فصل: تحقيق ما قيل في الإسراء والمعراج:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.تحقيق ما قيل في الإسراء والمعراج:

اعلم أن هاهنا أمرين:
(1) إسراء النبي صلى اللّه عليه وسلّم من المسجد الحرام إلى بيت المقدس، وهذا هو الذي ذكر في هذه السورة.
(2) العروج به والصعود إلى السماء الدنيا ثم إلى مستوى سمع فيه صريف الأقلام بعد وصوله إلى بيت المقدس، ولم يذكر ذلك هنا، وسيأتى بيانه في سورة النجم ونفصل فيه القول تفصيلا إن شاء اللّه.

.آراء العلماء في الإسراء:

وهاهنا أمور- مكان الإسراء- زمانه- هل كان الإسراء بالروح والجسد أو بالروح فحسب؟:
(1) يرى جمع من العلماء أن الإسراء كان من المسجد الحرام- وقيل أسرى به من دار أم هانئ بنت أبى طالب.
(2) أما زمانه فقد كان ليلة سبع عشرة من شهر ربيع الأول قبل الهجرة بسنة، وعن أنس والحسن البصري أنه كان قبل مبعثه صلى اللّه عليه وسلّم.
(3) أكثر العلماء على أن الإسراء كان بالروح والبدن يقظة لا مناما، ولهم على ذلك أدلة:
(أ) إن التسبيح والتعجب في قوله: سبحان الذي أسرى بعبده- إنما يكون في الأمور العظام- ولو كان ذلك مناما لم يكن فيه كبير شأن ولم يكن مستعظما.
(ب) إنه لو كان مناما ما كانت قريش تبادر إلى تكذيبه، ولما ارتد جماعة ممن كانوا قد أسلموا، ولما قالت أم هانئ لا تحدّث الناس فيكذبوك، ولما فضّل أبو بكر بالتصديق، وجاء في الحديث عن أبى هريرة أنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلّم: «لقد رأيتنى في الحجر وقريش تسألنى عن مسراى، فسألتنى عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها لم أعرفها حق المعرفة فكربت كربا ما كربت مثله قط، فرفعه اللّه لى أنظر إليه، فما سألونى عن شىء إلا أنبأتهم به» الحديث.
(ج) إن قوله: {بعبده} يدل على مجموع الروح والجسد.
(د) إن ابن عباس قال في قوله: «وما جعلنا الرّؤيا الّتى أريناك إلّا فتنة للنّاس» هي رؤيا عين أريها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلّم ليلة أسرى به، ويؤيده أن العرب قد تستعمل الرؤيا في المشاهدة الحسية ألا ترى إلى قول الراعي يصف صائدا:
وكبّر للرؤيا وهشّ فواده ** وبشّر قلبا كان جمّا بلابله

