فصل: القراءات والوقوف:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وهذا الأخير رواه مسلم وأبو داود والترمذي عن ثوبان رضي الله عنهم أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: «إن الله تعالى زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها» وكان يبصر من ورائه كما يبصر من أمامه- كما أخرجه الشيخان وغيرهما من حديث أنس رضي الله عنهم وفي كثير من طرقه عدم التقييد بالصلاة، وهذا صريح في أن بصره لم يكن متقيدًا بالعين، بل خلق الله تعالى الأبصار في جميع أعضائه وكذا السمع، فإن كون العين محلًا لذلك وكذا الأذن إنما هو بجعل الله، ولو جعل ذلك في غيرهما لكان كما يريد سبحانه ولا مانع، ولم يكن الظلام يمنعه من نفود البصر ففي مسند أحمد عن جابر بن عبد الله- رضى الله عنهما- قال: فقدت رحلي ليلة فمررت على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو يشد لعائشة رضي الله عنهم ا، فقال: ما لك يا جابر؟ فقلت: فقدت جملي أو ذهب في ليلة ظلماء، فقال لي: هذا جملك، اذهب فخذه، فذهبت نحو ما قال لي، فلم أجده فرجعت إليه فقلت: بأبي وأمي يا رسول الله! ما وجدته، فقال لي: على رسلك، حتى إذا فرغ أخذ بيدي فانطلق حتى أتينا الجمل فدفعه إليّ، قال: هذا جملك- الحديث.
وروى البيهقي في دلائل النبوة عن ابن عباس- رضى الله عنهما- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يرى بالليل في الظلمة كمل يرى بالنهار في الضوء، وروي مثل ذلك عن عائشة رضي الله عنهم ا، وقال القاضي عياض في الشفا: حكى بقي بن مخلد عن عائشة رضي الله عنها قالت، كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يرى في الظلمة كما يرى في الضوء، وأسند عن أبي هريرة رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: لما تجلى الله لموسى عليه الصلاة والسلام كان يبصر النملة على الصفا في الليلة الظلماء مسيرة عشرة فراسخ.
وجوز أن يكون اختصاص نبينا صلى الله عليه وعلى آله وسلم بذلك بعد الإسراء- انتهى.
وقد أخرج حديث أبي هريرة هذا الحافظ نور الدين الهيثمي في زوائد المعجمين: الأوسط والأصغر للطبراني، ولعل هذا من مناسبة تعقيب هذه الآية بذكر موسى عليه السلام.
وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير: لما تقدم قوله: {إن إبراهيم كان أمة قانتًا لله حنيفًا} إلى قوله تعالى: {ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفًا} الآية، كان ظاهر ذلك تفضيل إبراهيم عليه السلام على محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعلى جميع الأنبياء لا سيما مع الأمر بالاتباع، فأعقب ذلك بسورة الإسراء، وقد تضمنت من خصائص نبينًا صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وانطوت على ما حصل منه المنصوص في الصحيح والمقطوع به والمجمع عليه من أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم وشرف وكرم وبجل وعظم- سيد ولد آدم، فاستفتحت السورة بقصة الإسراء وقد تضمنت- حسبما وقع في صحيح مسلم وغيره- إقامته بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام وفيهم إبراهيم وموسى وغيرهما من الأنبياء من غير استثناء، هذه رواية ثابت عن أنس رضي الله عنهم وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنهم أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم وشرف وكرم وبجل وعظم دائمًا أبدًا أثنى على ربه فقال: الحمد لله الذي أرسلني رحمة للعالمين، وكافة للناس بشيرًا ونذيرًا، وأنزل عليّ القرآن فيه تبيان كل شيء، وجعل أمتي خير أمة أخرجت للناس، وجعل أمتي وسطًا وجعل أمتي هم الأولون وهم الآخرون، وشرح لي صدري، ووضع عني وزري، ورفع لي ذكري، وجعلني فاتحًا وخاتمًا، فقال إبراهيم عليه السلام: بهذا فضلكم محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ وفي رواية أبي هريرة رضي الله عنهم من طريق الربيع بن أنس وذكر سدرة المنتهى وأنه تبارك وتعالى قال له: سل! فقال: إنك اتخذت إبراهيم خليلًا، وأعطيته ملكًا عظيمًا، وكلمت موسى تكليمًا، وأعطيت داود ملكًا عظيمًا، وألنت له الحديد، وسخرت له الجبال، وأعطيت سليمان ملكًا عظيمًا، وسخرت له الجن والإنس والشياطين والرياح، وأعطيته ملكًا لا ينبغي لأحد من بعده، وعلمت عيسى التوراة والإنجيل، وجعلته يبرىء الأكمه والأبرص، وأعذته وأمه من الشيطان الرجيم، فلم يكن له عليهما سبيل، فقال له ربه تبارك وتعالى: قد اتخذتك حبيبًا فهو مكتوب في التوراة محمد حبيب الرحمن وأرسلتك إلى الناس كافة، وجعلت أمتك هم الأولون والآخرون.
