فصل: قال الشعراوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال القرطبي: {وكيلًا} أي شريكًا. عن مجاهد، وقيل: كفيلًا بامورهم. حكاه الفراء، وقيل: ربًّا يتوكلون عليه في أمورهم. قاله الكلبي، وقال الفراء: كافيًا. اهـ والمعاني متقاربة، ومرجعها إلى شيء واحد، وهو أن الوكيل: من يتوكل عليه. فتفوض الأمور إليه، ليأتي بالخير، ويدفع الشر، وهذا لا يصح إلا لله وحده جل وعلا، ولهذا حذر من اتخاذ وكيل دونه. لأنه لا نافع ولا ضار، ولا كافي إلا هو وحده جل وعلا.. عليه توكلنا، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
{ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا (3)}
ذكر جلَّ وعلا في هذه الآية الكريمة من حملهم مع نوح تنبيهًا على النعمو التي نجاهم به من الغرق. ليكون في ذلك تهييج لذرياتهم على طاعة الله. أي من حملنا مع نوح، فنجيناهم من الغرق، تشبهوا بأبيكم، فاشكروا نعمنا، وأشار إلى هذا المعنى في قوله: {أولئك الذين أَنْعَمَ الله عَلَيْهِم مِّنَ النبيين مِن ذُرِّيَّةِ ءادَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ} [مريم: 58]. الآية.
وبين في مواضع أخر الذن حملهم مع نوح من هم؟ وبين الشيء الذي حملهم فيه، وبين من بقي له نسل، وعقب منهم، ومن انقطع ولم يبق له نسل ولا عقب.
فبين أن الذين حملهم مع نوح: هم أهله ومن آمن معه من قولمه في قوله: {قُلْنَا احمل فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثنين وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ القول وَمَنْ آمَنَ} [هود: 40].
وبين أن الذين آمنوا من قومه قليل بقوله: {وما آمن معه إلا قليل}.
وبين أن ممن سبق عليه القول من أهله بالشقاء امرأته وابنه. قال في امرأته: {ضَرَبَ الله مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ امرأة نُوحٍ} [التحريم: 10]. إلى قوله: {ادخلا النار مَعَ الداخلين} [التحريم: 10]، وقال في ابنه: {وَحَالَ بَيْنَهُمَا الموج فَكَانَ مِنَ المغرقين} [هود: 43]، وقال فيه أيضًا: {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} [هود: 46]. الآية، وقوله: {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} أي الموعود بنجاتهم في قوله: {فاسلك فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثنين وَأَهْلَكَ} [المؤمنون: 27]. الآية، ونحوها من الآيات.
وبين أن الذي حملهم فيه هو السفينة في قوله: {قُلْنَا احمل} [هود: 40]. الآية. أي السّفينة، وقوله: {فاسلك فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ} الآية. أي أدخل فيها- أي السفينة- {مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثنين وَأَهْلَك}.
وبين أن ذرية من حمل مع نوح لم بيق منها إلا ذرية نوح في قوله: {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الباقين} [الصافات: 77]، وكان نوح يحمد الله على طعامه وشرابه، ولباسه وشأنه كله. فسّماه الله عبدًا شكورًا.
وأظهر أوجه الإعراب في قوله: {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا} [الإسراء: 3].- أن منادى بحرف محذوف. اهـ.

.قال الشعراوي:

قوله: {وَآتَيْنَآ} أي: أوحينا إليه معانيه، كما قال تعالى:{وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْيًا أَوْ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَآءُ} [الشورى: 51].
فليس في هذا الأمر مباشرة.
والكتاب هو التوراة، فلو اقترن بعيسى فهو الإنجيل، وإنْ أُطلِق دون أن يقترنَ بأحد ينصرف إلى القرآن الكريم.
والوَحْي قد يكون بمعاني الأشياء، ثم يُعبّر عنها الرسول بألفاظه، أو يعبر عنها رجاله وحواريوه بألفاظهم.
ومثال ذلك: الحديث النبوي الشريف، فالمعنى فيه من الحق سبحانه، واللفظ من عند الرسول صلى الله عليه وسلم، وهكذا كان الأمر في التوراة والإنجيل.
