فصل: من فوائد ابن عادل الحنبلي في البسملة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ومنهم مَنْ قال: هو مشتق من وَلِهَ لكونِ كلِّ مخلوقٍ والِهًا نحوَه، وعلى ذلك قال بعض الحكماء: الله محبوب للأشياءِ كلها، وعلى ذلك دلَّ قوله تعالى: {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ} فأصله: وِلاه ثم أُبدلت الواو همزةً كما أُبدلت في إشاح وإعاء، والأصلُ: وِشاح ووِعاء، فصار الفظُ به: إلاهًا، ثم فُعِل به ما تقدَّم مِنْ حَذْفِ همزتِه والإِدغام، ويُعْزَى هذا القول للخليل، فعلى هذين القولين وزنُ إلاه: فِعال، وهو بمعنى مَفْعول أي: مَعْبود أو متحيِّر فيه كالكِتاب بمعنى مكتوب.
وُردَّ قولث الخليل بوجهين، أحدهما: أنه لو كانت الهمزةُ بدلًا من واو لجاز النطق بالأصلِ، ولم يَقُلْه أحد، ويقولون: إشاح ووشاح وإعاء ووعاء. والثاني: أنه لو كان كذلك لجُمع على أَوْلِهة كأَوْعِية وأَوشِحَة فتُرَدُّ الهمزة إلى أَصلها، ولم يُجْمع إله إلا على آلهة.
وللخليل أن ينفصِلَ عن هذين الاعتراضين بأنَّ البدلَ لزِم في هذا الاسمِ لأنه اختصَّ بأحكامٍ لم يَشِرَكَهْ فيها غيرُه، كما ستقف عليه، ثم جاء الجمع على التزامِ البدل.
وأمَّا الألفُ واللامُ فيترتَّب الكلامُ فيها على كونِه مشتقًا أو غيرَ مشتقٍّ، فإنْ قيل بالأول كانَتْ في الأصل مُعَرِّفةً، وإنْ قيل بالثاني كانت زائدةً. وقد شَذَّ حذفُ الألفِ واللامِ من الجلالة في قولهم لاهِ أبوك، والأصل: للهِ أبوك كما تقدم، قالوا: وحُذِفَت الألفُ التي قبل الهاء خَطًّا لئلا يُشْبَّهَ بخط اللات اسم الصنم، لأن بعضهم يقلبُ هذه التاء في الوقف هاءً فيكتُبها هاءً تَبَعًا للوقف فمِنْ ثمَّ جاء الاشتباه. وقيل: لئلا يُشَبَّه بخط اللاه اسمَ فاعل من لها يلهو، وهذا إنما يَتِمُّ على لغة مَنْ يحذف ياءَ المنقوص المعرَّف وقفًا لأن الخطَّ يتبعه، وأمَّا مَنْ يُثْبِتُها وقفًا فيثبتها خطًّا فلا لبْس حينئذ. وقيل: حَذْفُ الألف لغة قليلة جاء الخط عليها، والتُزمَ ذلك لكثرة استعماله، قال الشاعر:
أقبلَ سَيْل كان من أمر اللهْ ** يَحْرِدُ حَرْدَ الجَنَّة المُغِلَّهْ