وجعلت أمتك لا تجوز لهم خطبة حتى يشهدوا أنك عبدي ورسولي، وجعلتك أول النبيين خلقًا وآخرهم بعثًا، وأعطيتك سبعًا من المثاني ولم أعطها نبيًا قبلك، وأعطيتك خواتم سورة البقرة من كنز تحت العرش لم أعطها نبيًا قبلك، وجعلتك فاتحًا وخاتمًا.
وفي حديث شريك أنه رأى موسى عليه السلام في السماء السابعة قال: بتفضيل كلام الله، قال: ثم علا به فوق ذلك ما لا يعلمه إلا الله، فقال موسى: لم أظن أن يرفع عليّ أحد.
وفي حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنهم خرجه البزار في ذكر تعليمه عليه الصلاة والسلام الأذان وخروج الملك فقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: يا جبريل! من هذا؟ قال: والذي بعثك بالحق! إني لأقرب الخلق مكانًا، وإن هذا الملك ما رأيته قط منذ خلقت قبل ساعتي هذه.
وفيه: ثم أخذ الملك بيد محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقدمه، فأم بأهل السماء فيهم آدم ونوح، وفي هذا الحديث قال أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين راويه: فيومئذ أكمل الله لمحمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم وشرف وكرم وبجل وعظم الشرف على أهل السماوات والأرض؛ قال ابن الزبير: وقد حصل منه تفضيله صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وشرف وكرم وبجل وعظم دائمًا أبدًا- بالإسراء وخصوصه بذلك، ثم قد انطوت السورة على ذكر المقام المحمود، وهو مقامه في الشفاعة الكبرى، وذلك مما خص به حسبما ثبت في الصحيح وانعقد عليه إجماع أهل السنة، ولا أعلم في الكتاب العزيز سورة تضمنت من خصائصه صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وشرف وكرم وبجل وعظم دائمًا أبدًا- الذي فضل به كافة الأنبياء عليهم أفضل الصلاة والسلام مثل ما تضمنت هذه والحمد لله- انتهى. اهـ.

.القراءات والوقوف:

قال النيسابوري:

.القراءات:

{يتخذوا} بياء الغيبة. أبو عمرو وعباس مخيرًا. الباقون بتاء الخطاب {أساتم} بالمد: أبو عمرو ويزيد الأصبهاني عن ورش والأعشى وحمزة في الوقف. {ليسوء} بياء الغيبة على التوحيد: ابن عامر وحمزة وأبو بكر وحماد و{لنسوء} بالنون: علي. الباقون: {ليسؤوا} على الجمع {ويبشر} مخففًا: حمزة وعلي. {ويخرج} بالياء مجهولًا: يزيد {ويخرج} لازمًا: يعقوب الآخرون بالنون متعديًا {تلقاه} مشددًا: ابن عامر ويزيد، وروى النقاش عن ابن ذكوان بالإمالة. الباقون مخففة، وقرأ حمزة وعلي وخلف بالإمالة {قرأ كتابك} بغيرهم: الأعشى وأوقية وحمزة في الوقف: {أمرنا} من باب المفاعلة: يعقوب.