(هـ) إن الحركة بهذه السرعة ممكنة في نفسها، فقد جاء في القرآن أن الرياح كانت تسير بسليمان عليه السلام إلى المواضع البعيدة في الأوقات القليلة، فقد قال تعالى: في صفة سير سليمان عليه السلام: {غدوّها شهر ورواحها شهر} وجاء فيه أن الذي عنده علم من الكتاب أحضر عرش بلقيس من أقصى اليمن إلى أقصى الشام في مقدار لمح البصر كما قال تعالى: {قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتدّ إليك طرفك} وإذا جاز هذا لدى طائفة من الناس جاز لدى جميعهم.
ويرى آخرون أن الإسراء كان بالروح فحسب، ولهم على ذلك حجج:
(أ) إن معاوية بن أبى سفيان كان إذا سئل عن سرى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: كان رؤيا من اللّه صادقة، وقد ضعّف هذا بأن معاوية يومئذ كان من المشركين فلا يقبل خبره في مثل هذا.
(ب) إن بعض آل أبى بكر قال: كانت عائشة تقول ما فقد جسد ورسول اللّه صلى اللّه عليه وسلّم، ولكن أسرى بروحه، ونقدوا هذا بأن عائشة يومئذ كانت صغيرة ولم تكن زوجا لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلّم.
(ج) إن الحسن قال في قوله: {وما جعلنا الرؤيا} الآية إنها رؤيا منام رآها والرؤيا تختص بالنوم.
قال أبو جعفر الطبري: الصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إن اللّه أسرى بعبده محمد صلى اللّه عليه وسلّم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى كما أخبر اللّه عباده، وكما تظاهرت به الأخبار عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلّم أن اللّه حمله على البراق حتى أتاه به وصلى هناك بمن صلى من الأنبياء والرسل فأراه ما أراه من الآيات، ولا معنى لقول من قال أسرى بروحه دون جسده، لأن ذلك لو كان كذلك لم يكن في ذلك ما يوجب أن يكون دليلا على نبوته، ولا حجة له على رسالته، ولا كان الذين أنكروا حقيقة ذلك من أهل الشرك كانوا يدفعون به عن صدقه فيه، إذ لم يكن منكرا عندهم ولا عند أحد من ذوى الفطرة الصحيحة من بنى آدم أن يرى الرائي منهم في المنام ما على مسيرة سنة، فكيف ما هو مسيرة شهر أو أقل- وبعد فإن اللّه إنما أخبر في كتابه أنه أسرى بعبده، ولم يخبرنا بأنه أسرى بروح عبده، وليس جائزا لأحد أن يتعدى ما قال اللّه إلى غيره- إلى أن الأدلة الواضحة، والأخبار المتتابعة، عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلّم أن اللّه أسرى به على دابة يقال لها البراق، ولو كان الإسراء بروحه لم تكن الروح محمولة على البراق، إذ كانت الدواب لا تحمل إلا الأجساد اهـ.
والخلاصة- إن الذي عليه المعوّل عند جمهرة المسلمين أنه أسرى به عليه السلام يقظة لا مناما من مكة إلى بيت المقدس راكبا البراق، فلما انتهى إلى باب المسجد ربط الدابة عند الباب، ودخله يصلى في قبلته تحية المسجد ركعتين، ثم ركب البراق وعاد إلى مكة بغلس.

.إلمامة في المعراج:

يرى بعض العلماء أن عروج النبي صلى اللّه عليه وسلّم إلى السموات السبع كان بجسده وروحه يقظة لا مناما لدليلين:
(أ) آية الإسراء إذ صرح فيها بأنه أسرى بعبده، والعبد مجموع الروح والجسد، فوجب أن يكون الإسراء حاصلا بهما.
(ب) الحديث المروي في الكتب الصحاح كالبخارى ومسلم وغيرهما، وهو يدل على أن الذهاب من مكة إلى بيت المقدس ثم منه إلى السموات العلى ثم إلى مستوى سمع فيه صريف الأقلام.
وأنكره آخرون وأثبت وا أن المعراج كان بالروح فحسب لوجوه:
(1) إن الحركة البالغة في السرعة إلى هذا الحد غير معقوله.
(2) إنه لو صح ذلك لكان أعظم المعجزات وكان يجب أن يظهر حين اجتماع الناس حتى يستدلّ به على صدقه في ادعاء النبوة، فأما أن يحصل ذلك في وقت لا يراه فيه أحد، ولا يشاهده فيه مشاهد، فإن ذلك عبث لا يليق بحكمة الحكيم.
(3) إن الصعود بالجسم إلى العالم العلوي فوق طبقات معينة مستحيل، لأن الهواء معدوم، فلا يمكن أن يعيش فيه الجسم الحي أو يتنفس فيه.
(4) إن حديث المعراج اشتمل على أشياء في غاية البعد:
(أ) شق بطنه وتطهيره بماء زمزم، والذي يغسل بالماء هو النجاسات العينية، ولا تأثير لذلك في تطهير القلب من العقائد الزائفة، والأخلاق المذمومة.
(ب) ركوب البراق ولا حاجة له بذلك لأن العالم العلوي في غنى عن ذلك.
(ج) إنه تعالى أوجب خمسين صلاة، ولم يزل محمد صلى اللّه عليه وسلّم يتردد بين اللّه وموسى إلى أن عاد الخمسون إلى خمس بسبب شفقة موسى عليه السلام- وهذا غير جائز كما قال القاضي أبو بكر الباقلاني لأنه يقتضى نسخ الحكم قبل العمل به، وهذا بداء محال على اللّه.
(د) لم يقل أحد من المسلمين بأن الأنبياء أحياء بأجسادهم في العالم العلوي، وإنما الحياة هناك حياة روحية لا جسمانية، والتخاطب والكلام معهم والصلاة بهم من الأمور الروحية لا الجسمية، إذ لا يعقل غير هذا- وبهذا يثبت المعراج الرّوحى لا الجسماني.
ويمكن أن يجيب الأولون عن الاستبعادات العقلية بأن هذه معجزة، واللّه تعالى قادر على خرق سننه بسنة أخرى، ككل معجزات الأنبياء، من انقلاب العصا حية ثم عودتها في مدة قصيرة عصا صغيرة كما كانت.
ويبقى أمر الحديث، واشتماله على أمور غريبة، لا حاجة إليها في تصديق النبوة، والمحاورة في فرض الصلوات وانتقالها من خمسين إلى خمس مما يستدعى رد الحديث وعدم النظر إليه لاضطراب متنه كما قال القاضي أبو بكر الباقلاني وإن صححه رواة الحديث باعتبار سنده.