وحكمُ لامِه التفخيمُ تعظيمًا ما لم يتقدَّمْه كسر فترقّقُ، وإن كان أبو القاسم الزمخشري قد أطلق التفخيمَ، ولكنه يريد ما قلته. ونقل أبو البقاء أنَّ منهمِ مَنْ يُرَقِّقُها على كل حال. وهذا ليس بشيءٍ لأن العربَ على خِلافِه كابرًا عن كابرٍ كما ذكره الزمخشري. ونقل أهلُ القراءة خلافًا فيما إذا تقدَّمَه فتحة ممالة أي قريبة من الكسرة: فمنهم مَنْ يُرَقِّقُهَا على كل حال. وهذا ليس بشيءٍ لأن العربَ على خِلافِه كابرًا كما ذكره الزمخشري. ونقل أهلُ القراءة خلافًا فيما إذا تقدَّمَه فتحة ممالة أي قريبة من الكسرة: فمنهم مَنْ يُرَقِّقها، ومنهم مَنْ يُفَخِّمُها، وذلك كقراءة السوسي في أحدِ وَجْهَيْه: {حتى نَرَى اللهَ جَهْرةً}.
ونقل السهيلي وابن العربي فيه قولًا غريبًا وهو أنَّ الألف واللام فيه أصلية غيرُ زائدةٍ، واعتذرا عن وَصْلِ الهمزةِ بكثرة الاستعمال، كما يقول الخليل في همزةِ التعريف، وقد رُدَّ قولهُما بانه كان ينبغي أن يُنَوَّن لفظُ الجَلالةِ لأنَّ وزنَه حينئذ فَعَّال نحو: لآَّل وسَآَّل، وليس فيه ما يمنع من التنوينِ فدلَّ على أنَّ أل فيه زائدة على ماهيةِ الكلمةِ.
ومن غريبِ ما نُقِل فيه أيضًا أنه ليس بعربي بل هو مُعَرَّب، وهو سُريانيُّ الوَضْعِ وأصله: لاها فَعَرَّبَتْه العربُ فقالوا: الله، واستدلُّوا على ذلك بقول الشاعر:
كحَلْفَةٍ من أبي رياحِ ** يَسْمَعُها لاهُهُ الكُبارُ

فجاء به على الأصلِ قبل التعريبِ، ونق ذلك أبو زيد البلخي. ومِنْ غريب ما نُقل فيه أيضًا أنَّ الأصل فيه الهاءُ التي هي كناية عن الغائب قالوا: وذلك أنهم أثبتوه موجودًا في نظر عقولِهم فأشاروا إيله بالضمير، ثم زِيدَتْ فيه لامُ المِلك، إذ قد علِموا أنه خالقُ الأشياء ومالِكُها فصار اللفظ: لَهُ ثم زيدت فيه الألف واللام تعظيمًا وتفخيمًا، وهذا لا يُشبه كلامَ أهل اللغة ولا النَحْويين، وإنما يشبه كلامَ بعض المتصوفة.
ومن غريب ما نُقل فيه أيضًا أنه صفة وليس باسم، واعتلَّ هذا الذاهب إلى ذلك أنَّ الاسم يُعَرِّفَ المُسَمَّى والله تعالى لا يُدْرِكُ حِسًّا ولا بديهةً فلا يُعَرِّفُه اسمه، إنما تُعَرِّفه صفاتُه، ولأن العَلَم قائم مقامَ الإشارة، واللهُ تعالى ممتنع ذلك في حقه. وقد رَدَّ الزمخشري هذا القولَ بما معناه أنك تصفه ولا تَصِفُ به، فتقول: إله عظيم واحد، كما تقول: شيء عظيم ورجل كريم، ولا تقول: شيء إله، كما لا تقول: شيء رجل، ولو كان صفةً لوقع صفةً لغيره لا موصوفًا، وأيضًا فإنَّ صفاتِه الحسنى لابد لها من موصوف تَجْري عليه، فلو جَعَلْتَها صفاتٍ، بقيت غيرَ جاريةٍ على اسمٍ موصوفٍ بها، وليس فيما عدا الجلالة خلاف في كونِه صفةً فَتَعَيَّن أن تكونَ الجلالةُ اسمًا لا صفةً. والقولُ في هذا الاسم الكريمِ يحتمل الإطالةَ أكثرَ ممَّا ذكرْتُ لك، إنما اختصرْتُ ذلك خوفَ السآمة للناظر في هَذا الكتاب.
الرحمن الرحيم: صفتان مشتقتان من الرحمة، وقيل: الرحمنُ ليس مشتقًا لأن العربَ لم تَعْرِفْه في قولهم: {وَمَا الرَّحْمَنُ}.
وأجاب ابن العربي عنه بأنهم جَهِلوا الصفةَ دونَ الموصوفِ، ولذلك لم يقولوا: وَمَنْ الرحمن؟ وقد تَبِعا موصوفَهما في الأربعةِ من العشرة المذكورة.
وذهب الأعلمُ الشنتمريُّ إلى أن {الرحمن} بدل من اسمِ الله لا نعت له، وذلك مبنيّ على مذهبه من أنَّ الرحمن عنده عَلَم بالغلَبة. واستدَلَّ على ذلك بأنه قد جاء غيرَ تابعٍ لموصوفٍ، كقوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ}، {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}.
وقد رَدَّ عليه السُّهيلي إلى تبيين لأنها اعرفُ الأعلامِ، ألا تراهم قالوا: {وَمَا الرَّحْمَنُ}.
ولم يقولوا: وما اللهُ. انتهى. أمَّا قوله: جاء غيرَ تابع فذلك لا يمنعُ كونَه صفةً، لأنه إذا عُلم الموصوفُ جاز حَذْفُه وبقاءُ صفتِه، كقوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأَنْعَامِ مُخْتَلِف أَلْوَانُهُ}.
أي نوع مختلف، وكقول الشاعر:
كناطحٍ صخرةً يومًا لِيُوهِنَها ** فلم يَضِرْها وأَوْهَى قرنَه الوَعِلُ

