فصل: الفوائد:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.الفوائد:

1- تحققت البشارة، وأتى أمر اللّه ودخل محمد مكة فاتحا، كما هو معروف في تاريخ السيرة، وقال جبريل لمحمد صلى اللّه عليه وسلم عند ما نزل بهذه الآية يوم الفتح: خذ مخصرتك ثم ألقها فجعل يأتي صنما صنما وهو ينكث بالمخصرة في عينه ويقول: جاء الحق وزهق الباطل فينكب الصنم لوجهه حتى ألقاها جميعا وبقي منها صنم خزاعة فوق الكعبة وكان من قوارير صفر فقال: يا علي ارم به فصعد فرمى به فكسره إلى آخر هذه القصة الفريدة.
2- معاني اللام الجارة:
أورد ابن هشام في مغني اللبيب أن لّلام الجارة اثنين وعشرين معنى واكتفى غيره بذكر اثني عشر معنى فقط وأنكر أن يكون لها هذه المعاني الأخرى وفيما يلي تلخيص مفيد لذلك:
1- الملك نحو {لِلّه ما في السموات}.
2- شبه الملك. وجعل ابن هشام هذا القسم قسمين وهما الاختصاص نحو: السرج للدابة والاستحقاق وهي الواقعة بين معنى وذات نحو: العزة للّه والأمر للّه.
3- التعدية إلى المفعول به نحو {فهب لي من لدنك وليا} ورجح ابن هشام وغيره أن يمثل لها بنحو: ما أضرب زيدا لعمرو لأن ضرب متعد في الأصل ولكنه لما بني منه فعل التعجب نقل إلى فعل بضم العين فصار لازما فعدي بالهمزة إلى زيد وباللام إلى عمرو.
4- التعليل كقول أبي صخر الهذلي:
وإني لتعروني لذكراك هزة كما ** انتفض العصفور بلّله القطر

أي لأجل ذكري إياك.
5- التوكيد وهي الزائدة وهي أنواع منها:
آ- اللام المعترضة بين الفعل المتعدي ومفعوله كقول ابن ميادة الرماح يمدح عبد الملك بن مروان:
وملكت ما بين العراق ويثرب ** ملكا أجار لمسلم ومعاهد

أي أجار مسلما ومعاهدا.
ب- ومنها اللام المقحمة بين المتضايفين كقول زهير بن أبي سلمى:
سئمت تكاليف الحياة ومن يعش ** ثمانين حولا لا أبا لك يسأم

والأصل لا أباك موجود وهو تعبير يحتمل المدح والذم وانجرار ما بعدها بالاضافة.
ح- ومنها لام المستغاث، فإنها زائدة عند المحققين بدليل صحة إسقاطها.
6- تقوية العامل الذي ضعف إما بكونه فرعا في العمل كالمصدر واسمي الفاعل والمفعول وأمثلة المبالغة نحو {مصدقا لما معهم} ونحو {فعّال لما يريد} واما بتأخره عن المعمول نحو {إن كنتم للرؤيا تعبرون} والأصل إن كنتم تعبرون الرؤيا فلما أخر الفعل وقدم معموله عليه ضعف عمله فقوي باللام وجعلها ابن هشام في المغني زائدة والأصح أنها ليست كذلك.
7- موافقة إلى أي لانتهاء الغاية نحو {كل يجري لأجل مسمى} أي إلى أجل مسمى.
8- القسم وتختص بالجلالة لأنها خلف عن التاء نحو: للّه لا يؤخر الأجل.
9- التعجب نحو: للّه درك أي ما أكثر درك وأكثر ما تستعمل في النداء كقول امرئ القيس:
فيا لك من ليل كأن نجومه ** بكل مغار الفتل شدت بيذبل

10- الصيرورة أو العاقبة أو المآل نحو {فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا} وقول أبي العتاهية:
لدوا للموت وابنوا للخراب

فإن الموت ليس علة للولد والخراب ليس علة للبناء ولكن صار عاقبتهما ومآلهما إلى ذلك وأنكرها الزمخشري وقال: والتحقيق أنها لام العلة وان التعليل فيها وارد على المجاز دون الحقيقة.
11- البعدية نحو {أقم الصلاة لدلوك الشمس} وقد تقدم ذكرها لأن الوقت إنما يدخل ونعلمه بالدلوك فلا تقام الصلاة إلا بعد الدلوك وهو ميل الشمس عن الاستواء ومنه قوله صلى اللّه عليه وسلم: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته» وقول متمم بن نويرة:
فلما تفرقنا كأني ومالكا ** لطول اجتماع لم نبت ليلة معا

