: {واخفض لهما جناح الذل} 24 وقوله: {وآت ذا القربي حقه} 26 والمنهي عنه {ولا تقتلوا أولادكم} {ولاتقربوا الزنى} {ولا تقتلوا النفس التي حرم الله} {ولا تقربوا مال اليتيم} فقد أمروا ببعض هؤلاء الآيات ونهوا في بعضها فقال {كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها} لأن فيها ذكر الحسن والسيء والسيء هو المكروه دون الحسن.
{ولقد صرفنا في هذا القرآن ليذكروا وما يزيدهم إلا نفورا} 41.
قرأ حمزة والكسائي: {ولقد صرفنا في هذا القرآن ليذكروا} بالتخفيف وقرأ الباقون: {ليذكروا} بالتشديد أي ليدبروا ويتعظوا والأصل ليتذكورا فأدغموا التاء في الذال وحجتهم أن تذكر أبلغ في الوصف من ذكر لأن أكثر ما يقال ذكر يذكر إذا نسي شيئا ثم ذكره وإذا قيل تذكر فمعناه تفكر قال تبارك وتعالى: {وليتذكر أولو الألباب} وحجة التخفيف أن الوجهين متقاربان يقال ذكرت ما صنعت وتذكرت ما صنعت وفي التنزيل: {كلا إنه تذكرة فمن شاء ذكره وما يذكرون إلا أن يشاء الله} فهذا بمعنى التفكر والاتعاظ.
{قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا} 42 و43.
قرأ نافع وابن عامر وأبو عمرو وأبو بكر: {قل لو كان معه آلهة كما تقولون} بالتاء سبحانه وتعالى عما يقولون بالياء الحرف الأول قرؤوه بالتاء على مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم لهم أي قل يا محمد للذين أشركوا لو كان معه آلهة كما تقولون{إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا} ثم قال جل وعز: مستأنفا بتنزيه نفسه لا على مخاطبتهم {سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا} ويجوز أن تحمله على القول كأنه يقول الله جل وعز لنبيه صلى الله عليه قل أنت يا محمد {سبحانه وتعالى عما يقولون} وقرأ ابن كثير وحفص جميعا بالياء قوله: {قل لو كان معه آلهة كما يقولون} خطاب النبي صلى الله عليه للمؤمنين يخاطبهم بما يقول المشركون ثم عطف عليه بقوله: {سبحانه وتعالى عما يقولون} وقرأ حمزة والكسائي: {كما تقولون} بالتاء عما تقولون بالتاء أيضا قيل للنبي صلى الله عليه قل للذين أشركوا لو كان معه آلهة كما تقولون ثم عطف عليه قوله سبحانه وتعالى عما تقولون على مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم إياهم وحجة التاء قوله قبلها: {أفاصفاكم ربكم بالبنين} 40.
{تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن} 44.
قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وحفص: {تسبح له السماوات السبع} بالتاء وحجتهم قراءة أبي: {سبحت له السماوات} وأخرى أن السماوات مؤنثة وقرأ الباقون بالياء وحجتهم أن فعل الجمع إذا تقدم يذكر ويؤنث فمن ذكر ذهب إلى جمع السموات ومن أنث ذهب إلى جماعة السماوات وأخرى أن ابن مسعود قال إذا اختلفتم في الياء والتاء فاجعلوها ياء.
{وأجلب عليهم بخيلك ورجلك} 64.
قرأ حفص: {وأجلب عليهم بخيلك ورجلك} بكسر الجيم هذه لغة للعرب يقال رجل ورجل يقول العرب قصر وقصر قال الشاعر:
أضرب بالسيف وسعد في القصر

وقال بعض أهل البصرة إنما كسرت الجيم إتباعا لكسرة اللام واللام كسرت علامة للجر كما قرأ الحسن البصري: {الحمد لله} وقرأ الباقون: {ورجلك} بإسكان الجيم جمع راجل تقول راجل ورجل مثل صاحب وصحب وتاجر وتجر.
{أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البر أو يرسل عليكم حاصبا ثم لا تجدوا لكم وكيلا أم أمنتم أن يعيدكم فيه تارة أخرى فيرسل عليكم قاصفا من الريح فيغرقكم بما كفرتم ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعا} 68 و69.
قرأ ابن كثير وأبو عمرو: {أفأمنتم أن نخسف بكم} {أو نرسل} {أو نعيدكم} {فنرسل} {فنغرقكم} كلها بالنون يخبر الله جل وعز عن نفسه وحجتهما ذكرها اليزيدي فقال لقوله: {ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعا} كأنه لما أتى الكلام عقيبه بلفظ الجمع جعل ما قبله على لفظه ليأتلف نظام الكلام على لفظ واحد، وقرأ الباقون بالياء إخبارا عن الله وحجتهم أن الكلام ابتدئ به بالخبر عن الله بلفظ التوحيد فقال {الذي يزجي لكم الفلك} 66 وقال {ضل من تدعون إلا إياه} 67 فجعلوا ما أتى عقيبه من الكلام جاريا على معناه لأن القصة واحدة والكلام يتبع بعضه بعضا.
{ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا}.
قرأ حمزة والكسائي وأبو بكر: {ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى} بكسر الميم فيهما وحجتهم أن الألف تنقلب إلى الياء إذا قلت أعميان فالإمالة فيهما حسنة.
وقرأ الباقون أعمى أعمى بغير إمالة وحجتهم أن الياء فيهما قد صارت ألفا لانفتاح ما قبلها والأصل ومن كان في هذه أعمي بفتح الياء فهو في الآخرة أعمي بضم الياء فقلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، وكان أبو عمرو أحذقهم ففرق بين اللفظين لاختلاف المعنيين فقرأ ومن كان في هذه أعمى بالإمالة فهو في الآخرة أعمى بالفتح فجعل الأول صفة بمنزلة أحمر وأصفر والثاني بمنزلة أفعل منك أي أعمى قلبا.