فإن قال قائل: ولماذا نزل القرآن بلفظه ومعناه، في حين نزلت التوراة والإنجيل بالمعنى فقط؟
نقول: لأن القرآن نزل كتاب منهج مثل التوراة والإنجيل، ولكنه نزل أيضًا كتاب معجزة لا يستطيع أحد أنْ يأتيَ بمثله، فلا دَخْلَ لأحد فيه، ولابد أنْ يظلَّ لفظه كما نزل من عند الله سبحانه وتعالى.
فالرسول صلى الله عليه وسلم أُوحِيَ إليه لَفْظُ ومعنى القرآن الكريم، وأُوحِي إليه معنى الحديث النبوي الشريف.
والحق سبحانه يقول: {وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إسرائيل} [الإسراء: 2].
فهذا الكتاب لم ينزل لموسى وحده، بل لِيُبلِّغه لبني إسرائيل، وليرسمَ لهم طريق الهدى الله سبحانه، وقال تعالى في آية أخرى:{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلاَ تَكُن فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَآئِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إسرائيل} [السجدة: 23].
والهُدَى: هو الطريق الموصّل للغاية من أقصر وجه، وبأقلّ تكلفة، وهو الطريق المستقيم، ومعلوم عند أهل الهندسة أن الخط المستقيم هو أقصر مسافة بين نقطتين.
ثم أوضح الحق سبحانه وتعالى خلاصة هذا الكتاب، وخلاصة هذا الهُدى لبني إسرائيل في قوله تعالى: {أَلاَّ تَتَّخِذُواْ مِن دُونِي وَكِيلًا} [الإسراء: 2].
ففي هذه العبارة خلاصة الهُدى، وتركيز المنهج وجِمَاعه.
والوكيل: هو الذي يتولَّى أمرك، وأنت لا تُولِّي أحدًا أمرك إلا إذا كنتَ عاجزًا عن القيام به، وكان مَنْ تُوكِّله أحكمَ منك وأقوى، فإذا كنت ترى الأغيار تنتاب الناس من حولك وتستولي عليهم، فالغني يصير فقيرًا، والقوي يصير ضعيفًا، والصحيح يصير سقيمًا.
وكذلك ترى الموت يتناول الناس واحدًا تِلْو الآخر، فاعلم أن هؤلاء لا يصلحون لِتولِّي أمرك والقيام بشأنك، فربما وَكَّلْتَ واحدًا منهم ففاجأك خبر موته.
إذن: إذا كنتَ لبيبًا فوكِّل مَنْ لا تنتابه الأغيار، ولا يدركه الموت؛ ولذلك فالحق سبحانه حينما يُعلمنا أن نكون على وعي وإدراك لحقائق الأمور، يقول:{وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لاَ يَمُوتُ} [الفرقان: 58].
وما دام الأمر كذلك، فإياك أنْ تتخذَ من دون الله وكيلًا، حتى لو كان هذا الوكيل هو الواسطة بينك وبين ربك كالأنبياء؛ لأنهم لا يأتون بشيء من عند أنفسهم، بل يناولونك ويُبلِّغونك عن الله سبحانه.
ولذلك الحق سبحانه يقول:{وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} [الإسراء: 86].
ولو شئنا ما أوحينا إليك أبدًا، فمن أين تأتي بالمنهج إذن؟
وقد تحدث العلماء طويلًا في (أن) في قوله: {أَلاَّ تَتَّخِذُواْ مِن دُونِي وَكِيلًا} [الإسراء: 2].
فمنهم مَنْ قال: إنها ناهية، ومنهم من قال: نافية، وأحسن ما يُقال فيها: إنها مُفسّرة لما قبلها من قوله تعالى: {وَآتَيْنَآ مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى..} [الإسراء: 2].
ففسرت الكتاب والهدى ولخَّصتْه، كما في قوله تعالى:{فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ ياآدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لاَّ يَبْلَى} [طه: 120].
فقوله:{قَالَ ياآدَمُ} تُفسّر لنا مضمون وسوسة الشيطان.
ومثله قوله تعالى:{وَأَوْحَيْنَآ إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ} [القصص: 7].