أي: كوعلٍ ناطح، وهو كثير.
والرحمة لغةً: الرقةُ والانعطافُ، ومنه اشتقاق الرَّحِم، وهي الأبطنُ لانعطافِها على الجنين، فعلى هذا يكون وصفُه تعالى بالرحمة مجازًا عن إنعامِه على عبادِه كالمَلِك إذا عَطَف على رعيَّته أصابَهم خيرُه. هذا معنى قول أبي القاسم الزمخشري. ويكونُ على هذا التقدير صفةَ فعلٍ لا صفةَ ذاتٍ، وقيل: الرحمة إرادةُ الخيرِ لمَنْ أرادَ اللهُ به ذلك، ووَصْفُه بها على هذا القولِ حقيقة، وهي حينئذ صفةُ ذاتٍ، وهذا القولُ هو الظاهرُ.
وقيل: الرحمة رِقَّة تقتضي الإحسانَ إلى المرحومِ، وقد تُستعملُ تارةً في الرقة المجردة وتارةً في الإِحسان المجرَّد، وإذا وُصِف به الباري تعالى فليس يُراد به إلا الإِحسانُ المجردُ دونَ الرقةِ، وعلى هذا رُوي: الرحمةُ من الله إنعام وإفضال، ومن الآدميين رقة وتعطُّف.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: وهما اسمان رقيقان أحدهما أرقُّ من الآخر أي: أكثرُ رحمة. قال الخطَّابي: وهو مُشْكِل؛ لأن الرقة لا مَدْخَلَ لها في صفاتهِ.
وقال الحسين بن الفضل: هذا وَهْم من الراوي، وإنما هما اسمان رفيقان أحدهما أَرْفَقُ من الآخر والرفق من صفاته وقال عليه الصلاة والسلام: «إن الله رفيق يحبُّ الرِفقَ، ويُعطي عليه ما لا يُعْطي على العنف»، ويؤيِّده الحديثُ، وأمَّا الرحيمُ فالرفيق بالمؤمنين خاصة.
واختلف أهلُ العلمِ في: {الرحمن الرحيم} بالنسبة إلى كونِهما بمعنىً واحدٍ أو مختلفين. فذهب بعضُهم إلى أنهما بمعنى واحد كَنْدمان ونَدِيم، ثم اختلف هؤلاء على قولين، فمنهم مَنْ قال: جُمِع بينهما تأكيدًا، ومنهم مَنْ قال: لمَّا تَسَمَّى مُسَيْلمة- لعنه الله- بالرحمن قال الله لنفسه: الرحمنُ الرحيم، فالجمعُ بين هاتين الصفتين لله تعالى فقط. وهذا ضعيف جدًا، فإنَّ تسميَته بذلك غيرُ مُعْتَدٍّ بها البتَة، وأيضًا فإن {بسم الله الرحمن الرحيم} قبلَ ظورِ أمرِ مُسَيْلَمَةَ.
ومنهم مَنْ قال: لكلِّ واحد فائدة غيرُ فائدةِ الآخر، وجَعَل ذلك بالنسبة إلى تغايُرِ متعلِّقِهما إذ يقال: «رَحْمن الدنيا ورحيمُ الآخرة»، يُروى ذلك عن النبي صلَى الله عليه وسلم، وذلك لأنَّ رحمته في الدنيا تَعُمُّ المؤمنَ والكافرَ، وفي الآخرة تَخُصُّ المؤمنين فقط، ويُروَى: رحيمُ الدنيا ورحمنُ الآخرة، وفي المغايَرة بينهما بهذا القَدْر وحدَه نظر لا يَخْفى.
وذهب بعضُهم إلى أنهما مختلفان، ثم اختلف هؤلاء أيضًا: فمنهم مَنْ قال: الرحمن أبلغُ، ولذلك لا يُطلق على غيرِ الباري تعالى، واختاره الزمخشري، وجعلَه من باب غَضْبان وسَكْران للممتلئِ غَضَبًا وسُكْرًا، ولذلك يقال: رحمن الدنيا والآخرة ورحيم الآخرة فقط، قال الزمخشري: فكان القياسُ الترقِّيَ من الأدنى، إلى الأعلى، كما يُقال: شُجاع باسل ولا يقال: باسِل شجاع. ثم أجاب بأنه أَرْدَفَ الرحمنَ الذي يتناول جلائلَ النِّعَمِ وأصولَها بالرحيمِ ليكونَ كالتتمَّةِ والرديف ليتناولَ كا دَقَّ منها ولَطَف.
ومنهم مَنْ عَكَس فجعلَ الرحيمَ أبلغَ، ويؤيده روايةُ مَنْ قال: «رحيم الدنيا والآخرة» لأنه في الدنيا يَرْحم المؤمن والكافرَ، وفي الآخرة لا يَرْحم إلا المؤمن. لكن الصحيح أنَّ الرحمنَ أبلغُ، وأمَّا هذه الروايةُ فليس فيها دليل، بل هي دالَّة على أنَّ الرحمنَ أبلغُ، وذلك لأن القيامَة فيها الرحمةُ أكثرُ بأضعافٍ، وأثرُها فيها أظهرُ، على ما يُروى أنه خَبَّأ لعباده تسعًا وتسعينَ رحمةً ليوم القيامة. والظاهر أن جهةَ المبالَغَةِ فيهما مختلفة، فمبالغةُ فَعْلان من حيث الامتلاءُ والغَلَبَةُ ومبالغةُ فعيل من حيث التكرارُ والوقوع بمَحَالِّ الرحمة.
وقال أبو عبيدة: وبناء فَعْلان ليس كبناءِ فَعِيل، فإنَّ بناء فَعْلان لا يقع إلى على مبالغةِ الفِعْل، نحو: رجل غَضْبانُ للمتلئ غضبًا، وفعيل يكون بمعنى الفاعلِ والمفعول، قال:
فأمَّا إذا عَضَّتْ بك الحربُ عَضَّةً ** فإنك مَعْطوف عليك رحيمُ