12- الاستعلاء أي موافقة على حقيقة نحو {يخرون للأذقان} جمع ذقن أي عليها ومجازا نحو {وإن أسأتم فلها} أي عليها.
13- موافقة في نحو {قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو} أي لا يجليها في وقتها إلا هو.
14- موافقة عند كقراءة الحجوري {بل كذبوا بالحق لما جاءهم} بكسر اللام وتخفيف اللام أي عند مجيئه إياهم.
15- موافقة مع كقول متمم بن نويرة الآنف الذكر: فلما تفرقنا إلخ.
16- موافقة من نحو سمعت له صراخا وقول جرير:
لنا الفضل في الدنيا وأنفك راغم ** ونحن لكم يوم القيامة أفضل

أي ونحن منكم أفضل.
17- التبليغ نحو {قل لعبادي} وضابطها أن تجر اسم السامع لقول.
18- موافقة عن إذا استعملت مع القول نحو {وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه}.
19- التمليك نحو: وهبت لزيد دينارا.
20- التعليل نحو قول امرئ القيس:
ويوم عقرت للعذارى مطيتي ** فيا عجبا من كورها المتحمل

ومنها اللام الداخلة لفظا على المضارع نحو {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس} وانتصاب الفعل بعدها بأن مضمرة.
21- توكيد النفي وهي الداخلة في اللفظ على الفعل مسبوقا بما كان أو بلم يكن نحو {وما كان اللّه ليطلعكم على الغيب}ويسميها أكثر النحاة لام الجحود.
22- التبيين وقد تقدم ذكرها ونعيدهاهنا مفصلة فنقول هي ثلاثة أقسام:
آ- ما تبين المفعول من الفاعل وضابطها أن تقع بعد فعل تعجب أو اسم تفضيل مفهمين حبا أو بغضا تقول ما أحبني وما أبغضني فإن قلت لفلان: أنت فاعل الحب والبغض وهو مفعولهما وإن قلت: إلى فلان فالأمر بالعكس.
ب وج- ما يبين فاعلية غير ملتبسة بمفعولية وما يبين مفعولية غير ملتبسة بفاعلية ومصحوب كل منهما إما غير معلوم مما قبلها أو معلوم لكن استؤنف بيانه تقوية للبيان وتوكيدا له واللام في ذلك كله متعلقة بمحذوف، مثال المبينة للمفعولية: سقيا لزيد وجدعا له، فهذه اللام ليست متعلقة بالمصدرية ولا بفعليهما المقدرين لانهما متعديان ولا هي مقوية للعامل لضعفه بالفرعية وإنما هي لام مبينة للمدعو له أو عليه.
واختلف في قوله تعالى: {هيهات هيهات لما توعدون} فقيل اللام زائدة وما فاعل وقيل الفاعل ضمير مستتر راجع إلى البعث والإخراج فاللام للتبيين والبحث في اللام طويل ومرجعه للمطولات.

.[سورة الإسراء: الآيات 82- 84]

{وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسارًا (82) وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ كانَ يَؤُسًا (83) قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلًا (84)}.

.اللغة:

{نَأى}: النأي بالجانب أن يوليه عطفه ويوليه ظهره وأراد الاستكبار لأن ذلك ديدن المستكبرين وفي المصباح: ونأى نأيا من باب نفع بعد ويتعدى بنفسه وبالحرف وهو الأكثر فيقال نأيته ونأيت عنه ويتعدى بالهمزة فيقال أنأيته.
{شاكِلَتِهِ}: مذهبه وطريقته التي تشاكل حاله في الهدى والضلالة من قولهم طريق ذو شواكل وهي الطريق التي تتشعب منه والمعنى كل إنسان يعمل حسب جوهر نفسه فإن كانت نفسه شريفة طاهرة صدرت عنه أفعال جميلة وإن كانت نفسه كدرة خبيثة صدرت عنه أفعال خبيثة فاسدة.