فأنْ هنا مُفسِّرة لما قبلها، وكأن المعنى: وأوحينا إليه ألاَّ تتخذوا من دوني وكيلًا.
أو نقول: إن فيها معنى المصدرية، وأنْ المصدرية قد تُجرّ بحرف جر كما نقول: عجبت أنْ تنجحَ، أي: من أنْ تنجح، ويكون معنى الآية هنا: وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لنبي إسرائيل لأنْ لا تتخذوا من دوني وكيلًا.
ثم يقول الحق سبحانه: {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا}.
{ذرية} منصوبة هنا على الاختصاص لِقصْد المدح، فالمعنى: أخصّكم أنتم يا ذرية نوح، ولكن لماذا ذرية نوح بالذات؟
ذلك لأننا نجَّيْنَا الذين آمنوا معه من الطوفان والغرق، وحافظنا على حياتهم، وأنتم ذريتهم، فلابد لكم أنْ تذكروا هذه النعمة لله تعالى، أن أبقاكم الآن من بقاء آبائكم.
فكأن الحق سبحانه يمتنّ عليهم بأنْ نجَّى آباءهم مع نوح، فليستمعوا إلى منهج الله الذي جَرَّبه آباؤهم، ووجدوا أن مَنْ يؤمن بالله تكون له النجاة والأمن من عذاب الله.
ويقول تعالى: {إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا} [الإسراء: 3].
أي: أن الحق سبحانه أكرم ذريته؛ لأنه كان عبدًا شكورًا، والعمل الصالح ينفع ذرية صاحبه؛ ولذلك سنلاحظ ذرية نوح بعنايتنا، ولن نتركهم يتخبّطون في متاهات الحياة، وسنرسل لهم الهدى الذي يرسم لهم الطريق القويم، ويُجنّبهم الزَّلل والانحراف.
ودائمًا ما ينشغل الآباء بالأبناء، فإذا ما توفّر للإنسان قُوت يومه تطلّع إلى قُوت العام كله، فإذا توفّر له قوت عامه قال: أعمل لأولادي، فترى خير أولاده أكثر من خَيْره، وتراه ينشغل بهم، ويُؤثِرهم على نفسه، ويترقّى في طلب الخير لهم، ويودُّ لو حمل عنهم كل تعب الحياة ومشاقها.
ومع ذلك، فالإنسان عُرْضَة للأغيار، وقد يأتيه أجله فيترك وراءه كل شيء؛ ولذلك فالحق سبحانه يدلّنا على وَجْه الصواب الذي ينفع الأولاد، فيقول تعالى:{وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُواّ اللَّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلًا سَدِيدًا} [النساء: 9].
والحق تبارك وتعالى حينما يُعلّمنا أن تقوى الله تتعدَّى بركتها إلى أولادك من بعدك، يعطينا مثلًا واقعيًا في قصة موسى والخضر عليهما السلام- التي حكاها لنا القرآن الكريم.
والشاهد فيها أنهما حينما مرّا على قرية، واستطعما أهلها فأبَوْا أنْ يُضيّفوهما، وسؤال الطعام يدل على صِدْق الحاجة، فلو طلب منك السائل مالًا فقد تتهمه بكَنْزِه، أما إذا طلب منك رغيفًا يأكله فلا شكّ أنه صادق في سؤاله، فهذا دليل على أنها قرية لِئَام لا يقومون بواجب الضيافة، ولا يُقدِّرون حاجة السائل.
ومن هنا تعجَّبَ موسى- عليه السلام- من مبادرة الخِضْر إلى بناء الجدار الذي أوشك على السقوط دون أنْ يأخذ أَجْره من هؤلاء اللئام:{فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَآ أَتَيَآ أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَآ أَهْلَهَا فَأَبَوْاْ أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا} [الكهف: 77].
وهنا يكشف الخضر لموسى حقيقة الأمر، ويُظهِر له ما أطلعه الله عليه من بواطن الأمور التي لا يدركها موسى عليه السلام، فيقول:{وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلاَمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَآ أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ} [الكهف: 82].
فالجدار مِلْك لغلامين صغيرين لا يقدران على حماية مالهما من هؤلاء اللئام، ولأن أباهما كان صالحًا سخّر الله لهما مَنْ يخدمهما، ويحافظ على مالهما.