فالرحمنُ خاصّ الاسمِ عامُّ الفعل. والرحيمُ عامّ الاسمِ خاصُّ الفعلِ، ولذلك لا يَتَعَدَّى فَعْلان ويتعدَّى فعيل. حكى ابنُ ابنُ سِيده: زيد حفيظ علمَك وعلمَ غيرك.
والألفُ واللام في: {الرحمن} للغلَبة كهي في الصَّعِق، ولا يُطلق على غير الباري تعالى عند أكثر العلماء، لقوله تعالى: {قُلِ ادْعُواْ اللَّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَنَ} فعادَلَ به ما لا شِرْكَةَ فيه، بخلاف رحيم فإنه يُطلق على غيره تعالى، قال تعالى في حَقَّه عليه السلام: {بالمؤمنين رؤوف رحيم} وأمَّا قول الشاعر في مُسَيْلَمَةَ الكذاب لعنه الله تعالى:
وأنت غَيْثُ الوَرى لا زلت رَحْمانا

فلا يُلتفت إلى قوله لَفْرطَ تَعَنُّتهم، ولا يُستعمل إلاَّ مُعَرَّفًا بالألفِ واللامِ أو مضافًا، ولا يُلتفت لقوله: لا زِلْتَ رَحْمانًا لشذوذه. ومن غريب ما نُقِل فيه أنه مُعَرَّب، ليس بعربيِّ الأصل، وأنه بالخاء المعجمة قاله ثعلب والمبرد وأنشد:
لن تُدْرِكوا المَجْدَ أو تَشْرُوا عَباءَكُمُ ** بِالخَزِّ أو تَجْعلوا اليَنْبُوتَ ضَمرانا