.الإعراب:

{وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} الواو عاطفة وننزل فعل مضارع وفاعل مستتر تقديره نحن ومن القرآن حال على أن من للتبيين ويجوز أن تكون لابتداء الغاية أو تبعيضية فهي متعلقة بننزل كما اختار أبو حيان وما مفعول به وهو مبتدأ وشفاء خبر والجملة صلة الموصول ورحمة عطف على شفاء وللمؤمنين متعلقان بشفاء.
{وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسارًا} الواو حالية ولا نافية ويزيد الظالمين فعل وفاعل مستتر ومفعول به وإلا أداة حصر وخسارا مفعول به ثان.
{وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ} الواو حرف عطف وإذا ظرف مستقبل وجملة أنعمنا مضافة للظرف وهو فعل وفاعل وعلى الإنسان متعلقان به وجملة أعرض لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم ونأى عطف على أعرض وبجانبه متعلقان بنأى. {وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ كانَ يَؤُسًا} عطف على ما تقدم وجملة مسه الشر مضافة للظرف وجملة كان لا محل لها واسم كان مستتر تقديره هو ويئوسا خبر كان. {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ} كل مبتدأ أي كل أحد وجملة يعمل خبر وعلى شاكلته متعلقان بيعمل. {فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلًا} الفاء استئنافية وربكم مبتدأ وأعلم خبره وبمن متعلقان بأعلم وهو مبتدأ وأهدى خبر والجملة صلة وسبيلا تمييز.

.[سورة الإسراء: الآيات 85- 87]

{وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلًا (85) وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنا وَكِيلًا (86) إِلاَّ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا (87)}.

.الإعراب:

{وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ} الواو استئنافية ويسألونك فعل مضارع وفاعل ومفعول به وعن الروح متعلقان بيسألونك والضمير يعود على اليهود المتعنتين الذين سألوه تجنيا منهم عن أصحاب الكهف وعن ذي القرنين وعن الروح فبين لهم القصتين وأبهم أمر الروح وهو مبهم في التوراة. {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} الروح مبتدأ ومن أمر ربي خبر أي أنه مما استأثر اللّه بعلمه والواو عاطفة أو حالية وما نافية وأوتيتم فعل ماض مبني للمجهول ومن العلم متعلقان بأوتيتم وإلا أداة حصر وقليلا مفعول به ثان لأوتيتم أي شيئا قليلا بالنسبة إلى علمه تعالى وان كان كثيرا في حد ذاته. {وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ} الواو عاطفة واللام موطئة للقسم وان شرطية وشئنا فعل ماض وفاعل في محل جزم فعل الشرط واللام جواب القسم وجواب الشرط محذوف أي ذهبنا به على القاعدة في اجتماع الشرط والقسم من حذف جواب المتأخر استغناء عنه بجواب المتقدم وبالذي متعلقان بنذهبن وجملة أوحينا صلة وإليك متعلقان بأوحينا.
{ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنا وَكِيلًا} ثم حرف عطف ولا نافية وتجد فعل مضارع مرفوع وفاعله أنت ولك متعلقان بمحذوف حال لأنه كان في الأصل صفة لوكيلا وبه متعلقان بتجد وعلينا متعلقان بوكيلا ووكيلا مفعول به أي لا تجد من يتوكل علينا باسترداده بعد رفعه.
{إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا} يجوز في هذا الاستثناء أن يكون متصلا لأن الروح يندرج في قوله وكيلا أي إلا رحمة فيكون مستثنى أو بدلا من وكيلا ويجوز أن يكون منقطعا. وإلا بمعنى لكن فتعرب رحمة مفعولا من أجله والتقدير حفظناه عليك للرحمة أو مفعولا مطلقا والتقدير لكن رحمناك رحمة ومن ربك صفة لرحمة وان واسمها وجملة كان خبرها وعليك حال لأنه كان صفة لكبيرا وكبيرا خبر كان.

.[سورة الإسراء: الآيات 88- 89]

{قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88) وَلَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُورًا (89)}

.الإعراب:

{قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ} لئن اللام موطئة للقسم وإن شرطية واجتمعت فعل ماض في محل جزم فعل الشرط والانس فاعل والجن عطف على الانس وعلى أن يأتوا: أن وما في حيزها في محل جر بعلى والجار والمجرور متعلقان بمحذوف حال أي متظاهرين ومتعاونين وبمثل متعلقان بيأتوا وهذا مضاف لمثل والقرآن بدل. {لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} لا يأتون لا نافية ويأتون فعل مضارع مرفوع لأنه جواب القسم المحذوف لتقدمة لا جواب الشرط والواو فاعل وبمثله متعلقان بيأتون ولو: الواو حالية ولو وصلية وكان فعل ماض ناقص وبعضهم اسم كان ولبعض متعلقان بظهيرا وظهيرا خبر كان وجملة لو كان إلخ حالية ولهذا التركيب قاعدة نوردها في باب الفوائد. {وَلَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ} الواو عاطفة واللام موطئة للقسم وقد حرف تحقيق وصرفنا فعل وفاعل وفي هذا متعلقان بصرفنا والقرآن بدل ومن كل مثل صفة للمفعول به المحذوف أي من كل معنى هو كالمثل في غرابته وحسنه. {فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا} فأبى عطف على صرفنا وأكثر الناس فاعل وإلا أداة حصر لأن أبى متأول بالنفي كأنه قيل فلم يرضوا إلا كفورا، وكفورا مفعول به.

.الفوائد:

إذا أتى حرف العطف قبل لو الوصلية كان عاطفا على مقدر ويكون حذف المعطوف عليه مطردا لدلالة المعطوف دلالة واضحة عليه ففي قوله تعالى: {ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا} فالعطف هنا على مقدر أي لا يأتون بمثله لو لم يكن بعضهم ظهيرا لبعض ولو كان بعضهم ظهيرا لبعض فإن الإتيان بمثله حيث انتفى عند التظاهر فلأن ينتفي عند عدمه أولى وعلى هذه النكتة يدور ما في إن ولو الوصليتين من التأكيد ومحله النصب على الحال حسبما عطف عليه أي لا يأتون بمثله على كل حال مفروض ولو في هذه الحال المنافية لعدم الإتيان به فضلا عن غيرها.

.[سورة الإسراء: الآيات 90- 93]

{وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيرًا (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلًا (92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلاَّ بَشَرًا رَسُولًا (93)}.

.اللغة:

{يَنْبُوعًا}: الينبوع بفتح الياء عين غزيرة لا ينصب ماؤها وهو يفعول من نبع الماء كيعبوب من عب الماء إذا زخر وكثرت أمواجه وللنون مع الباء فاء وعينا للكلمة سرّ عجيب مطرد وهو أنها تدل على الظهور والبروز وقد أحصيناها في جميع تراكيبها فرأيناها لا تنفك عن أداء هذا المعنى: فنبأ معناها ارتفع والنبأ الخبر والنبوءة، والنبوة الاخبار عن الغيب أو المستقبل، والنابئ المكان المرتفع المحدودب وسيل نابىء طارئ من حيث لا يدرى وكل شيء يظهر، قال:
ألا فاسقياني وانفيا عنكما القذى ** وليس القذى بالعود يسقط في الخمر

ولكن قذاها كل أشعث نابىء ** أتتنا به الأقدار من حيث لا ندري

ونبّ التيس نبا: صاح عند الهياج وليس أظهر من ذلك ورمح مطرد الأنابيب وشرب من أنبوب الكوز وله أنبوب من نخل وغيره، قال:
أو من مشعشعة ورهاء نشوتها ** أو من أنابيب رمّان وتفّاح

ونبت المكان صار ذا نبت ظاهر وظهر النبت والنبات في الأرض والنابتة مؤنث النابت والناشئة من الأولاد والأنعام ونبث التراب من الحفرة استخرجه، ونبثوا عن الأمر: بحثوا عنه ولا يزالون يتنابثون عن الأسرار ويتباحثون عن الأخبار والأنبوثة بضم الهمزة: لعبة للصبيان يدفنون شيئا في حفيرة فمن استخرجه غلب، وانه لنفّاج نبّاج ليس معه إلا الكلام، ونبحته الكلاب معروفة واستنبح الضيف الكلاب عند ظهوره، قال الأخطل وهو أهجى بيت:
قوم إذا استنبح الأضياف كلبهم ** قالوا لأمهم بولي على النار