إذن: فِعلّة هذا العمل أن أباهما كان صالحًا، فأكرمهم الله من أجله، وجعلهما في حيازته وحفظه.
وهنا قد يسأل سائل: ومن أين للغلامين أن يعلما بأمر هذا الكنز عند بلوغهما؟
والظاهر أن الخضر بما أعطاه الله من الحكمة بنى هذا الجدار بناءً موقوتًا، بحيث ينهدم بعد بلوغ الغلامين، فيكونان قادريْنِ على حمايته والدفاع عنه.
والحق سبحانه وتعالى يوضح لنا هذه القضية في آية أخرى فيقول سبحانه:{وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ} [الطور: 21].
فكرامةً للآباء نلحق بهم الأبناء، حتى وإنْ قَصَّروا في العمل عن آبائهم، فنزيد في أجر الأبناء، ولا ننقص من أجر الآباء.
وقوله: {إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا} [الإسراء: 3].
وشكور صيغة مبالغة في الشكر، فلم يقل شاكر؛ لأن الشاكر الذي يشكر مرة واحدة، أما الشكور فهو الدائب على الشكر المداوم عليه، وقالوا عن نوح عليه السلام: إنه كان لا يتناول شيئًا من مُقوّمات حياته إلا شكر الله عليها، ولا تنعَّم بنعمة من ترف الحياة إلا حمد الله عليها، فإذا أكل قال: الحمد لله الذي أطعمني من غير حول مني ولا قوة، وإذا شرب قال: الحمد لله الذي سقاني من غير حول مني ولا قوة، وهكذا في جميع أمره.
ويقول بعض العارفين: ما أكثر ما غفل الإنسان عن شكر الله على نعمه.
ونرى كثيرًا من الناس قصارى جَهْدهم أن يقولوا: بسم الله في أول الطعام والحمد لله في آخره، ثم هم غافلون عن نعم كثيرة لا تُعَدُّ ولا تُحْصَى، تستوجب الحمد والشكر.
لذلك حينما يعقل الإنسان ويفقه نِعَم الله عليه، ويعلم أن الحمد قَيْد للنعمة، تجده يعمل ما نُسميّه حَمْد القضاء مثل الصلاة القضاء أي: حمد الله على نعم فاتت لم يحمده عليها، فيقول: الحمد لله على كل نعمة أنعمتَها عليَّ يا ربّ، ونسيت أنْ أحمدَك عليها، ويجعل هذا الدعاء دَأَبه وديدنه.
وقد يتعدى حمدَ الله لنفسه، فيحمد الله عن الناس الذين أنعم الله عليهم ولم يحمدوه، فيقول: الحمد لله عن كل ذي نعمة أنعمتَ عليه، ولم يحمدك عليها.
ولذلك يقولون: إن النعمة التي تحمد الله عليها لا تُسأل عنها يوم القيامة؛ لأنك أدَّيْتَ حقها من حَمْد الله والثناء عليه.
والحمد والشكر وإنْ كان شكرًا للمنعم سبحانه وثناء عليه، فهو أيضًا تجارة رابحة للشاكر؛ لأن الحق سبحانه يقول:{لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: 7].
فمَنْ أراد الخير لنفسه وأحب أن نواصل له النعم فليداوم على حمدنا وشكرنا. اهـ.

.قال الشوكاني في الآيات السابقة:

قوله: {سُبْحَانَ الذي أسرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا} هو مصدر سبح، يقال: سبح يسبح تسبيحًا وسبحانًا، مثل كفر اليمين تكفيرًا وكفرانًا، ومعناه التنزيه والبراءة لله من كل نقص.
وقال سيبويه: العامل فيه فعل لا من لفظه، والتقدير: أنزه الله تنزيهًا، فوقع سبحان مكان تنزيهًا، فهو على هذا مثل قعد القرفصاء واشتمل الصماء؛ وقيل: هو علم للتسبيح كعثمان للرجل، وانتصابه بفعل مضمر متروك إظهاره تقديره أسبح الله سبحان، ثم نزل منزلة الفعل وسدّ مسدّه، وقد قدّمنا في قوله: {سبحانك لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا} [البقرة: 32].