.عظة وذكرى:

إنا لنقف قليلا لدى هذين الحادثين الجليلين لنستخلص منهما أمورا هي الغاية في العظة والاعتبار:
(1) إن هاتين الرحلتين الرحلة الأرضية الإسراء والرجلة السماوية المعراج حدثتا في ليلة واحدة قبل الهجرة بسنة، ليمحّص اللّه المؤمنين، ويبين منهم صادق الإيمان ومن في قلبه منهم مرض، فيكون الأول خليقا بصحبة رسوله الأعظم إلى دار الهجرة والانضواء تحت لوائه، وجديرا بما يحتمله من أعباء عظام، وتكاليف شاقة، من حروب دينية، وقيام بدعوة عظيمة تستتبع همة قعساء، وإنشاء دولة تبتلع المعمور في ذلك الحين شرقا وغربا.
(2) إن اللّه أطلع رسوله على ما في هذا الكون أرضيّه وسماويّه من العظمة والجلال، ليكون ذلك درسا عمليا لتعليم رسوله بالمشاهدة والنظر، فإن التعليم بالمشاهدة أجدى أنواع التعليم، فهو وإن لم يذهب إلى مدرسة، أو يجلس إلى معلم، أو يسح في أرجاء المعمورة، أو يصعد بالآلات العلمية إلى السماء- فقد كفل له ربه ذلك بما أراه من آياته الكبرى وما أطلعه عليه من مشاهدة تلك العوالم التي لا تصل أذهاننا إلى إدراك كنهما إلا بضرب من التخيل والتوهم، فأنّى لنا أن نصل إلى ذلك وقد حبس عنا الكثير من العلم ولم نؤت إلا قليله «وما أوتيتم من العلم إلّا قليلا».
(3) إن ما يجدّ كل يوم من ضروب المخترعات، والتوسل بها إلى طى المسافات، بوسائل الطيارات، وقطع المحيطات في قليل الساعات، من قارة إلى قارة، ومن قطر إلى قطر، ليجعلنا نعتقد أن ما جاء في وصف هاتين الرحلتين من الأمور الميسورة التي ليست بالعزيزة الحصول أو الأمور المستحيلة.
(4) إن روحانية الأنبياء تتغلب على كثافة أجسامهم، فما يخيّل إلينا من العوائق العملية، من صعوبة الوصول إلى الملأ الأعلى، لتخلخل الهواء، واستحالة الوصول إلى الطبقات العليا من السماء، فهو إنما يكون بالنظر إلى الأجرام والأجساد المشاهدة في عالم الحس، وإن لروحانية الأنبياء والملائكة أحكاما لم يصل العقل البشرى إلى تحديدها وإبداء الرأى فيها، وإنها لفوق مستوى إدراكه، فأجدر بنا ألا نطيل البحث فيها ولا التعمق في استقصاء آثارها.
(5) إن ما جاء في الحديث من أن الرسول صلى اللّه عليه وسلّم صلى إماما بالأنبياء في عالم السموات ليرشد إلى أن محمدا صلى اللّه عليه وسلّم جاء بشريعة ختمت الشرائع السالفة كلها، وأئمتها ومن أوتوها ألقوا الزعامة إليه، وصاروا مؤتمين به.
(6) إن في هذا مغزى جديرا بطويل التأمل والتفكير، وهو أن جميع الأنبياء كانوا في وفاق ووثام في الملكوت الأعلى بالقرب من ربهم الذي أرسلهم- أفلا يجدر بمتبعيهم أن يقتفوا سنة رسلهم، وأن يجعلوا أمرهم بينهم سلما لا حربا، وأن يجعلوا الشريعة الأخيرة، والقانون الذي جاءت، به هو الشريعة التي يقضى بها بين الناس، كما هو المتبع في القوانين الوضعية، فإن الذي يجب العمل به هو القانون الأخير، وهو يلغى جميع ما سبقه. اهـ.