.الوقوف:

{آياتنا} ط {البصير} {وكيلًا} ط لمن قرأ {تتخذوا} بتاء الخطاب لإمكان أن يجعل {ذرية} منادى {نوح} ط {شكورًا} {كبيرًا} {الديار} ط {مفعولًا} {نفيرًا} {فلها} ط لأن ما بعد عائد إلى قوله: {فإذا جاء وعد أولادهما} مع اعتراض العوارض {تتبيرًا} {يرحمكم} للابتداء بالشرط مع العطف {عدنا} حذرًا من توهم العطف {حصيرًا} {كبيرًا} لا للعطف {أليما} {بالخير} ط {عجولًا} {والحساب}، ط {تفصيلًا} {عنقه} ط {منشورًا} {كتابك} ط {حسيبًا} ط للابتداء بعد بالشرط {لنفسه} ج للشرط مع العطف {عليها} ط {أخرى} ط {رسولًا} {تدميرًا} {نوح} ط {بصيرًا} {جهنم} ج لاحتمال ما بعده الحال والاستئناف {مدحورًا} {مشكورًا} {عطاء ربك} ط {محظورًا} {بعض} ط {تفصيلًا}. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَا الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1)}.
سورة بني إسرائيل عددها: مائة آية وعشر آيات.
عن ابن عباس أنها مكية، غير قوله: {وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأرض} [الإسراء: 71]. إلى قوله: {واجعل لّى مِن لَّدُنْكَ سلطانا نَّصِيرًا} [الإسراء: 80]. فإنها مدنيات، نزلت حين جاء وفد ثقيف.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ:
{سُبْحَانَ الذي أسرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مّنَ المسجد الحرام إلى المسجد الأقصا الذي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ ءاياتنا إِنَّهُ هُوَ السميع البصير}.
في الآية مسائل:
المسألة الأولى:
قال النحويون: {سُبْحَانَ} اسم علم للتسبيح يقال: سبحت الله تسبيحًا وسبحانًا، فالتسبيح هو المصدر، وسبحان اسم علم للتسبيح كقولك: كفرت اليمين تكفيرًا وكفرانًا وتفسيره تنزيه الله تعالى من كل سوء.
قال صاحب النظم: السبح في اللغة التباعد، يدل عليه قوله تعالى: {إِنَّ لَكَ في النهار سَبْحًَا} [المزمل: 7]. أي تباعدًا فمعنى: سبح الله تعالى، أي بعده ونزهه عما لا ينبغي وتمام المباحث العقلية في لفظ التسبيح قد ذكرناها في أول سورة الحديد، وقد جاء في لفظ التسبيح معان آخرى: أحدها: أن التسبيح يذكر بمعنى الصلاة، ومنه قوله تعالى: {فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ المسبحين} [الصافات: 143]. أي من المصلين، والسبحة الصلاة النافلة، وإنما قيل للمصلي مسبح، لأنه معظم لله بالصلاة ومنزه له عما لا ينبغي.
وثانيها: ورد التسبيح بمعنى الاستثناء في قوله تعالى: {قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ لَوْلاَ تُسَبّحُونَ} [القلم: 28]. أي تستثنون وتأويله أيضًا يعود إلى تعظيم الله تعالى في الاستثناء بمشيئته.
وثالثها: جاء في الحديث: «لأحرقت سبحات وجهه ما أدركت من شيء» قيل معناه نور وجهه، وقيل: سبحات وجهه، نور وجهه الذي إذا رآه الرائي قال: سبحان الله، وقوله: {أسرى} قال أهل اللغة: أسرى وسرى لغتان: وقوله: {بِعَبْدِهِ} أجمع المفسرون على أن المراد محمد عليه الصلاة والسلام، وسمعت الشيخ الإمام الوالد عمر بن الحسين رحمه الله قال: سمعت الشيخ الإمام أبا القاسم سليمان الأنصاري قال: لما وصل محمد صلوات الله عليه إلى الدرجات العالية والمراتب الرفيعة في العارج أوحى الله تعالى إليه: يا محمد بم أشرفك؟ قال: {رب بأن تنسبني إلى نفسك بالعبودية} فأنزل الله فيه: {سُبْحَانَ الذي أسرى بِعَبْدِهِ} وقوله: {لَيْلًا} نصب على الظرف.