أو تَتْرُكونَ إلى القَسَّيْنِ هِجْرَتَكُمْ ** ومَسْحكم صُلبَهم رَخْمانَ قُرْبانا

.من فوائد ابن عادل الحنبلي في البسملة:

قال رحمه الله:

.فصل في اشتقاق البسملة:

البسملة: مصدر بسمل، أي: قال: {بسم الله} نحو: حوقل، وهيلل، وحمدل، وحيعل، أي قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ولا إله إلا الله، والحمد لله، وحي على الصلاة ومثله الحسبلة وهي قوله: حسبنا الله، والسبحلة وهي قول: سبحان الله والجعفلة: قول: جعلت فداك، والطلبقة والدمعزة حكاية قولك: أطال الله تعالى بقاءك، وأدام عزك.
وهذا شبيه بباب النحت في النسب، أي أنهم يأخذون اسمين، فينحتون منهما لفظا واحدا؛ فينسبون إليه؛ كقولهم: حضرمي، وعبقسي، وعبشمي نسبة إلىحضرموت، وعبد قيس وعبد شمس؛ قال الشاعر: الطويل:
وتضحك مني شيخة عبشمية ** كأن لم ترى قبلي أسيرا يمانيا

وهو غير مقيس، فلا جرم أن بعضهم قال في: بسمل، وهيلل: إنهما لغة مولدة.
قال الماوردي رحمه الله تعالى: يقال لمن قال: {بسم الله} مبسمل وهي لغة مولدة؛ وقد جاءت في الشعر؛ قال عمر بن أبي ربيعة: الطويل:
لقد بسملت ليلى غداة لقيتها ** فيها حبذا ذاك الحبيب المبسمل

وغيره من أهل اللغة نقلها، ولم يقل إنها مولدة كثعلب والمطرزي.
{بسم الله} جار ومجرور، والباء متعلق بمضمر، فنقول: هذا المضمر يحتمل أن يكون اسما، وأن يكون فعلا، وعلى التقديرين؛ فيجوز أن يكون متقدما ومتأخرا، فهذه أقسام أربعة.
أما إذا كان متقدما، وكان فعلا؛ فكقولك: أبدأ ببسم الله.
وإن كان متقدما، وكان اسما؛ فكقولك: ابتدائي ببسم الله.
وإن كان متأخرا، وكان فعلا؛ فكقولك: بسم الله أبدأ.
وإن كان متأخرا، وكان اسما؛ فكقولك: بسم الله ابتدائي.
وأيهما أولى التقديم أم التأخير؟
قال ابن الخطيب: كلاهما ورد في القرآن الكريم، أما التقديم، فكقوله: {بسم الله مجراها ومرساها} [هود: 41] وأما التأخير؛ فكقوله تعالى: {اقرأ باسم ربك} [العلق: 1].
وأقول: التقديم أولى؛ لأنه تعالى قديم واجب الوجود لذاته، فيكون وجوده سابقا على وجود غيره، لأن السبق بالذات يستحق السبق في الذكر؛ قال تبارك وتعالى: {هو الأول والآخر} [الحديد: 3] وقال تعالى: {لله الأمر من قبل ومن بعد} [الروم: 4]، وقال تعالى: {إياك نعبد وإياك نستعين} [الفاتحة: 5].
قال أبو بكر الرازي- رحمه الله تعالى- إضمار الفعل أولى من إضمار الاسم؛ لأن نسق تلاوة القرآن يدل على أن المضمر هو الفعل، وهو الأمر، لأنه تبارك وتعالى قال: {إياك نعبد وإياك نستعين} فكذا قوله تعالى: {بسم الله الرحمن الرحيم}.
التقدير: قولوا: بسم الله.
وأقول: لقائل أن يقول: بل إضمار الاسم أولى؛ لأنا إذا قلنا: تقدير الكلام: بسم الله ابتداء كل شيء، كان هذا إخبارا عن كونه مبدأ في ذاته لجميع الحوادث، ومخالفا لجميع الكائنات، سواء قاله قائل، أو لم يقله، ولا شك أن هذا الاحتمال أولى، وتمام الكلام يأتي في بيان أن الأولى أن يقال: الحمد لله وسيأتي لذلك زيادة بيان في الكلام في الاسم إن شاء الله تعالى.