قال ابن كثير: من عمي في الدنيا مع ما يرى من آيات الله وعبره فهو عما لم ير من الآخرة أعمى وأضل سبيلا.
قال أبو عبيد: وكان أبو عمرو يقرأ هذا الحرف على تأويل ابن كثير فهو في الآخرة أعمى يعني أشد عمى وأضل سبيلا وحجة من أمال هي أن الإمالة والفتح لا يأتيان على المعاني بل الإمالة تقريب من الياء وإن كان بمعنى أفعل فلا يمنع من الإمالة كما لا يمتنع الذي هو أدنى.
{وإذا لا يلبثون خلفك إلا قليلا} 76 قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وأبو بكر: {وإذا لا يلبثون خلفك} بغير ألف أي بعدك كما قال جل وعز: {نكالا لما بين يديها وما خلفها} أي بعدها وقرأ الباقون: {خلافك} بالألف أي مخالفتك قال ذلك الفراء يقول لو أنك خرجت ولم يؤمنوا لنزل بهم العذاب وحجتهم إجماع الجميع على قوله فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله فردوا ما اختلفوا فيه إلى ما أجمعوا عليه {وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونئا بجانبه} 83.
قرأ ابن عامر: {وناء بجانبه} مثل ناع وهذا على القلب وتقديره فلع ومثل هذا في القلب قولهم رأى وراء قال الشاعر:
وكل خليل راءني فهو قائل ** من أجلك هذا هامة اليوم أو غد

وقال قوم من ناء أي نهض كما قال ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أي تنهض والأصل نوأ فانقلبت الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ومددت الألف تمكينا للهمزة قرأ حمزة والكسائي ونأي بإمالة الألف بعد الهمزة وكسرة النون وحجتهما أن الألف منقلبة عن الياء التي في النأي فتبعتها هذه الألف فأراد أن ينحو نحوها فأما الألف بعد الهمزة فتبعت الهمزة وكسر النون قبل الهمزة إتباعا لكسرة الهمزة.
قرأ أبو بكر وخلاد عن حمزة ونإي بفتح النون وكسر الهمزة ولم يكسرا فتحة النون لأجل كسرة الهمزة بل تركا النون على حالها كما تقول رمي بفتح الراء وقرأ الباقون نأى بفتح النون والهمزة أي بعد وتنحى وترك الإمالة هو الأصل لأن الياء قد انقلبت ألفا وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا 90.
قرأ عاصم وحمزة والكسائي حتى تفجر لنا بفتح التاء وسكون الفاء وحجتهم قوله ينبوعا والينبوع واحد والتشديد إنما يكون للتكثير مرة بعد مرة فلا يحسن سعه فعل لما كان الينبوع واحدا ويدل على هذا أنهم قرؤوا فتفجر الأنهار 91 بالتشديد لأنها جماعة يكثر معها الفعل وقرأ الباقون حتى تفجر لنا بالتشديد وحجتهم إجماع الجميع على التشديد في قوله وفجرنا خلالها نهرا والنهر واحد كالينبوع فشددوا في فعل الواحد لتكرر الانفجار منه مرة بعد مرة أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا 92.
قرأ نافع وابن عامر وعاصم كسفا متحركة السين قال أبو عبيد كسفا متحركة السين جمع كسفة مثل قطعة وقطع وكسرة وكسر وقرأ الباقون كسفا ساكنة السين جمع كسفة كما تقول بسرة وبسر الفرق بين الواحد والجمع طرح الهاء وليس بجمع تكسير.
{قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا} 93 قرأ ابن كثير وابن عامر: {قال سبحان ربي} على الخبر وحجتهما أن الرسول صلى الله عليه قال عند اقتراحهم هذه الأشياء التي ليست في طاقة البشر أن يفعها فقال سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا وقرأ الباقون: {قل} على الأمر وحجتهم ما تقدم من المخاطبة للنبي صلى الله عليه وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا أو يكون لك 90 و93 كذا إلى أن قال الله له قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا ويقوي هذا ما بعده قل لو كان في الأرض ملائكة 95 وقل كفى بالله شهيدا 96.
{قال لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السموات والأرض} 102 قرأ الكسائي قال لقد علمت برفع التاء وحجته ما روي عن علي بن أبي طالب صلوات الله عليه قال لقد علمت قال والله ما علم عدو الله إنما علم موسى صلى الله عليه وقراها بالرفع.
مسألة:
فإن قلت كيف يصح الاحتجاج عليه بعلمه وعلمه لا يكون حجة على فرعون إنما يكون علم فرعون ما علمه من صحة أمر موسى حجة عليه فالقول فيه إنه لما قيل له إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون كان ذلك قدحا في علمه لأن المجنون لا يعلم فكأنه نفى ذلك ودفع عن نفسه فقال لقد علمت صحة ما أتيت به علما صحيحا كعلم الفضلاء فصارت الحجة عليه من هذا الوجه.
وقرأ الباقون قال لقد علمت بفتح التاء على المخاطبة عن موسى صلى الله عليه لفرعون وحجتهم في ذلك أن فرعون ومن كان تبعه قد علموا صحة أمر موسى بدلالة قوله تعالى: {لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك} وقوله: {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا} يعني أن فرعون كان عالما بأن ما أنزل هؤلاء الآيات إلا الله ولكن جحد ما كان يعرف حقيقته وهو عالم بأن الله هو ربه. اهـ.