.قال عبد الكريم الخطيب:

سورة الإسراء:
نزولها: نزلت قبل الهجرة بنحو عام، فهي مكية.، وقيل إن فيها بضع آيات نزلت بالمدينة، منها قوله تعالى: {وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ}.
إلى قوله تعالى: {وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ}، ومنها آية:
{أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ}، وآية: {وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ} ويقول الفيروزآبادي في كتابه بصائر ذوى التمييز: إن السورة مكية باتفاق!! عدد آياتها: مائة وإحدى عشرة آية..
عدد كلماتها: ألف وخمسمائة وثلاث وستون كلمة..
عدد حروفها: ستة آلاف وأربعمائة وستون حرفا..
ما يقال في تسمية السورة:
الرأى على أنها سميت الإسراء.. لأنها بدأت بالإسراء، ولأن الإسراء أعظم حدث في حياة النبىّ، بل وفى حياة البشرية كلها.. فلم يقع هذا الحدث في الحياة البشرية، إلا تلك المرّة.. فكان بذلك أعظم معلم من معالم تلك السورة، وحقّ له أن يكون وحده دون غيره، عنوانا لها.
هذا، والبيضاوي في تفسيره، يسمّى هذه السورة سورة: أسرى جاعلا فعل الإسراء {أسرى} هو العنوان للسورة، دون تغيير فيه..
ومن أعجب الأعاجيب هنا، أن نجد لهذه السورة اسما، يجعله المفسّرون من بعض أسمائها، على ما جرت به عادتهم من تكثير الآراء وحشدها، للأمر الواحد.. فجعلوا من أسماء هذه السورة، اسم: «بني إسرائيل»..
وواضح أن هذا الاسم دخيل منتحل، تسلّل إلى المفسّرين وأصحاب السّير، فيما تسلّل من الإسرائيليات، التي دسّها اليهود على هؤلاء العلماء، فقبلوها منهم بحسن نيّة..
ولو كان لبني إسرائيل أن تكون لهم سورة باسمهم في القرآن الكريم، لكانت سورة البقرة- مثلا- أولى من الإسراء في هذا المقام، إذ كانت البقرة تحوى من أخبار بني إسرائيل، أكثر مما تحويه سورة الإسراء، ومع هذا فقد أخذت السورة اسم البقرة، وهى بقرة بني إسرائيل، ولم تأخذ اسمهم! الأمر الذي يحمل على القول بأنه مستبعد أصلا أن يكون لبني إسرائيل سورة باسمهم في كتاب اللّه، وإن كان لأبى لهب سورة باسمه! ومن جهة أخرى، فإنا نرى سورا في القرآن، فيها حديث مستفيض عن بني إسرائيل، كسورة الأعراف، وسورة طه، مثلا، ومع هذا فلم تسمّ أي منهما سورة بني إسرائيل!! فلما ذا كانت سورة الإسراء بالذات، هي التي يدخل عليها هذا الاسم، وينازعها شرف هذه التسمية التي سميت بها تلك السورة؟