ونبذ الشيء من يده طرحه ورمى به وصبي منبوذ والتقط فلان منبوذا ونبذ أمري وراء ظهره ونبذ النبيذ وهو أن يلقي الثمر في الجرّ وغيره، والنبيذ التمر المنبوذ والخمر المعتصر من العنب وغيره وجمعه أنبذة والنبّاذ بائع النبيذ، ونبر الغلام ترعرع ونبر المغنّي رفع صوته بعد خفض ونبر الحرف همزه والمنبر محل مرتفع يرتقيه الخطيب أو الواعظ يكلم منه الجمع سمي بذلك لارتفاعه وكسرت الميم على التشبيه بالآلة والجمع منابر، والنبز اللقب ونبزه بكذا لقبه ليعرف به وهو شائع في الألقاب القبيحة، ونبس بالمجلس ونبّس تكلم وأكثر استعماله بعد النفي يقال: ما نبس بكلمة وتقول كلّمته فعبس وما نبس، ونبش الشيء المستور أبرزه وأظهره ونبش الكنز من الأرض كشفه واستخرجه وهو ينبش الأسرار، قال:
مهلا بني عمنا مهلا موالينا ** لا تنبشوا بيننا ما كان مدفونا

وهو ينبش لعياله ويحترش إذا استخرج رزقهم من هنا وهنا واحتال، وانتبش العروق من الأرض استخرجها قال الكميت:
موتهنّ انتباشهن من الأرض ** ويحيين ما سكنّ القبورا

أي ما دامت العروق تحت الأرض كانت حية فإذا انتبشت ماتت، والنبّاش فعال للمبالغة الذي ينبش القبور، ونبص الغلام بالطائر والكلب وهو أن يضمّ شفتيه ويدعوه، ونبض عرقه نبضا ونبضانا وتقول: رأيت ومضة برق كنبضة عرق، ونبط الماء نبع، واستنبط البئر أخرج ماءها واستنبط العرب صاروا نبطا، قال خالد بن الوليد لعبد المسيح بن بقيلة: أعرب أنتم أم نبيط؟ فقال: عرب استنبطنا ونبيط استعربنا، وقال أبو العلاء المعري:
أين امرؤ القيس والعذارى ** إذ مال من تحته الغبيط

استنبط العرب في الموامي ** بعدك واستعرب النبيط

وتقدم القول في النبع والينوع ونبغ الشيء خرج وظهر ونبغ الرجل: قال الشعر وأجاده ويقال إن النابغة قال الشعر على كبر سنه فاجاد فسمي النابغة وقيل بل لقوله:
وحلت في بني القين بن جسر ** فقد نبغت لنا منهم شئون

وهو نابغة من النوابغ ونبغ في العلم وفي كل صناعة. ونبق الشيء ينبق ظهر والنّبق والنّبق والنّبق والنّبق: حمل شجر السدر الواحدة نبقة وعن بعض العرب: ان النبق ليعجبني وان النّبق لي لمؤذ وفي الحديث: «ونبقها كقلال هجر»، ووقعنا في نبك من الأرض ونباك جمع نبكة وهي الأكمة المحددة الرأس ونبك المكان ارتفع وهضاب نوابك، قال ذو الرمة:
طواهن تغويري إذا الآل أرفلت ** به الشمس أزر الحزورات النوابك

ونبل الرجل كان ذا نبالة وفضل ظاهرتين ورجل نابل ونبّال معه نبل قال امرؤ القيس:
أيقتلني والمشرفيّ مضاجعي ** ومسنونة زرق كأنياب أغوال

وليس بذي رمح فيطعنني به ** وليس بذي سيف وليس بنبّال

ورجل تنبال: قصير، ونبه ينتبه للأمر فطن له وكان ذا نباهة وشرف، ونبا السيف عن الضريبة نبوّا ونبوة وسيف ناب ولكل صارم نبوة، قال:
أنا السيف إلا أن للسيف نبوة ** ومثلي لا تنبو عليك مضاربه

وقد رمق سماء هذا المعنى حافظ ابراهيم فقال:
لا تلم كفي إذا السيف نبا ** صّح مني العزم والدهر أبى

{كِسَفًا}: قطعا يقال: كسفت الثوب قطعته وقال الزجاج كسف الشيء بمعنى غطاه قيل ولا يعرف هذا لغيره وفي الأساس: وهذه كسفة وكسف وكسف من السحب وأعطني كسفة من الثوب: قطعة.
{قَبِيلًا}: كفيلا بما تقول شاهدا بصحته وقيل مقابلة وعيانا وقيل هو جمع قبيلة أي بأصناف الملائكة قبيلة قبيلة يشهدون بصحة ما تقول واللغة تحتمل الجميع.
{زُخْرُفٍ} ذهب وهو المراد هنا ولها معان شتى منها حسن الشيء وزخرف الكلام أباطيله المموهة وزخرف الأرض ألوان نباتها والجمع زخارف وزخرف الشيء حسنه وزينه، والكلام موّهه بالكذب.