فإن قيل: الإسراء لا يكون إلا بالليل فما معنى ذكر الليل؟
قلنا: أراد بقوله: {لَيْلًا} بلفظ التنكير تقليل مدة الإسراء وأنه أسرى به في بعض الليل من مكة إلى الشام مسيرة أربعين ليلة، وذلك أن التنكير فيه قد دل على معنى البعضية، واختلفوا في ذلك الليل قال مقاتل: كان ذلك الليل قبل الهجرة بسنة، ونقل صاحب الكشاف عن أنس والحسن أنه كان ذلك قبل البعثة.
وقوله: {مّنَ المسجد الحرام} اختلفوا في المكان الذي أسرى به منه، فقيل هو المسجد الحرام بعينه وهو الذي يدل عليه ظاهر لفظ القرآن، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «بينا أنا في المسجد الحرام في الحجر عند البيت بين النائم واليقظان إذ أتاني جبريل بالبراق» وقيل أسري به من دار أم هانيء بنت أبي طالب.
والمراد على هذا القول بالمسجد الحرام الحرم لإحاطته بالمسجد والتباسه به، وعن ابن عباس الحرم كله مسجد، وهذا قول الأكثرين وقوله: {إلى المسجد الأقصا} اتفقوا على أن المراد منه بيت المقدس وسمي بالأقصى لبعد المسافة بينه وبين المسجد الحرام وقوله: {الذى بَارَكْنَا حَوْلَهُ} قيل بالثمار والأزهار، وقيل بسبب أنه مقر الأنبياء ومهبط الملائكة.
واعلم أن كلمة {إلى} لانتهاء الغاية فمدلول قوله: {إلى المسجد الأقصى} أنه وصل إلى حد ذلك المسجد فأما أنه دخل ذلك المسجد أم لا فليس في اللفظ دلالة عليه، وقوله: {لِنُرِيَهُ مِنْ ءاياتنا} يعني ما رأى في تلك الليلة من العجائب والآيات التي تدل على قدرة الله تعالى.
فإن قالوا: قوله: {لِنُرِيَهُ مِنْ ءاياتنا} يدل على أنه تعالى ما أراه إلا بعض الآيات، لأن كلمة {مِنْ} تفيد التبعيض، وقال في حق إبراهيم: {وَكَذَلِكَ نُرِى إبراهيم مَلَكُوتَ السموات والأرض} [الأنعام: 75]. فيلزم أن يكون معراج إبراهيم عليه السلام أفضل من معراج محمد صلى الله عليه وسلم.
قلنا: الذي رآه إبراهيم ملكوت السموات والأرض، والذي رآه محمد صلى الله عليه وسلم بعض آيات الله تعالى، ولا شك أن آيات الله أفضل.
ثم قال: {إِنَّهُ هُوَ السميع العليم} أي أن الذي أسرى بعبده هو السميع لأقوال محمد، البصير بأفعاله، العالم بكونها مهذبة خالصة عن شوائب الرياء، مقرونة بالصدق والصفاء، فلهذا السبب خصه الله تعالى بهذه الكرامات، وقيل: المراد سميع لما يقولون للرسول في هذا الأمر، بصير بما يعملون في هذه الواقعة.
المسألة الثانية:
اختلف في كيفية ذلك الإسراء فالأكثرون من طوائف المسلمين اتفقوا على أنه أسرى بجسد رسول الله صلى الله عليه وسلم، والأقلون قالوا: إنه ما أسري إلا بروحه حكي عن محمد بن جرير الطبري في تفسيره عن حذيفة أنه قال ذلك رؤيا.
وأنه ما فقد جسد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما أسري بروحه، وحكي هذا القول أيضًا عن عائشة رضي الله عنها، وعن معاوية رضي الله عنه.